إثيوبيا: سدّ النهضة أصبح واقعا مُعاشاً وعلى دُول المصب التعايش معه

لم تنجح كل الضّغوط التي قامت بها كلٌّ من مصر والسودان، لدفع إثيوبيا إلى التّشاور معهما والتّوقيع على اتفاقيات فنيّة مُلزمة،  قبل الشّروع في الملء الثالث لسدّ النهضة الاثيوبي.

حيث أعلنت “أديس أبابا”، مساء الأحد الماضي، بأنّ “سدّ النهضة أصبح واقعا مُعاشاً، وعلى دول المصب التعايش معه”.

أتى إعلان إثيوبيا، عبر بيان نشره وزير خارجيتها “ديميكي ميكونين”، الأحد الماضي، قال فيه: “الملء الثالث لخزّان سدّ النهضة، الذي أثار خلافا بيننا ومصر والسودان، بات حقيقة ماثلة”.

وجاء في البيان: “إن التّعبئة الثالثة للسّد، تمت بالفعل، بحجم 22 مليار متر مكعب”، وأضاف: “تمّ تمرير المياه عبر الممرّ الأوسط للسد”.

ورغم المعلومات التي ظلّت رائجة، خلال الأسابيع الماضية، عن الشّروع في الملء، واحتجاجات كل من مصر والسودان، وتدخّل قوى كبرى لثني إثيوبيا عن المضيّ قُدما بشكل مُنفرد في ملء الخزان، فإن البيان الجديد قطع الشك باليقين، وأكّد بأن “أديس أبابا” لم تخضع إلى الضغوط اللازمة والمُجدية.

“آبي أحمد”.. مُفاوضات ما بعد الأمر الواقع

من جهته، طالب رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” كلاّ من القاهرة والخرطوم: “إلى إيجاد أرضية مُشتركة مع بلاده من خلال  إطلاق حوار بنّاء، والتّفاوض حول الاستفادة المُشتركة من هياه النّيل”. مُؤكداً على أن “أي خيار آخر، لن يُوقف ما بدأناه، ولن يُجدي نفعاً معنا”.

وأتت تغريدة “آبي أحمد” على صفحته الرسمية في موقع تويتر للتغريدات القصيرة، لتؤكد أن حكومته ماضية في تطبيق خُططها، دون الالتفات إلى مطالب دولتي المصبّ، فضلا عن الضّغوط الدولية التي مورست على نظامه .

والملفت للنظر، أن “آبي”، الذي انسحب من مسار واشنطن للتفاوض حول المسائل الفنية للسدّ، يُطالب الآن بالتفاوض بعد فرض الأمر الواقع، ما يعني بأنه يدعو إلى تفاوض وفق شروط حكومته، وليس وقف الاقتراحات التي تقدّمت بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي. ويُذكر أن “آبي” لم يُشر إلى مبادرة الاتحاد الإفريقي حول الشأن ذاته.

وحاول “آبي أحمد” طمأنة كل مصر والسودان، وأن إثيوبيا لا تنوي الإضرار بمصالحهما، قائلا: “سبق أن قلنا ونُكرّر للدول المُطلّة على النيل، خصوصاً مصر والسودان، أنه بإنتاج الكهرباء، نُطوّر اقتصادنا، ونوّد أن نسمح لمواطنينا الذين يعيشون في العتمة، بأن يروا النور”. وأضاف: “لكننا لا نسعى إلى تهميشهما والإضرار بمصالحهما” (يقصد مصر والسّودان).

وردّ “آبي” على المقولة الشهيرة لأحد أشهر المؤرخين عبر التاريخ هيرودوت (484 ق م)، والقائلة “مصر هبة النيل”، حيث غرد يقول: “النيل هبةٌ لإثيوبيا ومصر والسودان.. ويجب الاستفادة منها سوياً”، مضيفاً: “النيل مصدرُ فخر واعتزاز للإثيوبيين، وسنُحقق التنمية من خلاله”. وأكد: “سنقوم ببيع الكهرباء إلى دول الجوار لتحقيق تنمية مشتركة”.

صمتٌ دوليٌّ..

لم تؤُل دولتي المصب (مصر والسودان) جهداً في سبيل ممارسة اقصى الضغوط الدّولية والإقليمية، حيث رفعت مصر مُذكرّة احتجاج الى مجلس الأمن الدولي، فور وُرود معلومات عن شروع “أديس أبابا” في الملء الثالث بصفة منفردة، ودون التوصّل إلى اتفاقات فنية ملزمة، تتعلق بتقنيات ومواقيت الملء التي تنص عليها الاتفاقيات المُوقعة بين الدول الثالث.

غياب التّوافق الدولي في مجلس الأمن، حول الإجراءات المطلوب اتخاذها ضد إثيوبيا، لدفعها إلى التفاوض قبل الشروع في عملية الماء الثالث، لا سيما موقف المُمثل العربي في المجلس، وهو من الإمارات، عطّل اتخاذ قرار دولي يُلزم “أديس أبابا” بتنفيذ بنود الاتفاقيات الخاصة بالاستفادة المشتركة من مياه النّيل.

ويبدو أن واشنطن، ومنذ وصول “جو بايدن” إلى البيت الأبيض، لم تعُد معنيّة بشكل أساسي، بإنفاذ أيّ تعهّدات حول هذا الملف الحسّاس، فعلى عكس إدارة “ترامب” التي بدت مُهتمّة بالأمر، يبدوا “بايدن” أقلّ حماسا من سلفه حول هذا الملف.

خبير مصري: الملف لم يعد أولوية لواشنطن

ويرى أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج كارنيجي للشرق الأوسط الدكتور “عمرو حمزاوي”: “إدارة بايدن تملك كل الأدوات لممارسة ضغوط كبيرة على إثيوبيا بشأن ملف سد النهضة”، ويُقدّر “حمزاوي” تراجع الاهتمام الأمريكي بهذا الملف “نظرا لقائمة الأولويّات المختلفة التي تحملها الإدارة الأمريكية حالياً “.

ويقرأ “حمزاوي” الموقف الأمريكي، خلال تدخّله على إحدى القنوات المصرية، “إن واشنطن لديها علاقات اقتصادية قوية بإثيوبيا وتستطيع التأثير، لدفعها إلى اتجاه تشاركي وتوافقي”. مُؤكدا بأن التعنّت الاثيوبي لا علاقة له بالقانون الدولي، والموقف المصري والسوداني موقف قوي قانونا، لكن ذلك “يتطلب إرادة دولية قوية وحاسمة لمواجهة الأمر “.

السودان يُهدد بإجراءات قوية

من جهتها، حذّرت الحكومة السودانية إثيوبيا من الإضرار بمصالحها المائية عبر عمليات الملء الأحادي لخزّان سدّ النهضة الإثيوبي.

وردّت السودان على التطوّر الجديد، عبر رئيس اللجنة الفنية للتّفاوض في ملف سد النهضة بوزارة الري السودانية “مصطفى حسين”، الذي أكد بأن ” بلاده تُراقب عن كثب نتائج خطوة إثيوبيا الأحادية”، محذرا من الإضرار بنسبة بلاده من المياه التاريخية.

ونقلت صحيفة “سودان تريبيون” اليوم الثلاثاء، قوله: “سنتّخذ الإجراء اللاّزم بشأن ملء سد النهضة، حال تهديد الخُطوة لسلامة خزان “الروصيرص”، أو التّأثير على الرّي في المشروعات الزراعية والتوليد الكهرومائي، أو الاستخدامات الأخرى”.

ولم يكشف المسؤول السوداني عن طبيعة الاجراءات التي يعتزم السودان اتّخاذها ضد إثيوبيا في حال إضرارها بمصالحه.

محمود أبو بكر - القاهرة

محمود أبو بكر - القاهرة

اقرأ أيضا