صوت الأسير الفلسطيني.. صرخة في وجه الصمت الدولي
في مواجهة آلة القمع الصهيونية، يواصل آلاف الأسرى الفلسطينيين ملحمة صمود لا تلين، متحدّين أساليب الاحتلال الوحشية التي تتراوح بين التعذيب والتنكيل والحرمان الممنهج. هؤلاء الأسرى، الذين خطفهم العدو من ساحات المقاومة والنضال، يقفون اليوم في الخطوط الأمامية لمعركة الإرادة والكرامة، رافضين الخضوع لسجّانيهم رغم محاولات الاحتلال المستمرة لإخماد صوتهم وكسر عزيمتهم.
“الأيام نيوز” تضع بين أيدي قرّائها هذا الملف الخاص، المستند إلى معطيات نادي الأسير الفلسطيني، لتكشف فصولًا جديدة من الانتهاكات الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال بحق الأسرى، في محاولة لترهيب الفلسطينيين وثنيهم عن مواصلة نضالهم المشروع. فمن زنزانات معزولة تغيب فيها شمس الحرية، إلى حملات القمع الجماعية، يواجه الأسرى الفلسطينيون حربًا يومية تفضح الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني كنظام استعماري عنصري، لا يفرّق في جرائمه بين شيخ وطفل، رجل وامرأة، مسلم ومسيحي، ما دام المستهدف فلسطينيًا متشبثًا بحقه في الأرض والحياة.
وعلى خطى الجزائر، التي خاضت أعظم معركة تحرر في التاريخ المعاصر ولا تزال ترفع راية الدفاع عن القضايا العادلة، تواصل “الأيام نيوز” الوقوف إلى جانب الأسرى الفلسطينيين، الذين يخوضون معركة بطولية وراء القضبان، متسلحين بالصبر والثبات، ومدركين أن الاحتلال مهما طغى، لن يتمكن من كسر إرادة الحرية التي تسري في عروق كل فلسطيني.
هذا الملف ليس مجرد كشف للجرائم الصهيونية، بل هو صرخة في وجه الصمت الدولي، ورسالة دعم لمن يخوضون معركة البقاء والكرامة خلف القضبان، وإعلان بأن الأسرى ليسوا وحدهم، فمعركتهم هي معركة فلسطين، ومعركة فلسطين هي معركة الأمة بأسرها.
أسرانا يصدّرون لنا أعظم درس رمضانيّ
يدرك أسرانا أكثر من غيرهم مدى الرعب الذي يقذفه شهر رمضان في قلوب أعدائنا، وقد كانت بداية الحرب المعلنة من جديد على أسرانا يوم تقلّد الأحمق الوزير السابق “بن غفير” منصب وزير الأمن القومي، وكانت أول زيارة له إلى سجن نفحة، حيث أعطى تعليماته بتشديد القبضة على الأسرى وسحب كثير من استحقاقاتهم. ثم إن تصريحات كثيرة صدرت من رموز هذه الحكومة المتطرفة تدعو إلى تجاوز شهر رمضان لما كان له من سوابق أوجعت الاحتلال كثيرًا، ولأنهم يريدون تجنّب ويلات هذا الشهر عليهم. أسرانا يقرؤون المشهد جيّدًا، فقرّروا الاستفادة من بركات رمضان هذه، فتوحّدوا على أن تكون فاتحة رمضان إضرابًا مفتوحًا عن الطعام. هم يهربون من رمضان وأسرانا يستدعونه بكل ما يحمل من روح وقوّة وعنفوان.
شهدنا في اليوم الأول من رمضان أعظم درس رمضاني، كان درسًا عمليًا علّمنا فيه أسرانا أن شهر رمضان يبقى شهر الانتصارات، ليس ماضيًا فحسب، وإنما حاضرًا ومستقبلًا. وعلّمونا أنه شهر الإرادات الحرة القوية العزيزة الكريمة التي لا ترضى بالدنيّة أبدًا. فأن تجمع بين الإضراب والصيام، فهو أمر عظيم يحتاج إلى رجال عظام، أصحاب إرادة لا تلين وعزيمة لا تضعف أبدًا.
علّمونا كيف يكون الانتصار؛ فبوحدتهم، وحسن تخطيطهم، وقوة حشدهم، استطاعوا أن يحقّقوا انتصارًا عزيزًا رغم قلّة حيلتهم وانعدام إمكانات المواجهة سوى أمعائهم الخاوية. بالفعل، صدّروا لنا درسًا عظيمًا مفاده أنّ لدينا القدرة على تحقيق الانتصار، فما علينا إلا أن نجيد استخدام الأوراق التي بأيدينا، وأن نثق بأنفسنا جيّدًا. علينا أن نمضي قدمًا دون تردّد أو شعور بالضعف والهزيمة، وبعد الاستعانة الكاملة بالله على ضعفنا، علينا حشد عناصر قوّتنا وخبرتنا بشكل كامل وبإدارة ناجحة.
علّمونا أن شهر رمضان ليس شهر النوم والعجز والكسل والغرق في الملذّات والمسلسلات، كما يريده الأعداء، وإنما هو شهر القوة والحركة وتحقيق الإنجاز. علّمونا أن شهر رمضان فرصة عظيمة لأن ننتصر على النفس والشيطان والأعداء معًا، وأن ذلك ممكن ويسير لمن أراد أن يتحرّر وسعى لحريته سعيها.
علّمونا بطريقة فذّة كيف تُشنّ الحرب النفسية على الأعداء، وكيف تُكسب المعركة في جولاتها الأولى. علّمونا كيف يكون العمل بفريق واحد؟ كيف ينجح الحوار؟ وما هي آليات العمل المشترك؟ وكيف نتجاوز خلافاتنا أمام خطر داهم؟ وكيف نتّخذ القرارات المصيرية بطريقة جماعية ديمقراطية بعيدًا عن الفردية والنمط الديكتاتوري والاستحواذي السائد في عالمنا العربي اليوم؟
علّمونا كيف نختار زمن المعركة نحن، ونفوّت على عدوّنا هذه الفرصة. لقد انتقلوا بنا من حالة ردود الفعل إلى حالة مسك زمام المبادرة، ودفع الأعداء إلى ردّات الفعل على خطواتنا. وعلّمونا كيف يكون التفاوض مع الأعداء؟ فكما كان القرار ببدء المعركة جماعيًا، كان أيضًا إنهاؤها جماعيًا وبصورة لا تترك مجالًا لأحد أن يخترق أو يخلخل هذه الروح الجماعية الرائعة.
لقد كان درسًا عمليًا بليغًا قويًا بالفعل، أقوى من كل الخطب والدروس التي يشهدها رمضان.
بقلم: غادة أبو معيلق – طالبة أدب إنجليزي وترجمة في الجامعة الإسلامية في غزة.
ظلّ جدي الجريح
لم يكن جدي سعيد يتذكر من طفولته سوى القليل، وأكثره كان الخوف من أحذية الجنود البريطانيين التي كانت تدكّ تراب قريته بئر السبع. كان عمر جدي سبع سنوات فقط حين طردته الميليشيات الصهيونية بالقوة، فحملته والدته عبر مسارات وعرة، هاربةً من أهوال المدفعية الثقيلة والأسلحة، معتقدةً أن لجوءهم إلى غزة لن يدوم سوى بضعة أيام. لكن تلك الخطوات كانت بداية لحياة اللجوء التي امتدت لعقود. فقد أصبحت غزة، التي كانت ملاذهم، مكاناً لمعاناتهم أيضاً.
في غزة، ترعرع جدي على حكايات وطن آخر؛ صور من زمن قديم حُفرت في ذاكرته. تخيّل العودة ذات يوم، ونسج حكايات عن ذلك المكان لأولاده، وسرعان ما أدرك أن الأحلام لم تكن كافية. فمنذ صغره، التزم بدراسته، إذ كان يعتقد أن التعليم هو الضمانة الوحيدة لمستقبل كريم على الرغم من الاحتلال. تمكّن من إكمال دراسته الثانوية، متحمّلاً الصعوبات الهائلة والكفاح المالي. فقد قاده تصميمه إلى مصر، حيث حصل على شهادة في الأدب العربي، ثم عمل في ليبيا واستقر في نهاية المطاف في المملكة العربية السعودية، حيث عمل مدرّساً متفانياً في عمله بشغف ونزاهة.
كتب درويش ذات مرة: “كم هو صعب أن تعيش بلا وطن، غريباً في كل مكان، حياً ولكنك لا تعيش”. كان جدي يحنّ إلى غزة، المدينة التي استقبلته كلاجئ شاب، والتي كان ينتمي إليها كما كانت تنتمي إليه. لقد اختار العودة في عام 2002، على أمل أن يقضي ما تبقّى من أيامه بسلام بين أهله، وأن ينعم بالحياة الهادئة التي لطالما اشتاق إليها.
لم يتحقق السلام البسيط الذي كان يتوق إليه جدي في نهاية رحلته، كأنّ الظلم كان قدره منذ طفولته. فقد شهد في غزة أربع حروب في أعوام 2008 و2012 و2014 و2021. وكانت حربه الخامسة في عام 2023، حرباً لا مثيل لها؛ حرب لم يسبق لها مثيل في التاريخ الفلسطيني وربما في العالم الحديث – إبادة عرقية جماعية.
في ليالي الحرب التي كانت تعجّ بأصوات الطائرات الحربية، كان جدي هو الحضن الدافئ وسط هذه القسوة. فقد كان يجمعنا ويروي لنا حكايات فلسطين القديمة وبركاتها ومعالمها الشاهدة على تراثها الكنعاني والعربي قبل أن يسرقها الاحتلال ويصبغها بالصبغة العبرية. كان يصف شوارعها قبل النكبة، بعيون طفل يودّعها، كأنّ الذاكرة بعد كل هذه السنوات ما زالت متشبثة بألمه العميق.
كانت ملامحه قوية وعيناه تشعّان بالحكمة والصمود. كان جدي أكثر من مجرد اسم على قائمة الضحايا، فلطالما عرفته رمزاً للقوة، إذ كان يقف شامخاً في وجه كل تحدٍّ مهما يكن عظيماً. لم أعتقد أبداً أن الحرب ستسلبه قوته. كانت الحرب الطاحنة تضرب قوته وكبرياءه يوماً بعد يوم؛ بدأ بصره يخبو، ووجهه الذي كان يوماً مليئاً بالحياة أصبح شاحباً ومليئاً بتجاعيد تحكي قصصاً من الحزن.
في بضعة أشهر، فقد ما يقرب من نصف وزنه، وذبل جسده من الجوع وقلة الرعاية، يعاني في صمت من دون وجود ما يخفّف ألمه. لم يكن هناك دواء يخفّف أوجاعه، ولا طعام يناسب جسده المتقدم في العمر. وكأنّ الحرب تآمرت لتدفعه ببطء نحو الموت. تدهورت حالته النفسية مع كل انفجار، ما فاقم معاناته. أصيب بتجلط دموي، ثم آخر، إلى أن أصبح طريح الفراش. جدي، الذي كان يوماً رياضياً قوياً، أصبح هيكلاً هشاً، بالكاد يغطي عظمه جلد. حوّلته الحرب من رجل قوي إلى ظلّ لنفسه. يوماً بعد يوم، كنت أرى وجهه يتغير وينهك. رأيته آخر مرة في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حين حمل عناقنا الأخير معاني الوداع التي يعجز عنها الكلام. انزلقت دمعة صامتة على وجهه المتجعد الذي شهد حروباً لا تُعدّ وأحزاناً عظيمة. وكأنّ تلك الدمعة كانت وداعاً أخيراً، تخبرني أنه على وشك الرحيل. ما زلت أتذكر تلك الدمعة وأتساءل: كم كان شفاؤه أسهل لو لم تكن هناك حرب؟ كم كانت أيامنا أفضل لو لم يكن هناك احتلال إسرائيلي؟
غادر جدي غزة، تاركاً وراءه إرثاً من الذكريات وجرحاً لن يندمل. ذهب ليلتقي بمن سبقوه، إلى مكان أنقى وأكثر اتساعاً، يليق بنقاء روحه، بينما نبقى نحن هنا، نحصي خسائر لا تنتهي ونرثيها في صمت. رحلوا بأجسادهم، لكن قصصهم بقيت حيّة في داخلنا، تُنقل كحقيقة وذاكرة. وفي النهاية، ندرك أنهم لم يكونوا مجرد أرقام أو قصص من الماضي. إنهم روح هذه الأرض، ضحايا لظلم لا يُغتفر.

“الأسير علي البطش لن يكون آخر الشهداء والعالم يلتزم الصمت”
اعتبر مدير عام هيئة شؤون الأسرى والمحررين في المحافظات الجنوبية، الأستاذ حسن قنيطة، ارتقاء الأسير علي البطش شهيداً في سجون الاحتلال بظروف غامضة، دلالة على البشاعة والجريمة المنظمة التي تُرتكب بحق الأسرى الفلسطينيين، والتي زادت وتيرتها منذ السابع من أكتوبر أضعافاً مضاعفة، حتى فاقت كل التوقعات التي قد يتصورها أي طرف متابع لصفحات حرب الإبادة ونهج الاستخفاف بآدمية المعتقلين الفلسطينيين.
وقد وصل تعداد الشهداء الأسرى منذ السابع من أكتوبر إلى أكثر من 62 شهيداً، جميعهم قُتلوا بظروف لا تزال غامضة، ولكنها أيضاً ارتُكبت على مرأى ومسمع العالم الحر، الذي يجيد الحديث عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، والتي يبدو أن الأسير الفلسطيني أصبح استثناءً في ظل سلوك الدول الصامتة والمؤسسات المتفرجة. فخلال أقل من عشرة أيام، ارتقى ثلاثة شهداء من المعتقلين الفلسطينيين، لينضموا إلى القائمة الطويلة لشهداء الحركة الأسيرة، الذين بلغ تعدادهم 299، ما يؤكد حقيقة واحدة وملحة، وهي ضرورة أن يكون هناك حراك جاد من المؤسسات الحقوقية، والصليب الأحمر الدولي، ومنظمة الصحة العالمية حيال ذلك، لأن جرائم القتل في تزايد ملحوظ، والإعدامات تتم بشكل واضح، سواء بالسر أو العلن، ضد المعتقلين الفلسطينيين، وخاصة معتقلي قطاع غزة، من قبل إدارات سجون الاحتلال وطواقم جيشه.
وأكد قنيطة أن معتقل سدى أيتمان يشهد حالات قتل تحت التعذيب للمعتقلين الفلسطينيين، تتم بدعم ومباركة من مستويات عليا في دولة الاحتلال وأجهزتها المختلفة، وخاصة الطواقم التي تُسمى زوراً وبهتاناً “طبية”، والتي لها باع طويل في التسبب بحالات عديدة من القتل والموت تحت غطاء الإهمال الطبي، الذي يُمارس من خلاله وصية المجرم بن غفير، الذي دعا إلى قتل المعتقلين الفلسطينيين بدلاً من علاجهم، سعياً لشرعنة حكم الإعدام بحقهم.
وكشف قنيطة أن سياسة الموت والقتل للأسرى في سجون الاحتلال وصلت إلى أعلى درجات الاستخفاف والوقاحة، حيث تزداد حالات التجويع، والحرمان من توفير مقومات مواجهة أجواء البرد القارس، إضافة إلى الاكتظاظ الشديد وغياب البيئة السليمة، ما ساهم في تحويل سجون الاحتلال إلى ساحات لتجارب الفاشية الجديدة، حيث تنتشر الأمراض بين الأسرى بشكل سريع، ويصبح استقبال شهداء جدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين أمراً متكرراً ومأساوياً.
وطالب قنيطة المجتمع الدولي بأسره، بصحوة سريعة، وتحديداً مجلس الأمن والصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية، لتشكيل لجنة فورية للوقوف على ظروف وأسباب حالات الاستشهاد، التي نعتبرها إعدامات ميدانية ممنهجة، تُنفذ بمسميات ومبررات معدة مسبقاً من قبل المستوى السياسي لحكومة اليمين الإسرائيلية، وهو ما يستوجب وضع حد لها، كونها باتت نهجاً يمارسه الاحتلال بكل مكوناته.
وبكل أسى، قال قنيطة إن الشهيد علي البطش لن يكون آخر الشهداء، إن لم تقم المؤسسات الدولية المذكورة بدورها المنوط بها، وإن لم يتحرك العالم الحر لكبح هذه الجرائم المتصاعدة بحق الأسرى الفلسطينيين.
جرائم التعذيب في سجون الاحتلال.. شهادات تكشف الفاشية الممنهجة
كشفت شهادات مروّعة من داخل سجون الاحتلال عن استخدام إدارة السجون الإسرائيلية كلابًا بوليسية مدرّبة لترهيب الأسرى والاعتداء عليهم جسديًا، حيث أُطلقت هذه الكلاب بشكل متعمّد على مصعب هنية وأسرى آخرين من قطاع غزة المحتجزين منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما تسبب في إصابات بالغة بينهم، في مشهد يجسّد وحشية الاحتلال وتحويل السجون إلى مراكز تعذيب ممنهج.
ووفقًا لشهود عيان، لم تقتصر الانتهاكات على الاعتداء بالكلاب البوليسية، بل امتدت إلى أساليب تعذيب وحشية، حيث تم تعذيب الأسير مصعب هنية حتى وفاته بطريقة لا يمكن وصفها إلا بالجريمة ضد الإنسانية. وأكد الشهود أن السجّانين قاموا بإدخال عصا خشبية في مؤخرته بشكل متكرر على مدار أيام، ما تسبب في نزيف حاد وآلام مبرحة أدت إلى استشهاده. وأشارت الشهادات إلى أن هذه الممارسات لم تكن استثناءً، بل جزءًا من سياسة ممنهجة تهدف إلى إذلال الأسرى وكسر إرادتهم من خلال انتهاك أجسادهم بوحشية.
وأكّد شهود آخرون أن هذه الجرائم تُنفَّذ بإشراف مباشر من قادة السجون، كوسيلة عقابية جماعية ضد الأسرى الفلسطينيين، خاصة من قطاع غزة، في انتهاك صارخ للمادة (1) و(2) من اتفاقية مناهضة التعذيب الأممية، والمادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة الأسرى.
إحدى الشهادات التي أدلى بها أسير محرر – فضّل عدم الكشف عن اسمه – أفادت بأنه تعرّض لهجوم وحشي من قبل ثمانية سجّانين، ما تسبب له في كسور خطيرة بالقفص الصدري، تاركًا إياه عاجزًا عن الحركة لأشهر، دون أن يتلقى أي رعاية طبية رغم خطورة إصابته. ولم تكن هذه الحالة معزولة، بل جزءًا من نهج منهجي موثّق في سجون الاحتلال، حيث يستذكر المعتقل السابق محمد الشوامرة استشهاد الأسير ثائر أبو عصب في سجن “النقب” في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعد تعرّضه لضرب مبرح حتى الموت على أيدي السجّانين، فقط لأنه تجرّأ على السؤال عن إمكانية وقف إطلاق النار في غزة.
وبحسب الشوامرة، تُركت جثة أبو عصب ملقاة على أرض الزنزانة لأكثر من ساعتين قبل نقلها، في مشهد يجسّد استهتار الاحتلال بأرواح الأسرى وتعمد إذلالهم حتى بعد استشهادهم.
هذه التفاصيل التي يرويها الأسرى المحررون لا تؤكد فقط استمرار آلة التعذيب الإسرائيلية، بل تكشف أيضًا عن تواطؤ دولي في السماح بتحويل السجون إلى مسارح لجرائم حرب تُرتكب تحت شعارات أمنية زائفة، بينما يبقى المجتمع الدولي صامتًا أمام فظائع الاحتلال التي تتصاعد يومًا بعد يوم.
في يوم المرأة العالمي.. أسيرات فلسطين بين فاشية الاحتلال وثبات الأسطورة
شكّلت سياسة اعتقال النّساء الفلسطينيات إحدى أبرز السّياسات الممنهجة التي استخدمها الاحتلال تاريخيًا بحقّهن، ولم يستثنِ منهن القاصرات. واليوم، يواصل الاحتلال اعتقال (21) أسيرة فلسطينية، بعد دفعات الإفراج التي تمت، من بينهنّ أسيرة من غزة، حيث يواجهنَ جرائم ممنهجة ومنظمة في سجون الاحتلال الإسرائيليّ ومراكز التّحقيق، والتي تصاعدت بمستواها منذ تاريخ حرب الإبادة، التي شكّلت المرحلة الأكثر دموية في تاريخ شعبنا، وما تزال هذه المرحلة تلقي بظلالها على مصير النساء الفلسطينيات.
وبمناسبة يوم المرأة العالمي، الذي يصادف الثامن من آذار من كل عام، أصدرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني تقريرًا خاصًا يسلط الضوء على أبرز القضايا المتعلقة بالظروف الاعتقالية للأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، والتي تندرج جميعها، وبمستويات مختلفة، تحت جرائم التّعذيب والتّجويع والجرائم الطبيّة الممنهجة والاعتداءات الجنسيّة بمستوياتها المختلفة، هذا عدا عن عمليات القمع والاقتحامات المتكررة لزنازين الأسيرات، وعمليات السّلب والحرمان الممنهجة، وأساليب التّعذيب النفسيّ التي برزت بحقّهن منذ لحظة اعتقالهن.
وأضافت الهيئة والنادي، أنّ ما شهدناه خلال حرب الإبادة، وما نشهده حتى اليوم من استهداف للنساء، وأحد أوجهه عمليات الاعتقال، لا يُشكّل مرحلة استثنائية، إلا أنّ المتغير هو مستوى الجرائم التي مورست وتمارس بحقهن. فمنذ تاريخ السابع من أكتوبر 2023، وثّقت المؤسسات المختصة (490) حالة اعتقال بين صفوف النساء، حيث شكّلت عمليات الاعتقال للنساء، ومنهنّ القاصرات، إحدى أبرز السّياسات التي انتهجها الاحتلال وبشكل غير مسبوق. ويتضمن هذا المعطى النّساء اللواتي تعرضن للاعتقال في الضفة، بما فيها القدس، وكذلك النساء من الأراضي المحتلة عام 1948، فيما لا يوجد تقدير واضح لأعداد النّساء اللواتي اعتُقلن من غزة. (يشمل هذا المعطى النساء اللواتي اعتُقلن وأبقى الاحتلال على اعتقالهن، ومن أفرج عنهن لاحقًا).
وكما ذُكر أعلاه، يبلغ عدد الأسيرات (21) أسيرة، (17) منهن ما زلن موقوفات، بينهنّ أسيرة من غزة، وهي الأسيرة سهام أبو سالم. ومن بين الأسيرات طفلتان، بينهما طفلة تبلغ من العمر (12 عامًا)، و(12) أمًّا، وأسيرة حبلى في شهرها الثالث، ومعتقلتان إداريتان، و(6) معلمات، وصحفية وهي طالبة إعلام. ومن بين الأسيرات المريضات، أسيرة مصابة بالسّرطان. يُذكر أنه تبقى أسيرتان معتقلتان منذ ما قبل السابع من أكتوبر، يرفض الاحتلال حتى الآن أن تشملهن صفقات التبادل التي أُبرمت بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.
اعتقال النساء رهائن.. القضية الأبرز التي تلت الحرب
لا تبدأ رحلة الاعتقال لدى النساء الفلسطينيات ومواجهة ظروف الاعتقال القاسية عند لحظة الاعتقال، فجزء من الأسيرات هنّ من عائلات واجهت عمليات اعتقال متكررة، واقتحامات متواصلة لمنازلها، واستهداف أفراد آخرين من العائلة عبر الاحتجاز أو الاعتقال أو القتل. فعلى مدار الشهور التي تلت حرب الإبادة، برزت قضية اعتقال النساء كرهائن، إذ طالت العشرات منهنّ بهدف الضغط على أحد أفراد العائلة المستهدفين من قبل الاحتلال لتسليم نفسه.
وشملت هذه الاعتقالات زوجات أسرى وشهداء، وأمهات تجاوزن السبعين عامًا، في سياسةٍ لم تستهدف النساء فحسب، بل طالت فئات أخرى من المجتمع الفلسطيني. وقد رافقت عمليات الاحتجاز كرهائن حملات تنكيل وتهديدات وصلت إلى حد التهديد بقتل نجل الأسيرة المستهدفة أو زوجها، إضافةً إلى الاعتداء الجسدي أثناء الاعتقال، وعمليات التخريب التي طالت منازلهنّ، وترويع أطفالهنّ، ومصادرة أموالهنّ ومصاغهنّ الذهبي.
التنكيل والتعذيب.. شهادات صادمة من الأسيرات الفلسطينيات
تعرّضت غالبية الأسيرات الفلسطينيات المعتقلات لعمليات تنكيل وضرب وتعذيب وحشي منذ لحظة اعتقالهن، في مشاهد تعكس مستوى التوحش الذي يمارسه الاحتلال بحقهن. وعلى الرغم من أن هذه الانتهاكات ليست جديدة، فإنها وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في حجم العنف المستخدم والأساليب الوحشية المتبعة.
إحدى الأسيرات تروي شهادتها قائلة: “عند اعتقالي، تعرّضت للضرب المبرح على أحد الحواجز العسكرية، حيث تم ركلي في بطني، ثم قيّدت يداي بالسلاسل وعُصبت عيناي قبل أن يتم اقتيادي إلى أحد مراكز التحقيق. من شدّة الضرب الذي تلقيته بأعقاب البنادق على أنحاء جسدي، تمزّقت ملابسي، مما أدى إلى كشف أجزاء من جسدي. بقيت محتجزة في مركز التحقيق لمدة ثلاث ساعات، ثم نُقلت إلى مركز تحقيق المسكوبية، حيث بقيت هناك لمدة شهر. في الأيام الأولى من الاعتقال، تسبب الضرب العنيف في نزيف حاد استمر لنحو 20 يومًا. بعد ذلك، تم نقلي إلى سجن (هشارون)، حيث احتُجزت في زنزانة انفرادية قذرة، دون طعام، على فرشة رقيقة دون غطاء، ثم نُقلت لاحقًا إلى سجن (الدامون).”
شهادة أخرى لأسيرة اعتُقلت في منتصف الليل تروي تفاصيل تعذيبها قائلة: “بعد اعتقالي، نُقلت إلى إحدى المستوطنات وبقيت هناك حتى الساعة السابعة من مساء اليوم التالي دون طعام أو شراب، مكبلة اليدين والقدمين، ومعصوبة العينين. كان الجنود يقفون بجواري، يسخرون مني ويشتمونني بألفاظ بذيئة، ويصرخون ‘الموت للإسلام’. كما قاموا بتشغيل الموسيقى بصوت عالٍ لمنعي من النوم، وأجبروني على الوقوف والجلوس مرارًا وهم يضحكون ويستهزئون بي. بعد ذلك، نُقلت إلى سجن (هشارون)، حيث بقيت ثلاثة أيام، وعند رفضي التفتيش العاري، قامت إحدى السجانات بصعقي بالكهرباء وأجبرتني على الخضوع للتفتيش القسري. بعدها، تم نقلي إلى مركز تحقيق (بيتح تكفا)، حيث تم شبحي على الكرسي لساعات طويلة، وفي نهاية التحقيق، أجبروني على التوقيع على أوراق لا أعرف محتواها.”
هذه الشهادات ليست سوى جزء من معاناة الأسيرات الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال، حيث تُمارس بحقهن شتى أنواع الانتهاكات الجسدية والنفسية، وسط صمت دولي مريب.
محطة سجن (هشارون).. التنكيل الممنهج والتفتيش العاري
يُعدّ سجن (هشارون) إحدى المحطات الأكثر قسوة في رحلة العذاب التي تعيشها الأسيرات الفلسطينيات قبل نقلهن إلى سجن (الدامون). فبحسب شهادات العديد منهن، لم يخلُ مرورهن بهذا السجن من عمليات التنكيل الممنهجة، حيث يجري إجبارهن على التفتيش العاري في ظروف مهينة، ناهيك عن الاحتجاز في زنازين قذرة لا تصلح للاستخدام الآدمي، وسط معاملة قاسية تهدف إلى كسر إرادتهن منذ اللحظة الأولى للاعتقال.
ولا يقتصر الأمر على التفتيش القسري، بل تتعرض الأسيرات أيضًا للضرب والإهانة، خاصة عند رفضهن الانصياع لهذه الممارسات. ويجري احتجازهن في زنازين ضيقة ليوم أو عدة أيام، حيث يُقدَّم لهن طعام لا يصلح للاستهلاك، فيما لا تتوفر أي مستلزمات أساسية للبقاء.
إحدى الأسيرات تروي تجربتها في هذا المعتقل قائلة: “عندما تم نقلي إلى سجن (هشارون)، تعرضتُ للضرب في غرفة الانتظار، حيث قام أحد السجّانين بضربي بالمفاتيح، تاركًا آثارًا واضحة على يدي. بقيتُ ليلة واحدة فقط، لكنها كانت الأسوأ في حياتي. وضِعتُ في زنزانة تخضع للمراقبة بالكاميرات، ما جعلني غير قادرة على قضاء حاجتي، ولم يُسمح لي بالخروج لاستخدام مكان آخر. كانت أصوات الأسرى الجنائيين تصدح بالصراخ طوال الليل، مما زاد من الشعور بالخوف والقهر. وفي وقت متأخر، أحضروا لي غطاءً تفوح منه رائحة البول الكريهة، وعند الفجر، أُجبرت على إخراجه بحجة التنظيف، لكنهم سحبوا الفرشة أيضًا، وتركوني مضطرةً للجلوس على الحذاء.”
مشاهد من هذا النوع لا يمكن وصفها سوى بأنها انتهاكات جسيمة للكرامة الإنسانية، ترسّخ سياسات الاحتلال التي تستخدم الاعتقال كأداة للقمع النفسي والجسدي، في ظل غياب أي مساءلة أو تدخل دولي يضع حدًّا لهذه الجرائم المستمرة.
سياسة السلب والحرمان.. حين يتحول السجن إلى أداة للتنكيل
حوّلت إدارة سجون الاحتلال كافة احتياجات الأسرى، بمن فيهم الأسيرات، إلى أداة للعقاب الجماعي والسلب الممنهج، حيث حُرمت الأسيرات من أبسط مستلزماتهن الأساسية، وحتى إن تم تزويدهن بها، فهي تكون محدودة للغاية وتُستخدم كوسيلة للضغط والإذلال.
لم تكن الاحتياجات الشخصية للنساء استثناءً، فقد استخدمتها إدارة السجون مرارًا كأداة للعقاب، مما يعكس عمق الانتهاكات التي تتعرض لها الأسيرات في إطار سياسة التعذيب النفسي الممنهجة. ولا تقتصر هذه السياسات على ذلك، بل تمتد إلى حرمانهن من الملابس المناسبة، حيث يتحول الصيف إلى وسيلة للتعذيب عبر منع توفير الملابس الملائمة وغياب أدوات التهوية، فيما يصبح الشتاء كابوسًا آخر بحرمانهن من الأغطية والتدفئة، مما يجعل الزنازين بيئة غير صالحة للحياة.
وفي ظل هذه الأوضاع القاسية، تواجه الأسيرات عمليات عزل جماعية، وحرمانًا متواصلًا من زيارة عائلاتهن، أسوةً بآلاف الأسرى الذين مُنعوا من الزيارة منذ اندلاع الحرب. كما فُرضت قيود مشددة على الطواقم القانونية خلال زياراتهن، مما يضاعف من عزلتهن ويزيد من معاناتهن اليومية.
ومن الجدير بالذكر أن عدد الأسيرات يؤثر بشكل كبير على ظروف الاحتجاز، فكلما زاد عددهن، تفاقمت الأوضاع داخل الزنازين المكتظة. وقد بلغ عددهن قبل دفعات الإفراج التي جرت في شهري كانون الثاني وشباط الماضيين (86) أسيرة، ووصل في بعض الفترات إلى أكثر من 100 أسيرة، ما جعل من واقعهن الاعتقالي أشد قسوة في ظل هذه السياسات الإجرامية الممنهجة.
سياسة الاقتحامات لغرف الأسيرات والعزل الانفرادي
شهدت زنازين الأسيرات في سجون الاحتلال تصعيدًا غير مسبوق في عمليات الاقتحام خلال الأشهر الماضية، خاصة منذ أيلول/سبتمبر 2024. ورغم أن هذه الممارسات القمعية لم تكن جديدة، فإن وتيرتها ازدادت بشكل ملحوظ، حيث حوّلت إدارة السجون كل تفصيل في بنية السجن إلى أداة للقمع والتنكيل بحق الأسيرات.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2024، نفّذت وحدات القمع، وعلى رأسها “وحدات اليماز”، عدة اقتحامات وحشية، استهدفت الأسيرات بشكل مباشر. جاء ذلك ردًا على احتجاجهن ضد استمرار عزل إحدى الأسيرات، حيث لجأن إلى إرجاع وجبة الطعام كخطوة رمزية للاعتراض. إلا أن الرد الإسرائيلي كان قاسيًا، حيث اقتحمت وحدات القمع الزنازين، وأخضعت الأسيرات لتفتيش عارٍ قسري، كما قامت بمصادرة جميع ملابسهن الإضافية، وأجبرتهن على الاكتفاء بارتداء غيار واحد فقط.
لم تكتف إدارة السجن بهذا القدر من التنكيل، بل تم إجبار الأسيرات على التوجه إلى الحمامات داخل ساحة الفورة، ليتم احتجازهن هناك إلى حين الانتهاء من مداهمة الزنازين وتفتيشها. في تلك الليلة القاسية، لم يُسمح لهن بالحصول على أي من مقتنياتهن، بما في ذلك الأحذية، في محاولة لإذلالهن وإهانتهن بشكل ممنهج.
الاعتداءات الجنسية بحقّ الأسيرات الفلسطينيات
من أبشع الجرائم التي يمارسها الاحتلال بحق الأسيرات الفلسطينيات، الاعتداءات الجنسية التي تشمل التحرش، والتفتيش العاري القسري، والتهديد بالاغتصاب. وقد وثّقت الأمم المتحدة، في بيان رسمي، وجود تقارير موثوقة عن تعرّض معتقلات من غزة لاعتداءات جنسية داخل سجون الاحتلال، في انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية.
تمكنت المؤسسات الحقوقية من جمع شهادات مؤلمة لأسيرات أُفرج عنهن ضمن دفعات التبادل التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، إضافة إلى شهادات لأسيرات لا يزلن قيد الاعتقال، وأخريات تعرض أقاربهن للاعتقال والتنكيل. أكدت هذه الشهادات أن الاعتداءات الجنسية كانت جزءًا من سياسة قمعية ممنهجة، تهدف إلى كسر إرادة الأسيرات والنيل من كرامتهن.
يُعد سجن (هشارون)، الذي يُستخدم كمحطة احتجاز مؤقتة قبل نقل الأسيرات إلى سجن (الدامون)، شاهدًا على حجم الانتهاكات، إذ أكدت عشرات الشهادات أن جميع الأسيرات تقريبًا خضعن للتفتيش العاري القسري داخل هذا السجن. كما تعرضن للاحتجاز في زنزانات غير آدمية، إلى جانب الاعتداءات الجسدية، التي وصلت في بعض الحالات إلى الضرب المبرح.
وفي إحدى الشهادات التي وثّقتها المؤسسات الحقوقية، أكدت أسيرة اعتُقلت بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أنها تعرضت لتحرش جنسي ولفظي خلال الاعتقال والتحقيق، حيث قام أحد الجنود بلمس رأسها وقدميها بطريقة غير لائقة، كما وجّه إليها شتائم بذيئة وهددها أكثر من مرة. وأضافت أن الجنود كانوا يرمون عليها أعقاب السجائر وبقايا الطعام بهدف إذلالها، كما تعرضت للضرب المتكرر، ما تسبب لها بآلام شديدة في أنحاء جسدها، دون أن يُسمح لها بالحصول على أي رعاية طبية.
وفي شهادة أخرى، روت إحدى الأسيرات: “وصلنا أنا وأسيرات أخريات إلى سجن (هشارون)، حيث أدخلونا إلى زنزانة تغمرها المياه، وفيها دورة مياه غير صالحة للاستخدام. وبعد ذلك، نقلونا إلى زنزانة أخرى، حيث أُجبرنا على الخضوع للتفتيش العاري على يد السجانات. خلال التفتيش، قامت إحدى السجانات بصفعي على وجهي، رغم أنني تعرضت سابقًا للضرب المبرح أثناء اعتقالي”.
تكشف هذه الشهادات عن الوجه الأكثر وحشية للاحتلال، الذي لا يكتفي باعتقال النساء الفلسطينيات، بل يحوّل سجونها إلى مسارح للتعذيب الجسدي والنفسي، في محاولات ممنهجة لكسر صمودهن. إن هذه الجرائم التي تُمارس تحت ستار “الأمن”، ما هي إلا انتهاكات ممنهجة تتطلب موقفًا دوليًا جادًا لوقفها، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه التي لا تزال مستمرة في غياب أي مساءلة حقيقية.
استهداف منهجي وجرائم بلا رادع
تصاعدت عمليات اعتقال النساء الفلسطينيات في الأشهر الأخيرة، حيث باتت تُستخدم كأداة للضغط على عائلاتهن أو لمعاقبتهن على مواقفهن وآرائهن. وتُعتبر تهمة (التحريض) عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أكثر الذرائع التي يلجأ إليها الاحتلال لتبرير احتجازهن، إلى جانب الاعتقال الإداري تحت مبرر وجود (ملف سرّي).
وركّز الاحتلال مؤخرًا على اعتقال الكوادر التعليمية، حيث سُجّلت ثماني حالات اعتقال بين صفوف المعلمات، ستّ منهن ما زلن محتجزات حتى الآن، في استهداف غير مسبوق لهذه الفئة منذ اندلاع الحرب.
الإفراج عن 71 أسيرة ضمن صفقة التبادل.. والاحتلال يواصل الاعتقالات
شكّل الإفراج عن 71 أسيرة ضمن المرحلة الأولى من صفقة التبادل محطة فارقة في ملف الأسيرات، إلا أن الاحتلال لم يتوقف عن حملات الاعتقال، بل صعّد من ممارساته عبر الاحتجاز المباشر، أو استخدام الأسيرات كرهائن، أو من خلال التحقيق الميداني القاسي.
وتؤكد مؤسسات الأسرى أن الاحتلال يواصل انتهاك حقوق الأسيرات داخل مراكز التوقيف والسجون، حيث يتعرضن لمعاملة مهينة، وحرمان من أبسط الحقوق الأساسية، إضافة إلى الاعتداءات الجسدية والنفسية الممنهجة.
وفي ظل هذه الجرائم المستمرة، تطالب مؤسسات حقوق الإنسان الأمم المتحدة وكافة الهيئات الدولية بتحمل مسؤولياتها، والضغط على الاحتلال للالتزام بالقانون الدولي واتفاقيات حماية الأسرى، ووقف الاعتداءات الممنهجة بحق النساء الفلسطينيات.
كما تدعو إلى فرض عقوبات دولية تضع حدًا لحالة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الاحتلال، وإنهاء الحصانة التي تُمنح له من قبل الدول الاستعمارية، والتي تسمح له بمواصلة جرائمه بلا مساءلة أو محاسبة.