بدموع تسبق الكلمات وأنين يمتزج معه الألم والحزن الشديد على فراق فلذة كبدها وهي تحتضن ملابس ابنها الوحيد تصرخ بصوت يكاد أن يسمع من شدة البكاء “كان نفسي أزوجه وأفرح فيه، مين بده يدخل على الدار يقلي وينك يما، إيش أجيبلك يما”، بهذه الكلمات تلفظّت والدة الشهيد خليل حمادة لـ “الأيام نيوز”. فلقد رزقها الله به بعد أكثر من 13 عاما وخمس عمليات زراعة قبل أن تختطفه آلة الحرب الصهيونية وقبل أن يفرح والديه بزفافه.
خليل حمادة (19 عاما) وحيد والديه جاء إلى الدنيا بعد وتعب ومشقة، لم تفرح به والدته التي كانت تبحث له قبل أيام من استشهاده عن عروس ولكن استشهد خليل برفقة سبعة مواطنين جلّهم أطفال في قصف جوي وسط مخيّم جباليا المكتظ بالسكان.
غارة غادرة..
بينما كان خليل برفقة أبناء حارته وأصدقائه يجلسون في الشارع قرب مسجد عماد عقل هربا من الحرّ الشديد وانقطاع الكهرباء، باغتتهم طائرات الاحتلال بصاروخ مزّق أشلاءهم وبدّد أحلامهم، والدة الشهيد خليل تتحدّث وهي ما زالت في صدمة لم تستوعب فقدها لابنها، فتارة تبكي وتارة تصرخ ، كان كل حلمها أن تفرح به وأن تقيم له حفلًا وعرسًا كبيرًا، لكنّ طائرات الاحتلال خطفته بصاروخ غادر زاعمة استهداف بنك أهداف ليتضح فيما بعد أنّ بنك أهداف الاحتلال هم المدنيين.
وتقول: “كنت بدي أجوزه وأعبي الدار ولاد، بدي أعوّض حرماني، يا عمري، كان دايمًا يحكيلي يلا يما جوزيني وأنا أحكيله أصبر”، وأضافت أنّ والده الذي يعمل سائقا قام بتجهيز شقة له لتزويجه والدنيا لم تسعنا من فرحتنا وهو يكبر وينهي دراسته حتى دخوله إلى الجامعة وكنا ننتظر بفارغ الصبر ليتخرّج منها ونزوّجه ونفرح به لكنّه استشهد”.
والله يما ما اشبعت منك ؟
وتتابع متسائلة: “في أيّ قانون تربي ابنك قدام عينك وتستناه سنوات حتى يكبر وتفرح فيه وفي لمح البصر بصير قصف وبستشهد” ؟، وتضيف “كنت أشعر دائمًا بأنّ عمر خليل سيكون قصير، لذلك كنت أدعي في كل صلاة وبأيّ وقت بأن يطيل الله في عمره، وتحتضن ملابس ابنها الشهيد وتأن بكلمات “ما اشبعت منك يما تعال شوية لسة ريحتك بالملابس وتعال أشوفك للمرة الأخيرة”، وتقول “ابني يحب أكلة الملوخية لو يجي أعمله إياها وناكلها على السطح زي ما بحب يقعد دايما “والله يما ما اشبعت منك”.
أما والده الذي يكاد يبكي دما على فراق ابنه الوحيد يقول والدموع تترغرغ في عينيه وبصوت خافت ابني جاء بعد أكثر من 13 سنة زواج وأنظر إليه وهو يكبر أمامي شيئا فشيئا وعام بعد عام وفرحت فرحة كبيرة ولم تتسع الدنيا من فرحتنا وهو يكبر أمام عيوننا حتى دخل الجامعة وكنا نحسب الأيام ليتخرّج منها ونزوّجه ونفرح به لكنّه استشهد”، وطالب أب خليل بمحاسبة الصهاينة ومجرمي الحرب الذين حرموه رؤية ولده مرّة أخرى، واستشهد خليل أبو حمادة في مجزرة جباليا شمال قطاع غزة، عندما استهدفت طائرات الاحتلال سيارة مدنية، في منطقة مكتظة بالسكان استشهد خلالها نحو 7 مواطنين.
فرحة ما قبل الحزن العميق
عاش خليل أبو حمادة بين والديه بفرح وسرور لمدة 19 عامًا، كانت مليئة بالحب والفرح والسرور والأمل بأن يبقى بينهم، ليتزوّج وينجب الأطفال ويملأ بيت والديه بالأطفال؛ لكنّ طائرات الاحتلال “الإسرائيلي” خطفت الشاب أبو حمادة من بين والديه لتقتل الفرحة في صدورهم وتبدّد أحلامهم التي نصبوها لابنهم الوحيد لتتحوّل الفرحة بوجوده بينهم إلى حزن عميق على قلوبهم التي ما تزال تحترق على فقدان فلذة كبدهم، ويقول محمد حمادة أحد أقرباء الشهيد إنّ خليل اشتغل بالنجارة وصناعة الكنب ليساعد والده الذي يعمل سائقاً، معتبرا أنّ استهداف المدنيين والأطفال والعزل هو جريمة نكراء، ويضيف أنّ والدة خليل جاءت إلى بيتنا قبل يومين وسألتني عن عروس لابنها فهي تبحث له منذ فترة تريد الفرح بابنها الوحيد”، لافتا أنّ والديه جهّزا له شقته ولم ينقصه إلاّ العروس.
وتقول خالته “إنّ والدته لا تزال في حالة الصدمة تبكي أحيانا وتصمت أحيانا وهي تنادي على خليل لكي يعود إليها”، وتؤكّد خالته “أنّ لا شيء يمكن أن يعوّض الآن عن ولدها فكيف إذا كان وحيدا، وتتابع “عملت أختي على تربية خليل أفضل تربية وسهرت لأجله الليالي وغمرته وبالحب وبأعظم المشاعر وأكملت دراستها ودرست بكالوريوس التمريض في حين كان زوجها يعمل سائقا بالكاد يستطيع توفير قوت يومه”، لكنّ خليل تركهم وابتعد عن والديه للأبد فوجوده بينهم أصبح ذكرى، ويعد مخيّم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة الذي يقطن فيه الشهيد من أكبر مخيّمات القطاع كثافة سكانية، حيث يقطنه أكثر من 100 ألف لاجئ في ظروف إنسانية ومعيشية صعبة للغاية، وتعرّض قطاع غزة منذ ثلاثة أيام لعدوان “إسرائيلي” شرس أدّى إلى استشهاد 44 مواطناً وجرح أكثر من 360 بينهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى تدمير مئات المنازل والوحدات السكنية.