عادت قضية ندرة الأدوية، لتتصدّر المشهد مجدّدا في الجزائر، بعدما فتح الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان هذا الملف، خلال إجابته على أسئلة نواب البرلمان الجزائري التي وردت في مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة.
واعترف بن عبد الرحمان بتسجيل تذبذب في بعض الأدوية الموجّهة إلى حالات مرضية معينة، خاصة تلك المتعلّقة بمكافحة مرض السرطان، مؤكدا أنه تم إسداء تعليمات صارمة لمختلف القطاعات المعنية مباشرة بهذه الوضعية، لتدارك الأمر وحلّ إشكالية الندرة.
وكشف الوزير الأول عن إدراج تدابير جديدة تهدف إلى إلزام المؤسسات الصيدلانية في الجزائر، بضرورة احترام برامج الاستيراد أو الإنتاج والتسليم لضمان وفرة الأدوية، مضيفا: “وإذ يتعلّق الأمر بمسألة تخصّ السيادة الصحية لبلادنا، فإن الحكومة بصدد العمل على تطوير الإدماج في الصناعة المحلية للأدوية لضمان توفّر الأدوية بصفة دائمة، وهذا قصد الحدّ من توتّرات التزويد بالمواد الأولية من خلال الأسواق العالمية”.
هذا، ويرى متابعون لتقلّبات سوق الأدوية في الجزائر، أنّ عامل المضاربة واحتكار الأدوية المفقودة لدى بعض الموزّعين، زاد من حدّة معاناة المرضى المغلوب على أمرهم، ما جعلهم يلجئون لأقاربهم وأصدقائهم بالخارج للحصول على بعض الأدوية لتسكين آلامهم والتخفيف من معاناتهم.
بوادر لحل الأزمة تلوح في الأفق..
وقال المكلّف بالإعلام بالنقابة الجزائرية للصيادلة الخواص، كريم مرغمي: “إن هناك بوادر إيجابية لحلحلة الأزمة وإيجاد حلول جذرية لإشكالية ندرة الأدوية، بعد استقدام «علي عون» الخبير بسوق الأدوية على رأس وزارة الصناعات الصيدلانية مؤخرًا”.
وأوضح مرغمي في تصريح لـ«الأيام نيوز»: أنّ “الوزير عون تعهّد خلال لقاء جمعنا به مؤخرًا، بأنه سيعمل جاهدًا من أجل محاربة مشكل الندرة، وأكد أن أبواب الوزارة تبقى مفتوحة لتلقي الشكاوى والإخطارات من طرف النقابة ومن طرف الصيادلة حول الموزّعين أو المصنّعين الذين يقومون بممارسات غير أخلاقية أدّت إلى تفاقم الوضع، إذ ستقوم الوزارة الوصية باتخاذ إجراءات ردعية ضد المخالفين لإجراءات التوزيع السلسة والمعمول بها قانونيا”.
وتابع: “نحن على يقين تام أنّ فتح باب الحوار بين الوزارة الوصية وكافة المتعاملين في مجال الأدوية سيؤدي لا محالة إلى الوصول إلى حلول ناجعة لملف ندرة الأدوية”.
هذا، وأشار المكلف بالإعلام بالنقابة الجزائرية للصيادلة الخواص، إلى أنّ وزارة الصناعات الصيدلانية في الجزائر، تعكف حاليًا على التحضير لاستراتيجية جديدة لمحاربة ندرة الأدوية ومكافحة المحتكرين والمضاربين وكل من يعيق عملية إيصال الدواء للمريض.
في سياق ذي صلة، وفي حديثه عن الأسباب الكامنة وراء تواصل مشكل ندرة الأدوية في السوق الجزائرية، قال مرغمي: “إنّ ندرة الأدوية في السوق الوطنية، ترتبط بجملة من الأسباب منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي في ظلّ التحوّلات الأخيرة التي يعرفها العالم”.
وأوضح: أن “الأسباب الخارجية ترتبط أساسًا بندرة المادة الأولية في بلد المنشأ، وارتفاع تكاليف نقل بعض المواد الأولية المستوردة، ما يجعل سعر الدواء بعد الانتهاء من تصنيعه لا يتوافق مع سعره الحقيقي، أي أنّ هامش الربح الذي يحقّقه الموزّع ضعيف جدا، وبالتالي يمتنع عن تصنيع هذا النوع من الأدوية”.
وفي حديثه عن الأسباب الداخلية، أشار مرغمي إلى الممارسات اللاأخلاقية وغير القانونية من طرف بعض الموزّعين والمتعاملين الذين يفرضون منطقهم بالقوة على الصيادلة، ويقومون باستغلال هذه الندرة من خلال ابتزاز الصيادلة عن طريق البيع المشروط، أي مقابل شراء 10 علب من الدواء المفقود، يشترطون على الصيدلي شراء أدوية أخرى يقلّ عليها الطلب.
وتابع: “إنّ عامل المضاربة واحتكار الأدوية المفقودة لدى بعض الموزّعين، أثقل كاهل الصيدلي بالديون وأدخله في دوامة من المشاكل المالية وهذا ما انعكس سلبًا على الصيدلي وعن حق المريض في الحصول على الدواء”.
وفي هذا الشأن، قال مرغمي إن: “نقابة الصيادلة الخواص، ندّدت بهذه الممارسات في كثير من المحطات، وطالبت وزارة الصناعات الصيدلانية بالتدخل وفرض سلطتها كوزارة مسؤولة على قطاع الدواء”.
ندرة الأدوية تفاقم معاناة المرضى..
من جانبه، قال رئيس “الهيئة الجزائرية لتطوير الصحة والبحث العلمي”، البروفيسور مصطفى خياطي: “إن مشكل ندرة الأدوية في الجزائر ليس وليد اليوم، إنما يعود إلى عدة سنوات، وهو من أبرز المشاكل التي يواجهها المواطن الجزائري وتهدّد صحته”.
وأوضح خياطي في تصريح لـ«الأيام نيوز»: “أنّ ندرة الأدوية في السوق الجزائرية، فاقم من معاناة المرضى على غرار مرضى السكري، في ظل ندرة الأنسولين الذي يعتبر مادة حيوية، ولا يستطيع مريض السكري العيش من دونها، وندرتها في الجزائر حالياً قد تسبّب لبعض المرضى مضاعفات غير محمودة”.
وتابع: “إن عدم القدرة بعد على إنتاج الأدوية الأساسية والضرورية المطلوبة في السوق الجزائرية، يزيد من حدة الأزمة، ضف إلى ذلك وجود خلل في تنظيم عملية الاستيراد، وعدم احترام برامج الاستيراد أو الإنتاج والتسليم لضمان وفرة الأدوية”.
وفي هذا السياق، قال خياطي: إن “الجهات الوصية وفي مقدمتهم وزارة الصناعات الصيدلانية، مطالبة اليوم بأخذ زمام المبادرة، والاستماع إلى الانشغالات المطروحة والمرفوعة في هذا الإطار، من أجل إيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمة، خاصة أن توجيهات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون واضحة، للحدّ من مشاكل توفير وضمان تزويد مستمر للسوق الوطنية”.
يُذكر، أنه بتاريخ 26 أيلول/سبتمبر الفارط، استقبل وزير الصناعة الصيدلانية علي عون، وفدا عن المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصيادلة الخواص برئاسة الدكتور بلعمبري مسعود، وقد سمح اللقاء بدراسة مدى توفّر بعض الأدوية التي تشهد إشكاليات في التموين، حسب ما أورده بيان للوزارة الوصية.
وتعهّد المسؤول الأول عن القطاع، بتنظيم وترتيب مسار التزويد، لا سيما من خلال تنويع طرق التموين، مما يسمح بوضع المساواة وتوزيع أفضل للأدوية في جميع الصيدليات الموزّعة عبر التراب الوطني.
كما سمح اللقاء بالتركيز على الدور المركزي الذي يقوم به المرصد الوطني لليقظة لتوفير المواد الصيدلانية بالتنسيق مع وزارة الصحة، لتبليغ الأطباء وتوعيتهم بتجنّب وصف الأدوية التي تم سحبها من السوق، والتي لم تعد منتجة وتوجيه الواصفون نحو البدائل العلاجية الأخرى لوضع حد من قلق المرضى والسماح لهم ببدء علاجهم في طمأنينة.
وستنظّم حملات تحسيسية لفائدة الواصفين، بالتعاون مع وزارة الصحة لدعوتهم للالتزام بالوصف وفقًا لتطوّر السوق الصيدلانية الجزائرية.
كما ركّزت التبادلات على ضرورة رقمنة القطاع من خلال الوصفات الطبية الرقمية وملصقات الكودبار لضمان الشفافية، التّتبع والأمن المطلق طوال المسار من الوصفات الطبية إلى الإتاحة في الصيدليات، يضيف البيان.
وتشمل قائمة الأدوية المختفية من رفوف الصيدليات في الجزائر، مستحضرات منتجة محليا، على غرار حقن مضادة للالتهاب والمضادات الحيوية، وأدوية القلب وأخرى مستوردة، عقار «إينوكسابرين» المضاد لتخثّر الدم، وكذا مادة الأنسولين.