أزمة سكن قاتلة.. خناق داخل غزّة وحصار حولها

تُهدّد أزمة السكن استمرار الحياة بشكلها الطبيعي في قطاع غزة الفلسطيني الذي يعيش فيه أزيد من مليونين و200 ألف نسمة تقريباً، داخل مساحة أرض لا تزيد على 365 كيلومتراً مربعاً، حيث تسجل الكثافة السكانية أرقاما قياسية ضمن رقعة مكانية ـ خاضعة لحصار صهيوني مشدّد ـ تتآكل مساحاتها الزراعية ويزيد الزحف العمراني الخناق عليها، ناهيك عن الفقر المدقع وأوضاع المعيشية المُتردية للغاية.

وتُشكّل هذه الحالة المختلّة كابوسا للفلسطينيين، بسبب غياب التوازن بين مستوى الكثافة السكانية مقابل صغر المكان بالقطاع الذي يظهر في الخريطة على شكل شريط ضيق في المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط، ما ينذر بمستقبل مجهول لسكان غزة “إذا لم يتم تنفيذ حلول عملية لهذا الوضع الكارثي الذي يعانيه القطاع”، وفْق التحذير الذي أطلقه أستاذ التخطيط العمراني بقسم الجغرافيا في الجامعة الإسلامية بغزة الدكتور رائد صالحة.

وأكد صالحة الذي تحدث لـ(الأيام نيوز) ـ حول تأثيرات هذه الأزمة السكانية في القطاع ـ أن الكثافة السكانية في غزة من أعلى الكثافات على مستوى العالم حيث يعيش فيها ما يقارب 2 مليون و200 ألف فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 365 كيلو متر مربع.

وحذّر صالحة من أن هناك تمدّدا عمرانيا كبيرا في غزة، يجعل جلّ العائلات الفلسطينية تعاني من أزمة سكن حادة ومتفاقمة بشكل كبير وكارثي بعد أكثر من 15 عاما من الحصار الصهيوني مشيرا إلى أن: “عدد السكان سيكون في زيادة قد تصل إلى 4 مليون نسمة في القطاع”.

وأوضح أستاذ التخطيط العمراني أستاذ التخطيط العمراني أن هذه الإشكالات التي يعيشها قطاع غزة لها آثار كبيرة على كل المستويات البيئية وما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليمية وأيضا على البنية التحتية الكهرباء والمياه والطرق والصرف الصحي والمواصلات، داعيا إلى ضرورة وضع حلول لكل هذه الأزمات التي يعاني منها القطاع.

وأشار إلى أن أزمة السكن تُنهك واقع شريحة الشباب الذي يشكل نسبة 60% من سكان قطاع غزة باعتبارهم ضحايا الفقر والبطالة العالية، ما يتطلّب ـ وفق رؤية المتحدّث ـ تقديم مساهمات عربية ودولية لبناء العديد من المدن السكنية للتخفيف من حدّة معاناة الشباب الفلسطيني.

وعن تصوره للواقع بعد 20 عاما قال صالحة إن “قطاع غزة سيغدو عبارة عن كتلة من الإسمنت حيث ستختفي الأراضي الزراعية وتتفاقم إشكالات القطاع بشكل كبير إضافة للإشكاليات الموجودة.

الموارد البيئية متهالكة

ويبدو قطاع البيئة الأكثر تأثرا بسبب أزمة السكن وهذا ما لاحظه الخبير البيئي “أحمد حلس” الذي أشار إلى أن الكثافة السكانية المرتفعة في غزة ضغطت على الحياة البيئية بشكل مخيف في ظل تهالك الموارد وشحّها جرّاء الحصار الصهيوني وما ترتب عنه من مآسي مسّت كافة القطاعات الحيوية بغزة .

وقال حلس في تصريح لـ(الأيام نيوز) إن أكثر من 16 إلى 17 وحدة سكنية يتمّ بناؤها كل عام في قطاع غزة، وإن الجزء الكبير منها يكون غالبا على حساب الأراضي الزراعية ما يؤدي إلى انكماش مساحة الأراضي الزراعية وبالتالي تهديد مصادر الأمن الغذائي .

وأشار المتحدث إلى أن أكثر من 97% من المياه الجوفية أصبحت غير صالحة للشرب وهذا واحد من عدة قطاعات تأثرت بسبب الازدحام والكثافة السكانية.

وقال الخبير إننا “نعيش وسط مستنقع من الأمراض والأوبئة في محيط من التلوث البيئي يتسبب في ارتفاع أعداد المرضى ومن وراء ذلك تزايد عدد الوفيات بدليل إنه ـ وفق قوله ـ “من 16 ألف حالة سرطان وأمراض أخرى خطيرة في غزة ترتبط بمستويات التلوث الموجود في المياه والتربة وهو انعكاس للازمة الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة”.

 وختم حديثه بالتأكيد على ضرورة توفير موارد بيئية جديدة وإنشاء مرافق لاستيعاب ما ينتج عنها من تلوث، وهو الشيء المفقود حاليا بسبب الهجمات الصهيونية على القطاع والحصار الذي يعرقل كل عمليات التنمية الاستراتيجية التي تحتاج لمعابر مفتوحة وتمويلات كبرى.

الأمن الغذائي وقلة الأراضي الزراعية

وحول تأثير الكثافة السكانية على الأمن الغذائي في غزة أكد المحلل الاقتصادي “محسن أبو رمضان” أن الزحف العمراني الكبير جراء الكثافة السكانية وقلة الأراضي الزراعية تسبّب في أزمة غذائية.

وأشار المحلل إلى أن “الاحتلال الصهيوني يقتطع منطقة زراعية كبيرة تقدر بـ25 ألف دونم ويسميها (منطقة محظورة)”، وأضاف يقول: “قوات الاحتلال تمنع أي تواجد بهذه المناطق الزراعية التي تقع في شرق وشمال قطاع غزة وتحرم المزارعين من الوصول إليها للزراعة أو للبناء”.

وأوضح المتحدّث أنّ أحد المشكلات الرئيسية التي لها علاقة بأزمة الأمن الغذائي في قطاع غزة هي “سيطرة الاحتلال على جزء من الأراضي والكثافة السكانية التي يعيشها السكان”، وما يزيد من شدة هذه الأزمة هو هدم مئات الوحدات السكنية خلال الحروب الصهيونية المتكررة على غزة مع تحكم سلطاته بدخول كميات محدودة من الاسمنت ومواد البناء.

وسام أبو زيد - فلسطين

وسام أبو زيد - فلسطين

وسام أبو زيد مراسل الأيام نيوز وهو صحفي فلسطيني مقيم حاليا في غزة

اقرأ أيضا