تشير الإحصائيات التي تتيحها الجهات الرسمية في فلسطين إلى أن كل 10 دقائق يستشهد طفل بقطاع غزة، الذي لم يعد فيه مكان آمن، فقد ألقى العدوان الصهيوني المتواصل بكل أثقال حقده وجبنه على كلّ شبر من القطاع المُكتظ بالسكان، ما يعني أن الأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون هذه المحرقة منذ 7 أكتوبر، ستتراكم في ذاكرتهم مشاهد الدم والدمار والأشلاء والنار وصور الجثث المتفحمة من جراء القصف، ليكبروا مستقبلا ـ إن كتبت لهم الحياة ـ محمّلين بمشاعر سوداوية إزاء العالم الذي تخلى عنهم في أكبر مشهد للخذلان صوّره التاريخ. مشاعر كانت نتاج واقع استاء منه كل شريف بالغ في هذا العالم، فما بالنا بصبية صغار في عمر الزهور عُلّموا في سن مبكرة جدا أن عدوهم استفرد بهم؛ صبية أيقنوا – لا محالة – أن فلسطين سوف تحرّرها سواعدهم، وتفديها في المستقبل أرواحهم الزكية. ولأن الحق ظاهر لا ريبَ، سيكبر أطفال غزة الذين أصبحوا جميعهم مشاريع مقاومين أشداء على الكفار رحماء على وطنهم، ليُزهق على أيديهم باطل بني صهيون.
=== أعدّ الملف: منير بن دادي وسهام سعدية سوماتي ===
قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم الجمعة المنقضي إن نصف مستشفيات غزة البالغ عددها 36 وثلثي مراكز الرعاية الصحية الأولية شُلت بشكل تام. وإن ما بقي يعمل منها بات يستوعب ما يفوق طاقته الاستعابية بكثير، واصفا نظام الرعاية الصحية بكونه على شفا الانهيار.
وقال غيبريسوس إن ممرات المستشفيات مكتظة بالجرحى والمرضى والمحتضرين، وإن المشارح ممتلئة، والعمليات الجراحية تُجرى بدون تخدير، وعشرات الآلاف من النازحين يحتمون بالمستشفيات.
من جهتها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) – مساء الجمعة- من أن حياة مليون طفل في غزة باتت معلقة بخيط رفيع مع انهيار الخدمات الصحية المخصصة للأطفال في كل أنحاء القطاع تقريبا، وأضافت المنظمة أن الانهيار شبه الكامل للخدمات الطبية وخدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء قطاع غزة – ولاسيما المناطق الشمالية- يهدد حياة كل طفل في القطاع.
وأوضحت المتحدثة أن الرعاية الطبية في مستشفيي الرنتيسي والنصر للأطفال توقفت بشكل شبه كلي تقريبا، إذ لم يعد هناك سوى مولد صغير يزوّد وحدات العناية المركزة والعناية المركزة لحديثي الولادة بالطاقة. وتشير تقديرات اليونيسيف إلى أن هناك ما يقارب مليون طفل يعيشون في قطاع غزة، ما يعني أن نصف السكان تقريبا من الأطفال.
وتفيد التقارير بوقوع هجمات عدائية مكثفة بالقرب من مستشفى الرنتيسي، حيث يخضع أطفال لغسيل الكلى وبعضهم موجود في العناية المركزة، في حين يفرض جيش الاحتلال الصهيوني حصارا على مستشفى النصر للأطفال الذي تعرض مرة أخرى لأضرار يوم الخميس المنقضي في هجوم، ومستشفى آخر للأطفال شمالي القطاع توقف فعليا عن العمل بسبب الأضرار التي لحقت به جراء القصف ونقص الوقود، كما أن مستشفى الولادة في حاجة ماسة إلى الوقود لمواصلة عمله.
الإحصاءات صادمة.. والأرقام مخزية!
وقالت المديرة الإقليمية لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أديل خضر، إن الأطفال يتعرضون للحرمان من حقهم في الحياة والصحة، وحماية المستشفيات وإيصال الإمدادات الطبية المنقذة للحياة واجبان بحسب قوانين الحرب، وكلاهما مطلوبان الآن. ودعت المنظمة إلى وقف الهجمات على مرافق الرعاية الصحية فورا، وحثت على توصيل الوقود والإمدادات الطبية بشكل عاجل إلى المستشفيات في جميع أنحاء غزة.
ومنذ 7 أكتوبر المنقضي، يشن جيش الاحتلال الصهيوني يوميا عدوانا دمويا على غزة أسفر عن استشهاد 11 ألف فلسطيني، بينهم 4506 أطفال و3027 سيدة و678 مسنا، وإصابة أكثر من 27 ألفا بجراح متفاوتة الخطورة، بحسب مصادر رسمية.
من يتأمل أرقام الضحايا والخسائر، يلاحظ كم هي مرعبة، فهناك أكثر من 11 ألف شهيد لفظوا أنفاسهم جراء هذا القصف الذي يستمر ليلا ونهارا، ولا يستثني منازل أ ومدارس أ وحتى مستشفيات، إذ تشير الإحصاءات إلى أنه دمّر نصف مباني مدينة غزة.
أما ما ه وصادم في هذه الإحصاءات، فه وأن نسبة الأطفال تكاد تقارب نصف الشهداء، فهناك أكثر من 4500 طفل استشهدوا دون أي ذنب سوى أنهم أطلوا على الحياة في عالم يتنصل من مسؤولياته إزاء البراءة.
الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا”، رولا دشتي، أعلنت أن عدد الأطفال الذين استشهدوا جراء العدوان الصهيوني على قطاع غزة خلال شهر فاق العدد الإجمالي للأطفال الذين قتلوا في الصراعات المسلحة في 22 بلدا منذ 2020.
وقالت دشتي، في مقطع فيدي ونشرته يوم الجمعة عبر منصة “أكس”، إنه خلال إطلاق دراسة تقييمية سريعة صدرت عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و”الإسكوا”، تحت عنوان “حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين”، تبيّن أن “عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة والمقدر بـ4300 طفل فاق العدد الإجمالي للأطفال الذين لقوا مصرعهم في الصراعات المسلحة في 22 بلدا منذ منذ 2020”.
وشددت المتحدّثة على “ضرورة وقف إطلاق النار وضمان التّدفق المستدام للمساعدات الإنسانية بهدف التخفيف من المعاناة بشكل فوري وملموس”، مشيرة إلى أن “عدم معالجة الأسباب الجذرية للاحتلال المستمر يجعل جهود التّعافي غير كافية وقصيرة الأمد”.
كما أكدت أن “مستوى الدّمار في غزة لا يمكن تصوّره وغير مسبوق”، مضيفة بالقول: “حتى الثالث من نوفمبر، تشير التقديرات إلى أن 35 ألف وحدة سكنية قد دمرت بالكامل، وتضررت نح و220 ألف وحدة، جزئيا”.
ليسوا مجرّد أرقام.. لكلّ نازح منهم قصة!
وفي هذا السياق، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، لمجلس الأمن الدولي إنه في المتوسط يقتل طفل كلّ 10 دقائق في قطاع غزة، محذرا من أنه لم يعد هناك مكان آمن في غزة.
ولا تتوقف كارثة أطفال غزة على من استشهد منهم، فهناك آلاف آخرون بقوا على قيد الحياة لكنهم أصبحوا جرحى لا يجدون العلاج وبعضهم اضطر للخضوع لعمليات جراحة من دون مخدر. وهناك آلاف آخرون لم يستشهدوا وربما لم يصابوا في أجسامهم، لكنهم أصيبوا باليتم من جهة الأب أ والأم وربما فقدوا كليهما وحتى بقية أفراد أسرهم.
مقاطع فيدي ووثّقت مشاهد صادمة لسكان غزة وهم ينزحون من مساكنهم طلبا للنجاة؛ شيوخ في عمر الثمانين أ والتسعين وسيدات يحملن أطفالهن يقطعون كلهم مسافات طويلة (نح و14 كيلومترا) سيرا على الأقدام، دون طعام أ وشراب، ولكل نازح منهم قصة مؤلمة يحملها في صدره.
وقد صادفت إحدى كاميرات الإعلاميين ـ يوم السبت ـ جدة فلسطينية حملت حفيدتها فور ولادتها وفرت بها من مستشفى الشفاء الذي لم يعد قادرا على تقديم أي خدمة طبية، بعد نفاد الوقود منه وانقطاع الكهرباء بشكل كامل ومحاصرة المجمع بدبابات الاحتلال الصهيوني.
تقول المسنة إن حفيدتها ولدت الساعة السادسة والنصف صباحا في مستشفى الشفاء، وقد غادر الجميع المستشفى بعدها بساعتين، دون أن ترتاح الأم بعد الولادة ودون حتى أن تُرضع طفلتها، أ ويتسنى لها إعطاؤها أي نوع من الرعاية الطبية.
وأوضحت الجدة، التي بدا عليها الإرهاق وهي تمشي رفقة عدد من أحفادها في وادي غزة، حاملة بيدها المولودة التي لفتها بغطاء أبيض، أنها تمشي منذ 5 ساعات دون وجهة في رحلة وصفتها بالعذاب.
وفي ظل حملة الإبادة الجماعية التي يواصلها الجيش الصهيوني بعدوانه المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، اضطر أكثر من مليون و600 ألف من سكان القطاع المحاصر إلى النزوح قسرا إلى وسط وجنوب .غزة
وهناك من اضطر إلى النزوح بعد أن دمّر الجيش الصهيوني مساكنهم، وأباد أحياء سكنية كاملة سواها بالأرض، وهناك من اضطر للنزوح خوفا إثر تلقيهم منشورات التهديد التي ألقى بها الجيش الصهيوني على من بقي من سكان مدينة غزة لإجبارهم على النزوح والتوجه جنوبا.
بسبب مشاهد القتل الذي طال أهلهم والدمار الذي لحق بمساكنهم..
الغرديان تحذّر من مغبّة صدمات نفسيّة حادة يعاني منها أطفال غزة
كشف تقرير نشرته “الغارديان” أن الأطفال في غزة باتوا يعانون من أعراض صدمة شديدة، متأثرين بمشاهد القتل والدمار التي يعايشونها. ونقلت الصحيفة البريطانية عن الطبيب النفسي في غزة، فاضل أب وهين، قوله إن التأثير النفسي للحرب بدأ يظهر على الأطفال، خاصة ما يتعلق بـ”الصدمات النفسية الشديدة”، والتي تشمل أعراضها في “الخوف والعصبية والتشنجات والسلوك العدواني، والتّبول اللا إرادي، وملازمة هؤلاء الأطفال آباءهم “.
وحول هذه النقطة، قالت السيدة الفلسطينية حنان النادي، التي أجُبرت على مغادرة منزلها شمالي القطاع إلى الجنوب حيث تقيم في إحدى مدارس الأونروا، قالت إن اثنين من ولديها يعانون من أزمات خوف حادة تنتابهم أثناء النوم، ما يستدعي طمأنتهم ومحاولة التخفيف عنهم.
وقدّرت منظمة الصحة العالمية أن 120 ألف شخص يعانون من أمراض نفسية جراء العدوان الأخير وحده، في حين بات العدد مرشحا للزيادة بصورة كبيرة مع استمرار العدوان الهمجي.
وقالت مجلة “فوربس” الأمريكية إن الأطفال يتحملون وطأة الصراع المتصاعد حاليا، مضيفة أن “الضرر النفسي المتمثل في الخوف المستمر على حياتهم، ورؤيتهم الدمار الكارثي الذي لحق بمنازلهم وممتلكاتهم، والتشريد المؤقت أ وحتى الدائم، ومعاناتهم جراء انعدام الأمن الغذائي، كبير وله عواقب طويلة الأجل”.
ومما يزيد من تفاقم هذه الأزمة الإنسانية، أزمة النقص الحاد في المياه النظيفة وتضرر شبكات الصرف الصحي، فضلا عن معدلات سوء التغذية الحاد والمزمن، والذي ترتفع نسبته بين الأطفال في غزة.
جيل الصّدمة في غزة.. شاهد على 5 حروب !
في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، قال الطبيب النفسي جمال فرويز، والذي عمل استشاريا للطب النفسي لدى الأمم المتحدة في عدد من مناطق النزاع، إن العدوان الراهن سيُخلّف تداعيات نفسية فادحة على مواطني قطاع غزة كافة، البالغ عددهم قرابة 2.5 مليون مواطن؛ بيد أن الفئة الأكثر تضررا هي الأطفال الذين ستكون الصدمات النفسية بالنسبة إليهم أكثر حدّة. وحدد “فرويز” تداعيات الحرب الراهنة على الحالة النفسية لسكان قطاع غزة في عدد من النقاط، موضحا أن:
- الأثر النفسي للنزاعات والحروب يختلف من شخص لآخر، إذ يكون أشد ضررا بالنسبة للأشخاص العصبيّين، وهم يظهرون مؤشرات عالية للإصابة بالاضطرابات النفسية، إضافة إلى المصابين مسبقا بأمراض نفسية كالاكتئاب أ والوسواس القهري، أ ومن لديهم جينات وراثية ترجح إصابتهم بأمراض نفسية.
- مشاهد القتل والدماء والأشلاء والدمار تؤدي لاضطرابات نفسية بالغة، كما تترك ذكريات صعبة لا تُمحى بسهولة من ذاكرة الأجيال، خاصة حال وجود وفاة شخص قريب منهم.
- في أثناء الدمار الواسع، يقوم السكان بدعم بعضهم البعض نفسيا خاصة أن الضرر طال الجميع، لكن رد الفعل يختلف بين السكان أنفسهم، خاصة من يعانون من آثار ما بعد الصدمة.
- الأعراض النفسية الأكثر شيوعا، فإنها تتوقف على حسب المرض النفسي والسن، إذ تشمل: الهلع، واضطرابات النوم والطعام، والوسواس القهري، واضطرابات سلوكية لدى الأطفال، إلى جانب بعض الأعراض الجسدية الناجمة عن التوتر مثل القيء والتهابات الجلد والقولون والبطن والآلام المزمنة.
في كل الأحوال، فإن الاضطرابات النفسية ستستمر لفترة ليست بالقليلة، وقد تتواصل في الظهور ـ في شكل سلوكات وممارسات ـ على البعض لنح و6 أشهر متصلة من وقت نهاية العدوان، غير أن هذا الأثر المحفور عميقا سيلازم الضحايا ويهيمن على ذكرياتهم، أضاف المتخصص.
وتشير عدة تقارير إلى أنه في بعض الأحيان ينام 100 شخص في الفصل الدراسي الواحد، ما يتطلب تنظيفا مستمرا، في حين لا توجد إمدادات تُذكر من الكهرباء والماء، لذا فإن الحمامات والمراحيض قذرة للغاية.
وقالت تحرير طبش، وهي أم لستة أطفال يحتمون في إحدى هذه المدارس، إن “أطفالها يعانون كثيرا خلال الليل ولا يتوقفون عن البكاء، ويتبولون لا إراديا “، مشيرة إلى أنه “ليس لديها الوقت الكافي لتنظيفهم واحدا تل والآخر”.
وأضافت أن صغارها “لا يشعرون بالأمان في هذه المدارس أيضا”. وتقول الأمم المتحدة إن هذه المدارس تعرضت للقصف عدة مرات، وشهدت طبش عدة هجمات صاروخية تصيب مباني مجاورة، كما لفتت طبش إلى أن أطفالها أصبحوا “يقفزون من الخوف عندما يسمعون صوت تحريك كرسي فقط”.
ومعلوم أن نظام الرعاية الصحية في غزة منهك بالفعل قبل بدء العدوان، وصار الآن في حالة انهيار تام، في حين يحذر خبراء الصحة النفسية منذ فترة طويلة من الأضرار الفادحة التي لحقت فعلا بالأطفال”.
وشهد عدوان عام 2021 الذي شنّه الاحتلال على قطاع غزة استشهاد ستين طفلا، غير أن المفارقة الموجعة تكمن في أن المجلس النرويجي للاجئين صرّح لاحقا أن 12 طفلا من ضمن هؤلاء الستين كانوا يتلقون علاجا نفسيا يقدمه المجلس، ويساعدهم على التعامل مع صدمات حروب سابقة.
وشهدت غزة، منذ أكثر من 20 عاما حتى اليوم، خمس حروب، لم يتخللها سوى محاولات التعافي من الحرب التي سبقت وخوف غير منقطع من حرب قادمة، وما بينهما تصعيدات مستمرة بين الحين والآخر. فأصبح اليوم العادي في حياة أطفال القطاع لا يخل ومن دخان وانفجارات وتدمير منازل ومنشآت مدنية. أما الأيام الهادئة، فهي أيام استثنائية.
ويقول خبراء الصحة النفسية في غزة إنه “لا يوجد هناك شيء اسمه اضطراب ما بعد الصدمة، لأن الصدمة في القطاع مستمرة”، مع نوبات متكررة من الصراع المسلح تمتد إلى ما يقرب من عقدين من الزمن.
وقد حدث أن دمرت غارة جوية صهيونية مبنى في مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد العديد من أفراد عائلة أب وعكر، وقفت مجموعة كبيرة من الأطفال بين أولئك الذين يراقبون رجال الإنقاذ وهم يبحثون بين الأنقاض عن الناجين والجثث، وبينما كانت النساء في الجوار يبكين وينتحبن، وقف الأطفال مشدوهين يراقبون دون أن يظهر على وجوههم أي ردود فعل.
نفسانيون أكدوا أن الصّدمة تلازم الصبيّة إلى أن يكبروا ما لم يُتكفّل بهم..
أطفال غزّة.. مشاريع مقاومين لا يشقّ لهم غبار
أرواح الأطفال ضحايا العدوان الصهيوني على غزة ستطوّق هذا العالم الذي فقد إنسانيته، حين تخلى عنهم وترك آلة التقتيل الصهيونية تنهش لحمهم الغض. لكنّ التاريخ لا يرحم، والبراءة التي تعرضت لأبشع محرقة عبر التاريخ ستظهر ذات يوم على شكل قوة مدمرة تنتقم لنفسها من جلادها بالطريقة تليق به، وساعتها ستبدأ قصص أخرى، يدفع خلالها الظالم الثمن غاليا وباهظا.
“عم وما عندك أولاد!“..
شكل آخر من أشكال القهر، الذي يتعرض له أطفال فلسطين تظهره هذه القصة:
إياد بنات، مواطن فلسطيني، استطاع توثيق لحظة الاعتداء عليه بالضرب المبرح من قِبل قوات الاحتلال الصهيوني أمام عائلته، قبل اعتقاله من منزله في مدينة الخليل بالضفة الغربية.
وظهر الفلسطيني إياد بنات في بث مباشر عبر حسابه على منصة “تيك توك” عندما اقتحم جنود صهاينة منزله واعتدوا عليه بالركل والضرب، بالأرجل وأعقاب البنادق فور دخولهم، وأظهر المقطع أن بنات كان أعزلا عندما وقف ينتظر عند باب منزله المفتوح، ولم يقاوم الجنود، ورغم ذلك نكّلوا به أمام عائلته.
ويُسمع في الفيدي وصراخ طفلة المعتقل، التي كانت تستغيث وتطالب الجنود بالكف عن التنكيل بوالدها، وعندما نهرها أحد الجنود وأمرها بأن تسكت وه ويصوّب بندقيته نحوها، سألته ببراءة وهي تبكي “عم وما عندك أولاد؟”.
وتناقل ناشطون بمواقع التواصل، على نطاق واسع، المقطع الذي يظهر تنكيل القوة الصهيونية بـ”بنات” أمام أسرته قبل أن يقتادوه من منزله مكبل اليدين، ولا يُعرف مصيره حتى الآن.
إعادة اجترار الصّدمة.. مأساة أدهى وأمرّ!
إيمان فرج الله، التي نشأت في قطاع غزة، تقول إنها شهدت خلال طفولتها أحداث الانتفاضتين الأولى والثانية، وبعدهما الحروب اللاحقة التي عرفها القطاع، قبل أن تنتقل في السنوات التالية إلى الولايات المتحدة.
وتكشف فرج الله الطبيبة النفسانية، التي تعمل اليوم مع الأطفال اللاجئين في عيادة بسان فرانسيسكو، أن تجربة الحرب بالنسبة إلى طفلة صغيرة “كانت قاسية ومخيفة للغاية”، مشيرة إلى أن ما عاشته “أضر بها إلى درجة أنه لا توجد كلمات يمكنها أن تصف بها ما عانته”.
وتضيف فرج الله مسترجعة ذكريات من طفولتها في تصريحات لـ”أن بي آر” (الإذاعة الوطنية العامة): “كيف يمكن وصف حادثة مثل أن يأتي جندي صهيوني ويقفز من فوق الجدران إلى منزلنا، ويضرب إخوتي ووالدتي؟”.
ومع ذلك، توضّح أنها لم تكن أبدا قادرة، آنذاك، على التحدث إلى أي شخص بشأن مشاعرها والرعب الذي بثته تلك المواقف في نفسها: “لم يتحدث معي أحد قط عن الصدمة التي تعرضت لها”.
وتقول فرج الله، التي عادت إلى غزة قبل أعوام، للتحدث مع الأطفال وعائلاتهم، وتوثيق مدى تأثير العنف على صحتهم الجسدية والعقلية، إن العديد منهم يعانون من صدمات نفسية، مضيفة “تأثر الكثير منهم بانفجارات القنابل، هناك من لديه نذوب وأثر شظايا في أجسادهم، بعضهم فقد أطرافه وحتى بصره”.
كما رصدت الطبيبة النفسانية مجموعة كاملة من الأعراض المرتبطة بتدهور الصحة العقلية والسلوكية بين الأطفال في غزة، مثل “الخوف من الظلام، والتوتر العام، والكوابيس، وصعوبة النوم، واستذكار مشاهد الصدمة التي تعرضوا لها”.
والسؤال المطروح في الوقت الراهن: مكمنه كيف سينظر هؤلاء الأطفال إلى العالم عندما يكبرون؟ وكيف يمكنهم الوثوق بحكومة تتحدث عن السلام ويدها ملطخة بالدماء، لا شك أن رغبتهم في الثأر لوطنهم واسترجاع حقهم ستظل تلازمهم إلى أن ينالوا من عدوهم، مهما طال الوقت بهم.
بطلة وطفلاها.. فيدي والـ 63 مليون مشاهد!
من بين مئات المقاطع والصور التي وثقتها عدسات الصحفيين والناشطين حول نزوح مئات العوائل الفلسطينية من شمال القطاع، ثمة فيدي ولفت انتباه رواد العالم الافتراضي لامرأة غزاوية تسحب طفليها خلال نزوحها من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، ووثق مصور ـ اسمه معتز عزايزة ـ تلك اللحظة، ونشرها عبر حسابه عبر إنستغرام وعلق عليها بالقول: “استمرت في سحب طفليها لأكثر من 5 ساعات، أي ما يعادل 14 كيلومترا”.
وشهد الفيدي وتفاعلات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، وأطلق المغردون على الأم لقب “الأم البطلة”، وقالوا إن مشهد هذه السيدة وغيرها من النساء من المشاهد التي تدل على قوة وصمود نساء غزة، ووصل عدد مشاهدات مقطع الفيدي ومنذ نشره على حساب عزايزة إلى أكثر من 63 مليون مشاهد.
مستشفى الشفاء أضحى خارج الخدمة تماما
أعلن وكيل وزارة الصحة في غزة يوسف أب والريش ـ أمس الإثنين ـ “استشهاد 6 أطفال خدّج و9 آخرين في قسم العناية المكثفة”، بسبب انقطاع الكهرباء عن مستشفى الشفاء أكبر المؤسسات الصحية في قطاع غزة، الذي يتعرض لحصار وقصف صهيونيّين متواصلين.
وأشار أب والريش الموجود في مستشفى الشفاء الذي لجأ إليه آلاف النازحين أشار، مساء الأحد، في حصيلة سابقة إلى “وفاة خمسة أطفال خدج وسبعة مرضى”. وأعلن المستشفى يوم السبت أن 39 طفلا من الخدّج ما يزالون في المستشفى، حيث أفاد طبيب من منظمة “أطباء بلا حدود” بأن 17 مريضا موجودين في العناية المركزة قد يفقدون أرواحهم في أي وقت.
أيتام غزة.. معضلة أخرى تضاف إلى المآسي الجسام !
تتزايد في قطاع غزة أعداد الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أحد والديْهم أ وكليهما بسبب العدوان الصهيوني، وهكذا فإن مصيرا صعبا ينتظر هؤلاء اليتامى بالنظر إلى ضعف إمكانات دور الأيتام في غزة.
وبحسب تقرير صدر عن برنامج “النظام الوطني لحماية الطفل والرعاية البديلة للطفل: SOS” عام 2017، فإنه لا يوجد سوى 4 دور أيتام في غزة، تضررت أهمها جراء قصف صهيوني عام 2021.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية لدور رعاية الأيتام في غزة 2800 طفل، علما بأنها تحولت إلى دور إيواء لمجمل النازحين بسبب ظروف الحرب، لتصبح الجمعيات الخيرية العربية سبيل الأيتام الوحيد للكفالة.
وبلغ عدد الأطفال الأيتام قبل العدوان الأخير نح و33 ألفا، وفق آخر إحصاء لمؤسسة “إس. كاي. تي. ويلفير” الخيرية الإسلامية، بينما قدرتهم مؤسسة “أورفانز إن نيد” بأكثر من 22 ألف يتيم، و5 آلاف أرملة، يواجهون مخاطر لا يمكن تصورها، كما تواجه الأرامل صعوبات لإعالة أطفالهن بمفردهن.
وقبل 7 سنوات، ذكر تقرير لبرنامج “النظام الوطني لحماية الطفل والرعاية البديلة للطفل-SOS”، أن نسبة الأيتام المسجلين لدى وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، في العام 2016، بلغت 2.3% ممن تقل أعمارهم عن 17 سنة، لكن في عام 2018، أبلغت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة أن دولة فلسطين لم تقدم إحصاء بعدد الأطفال الأيتام، لأن حصرهم يعد تحديا.
جدير بالذكر أن عدوانا صهيونيا على غزّة في العام 2014 خلّف نح و1500 يتيم في القطاع نتيجة عملية “الجرف الصامد” الصهيونية، بينما قدرتهم وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية في تقرير وكالة أنباء “الأناضول” بـ2000 طفل يتيم.
الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع الدكتور عمر داود لـ”الأيام نيوز”:
“الأعمال الإجرامية الصّهيونية تشعر أطفال فلسطين بالقهر وتنمّي فيهم روح الانتقام”
يعتقد الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع، الدكتور عمر داود أنّ “العمل الإجرامي الصّهيوني على غزّة، وعلى أرض فلسطين المحتلّة، وتورّط بعض دول الغرب في مساندة الكيان الغاصب، سيشعر الأطفال بالمظلومية التي ستغذّي فيهم المزيد من العدوانية تجاه الصّهاينة مع عدم الثّقة في الغرب ومنظماته “الإنسانية” وشعارات حقوق الإنسان، وتنمّي في النّاشئة الفلسطينية الرّوح الانتقامية”.
وحسب المتخصص، فإنّ “مثل هذا الوضع سيساهم في إكساب المقاومة المسلّحة قوة دفع متجدّدة من خلال تأطيرها لهؤلاء الأطفال مستقبلا، وسيجعل المقاومة لا تعيد إنتاج نفسها فحسب، بل ستواصل في مسارها التطوري الجيلي التصاعدي، ومن يدري لعلنا سنشهد الانتقال من أطفال الحجارة سابقا إلى شباب المسافة صفر الحالي إلى شباب الانتصارات الحاسمة في المستقبل القريب”.
وفي سياق ذي صلة، أفاد الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع، الدكتور عمر داود في تصريح لـ “الأيام نيوز”، بأنّ “خرق الصّهاينة لكلّ المواثيق الدولية بقتل المدنيين من الأطفال والنساء، وقصف المستشفيات والقيام بما لا يخطر على بال الجيل المعاصر سيساهم في برمجة عقول الأجيال اللاحقة على الصمود والمقاومة وإقناع العالم بأسره بفكرة أن الحوار والسلام مع الصهاينة ضربٌ من الزيغ والوهم”.
كما أن “تحوّل القائد الملثم أبو عبيدة إلى أيقونة ترمز إلى فكرة مقاومة الظلم بأبسط الوسائل سيؤدي إلى تبنّيه كقدوة للأجيال اللاحقة، ويساهم في تمتين جبهة المقاومة وتجاوز أحلام الهرولة نحو التطبيع لتحقيق السلام”، حسبه.
إلى جانب ذلك، يرى الدكتور عمر داود أنّ “التّرسانة الإعلامية العالمية لم تستطع الاستمرار طويلا في زيف الحقائق بالتشدّق بعبارات: مكافحة الإرهاب، ومعاداة السّامية، والدّفاع عن النّفس، ولم تصمد أمام صور وفيديوهات الإعلام الجديد الحرّ، الذي استطاع أن يفضح هذه التّرسانة وتواطئها كما تمكّن من تغيير اتجاه رأي الطبقات المثقفة الغربية في عمومها”.
وأشار الدكتور عمر داود إلى أنّ “عملية “طوفان الأقصى” قد شكّلت المفاجأة بامتياز، إذ لم يكن في الاعتقاد أن تتمكّن مجموعات من المقاومين وبوسائل بسيطة من اختراق حصون الصّهاينة، وإذلال جنودهم بتلك الطّريقة التي نشرتها مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني أنّ العملية قد كسرت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر”.
والأهم من ذلك – يضيف المتحدث ذاته – أنّها “ستشكل وثبة نفسية في الضّمير الجمعي العربي والإسلامي، ومن شأنها أن تفتح آفاق العمل المقاوم بكل أشكاله، مقابل توسّع الشّروخ المركزية في مجتمع الصّهاينة الراهن، وتزايد الصّراعات القطبية: اليسار/اليمين، المتدينون/العلمانيون، المهاجرون الجدد/المهاجرون القدامى، الأشكناز/ السفارديم.. الخ”.
وأبرز الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع أنّ “سلطة الصّهاينة قد وقعت في تخبط لم يسبق له مثيل، ولم تجد حلا لتجاوز صدمة “طوفان الأقصى” ومخلّفاته الأمنية الدّاخلية سوى ارتكاب خطيئة الانتقام من المدنيين في غزّة، بمباركة حلفائها ومساندة وسائل إعلام عالمية تحت مبرر الدّفاع عن النّفس. لكن، سرعان ما تبيّن وَهَنُ هذا المبرّر لتثبت للعالم أجمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي همجيتها ووحشيتها وعحزها عن إدارة أزماتها وتسيير أمورها في غياب الحليف الأمريكي”.
وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أكّد الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع، الدكتور عمر داود، على أنّ “الخروق الصهيونية والانتهاكات العلنية للاتفاقات العالمية من شأنها أن تهدّد السّلم العالمي، وتحكم على مصير الإنسانية جمعاء بالدخول في عصر التهديد النووي الذي يحيل إلى شبح احتمال التّدمير التام للمعمورة”.
الخبير التربوي الأردني الدكتور صالح نصيرات لـ”الأيام نيوز”:
“همجية الصهاينة دفعت الشعوب الغربية إلى مراجعة موقفها تجاه القضية الفلسطينيّة”
تحدّث الخبير التربوي الأردني ، الدكتور صالح نصيرات، لـ “أيام نيوز” في موضوع تأثر الأطفال في غزة بمجريات الحرب وآثارها ومشاهدها، فكان منه هذا التصريح: “يُعدُّ الأطفال من أكثر الفئات تأثُّرا بالحروب، فهم غالبا يمثّلون ربع ضحاياها. وفي الحالة الفلسطينية، رأينا أنّ العدو الصّهيوني قد تعمَّد بشكل كبير معاقبة الأطفال؛ لأنّه يعتقد أنّهم عُدَّة المستقبل، ولذلك تجاوز عدد الشّهداء منهم أربعة آلاف شهيد، أي ما يقارب ثلث الشّهداء الذين ارتقوا في هذه المعركة، أما عدد الأطفال الجرحى، فقد تعدى المستشهدين منهم بكثير ، والذين شاهدوا المأساة كغيرهم من أهل غزّة يُعدُّون بمئات الآلاف، وقد تأثّر الأطفال لمشاهد الحروب من قتل ودمار وهجرة من ديارهم وما نتج عن ذلك من فقدان الإحساس بالأمان”.
وأضاف المتخصص التربوي يقول: “ولأنّ الأطفال الجرحى والمصابين، وكذلك ممّن وقعوا تحت تأثير المعارك، قد يتحولون بين عشيّة وضحاها إلى أيتام، وهذه الحالة تزيد لدى الطّفل الشّعور بالضّياع، مما يسبّب لديهم ما يُسمى بمتلازمة صدمة الحروب، وهذه الظّاهرة تجعل الأطفال غير قادرين على تفسير ما حلَّ بهم. وينتج عن ذلك اضطرابات نفسية وعقلية، حيث تكثر الكوابيس المفزعة، وربّما الهذيان وقد يصل الأمر أحيانا إلى إيذاء الأطفال أنفسهم.
هذه الآثار كلُّها ستؤدّي لدى هذه الفئة الهشّة إلى شعور بأنّ الحياة نفسها أصبحت بلا قيمة، وأنّ الآمال والأحلام تبخَّرت، فيسود اليأس والإحباط وعدم الرّغبة في التّفكير بالمستقبل تفكيرا إيجابيا.
وقد تختلف الآثار إذا وجد هؤلاء الأطفال بيئة تستفيد من هذه الفرصة في تعميق إيمانهم بالله، وظهور مفاهيم عَقديَّة ودينية تمكِّنهم من الصّمود، وقد رأينا نماذجَ من ذلك عبر مقاطعَ مصوّرة لأطفال فلسطينيين يعبِّرون فيها عن وضوحٍ وفهم لما يجري حولهم، وهذا بالتّالي سيكون دافعا لديهم للتّصميم على الثأر من القاتل”.
وأوضح نصيرات في معرض حديثه لـ “أيام نيوز” أنه قد ينتج عن ذلك أيضا شعور بالكراهية للحروب ومن تسبَّب فيها؛ ولأنّ الأطفال يعيشون في جوٍّ مشحون بالكراهية تجاه المعتدي، حيث يستمعون إلى ما يقوله الوالدان والأقرباء عن وحشيّة هذا المعتدي، فإنّهم سيشعرون بكراهية وحقد عليه، وهذا الشّعور طبيعي؛ فالطّفل الغزِّي والفلسطيني عموما يسمع هدير الطّائرات، ويرى آثار الانفجارات والحرب ممثَّلة في قتل الوالدين والأصدقاء ودمار البيوت، وما يخلِّفه ذلك الدمار من هجرة طبيعية، ربما تكون مؤقَّتة من خلال الإقامة خارج البيت، في مدرسة أو مستشفى أو عند الأقارب، وهذا بحدِّ ذاته يُخرجه من عالم الأمن والأمان إلى شعور بالضَّياع وعدم الاستقرار.
هذا كلّه سيخزَّن في ذاكرة الطفل، وهذه الذّكريات المؤلمة ستعاود الظّهور في حياة الطّفل من آن لآخر، ما يطوِّر لديه كراهية وحقدا. كما أنّ سماع الطّفل للمناقشات الدّائرة بين الكبار حول تخلِّي العالم عنهم، وكذلك تحالف الغرب مع المعتدي ومدّه بالسّلاح والمال والمواقف السّياسية، كلّ هذا سيؤدّي إلى خيبة حقيقية بكلّ المفاهيم التي ربّما سمع عنها، خاصّة ما يتعلّق بحقوق الطّفل ورعايته، وضرورة إبعاده عن آثار الحروب، وسيولّد شعورا بأنّ المنظومة الفكرية الغربية ليست سوى كلام نظريّ لا أثرَ له على واقع الحياة.
هذا الوضع المأساوي يدعو كلَّ المنظّمات والمؤسّسات الدّولية والمحلية إلى وضع البرامج والمناهج التي ستساعد الأطفال على تخطّي هذه المرحلة، والتّقليل من آثارها على حياتهم.
وختم محدّثنا مؤكدا أن همجية العدو الصّهيوني حين تجاوزت كلَّ الحدود، وفاقت في بشاعتها كلّ الحروب والمعارك التي فُرضت على أهل غزة تحديدا، فإنّ ما رأيناه من نشاط عالمي ممثَّلا في الوقفات والاحتجاجات والمظاهرات، ينسجم مع رؤية إنسانية عالمية تناهض هذا العدوان، وتقف مع الضّحايا بشكل لم نعهده من قبل، وقد عبّر غربيون في مقابلات تلفزيونية وصحافية وإذاعية عن أنّ ما حصل في غزة أدّى إلى آثار إيجابية عليهم، فأصحبوا على وعي حقيقي بأنّ المحتل سبب كلّ المشكلات، وأنّ هذا المحتل ليس له هدف سوى إلغاء الشّعب الفلسطيني، والقضاء على أحلامه بأن تكون له دولة مستقلّة.
كما أنّ ما نقلتْه وسائل الإعلام الغربي المنحاز للمحتلِّين، مما يتناقض بشكل واضح مع ما يراه ويسمعه الغربيون من عامّة النّاس والمثقّفين، جعلهم يبحثون عن وسائل إعلام تنقل الخبر والصّورة دون تحيُّز، وقد كان للشّباب العربي والمسلم في الغرب خاصّة، ودول العالم عامّة دور مميز في استخدام وسائل التّواصل الاجتماعي لنقل الصّورة الصّحيحة، والقيام بدور توعوي تثقيفي لزملائهم في العمل، وجيرانهم وأصدقائهم، أثمر وعيا حقيقيا لدى فئات وشرائحَ مختلفة في الغرب، جعلها تغيّر مواقفها تجاه قضية فلسطين والعرب والإسلام. فرأينا شبابا وشابات يبحثون عن المصحف الشريف ، للاطلاع على القرآن ودراسته، ومحاولة فهم أسباب الصّمود الأسطوري لدى أهل غزة، وربط ذلك بقيم إسلامية؛ كالصّبر على البلاء، واللّجوء إلى الله سبحانه وتعالى في هذه الظروف، وهذه المعاني والقيم لا وجودَ لها عند عامة الغربيين.
الخبير في علم الاجتماع فوزي بن دريدي لـ”الأيام نيوز”:
“تواطؤ الغرب مع الكيان الصهيوني تكشّف للعالم بأسره وسيولّد عدائيّة ضدّهما“
أكد الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، أن عملية “طوفان الأقصى”، كانت لحظة تاريخية فارقة وحدثا استثنائيا في المنطقة والعالم ككل، أدّت إلى تحولات على المستوى الجيوستراتيجي وعلى المستوى النفسي، خاصة بالنسبة إلى الأطفال الذين يشكلون نصف سكان غزة، وكذلك بالنسبة إلى الشعوب العربية على مستوى كفاح وصمود شعب غزة، الذي أثبت أنه ظهيرٌ قوي جدّا للمقاومة الفلسطينية من خلال صموده وثباته بالرغم من كل الاستدمار والعنجهية والقتل الذي يمارسها الكيان الصهيوني المستبد في حقه.
وأوضح الدكتور بن دريدي، في تصريحه لـ “الأيام نيوز”، أن هذا الحدث الاستثنائي أدى كذلك إلى تغيير معادلات كثيرة على مستوى العالم، خاصة بعد ردة الفعل الصهيونية الشرسة والانتقامية التي تتنافى مع كافة القوانين الدولية بما فيها القانون الدولي الإنساني ومعاهدة جنيف الرابعة، التي تتضمن شروطا معينة يجب مراعاتها في أي صراع أو حرب، على غرار ضرورة الالتزام بعدم استهداف المؤسسات الاستشفائية وعدم تعريض حياة المدنيين للخطر، وكل هذه الأمور تعمّد الكيان الصهيوني ارتكابها وتمادى في استهدافه وترويعه للمدنيين العزل بما فيهم الأطفال في قطاع غزة.
في السياق ذاته، أبرز المتحدث أن رد فعل الصهاينة بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي، كان شرسا جدّا وغير محسوب وغير إنساني، خاصة إذا ما تحدثنا عن الاستهداف الممنهج لفئة الأطفال، ضاربين بذلك كل المعاهدات والمواثيق التي تنص على حماية هذه الفئة في النزاعات والحروب عرض الحائط، حيث تم تسجيل مئات الشهداء من الأطفال، وحتى الأطفال الذين نجوا من آلة القتل الصهيونية كانوا شهود عيان على قصف منازلهم أو منازل غيرهم، والكثير منهم فقدوا – على الأقل – فردا أو فردين من الأهل والأقارب، إذا لم يكن المفقود الأب والأم، وبالتالي تعرضوا إلى صدمات وآثار نفسية سلبية في ظل ما يعانونه من ضغوطات نفسية وأضرار صحية وإصابات من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع.
وفي هذا الصدد، أشار الخبير في علم الاجتماع إلى أن طفل اليوم في غزة هو رجل الغد، وبالتالي وفي ظل كل ما يرتكبه الكيان الصهيوني المستدمر في حقه من مجازر وانتهاكات يومية بالجملة ضد الإنسانية، سيؤدي ذلك حتما إلى تولد مشاعر حب الانتقام لديه ضد كل ما هو صهيوني وإسرائيلي. مُبرزا – في السياق ذاته – أن كل ما يتم الترويج له هنا وهناك من حديث عن سلام مستقبلي هو على الأرض أمرٌ مستحيل أمام كل الأحداث الجارية والدائرة في قطاع غزة وتحويل أطفالها إلى بنك أهدافٍ لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي وبالرغم من التضييق الممارس عليها استطاعت هذه المرة إماطة اللثام عن المشروع الصهيوني مثبتة للعالم بأسره أنه مجرد مشروع دموي عنيف غير أخلاقي، لا يلتزم حتى بالحدّ الأدنى من الشروط والمبادئ المُتعارف عليها في هذا النوع من الصراعات، إضافة إلى استناده إلى المسائل الدينية وفتاوى حاخاماته التي تُبيح قتل أطفال غزة، الأمر الذي يحول المسألة إلى مسألة أخرى تماما كما يفعل الإرهاب عبر مختلف مناطق العالم.
هذا، ويرى الدكتور بن دريدي أن هذه الحرب والعدوان الصهيونيّين المتواصلين على قطاع غزة أديا إلى إحداث تغيير كبير على مستوى عدة معادلات وقناعات ظلت ثابتة لعقود من الزمن، على اعتبار أن الإعلام الكلاسيكي المتمثل في القنوات الموجهة أحادية الرؤية على غرار الـ ( CNN)، التي كانت تقود حروبا إعلامية بالموازاة مع الحروب الفعلية العسكرية الدائرة في الميدان بما فيها الحرب الأمريكية على العراق سنة 2003، تراجع تأثيرها اليوم في ظل انتشار واسع لمختلف وسائل التواصل الاجتماعي، والتي رغم التضييق المُمارس عليها إلا أن بعضها تمكّن من نقل الوقائع والأحداث كما هي.
وفي هذا الإطار، أبرز الخبير في علم الاجتماع أن هذا الأمر أدى إلى تعبئة الرأي العام الدولي من شعوب ومثقفين ونخب ومحاميين إلى غير ذلك، فبالرغم من محاولات بعض الحكومات الغربية الرامية إلى قمع الرأي الآخر، إلا أن هناك انتشارا كبيرا للوعي على مستوى العالم كشف كذب الرواية الصهيونية وادعاءاتها الباطلة بشأن كل ما يتعلق بالاحتماء بالمحرقة اليهودية وما إلى ذلك؛ فالآن، بات جليا للجميع أن الصهاينة يُمارسون الإرهاب الدولي بمساندة ورعاية أمريكية خالصة ومساعدات حكومات دول غربية كذلك، ضاربين عرض الحائط بكل تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنص على حماية حقوق الإنسان وحماية الأطفال في الحروب والنزاعات. كل هذه المفاهيم سقطت في الماء واكتشف العالم بأسره أنها مجرد شماعات تستخدمها الدول الكبرى في محاولاتها لاستعباد الشعوب الأخرى والبحث عن سبل ووسائل للتدخل في شؤونها الداخلية.
المستشار التربوي والأسري مصطفى مصباح لـ”الأيام نيوز”:
“على المربّين اغتنام ملحمة غزّة وتلقين الطلاب أن النّصر يولد من رحم المعاناة”
الأيام نيوز: في نظرك، كيف يمكن أن تتبلور نفسية الأطفال الفلسطينيين الذين شهدوا عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من ردّ صهيوني إجرامي استهدف قطاع غزة وحوله إلى محرقة؟
مصطفى مصباح: أطفال غزّة معدنهم يختلف تماما عن معدن كلّ أطفال العالم، فهم يعيشون الاضطهاد، ونشأوا في أسر متشبعة بقيم التّضحية والتّأقلم مع المحن. وصبرهم على ما فعله الكيان الصّهيوني بأهلهم وعائلاتهم وإبادتهم لدليل قاطع على أنّهم يملكون مناعة قوية. فما نشاهده يوميا عبر صفحات التواصل الاجتماعي من أطفال يكتبون أسماءهم على أذرعهم استعدادا للموت في أيّة لحظة وهم مبتسمون لَهي رسالة واضحة وقويّة للعالم الغربي أنّ أطفال غزّة ، رغم صغر سنّهم، هم يملكون عقلا راجحا راشدا وهمّة عالية في مجابهة الخوف والتّصدّي له، فأكيد أنّ هناك حالات تستدعي المعالجة النّفسية المركّزة لكن سيتجاوزونها بعد شهور، وستولّد هذه الأزمة في نفسيتهم السمو الفكري وحسن التّصرف في إدارة الأزمات.
الأيام نيوز: ما مدى تأثير هذه المأساة الدامية في وعي جميع أطفال المنطقة الذين هم جيل المستقبل؟
الأزمة تلد الهمّة، ورُبّ ضارة نافعة، فالمأساة التي يشاهدها الأطفال يوميا من قتل ودمار وظلم ستزيد في وعيهم ورشدهم وتجعلهم أقوياء وتبعدهم كليا عن الغزو الفكري وتبلد الإحساس والميوعة والانحلال ولسان حالهم يقول:
أنا ابن الجِدّ في العمل
وقصدي الفوز بالأمل
نشأتُ وليس لي مال
ولاعوْنٌ على العمل
ولكنّي خلقت فتى
يرى الحرمان في الكسل
بلوغ المجد غايته
ولو في قمّة الجبل
أجدّ ولست مكترثا
بآلام ولا ملل
لأبلُغ غايتي فرحا
وأُصبح عاليَ المثل
فمن الجميل أن تُدرَس همّة أبطال “طوفان الأقصى” والطّفل الغزّاوي وتُستخلص العبر من بطولاتهم وإيمانهم الرّاسخ كرسوخ الجبال، واعتزازهم بهويتهم وأصالتهم وحبّهم للجهاد والتّضحية في سبيل نصرة الحقّ وحماية المقدّسات. فعلى مدراء المدارس أن يغتنموا ملحمة غزّة ويلقّنوا الطّلاب أنّ النّجاح يولد من رحم المعاناة، وأنّ بعد العسر يسرا وأنّ الإنسان إذا أراد الحياة الطّيبة فلا بد لقيده أن ينكسر وليله أن ينجلي.
إِذا الشَّعْبُ يوما أرادَ الحياةَ
فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي
ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ
تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
الأيام نيوز: ألا يمكن أن يتسبّب العدوان الصهيوني المتواصل في تراكم مشاعر الحقد لدى أطفال فلسطين تجاه “الصّهيونية” ومشاعر الخيبة في كل ما يأتي من الغرب؟
مصطفى مصباح: يقول المولى تعالى في سورة التوبة الآية 29: “قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ”، فالحقد والكره للصّهاينة متجذّر عند كلّ مسلم غيور على المقدّسات والحرمات وعند أطفال غزّة أكثر، وكيف لا وهم يعيشون القهر والظّلم واقعا، فلم تُروى لهم أو يشاهدونها صورا، وما أبطال طوفان الأقصى اليوم في الميدان إلا أطفال قد شهدوا التّضحيات الجسام من أجدادهم وآبائهم، والظّلم المتسلّط عليهم من اليهود الصّهاينة وتواطؤ الغرب الصّريح والفاضح ممّا يجعلنا نراجع حساباتنا معهم؛ فالإنسان الذي يلجأ للتقليد في كلّ شيء ظنّا بذلك أنّه يعيش التقدّم والتطوّر والحقيقة لا يمتلك سمات ومقوّمات الشّخصية القوية ويريد فقط أن يتميّز أمام الآخرين، ويندفع نحو التّقليد الأعمى فيرتدي ملابس غريبة مع السلال وحلقة شعره بطريقة لا تمتّ بصلة إلى هويّته وأصالته، بينما المراهق السّوي الذي يهتمّ بفكره يعمل على تنمية مواهبه والتّفوق في دراسته؛ لذلك، على الأهل والمدرّسين والمربّين تفهّم الأسباب التي دفعت الشّباب نحو التّقليد والسّلوكيات الغريبة والتّعامل معهم بالحوار والمنطق لإقناعهم بتصحيح أفكارهم نحو الأفضل، بعيدا عن العنف والقوّة لأنّ استخدام القوّة وعدم احترام أفكار المراهق وتهميشها يدفعه بقوة نحو الانحراف والاضطرابات النّفسية. كما ينبغي للأسر أن تُلفت نظر المراهق إلى مواهبه الإبداعية وسماته الشّخصية وتساعده على تنميتها والتّميز فيها حتى لا يبحث عن بدائل تُفسده وتُعمّق هوّة الاضطراب النّفسي داخله وبالتّالي يصعب علاجه.
الأيام نيوز: أخيرا، كيف تقرؤون التغيّر الحاصل في الرأي العام الغربي، والذي أنتج صدمة جعلت مثقفين وناشطين يميلون إلى اكتشاف الحقيقة من مصادر أخرى غير التي تفرضها منظومة الإعلام الدولي المتواطئ مع الصّهيونية؟
مصطفى مصباح: الحقيقة مهما أخفيت لا بد تظهر. واللّيالي مهما طالت، لا بدّ أن تشرق الشمس ذات يوم، فما نلاحظه ونشاهده في تأثير العالم الغربي إيجابا على ما يقع في غزّة إنّما هو الغريزة الإنسانية والفطرة التي لا تقبل الظّلم وتنفر منه ، مهما كان شكله أو نوعه أو جنسه.
وقد رصدت العديد من استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال السّنوات الأخيرة تحولات مهمّة في الرّأي العام الغربي، بما في ذلك الرّأي العام الأمريكي تجاه القضيّة الفلسطينية، خاصّة منذ أحداث الشيخ جراح في القدس عام 2021، حيث تزايدت نسبة التّعاطف مع القضية الفلسطينية، خاصّة في أوساط الشّباب والمهاجرين والقوى اللّيبرالية والتقدّمية. وقد رصدت استطلاعات الرّأي تلك بشكل واضح الفجوة المتزايدة بين مواقف الجيل الأكبر والجيل الأصغر تجاه القضيّة الفلسطينية، وقد أثّرت عدة عوامل على توجهات الرّأي العام الغربي، خاصّة في أوساط الجيل الأصغر سنا تجاه القضيّة الفلسطينية، أهمّها الدّور المتزايد لمنصّات التّواصل الاجتماعي، حيث يقوم معظم الشّباب بالحصول على معلوماتهم من خلال هذه المنصّات، خاصة “تيك توك”، إذ تسمح لهم هذه المنصّات بالوصول إلى المعلومات بشكل مباشر من خلال متابعة النّشطاء الفلسطينيين على الأرض، وكان للنشطاء الفلسطينيين من الشّباب، مثل محمـد الكرد، دور مهم في تعريف الشّباب الغربي بالقضية الفلسطينية وتكوين رأي عام مؤيد للموقف الفلسطينية. فجزى الله الشدائد كل خير حيث أثمرت خيرا ونثرت بذورا كنّا نحتاج إلى سنوات ضوئية حتى تنشر وتهضم، فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
ختاما نؤكّد أنّ النّصر آت وقريب وأماراته وبشارته ظاهرة للعيان كما قال تعالى: ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ”.
المحلل السياسي الفلسطيني صالح الشقباوي يؤكد لـ”الأيام نيوز”:
“مأساة الفلسطينيين تتدحرج ككرة الثلج وستأخذ في طريقها من تسبّب فيها”
يرى الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور صالح الشقباوي، أنه ممّا لا شك فيه أن أطفال غزة اليوم يُعانون من نفسية مجروحة ومنكوبة جرّاء ما يتعرضون له من ويلات هذه الحرب المدمرة، التي لم تفرّق صواريخها بين الطفل والمرأة والشاب والعجوز، فكانت قنابلهم تضرب كل فلسطيني بغض النظر عن جنسه أو عمره، وبالتالي فإن نفسية هؤلاء الأطفال لن تكون إلا ثائرة وقوية وناقمة ستنتقم من هؤلاء المجرمين وستثأر لآبائهم وأجدادهم وكل أولئك الذين فقدوهم في هذه الحرب غير العادلة وغير المتناظرة، هي حرب بين جيش يُصنف من بين أقوى جيوش العالم وبين حفنةٍ من الثوار المقاومين الأشدّاء الذين آمنوا بأن فلسطين هي بلدهم ووطنهم الأبدي والأزلي.
وفي هذا الشأن، أوضح الدكتور الشقباوي، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، أن المأساة التي يتعرض لها أطفال فلسطين وغزة هي مأساة متدحرجة ككرة الثلج تكبر يوما بعد يوم، وكل ما يجري الآن من أحداث في قطاع غزة سيؤدي إلى تشكيل مرحلة مفصلية في تنظيم الوعي المستقبلي لهؤلاء الأطفال الذين لن ينسوا حجم الدّمار وحجم القتل وحجم التدمير، ولن ينسوا أشلاء آبائهم وأشلاء أمهاتهم وأشلاء إخوانهم، كما لن ينسوا مشاهد القنابل المدمرة وصوت الطائرات والدبابات ولن ينسوا بأي شكل من الأشكال أنهم تعرضوا إلى مجزرة ومحرقة تضاهي محارق الهولوكوست التي تعرض لها اليهود في ألمانيا، بل تفوقها. ولذلك، فإن هذا القتل وهذا الدمار، الذي يعدّ “هولوكوست” صهيوني ضد الجيل الفلسطيني الحالي، سيحمل الجيل القادم في قلبه وفي عقله وفي روحه آثار المأساة التاريخية التي لحقت به وبأهله في غزة وبوطنه فلسطين.
وفي السياق ذاته، أكدّ المتحدث أن ذاكرة المستقبل لدى أطفال غزة لن تنسى ما يجري الآن في غزة، من قتل وتدمير ومشاهد الدماء التي تسفك والأجساد التي تُمزق أشلاء، والبيوت التي تقصف على قاطنيها؛ فكل شيء استباحته آلة القتل الصهيونية في حربها المتواصلة على قطاع غزة، لكن ورغم فظاعة القتل والدمار والتشريد إلا أن النصر سيكون حليفا لأهلنا في غزة وستهزم هذه الآلة الصهيونية وسيتحقق النصر وسيكتب الجيل القادم رواياته البطولية عن تضحيات آبائه وإخوانه وكل أهل الوطن الفلسطيني في غزة الصامدة.
هذا، وفي سياق ذي صلة، يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن بروز الرأي العام العالمي المضاد للرواية الصهيونية أصبح حتمية منطقية لما آلت إليه الأحداث في غزة وحجم المأساة والقتل والدمار الممارس على الأطفال الآمنين في بيوتهم. وعليه، فعلى الإنسانية أن تعود إلى إنسانيتها وإلى ضميرها وأن لا تقبل هذا العدد الهائل من المجازر التي يتمادى الاحتلال في ارتكابها بشكل يومي أمام مرأى العالم بأسره، وأن تقف في وجه هؤلاء القتلة والمستدمرين الذين يصبون جام غضبهم وحممهم على الأبرياء والآمنين في بيوتهم في غزة، لذا نتوقع ولادة المزيد من رأي عالمي ضاغط سيجبر “إسرائيل” وحليفتها المركزية الولايات المتحدة الأمريكية على وقف آلة هذه الحرب الظالمة، التي ارتأت أن يكون الأطفال هدفها الأول فيها.