بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية، تعليق إرسال شحنة أسلحة تتضمن قنابل ثقيلة وخارقة للتحصينات إلى الاحتلال الصهيوني المستمر في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين بقطاع غزة، والتي خلّفت أكثر من 35 ألف شهيد فلسطيني تقريباً حتى الآن، عاد الحديث عن الدول الرئيسية المورّدة للأسلحة للكيان وتلك التي أوقفت صادراتها العسكرية إليه مع تصاعد الاحتجاجات والانتقادات لوحشية العدوان، إلى جانب محاكمات قضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد سلطة الكيان بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”.
الولايات المتحدة
قال مسؤولون أمريكيون إنّ شحنة الأسلحة التي علّقت واشنطن إرسالها إلى الاحتلال الصهيوني مكوّنة من 1800 قنبلة تزن كل منها ألفي رطل (907 كيلوغرامات) و1700 قنبلة تزن كل منها 500 رطل، وهي أسلحة تقدّر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات. وقال مسؤول أمريكي إنّ الولايات المتحدة اتخذت القرار بسبب مخاوف من “استخدام القنابل التي تزن ألفي رطل ومن مدى التأثير الذي قد تحدثه في المناطق الحضرية المزدحمة” مثل رفح.
لكن السيناتور جيم ريش، وهو أبرز عضو جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قال في تعليقات أدلى بها في التاسع من ماي الجاري إنّ هناك أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات ستكون في طريقها إلى الكيان، منها قذائف للدبابات وذخائر تحول القنابل غير الموجهة إلى أسلحة دقيقة، وذلك رغم بطء إجراءات الموافقة.
من جهته، ذكر موقع أكسيوس في التاسع من ماي أن من المتوقع أن يقدم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تقريرا بالغ الأهمية إلى الكونغرس حول تصرفات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة و”الذي لن يصل إلى حد الجزم بأنها تنتهك شروط استخدام الأسلحة الأمريكية”.
ووقعت الولايات المتحدة والكيان في 2016 مذكرة تفاهم ثالثة مدتها 10 سنوات تغطي الفترة من 2018 إلى 2028 وتنص على تقديم 38 مليار دولار في صورة مساعدات عسكرية و33 مليارا على شكل منح لشراء عتاد عسكري و5 مليارات دولار لأنظمة الدفاع الصاروخي. كما تلقت سلطة الكيان 69 بالمائة من المساعدات الأمريكية العسكرية لها في الفترة من 2019 إلى 2023، وفقا لبيانات أصدرها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في مارس.
وتمضي سلطة الكيان في شراء 75 طائرة من إف-35، وتسلمت 36 منها حتى العام الماضي ودفعت ثمنها بمساعدة أمريكية، إلى جانب أن الولايات المتحدة ساعدت الكيان على تطوير وتسليح منظومة القبة الحديدية للدفاع الصاروخي القصير المدى، الذي طُور بعد حرب عام 2006 بين حزب الله اللبناني و الاحتلال الصهيوني.
وأرسلت الولايات المتحدة مرارا مئات الملايين من الدولارات إلى الكيان للمساعدة في إعادة التزود بصواريخ الاعتراض الخاصة بنظام القبة الحديدية، إلى جانب مساعدتها أيضا في تمويل تطوير نظام “مقلاع داود” الإسرائيلي المصمم لإسقاط الصواريخ التي تطلق من مسافة 100 إلى 200 كيلومتر.
ألمانيا
زادت الصادرات الدفاعية الألمانية إلى الكيان بنحو 10 أمثالها إلى 326.5 مليون يورو (351 مليون دولار) في 2023 مقارنة بالعام السابق عليه، إذ تتعامل برلين مع طلبات الحصول على تراخيص هذه الصادرات كأولوية بعد طوفان الأقصى الذي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الاحتلال الصهيوني في السابع من أكتوبر.
لكن منذ بداية هذا العام، ومع تصاعد الانتقادات الدولية لحرب الاحتلال الصهيوني في غزة، أقرت الحكومة الألمانية على ما يبدو عددا أقل بكثير من صادرات الأسلحة إلى الكيان. وقالت وزارة الاقتصاد في العاشر من أفريل ردا على استفسار في البرلمان من مشرع يساري إن الحكومة لم تسمح حتى ذلك الحين سوى بشحنات قيمتها 32 ألفا و449 يورو فقط.
وذكرت وكالة الأنباء الألمانية، التي كانت أول من ينشر هذه البيانات في 2023، أن ألمانيا تزود الكيان أساسا بمكونات لأنظمة الدفاع الجوي ومعدات للاتصالات، وشملت الأسلحة المصدرة 3 آلاف سلاح محمول مضاد للدبابات و500 ألف طلقة ذخيرة لأسلحة نارية آلية أو نصف آلية. وتشير بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن ألمانيا قدمت نحو 30 بالمائة من المساعدات العسكرية إلى الكيان في الفترة من عامي 2019 إلى 2023.
إيطاليا
أكد مصدر بوزارة الخارجية الإيطالية في التاسع من ماي أنّ إيطاليا أوقفت منح موافقات جديدة على التصدير منذ بداية حرب غزة، مشيرا -في تصريح لرويترز- إلى أن “كل شيء توقف.. وتم تسليم آخر الطلبيات في نوفمبر”. وفي حين يحظر القانون الإيطالي تصدير الأسلحة إلى الدول التي تخوض حروبا وإلى تلك التي تُعتبر أنها تنتهك حقوق الإنسان الدولية، قال وزير الدفاع جويدوكروزيتو في مارس الماضي إن إيطاليا مستمرة في تصدير الأسلحة إلى الكيان لكن بموجب الطلبيات الموقعة من قبل فقط بعد التحقق من أن الأسلحة لن تستخدم ضد المدنيين في قطاع غزة.
وأرسلت إيطاليا في ديسمبر وحده أسلحة قيمتها 1.3 مليون يورو إلى الكيان بما يزيد بـ3 أمثال عن الكمية التي أرسلتها في الشهر ذاته من 2022. كما قدمت إيطاليا 0.9 بالمئة من الأسلحة التي استوردتها سلطة الكيان في الفترة بين عامي 2019 و2023 بما شمل طائرات هليكوبتر ومدفعية بحرية، وفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
بريطانيا
على خلاف الولايات المتحدة، لا تمنح الحكومة البريطانية أسلحة للكيان مباشرة وإنما تمنح الشركات تراخيص لبيع مكونات في الغالب تدخل ضمن سلاسل التوريد الأمريكية لقطع مثل طائرات إف-35. فقد منحت بريطانيا العام الماضي تراخيص تصدير لبيع معدات دفاعية للكيان بما لا يقل عن 42 مليون جنيه إسترليني (52.5 مليون دولار) مخصصة بالأساس لبنود تشمل ذخائر وطائرات مسيرة وذخائر أسلحة صغيرة ومكونات طائرات وطائرات هليكوبتر وبنادق هجومية.
وقال رئيس الوزراء ريشي سوناك للبرلمان – يوم الخميس الماضي – إنّ بريطانيا تطبق أحد أكثر أنظمة مراقبة التراخيص صرامة في العالم وتراجع بشكل دوري التوصيات بشأن مدى التزام الاحتلال الصهيوني بالقانون الإنساني، حسب قوله، مضيفا “فيما يتعلق بتراخيص التصدير، لم يتغير الوضع بعد التقييم الأخير”.
من جهته، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كامرون – في خطاب ألقاه في لندن الخميس الفارط – إنّ “الولايات المتحدة هي كدولة مزود كبير للكيان بالأسلحة. أما في المملكة المتحدة فالحكومة ليست مزود الكيان بالأسلحة، لدينا عدد من التراخيص، وأعتقد أن صادراتنا الدفاعية إلى الكيان تشكل أقل من واحد في المئة من مجموع ما تستورده. وهذا فرق كبير”.
وأضاف أن مبيعات الأسلحة ستبقى خاضعة “لآلية صارمة” لتجنب أي مساهمة في انتهاك القانون الدولي. ودعت بعض أحزاب المعارضة اليسارية الحكومة إلى إلغاء تراخيص التصدير في ظل الارتفاع الحاد في عدد القتلى في قطاع غزة وإلى نشر المشورة القانونية التي استند إليها تقييم استمرار صادرات الأسلحة.
كندا وهولندا
وأوقفت كندا وهولندا شحنات الأسلحة إلى الكيان هذا العام بسبب مخاوف من احتمال استخدامها بطرق تنتهك القانون الدولي الإنساني، كقتل المدنيين وتدمير المناطق السكنية في قطاع غزة الذي تواصل قوات الاحتلال الصهيوني حربها عليه منذ السابع من أكتوبر الماضي، مخلّفة عشرات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين وسط وضع إنساني يوصف بالكارثي ومجاعة متفاقمة تخيم على القطاع المحاصر.
وقالت الحكومة الكندية في 20 مارس الماضي، إنها أوقفت تراخيص تصدير أسلحة إلى الكيان منذ الثامن من جانفي، وإن التجميد سيستمر حتى تضمن أوتاوا أن الأسلحة ستستخدم بما يتوافق مع القانون الإنساني. وؤكد جماعات حقوق الإنسان الدولية إن أغلبية ضحايا القصف والهجمات البرية الإسرائيلية في غزة كانوا من النساء والأطفال.
وسمحت كندا منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي، بإصدار تراخيص جديدة بقيمة 28.5 مليون دولار كندي (21 مليون دولار) على الأقل بما يتجاوز قيمة التراخيص التي سمحت بها في العام السابق.
من جهتها، أوقفت الحكومة الهولندية شحن قطع غيار لطائرات F-35 إلى الكيان من المستودعات في هولندا في فيفري، بعد أن خلصت محكمة استئناف في حكمها إلى وجود خطر من استخدام قطع الغيار في انتهاك القانون الإنساني. وتطعن الحكومة على الحكم.
واشنطن تعرض معلومات استخباراتية للكيان لتجنب غزو رفح
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مصادر مطلعة قولها إن الولايات المتحدة عرضت على سلطة الكيان تقديم مساعدة قيمة إذا تراجعت عن اجتياحها الواسع لرفح جنوبي قطاع غزة. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن الرئيس جو بايدن ومساعديه عرضوا على سلطة الكيان تزويدها بمعلومات استخباراتية وبالإمدادات لإقناعها بعملية محدودة وموجهة في رفح، مشيرة إلى أن عرض المساعدة الأمريكي للكيان يشمل تقديم معلومات استخباراتية حساسة لتحديد موقع قادة حماس والعثور على أنفاق مخفية.
وقالت الصحيفة إن واشنطن تعمل بشكل وثيق مع القاهرة للعثور على الأنفاق التي تعبر الحدود بين مصر وغزة في رفح. كما قالت إن واشنطن عرضت على الاحتلال المساعدة في بناء مدن خيام مجهزة للفلسطينيين الذين تم “إجلاؤهم” من رفح، والمساعدة في بناء أنظمة توصيل الطعام والماء والدواء، حتى يتمكن من يتم ترحيلهم من رفح من الحصول على مكان صالح للسكن.
وذكرت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أن إدارة بايدن أبلغت الكيان بوجوب تهيئة الظروف للفلسطينيين الذين سيتم ترحيلهم من رفح، وبأن نقلهم لأراض قاحلة أو أخرى تتعرض للقصف أمر غير ممكن. كما أبلغتها أيضا أن نقلا آمنا لآلاف الفلسطينيين في رفح سيستغرق عدة أشهر.
وقالت الصحيفة إن بايدن وكبار مساعديه قدموا مثل هذه العروض على مدى الأسابيع القليلة الماضية طمعا في إقناع الاحتلال الصهيوني بتنفيذ عملية محدودة وموجهة بشكل أكبر في رفح جنوبي قطاع غزة، حيث يحتمي حوالي 1.3 مليون فلسطيني بعد أن هجروا من أجزاء أخرى من القطاع المحاصر. وفي السياق ذاته، نقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي قوله إن تقييما لإدارة بايدن خلص إلى أن حماس ورئيسها في غزة يحيى السنوار سيرحبان بمعركة واسعة وممتدة برفح.