أكثر من مجرّد صورة أو مشهد.. “عناق الدب” و”الاستنكاف الضميري”!

يسعى عسكريون أمريكيون إلى الاستفادة من الوضعية المعروفة بـ”الاستنكاف الضميري” والتي تمكّنهم من ترك الخدمة العسكرية، احتجاجا على دعم بلادهم للكيان الصهيوني الذي يرتكب أبشع الجرائم في حق أهالي غزة، وقبل هذا تقدّم نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الصهيونية الفلسطينية أندرو ميلر، باستقالته – بسبب سياسة “عناق الدب” – ليصبح أكبر مسؤول أمريكي يغادر منصبه منذ اندلاع حرب الإبادة في أكتوبر 2023.

وأفادت شبكة “إن.بي.سي” نقلا عن طيارين أمريكيين اثنين أنه لم يعد بإمكانهما تجاهل دور الحكومة الأمريكية في الحرب الصهيونية على غزة، بما في ذلك إمدادات الأسلحة والدعم الدبلوماسي والاستخباراتي للكيان.

واعتبر الطياران الأمريكيان أنّ الهجوم الصهيوني على غزة يعد إبادة جماعية، مشيرين إلى أنّ المشاهد في غزة لا تؤثر عليهما فحسب، بل على العديد من الأمريكيين الذين يفكّرون بذات الطريقة. وأضاف الطياران أنه لم يعد بإمكانهما الاستمرار بضمير حي في خدمة إدارة وصفاها بأنها تنتهك القانون الأمريكي والدولي.

وسبق أن أحرق الطيار في البحرية الأمريكية آرون بوشنل (25 عاما) نفسه أمام سفارة الكيان في واشنطن احتجاجا على الحرب الصهيونية في غزة، وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وفاته.

كما شهد الدعم الأمريكي للكيان في عدوانها على غزة استنكارا في الأوساط الدبلوماسية الأمريكية، وآخرها استقالة أندرو ميلر نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الصهيونية الفلسطينية.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية إن استقالة ميلر يجب أن تنبه الموجودين لدى الكيان أكثر من الأمريكيين، ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن المسؤول، الذي لم تكشف عن اسمه إلا أنها وصفته بأنه يعمل بشكل كبير في الملف الصهيوني، أن ميلر يحظى باحترام كبير لدى الصهاينة ويدعم العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان.

وأضاف المسؤول “ليس هناك شك في أن استقالة ميلر يجب أن تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ للمسؤولين الإسرائيليين”. وأنه “إذا كانت الحكومة الصهيونية تخلق بيئة يستقيل فيها أشخاص مثله، فمن الواضح أنهم يفعلون شيئا خاطئا للغاية”.

وأشار المسؤول الكبير في الخارجية الأمريكية إلى مقطع الفيديو الذي نشره رئيس وزراء سلطة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو الثلاثاء الماضي واتهم فيه الولايات المتحدة باحتجاز شحنات أسلحة إلى الكيان. وقال المسؤول إن “مثل هذا السلوك يتسبب في خسارة الكيان للأصوات الأكثر دقة في الإدارة”.

واعتبر المسؤول أن نتنياهو “يعمل بنشاط على دق إسفين أكبر بين الولايات المتحدة والكيان، وهذا يقود أشخاصا مثل ميلر إلى الشعور بأنه ليس لديهم خيار سوى الاستقالة”، وفق تعبيره.

ورغم أن ميلر قال لزملائه، يوم الجمعة، إنه ترك وظيفته لقضاء وقت أطول مع عائلته، فإن تقرير صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قال إن قراره يأتي اعتراضا على سماح الولايات المتحدة بقتل عشرات الآلاف على يد الاحتلال الصهيوني في غزة.

ووصفت الصحيفة استقالة ميلر بأنها “انتكاسة للدبلوماسيين الأمريكيين الذين يسعون إلى قطيعة أكبر مع نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف”. وتأتي استقالة ميلر وسط إحباط متزايد داخل وخارج الحكومة الأمريكية، بشأن العدد الكبير من القتلى المدنيين في غزة، الذي تجاوز 37 ألفا حتى الآن وفق السلطات الصحية في القطاع. وحسب “واشنطن بوست”، يوصف ميلر بأنه “مؤيد مبدئي للحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية، ومفكر دقيق في شؤون الشرق الأوسط”.

وقبل أن يركز عمله على الصراع الصهيوني الفلسطيني، كان ميلر مستشارا سياسيا لسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وخلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما شغل منصب مدير القضايا العسكرية لمصر والكيان في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض. وكان ميلر قد حذر، وفق الصحيفة الأمريكية، مما سماه “عناق الدب”، في إشارة إلى لقطة احتضان بايدن لنتنياهو في زيارة الأول إلى الكيان، خلال الأيام التي تلت هجوم “طوفان الأقصى”.

مفهوم عناق الدب

وسياسة عناق الدب التي يقصدها «ميلر»، هي اللحظة التي احتضن فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن، مجرم الحرب نتنياهو، بعد أيام من بدء العدوان الصهيوني على غزة، أثناء زيارة «بايدن»، إلى الكيان، والتي وصفت حينها بأنها “خطأ استراتيجي”.

ومفهوم عناق الدب سياسيًا، يشير إلى احتضان شخص من أجل إخضاعه وردعه، وليس فقط لإظهار الحب، وفي رواية أخرى، تشير إلى إظهار الدعم الكامل للشخص. لكن مفهوم «عناق الدب» هو اقتصادي من الأساس، ويشير إلى إستراتيجية الاستحواذ العدائي إذ يقدم المستحوذ عرضًا سخيًا للشركة المستهدفة والذي يتجاوز بكثير ما تقدمه الشركات المنافسة ومقدمو العروض الآخرون، وبالتالي القضاء على المنافسة وجعل العرض أكثر ربحًا، بحسب موقع «إنفستوبيديا» الاقتصادي، وجاء مفهوم «عناق الدب» لغويًا من قيام شخص بوضع يديه حول شخص آخر واحتضانه بشدة، لدرجة عدم قدرة الشخص على الهروب.

ويُعتقد أن ميلر كان يرى أن النفوذ الذي تتمتع به الولايات المتحدة على الكيان، باعتبارها أكبر داعم عسكري واقتصادي وسياسي لها، كان من الممكن استخدامه بشكل أكثر فعالية لمنع مقتل مدنيين في غزة.

وفي أواخر ماي الماضي، اختار ألكسندر سميث، أحد المقاولين لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس إيه آي دي)، الاستقالة بعد أن تم تخييره بينها وبين الفصل بعد إعداد عرض تقديمي حول وفيات الأمهات والأطفال بين الفلسطينيين.

وفي استقالة أخرى، أرسلت مسؤولة وزارة الخارجية من مكتب السكان واللاجئين والهجرة، ستايسي غيلبرت، رسالة بالبريد الإلكتروني إلى زملائها توضح فيها أنها ستغادر بسبب تقرير رسمي للوزارة يدعي كذبا بأن سلطة الاحتلال لم تعرقل الغذاء أو المساعدات الأخرى إلى غزة.

وفي الثامن من ماي أيضا، استقالت لِيلي غرينبرغ، وهي مسؤولة يهودية شغلت منصب مساعد خاص لرئيس الأركان بوزارة الداخلية الأمريكية، احتجاجا على دعم الكيان.

وفي 26 أفريل الماضي، أعلنت المتحدثة الناطقة بالعربية باسم وزارة الخارجية الأمريكية هالة غريط استقالتها، اعتراضا على سياسة واشنطن تجاه الحرب الصهيونية على غزة، لتكون الاستقالة الثالثة على الأقل في الوزارة بسبب هذه القضية.

وقبل ذلك بشهر تقريبا، أعلنت أنيل شيلين من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية استقالتها، كما استقال المسؤول بوزارة الخارجية جوش بول في أكتوبر الماضي.

واستقال طارق حبش، المسؤول الكبير في وزارة التعليم الأمريكية، وهو أمريكي من أصل فلسطيني، من منصبه في جانفي الماضي.

وقبل أيام، قالت شبكة “سي.إن.إن” الأمريكية إن مجموعة من المسؤولين في إدارة بايدن الذين استقالوا بسبب تعاملها مع العدوان الصهيوني على غزة، يعملون معا لدعم الأصوات المعارضة للحرب والضغط على واشنطن لتغيير مسارها.

وقال هؤلاء إنهم شعروا بأن وجهات نظرهم وخبراتهم ومخاوفهم لم يتم الالتفات إليها، وإن الإدارة الأمريكية تتجاهل الخسائر الإنسانية الناجمة عن الحرب الصهيونية. وتحدثوا عن عدم انتباه الإدارة لتأثير الحرب الصهيونية على مصداقية واشنطن.

هروب المئات من جنود الاحتياط إلى الخارج دون علم قادتهم

وفي الكيان الصهيوني، كشف موقع “كالكاليست” الإسرائيلي، أمس الأحد، عن اتساع ظاهرة سفر جنود احتياط في الجيش إلى الخارج خلال فترة الخدمة النشطة. وقال الموقع إن “المئات من جنود الاحتياط يقطعون خدمتهم العسكرية ويسافرون إلى الخارج لقضاء إجازة، دون إبلاغ قادتهم رغم أنهم خاضعون للأمر رقم 8 الخاص باستدعائهم بشكل طارئ لخدمة الاحتياط.

وبحسب الموقع، فإن الجيش الصهيوني ينكر الظاهرة، ويقول إنه ليس هناك جنود احتياط يسافرن للخارج خلال خدمتهم العسكرية دون علم القادة، وأضاف “كالكاليست” إن لديه أسماء جنود غادروا إلى الخارج خلال خدمتهم العسكرية، ولم يعلم قادتهم بذلك إلا بعد خروجهم من الكيان، لافتا إلى أن الجيش سيحقق داخليا في هذه الحالات.

وأشار إلى أنه خلال الأسابيع الأخيرة، ظهر الإرهاق المتزايد بين الجنود الذين يخدمون في الاحتياط، والذين راكم بعضهم بالفعل حوالي 200 يوم احتياط منذ بداية الحرب الصهيونية على غزة.

ووفقا لمعطيات الجيش الصهيوني، فقد ارتفع عدد الجنود القتلى منذ بداية الحرب الصهيونية في 7 أكتوبر الماضي إلى 665 قتيلا، بينهم 313 بالمعارك البرية التي بدأت في 27 من الشهر ذاته. كما تشير المعطيات إلى إصابة 3894 ضابطا وجنديا منذ بداية الحرب الصهيونية، بينهم 1977 بالمعارك البرية.

ومن ناحية أخرى، أكدت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ نصف مليون شخص غادروا الكيان في الأشهر الستة الأولى من الحرب الصهيونية، في وقتٍ أصبحت فيه الهجرة نحوها أقل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب الصهيونية، وتبلغ نحو 2,500 مهاجر شهرياً.

وفي فيفري، غادر نحو 20,000 شخص الأراضي المحتلة، وفي مارس غادر نحو 7,000، وبإضافة الوافدين والخارجين في أفريل إلى العدد العام، فإن الفجوة لصالح عدد الخارجين وصلت إلى نحو  550,000 ألف شخص، وفق الإعلام الإسرائيلي.

وينضم هذا الاتجاه في زمن الحرب الصهيونية إلى الاتجاه الذي كان سائداً حتى قبله (التعديلات القضائية)، في ظل تردي الأوضاع الإسرائيلية الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. وأظهرت بيانات سلطة الهجرة انخفاضاً حاداً في رحلات الإسرائيليين للسفر والأعمال التجارية في الخارج منذ اندلاع الحرب الصهيونية في الـ7 من أكتوبر.

وسجّلت “إسرائيل” بالتزامن مع المعركة التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، تزايداً في “الهجرة” العكسية اليهودية، فقد تحدّث الإعلام الإسرائيلي عن عدد كبير من الإسرائيليين الذين غادروا الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ بداية الحرب الصهيونية.

وحيد سيف الدين - الجزائر

وحيد سيف الدين - الجزائر

اقرأ أيضا