أمريكا.. أزمة مياه الشرب في مسيسيبي تُعرّي حقيقة التمييز العنصري الممنهج

أصبح غلي الماء قبل استعماله والوقوف في طوابير طويلة للحصول على بعض القارورات جزءًا من الحياة اليومية لسكان مقاطعة «جاكسون» عاصمة ولاية مسيسيبي الواقعة جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تسببت الفيضانات التي شهدتها المدينة شهر أوت / أغسطس الماضي في تلف المضخّات والأنابيب الناقلة للماء، وقد عجزت السلطات المحلية على تغييرها أو إصلاحها بسبب ارتفاع التكاليف، ما تسبّب في أزمة مياه سرعان ما تعمّقت لتكشف عن أزمة أخرى متعلّقة بالتمييز العرقي.

هذا الانقطاع ليس حدثا جديدا على السكان، فأصل الأزمة يعود إلى تلف نظام مياه مدينة «جاكسون» الذي بُني عام 1914 بعد فياضانات نهر اللؤلؤ، وعجز المسؤولين المحليين على إعادة تهيئتها رغم تأكيد وكالة حماية البيئة عام 2020 أن حالة النظام كارثية، لكن لماذا عجزت السلطات المحلية على حل المشكلة وما علاقة ذلك بالعنصرية؟

أزمة مدينة «جاكسون» التي اعتاد سكانها على غلي الماء في كل مرة تتسبّب فيها عاصفة في إخراج أنابيب المياه المتهالكة أو تؤدي موجة برد إلى تجّمد المياه فيها، هي النتيجة الحتمية لعقود من التفرقة العنصرية والتمييز الممنهج بين البيض والسود في أمريكا باعتراف رئيسها جو بايدن الذي وعد بالتصدي للعنصرية التي قال إنها متأصلة في التخطيط الحضاري، من خلال خطة البنى التحتية البالغة 2 ترليون دولار.

كيف أصبحت مدينة «جاكسون» فقيرة ؟

بدأ سكان «جاكسون» البيض ممن عارضوا إلغاء الفصل العنصري في المدارس، بالانتقال من المدينة التي تعد عاصمة الولاية إلى ضواحي مسيسيبي، جاعلين من «جاكسون» مدينة ذات غالبية من السود بنسبة 82℅، مقابل 16℅ من ذوي البشرة البيضاء، وإحدى المدن العشرة الأفقر في الولايات المتحدة الأمريكية حسب إحصائيات العام الجاري 2022 الصادرة عن مكتب تعداد الولايات المتحدة.

إلى جانب تغير التركيبة السكانية لـ«جاكسون»، تأثرت مداخيل المدينة التي غادرها الأثرياء، فلم يعد متوسط دخل الفرد فيها سوى 19 ألف دولار سنويا، مقابل 28 ألفا على المستوى الوطني، كما تمّ تقدير متوسط دخل الأسرة فيها بـ33 ألف دولار، مقابل 53 ألفا في باقي مدن الولايات المتحدة الأمريكية.

ما هو الـ Redlining وكيف ساهم في فقر السود؟

هجرة السكان البيض ليست السبب الوحيد لفقر مقاطعة «جاكسون»، فأصل فقر المقاطعات التي يسكنها الأمريكيون من أصول إفريقية يعود إلى الفترة ما بين 1934- 1939، حين صنفت وكالة حكومية أمريكية الأحياء والمدن حسب مدى أمان منح قروض الرهن العقاري، بالاعتماد على ما يسمى بـ”Redlining” أو الخطوط الحمراء، حيث تم ترميز هذه التصنيفات بالألوان على الخرائط: اللون الأخضر يعني “الأفضل”، والأزرق يعني “ما زال مرغوبا”، والأصفر يعني “الانحدار الأكيد”، والأحمر يعني “خطير”، ولأن المناطق التي يقطنها الأمريكيون من أصول إفريقية بأعداد كبيرة صنّفت باللون الأحمر، حرم الكثير منهم من الحصول على التمويل اللازم لشراء منازل أو تجديدها.

وعلى الرغم من حظر التمييز العنصري في بيع أو تأجير المساكن والخدمات ذات الصلة رسميا بموجب قانون الإسكان لعام 1968، إلا أن الأبحاث تظهر أن الأمريكيين السود لا يزالون محرومين من القروض بمعدلات أعلى بكثير من الأمريكيين البيض، وأن مصطلح الـ “Redlining” يُستخدم كإشارة إلى استمرار التمييز العنصري في سوق العقارات والقروض، كما لا تزال معظم الأحياء التي تم رسمها في ثلاثينيات القرن الماضي بالأحمر فقيرة.

أما البيوت التي تعد أحد أساسيات تحقيق الحلم الأمريكي، فتشير الإحصائيات إلى أن نسبة ملكيتها وسط السود تقدر بـ46℅ في حين تصل بالنسبة للبيض إلى 75℅، حسب نتائج دراسة نشرها معهد بروكينغس عام 2021، وتقل قيمتها في الأحياء التي يسكنها غالبية من الأمريكيين الأفارقة ـ  حسب المصدر ذاته ـ  بـ48 ألف دولار، مقارنة بتلك التي يعيش فيها أمريكيون بيض، في صورة واضحة لاتساع فجوة الثروة حسب العرق.

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
البرلمان العربي يدين لائحة البرلمان الأوروبي بشأن الجزائر ويعتبره تدخلاً سافراً رسميا.. إدارة ترامب تغيّر اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا الطبقة السياسية في الجزائر تستنكر لائحة البرلمان الأوروبي "غزة كشفت نفاقكم".. حفيظ دراجي ينتقد ازدواجية المعايير لدى البرلمان الأوروبي سفيان شايب يجتمع برؤساء المراكز القنصلية لتقييم الخدمات المقدمة للجالية الوطنية بتهمة التجسس.. توقيف صانع محتوى جزائري رفقة زوجته في لبنان الصين تثمن دور الجزائر في تعزيز السلام بالمنطقة والعالم نابولي يفشل في تأخير وصول مواني ليوفنتوس بن جامع يناشد المجتمع الدولي: "يجب التحرك فورا لمساعدة أطفال غزة" أسعار الذهب تقفز إلى أعلى مستوى منذ 3 أشهر زهاء 50 مشاركا في الرالي السياحي الوطني بالمنيعة الصحافة الدولية تسلط الضوء على تحرير الجزائر للرعية الإسباني قضية صنصال.. وزير الداخلية الفرنسي يهاجم "ريما حسن" التحضير لتنظيم ملتقى برلماني بخصوص التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر "الأرندي" يستنكر بشدة لائحة البرلمان الأوروبي "الأونروا": نحو 660 ألف طفل بغزة لا يزالون خارج المدارس الجزائر تحتضن الطبعة الإفريقية الأولى من Slush's D طقس مشمس وارتفاع في درجات الحرارة بهذه المناطق أسعار النفط تتجه نحو أول خسارة أسبوعية في 2025 استثمار كُتب السِّيَر في التربية والتعليم.. من يُوقظ أمّةً غَيّبت عظماءها في غبار التاريخ؟