فرضت التحوّلات الاقتصادية الجديدة في العالم، اللّجوء إلى القروض الاستهلاكية كبديل آخر لتأمين حاجيات الإنسان من سلع، إذ يتباين الإقبال على هذا النوع من الصيغ التمويلية من بلد إلى آخر، حسب جملة من المؤشرات والمعطيات.
وفي الجزائر، أطلقت الحكومة «القروض الاستهلاكية» ـ عام 2017 ـ في ظروف مختلفة، بعد أن تمّ تجميدها عام 2009، تخوفًا من الزيادة المفرطة في مديونية العائلات وتفاقم حجم الواردات الاستهلاكية خاصة.
وتم إعادة إطلاق هذه الصيغة التمويلية في ظل انخفاض ملحوظ لمداخيل العائلات الناتج عن ارتفاع الأسعار، إذ جرى توجيهه لاقتناء المنتجات المحلية، وتعزيز “صنع في الجزائر” من خلال تمكين المستهلكين الجزائريين من تمويل 7 منتجات ذات صنع جزائري أو مركبة محليا لتشمل السيارات والتجهيزات الكهرومنزلية والإلكترونية وغيرها.
وتختلف النسخة الجديدة للقرض الاستهلاكي في الجزائر عن نسخة عام 2009، باعتمادها مركزية مخاطر أكثر حذرا وهو ما يمنع تراكم الديون لدى العائلات والأفراد.
ضرورة وفرة السلع والمنتجات..
قال الخبير الاقتصادي الجزائري «أبو بكر سلامي»: “إن التحدّي الأول الذي يقف عائقًا أمام تطور ونجاح تجربة القرض الاستهلاكي في الجزائر، هو وجود نقص في المنتجات والسلع وكذا الخدمات التي يُقبل عليها المواطن الجزائري، على غرار الأجهزة الإلكترونية والكهرومنزلية، بالإضافة إلى الأثاث والهواتف الذكية وكذا السيارات (في وقت سابق)”.
وأوضح «سلامي» في تصريح لـ «الأيام نيوز»: “أن وجود وفرة في المنتجات والسلع سيؤدي بالضرورة إلى انتعاش صيغة القروض الاستهلاكية في الجزائر، وارتفاع نسبة الإقبال عليها”.
وتابع: “إن القروض الاستهلاكية في إطار الصيرفة الإسلامية رغم بداياتها المحتشمة، إلا أنه من المتوقع أن تكون لها آفاق واعدة مستقبلاً، خاصة أن المواطن الجزائري بصفة عامة يُفضل المعاملات الإسلامية، وعليه نحن كمختصين ومتابعين للشأن الاقتصادي في الجزائر، نرى أننا بحاجة إلى تسريع وتيرة هذه العملية، والعمل بجدية أكثر لتوفير هذا النوع من الصيغ التمويلية”.
وأضاف: “إن توجه الجزائر نحو تعزيز الاستثمار سيخلق حركة وديناميكية اقتصادية جديدة، بالموازاة مع ذلك سينتعش الاستهلاك الداخلي، الذي بدوره سيحرك عملية الإنتاج أي ستكون هناك وفرة في المنتجات والسلع، وهذا ما سيؤدي إلى انتعاش كبير في هذه الصيغة التمويلية”.
في سياق متصل، قال الخبير في الاقتصاد: “إن انتعاش القروض الاستهلاكية في الجزائر، يتطلب كذلك توفير وإتاحة وسائل الدفع الالكتروني على نطاق واسع، ومن الضروري أيضًا أن تعمل البنوك على تحسين خدماتها المقدّمة في هذا الإطار، من خلال تسهيل معاملاتها سواء ما تعلق بالملف والوثائق المطلوبة أو نظام الدفع بالنسبة للمستهلكين والزبائن”.
هذا، وأكدّ «سلامي» على ضرورة إعادة النظر في نسب الفائدة المرتفعة التي أثقلت كاهل المستهلك الجزائري، إذ أصبحت هذه القروض لا تغري الزبون بسبب الارتفاع الكبير لنسب الفائدة.
وفي ختام حديثه لـ «الأيام نيوز» أشار سلامي: إلى “أنه رغم وجود الكثير من التحديّات في هذا الجانب، إلا أنه لا يجب إنكار أن القروض الاستهلاكية تعرف انتشارًا في الجزائر وقطعت أشواطًا هامة، فالكثير من المواطنين الجزائريين اليوم يقبلون على اقتناء حاجياتهم من منتجات وما إلى ذلك عن طريق القروض الاستهلاكية على غرار المنتجات الكهرو منزلية والالكترونية”.
هذه أبرز الاختلالات والنقائص …
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور «سليمان ناصر»: “إن من بين أبرز الاختلالات والنقائص التي قد تُعرقل تطور القروض الاستهلاكية في الجزائر، هو وجود نقص في بعض المنتجات التي يرتفع عليها الطلب، إضافةً إلى ارتفاع هوامش الربح بشكل غير معقول قد يُؤدي إلى تقليص الإقبال على هذا النوع من الصيغ التمويلية”.
وأوضح الدكتور «ناصر» في تصريح لـ «الأيام نيوز»: “إن الإقبال على القروض الاستهلاكية في الجزائر عرف إقبالاً واسعًا من طرف المواطنين لاقتناء سيارات بالتقسيط، سواءً من خلال القروض التي تقترحها البنوك الكلاسيكية أو عن طريق التمويل الإسلامي إلا أنها عرفت نوعًا من التراجع بعد تجميد نشاط استيراد السيارات خلال سنة 2017، وأصبحت تنحصر اليوم في اقتناء الأجهزة الكهرومنزلية، الالكترونية وكذا الأثاث وغيرها”.
وتابع: “النقطة الأخرى التي يجب الإشارة إليها في هذا الإطار، هي أن محلات البيع بالتقسيط تقدم خدمة للمواطن، لكنها بالمقابل تُبالغ كثيرا في تحديد هوامش الربح، الأمر الذي قد يُؤثر سلبًا على الإقبال على هذا النوع من الصيغ التمويلية”.
وفي هذا السيّاق، دعا الخبير في الاقتصاد، إلى ضرورة مراقبة العملية وتتبعها من بدايتها إلى غاية وصول المنتج إلى الزبون، حتى يكون هامش الربح معقولاً، إضافة إلى العمل على توفير المنتجات خاصة السيارات.
هذا، ويرى الدكتور «ناصر»، أن القروض الاستهلاكية مفيدة جدا لتنشيط حركة الاقتصاد، باعتبار أنها وسيلة هامة لتسويق المنتوج وتقديم خدمة للمستهلك الجزائري من جهة أخرى، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود.
وفي إطار تشجيع القروض الاستهلاكية في الجزائر، أعلن بنك الجزائر عن تسقيف مستويات ونسب الفائدة لـ6 أصناف من القروض خلال النصف الثاني من السنة الجارية، ويتعلق الأمر بالقروض الاستهلاكية والإيجارية والسكن والقروض الطويلة والقصيرة والمتوسطة المدى، وأيضا قروض السحب على المكشوف، مع العلم أن مستويات هذه الفوائد باختلاف القروض، تتراوح بين 7.55 بالمائة بالنسبة للسكن و12.03 بالمائة كأقصى حد فيما يتعلق بالإيجار.
وحسب تعليمة إلى كافة المؤسسات المالية والمصرفية، صادرة عن المديرية العامة للقرض والتنظيم المصرفي بالجزائر، موقعة من طرف المدير العام للقرض والتنظيم البنكي، «عبد الحميد بولودنين»، بتاريخ 22 يونيو/جوان الجاري، تحمل ترقيم 01 ـ 2022 تحت عنوان “عتبة نسب الفوائد القصوى المطبقة خلال السداسي الثاني لسنة 2022″، فإنه تطبيقا للتعليمة رقم 08ـ16 المؤرخة بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 2016، والخاصة بالصيغ المحدّدة النسب القصوى المعدلة والمكملة لاسيما للمواد 13 و14 على أساس التصريح بالنسب القصوى الإجمالية، باسم السداسي الأول لسنة 2022، عبر البنوك والمؤسسات المالية، يحدد بنك الجزائر باسم السداسي الثاني لسنة 2022 عتبة نسب الفوائد القصوى لمختلف أصناف القروض المتنافسة.
هذا، وتسعى البنوك في الجزائر اليوم إلى تخفيض معدلات الفائدة لتحقيق تنافسية أعلى مع تقديم تسهيلات للزبائن ترتبط بالدرجة الأولى بتقليص آجال معالجة القروض التي انخفضت إلى أقل من شهر وفي بعض الأحيان لا تتجاوز 20 يوما بالنسبة لقروض الاستغلال و25 يوما لقروض الاستثمار، مع تقديم خدمات بديلة مطابقة للشريعة الإسلامية عبر كافة البنوك العمومية، وعدد كبير من البنوك الخاصة، التي باشرت تسويق المنتجات المطابقة للشريعة.