تبدو “إسرائيل” عالقة، تنزف، في مستنقع غزة وعليها الخروج منه في أقرب وقت ممكن، مثلما يرى الرئيس السابق لشعبة العمليات في جيش الاحتلال الصهيوني اللواء “يسرائيل زيف” الذي أكد أن حجّة رئيس وزراء سلطة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالبقاء في محور فيلادلفيا لا معنى لها في ظل عدم عثور الجيش الصهيوني على أنفاق نشطة هناك.
وأوضح زيف في مقال نشره على موقع القناة 12 الإسرائيلية أن “استمرار القتال دون استبدال نظام حكم حركة حماس لا يؤدي إلى أي نتائج حقيقية ويكلف الجنود حياتهم”، واعتبر زيف، وهو أيضا قائد سابق لـ”فرقة غزة” بالجيش الصهيوني، أن الحرب على القطاع أصبحت في حدّ ذاتها الهدف الذي يشكّل مصدر استقرار لنتنياهو وحكومته.
نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، تأكيدها أن نتنياهو، يعرقل صفقة تبادل الأسرى ويفشلها، فيما تؤدي سياسته إلى قتل أسرى الاحتلال لدى المقاومة الفلسطينية. وشدّدوا على أن الأسرى “موجودون في القطاع حتى الآن، فقط بسبب سياسة نتنياهو”، وأشاروا إلى أن تمسّكه بـ”محور فيلاديلفا” يعرقل صفقة التبادل.
ودعت العائلات، إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو، وإزاحته من الحكم، “من أجل إنقاذ الأسرى”، وقالوا: “ما دام نتنياهو في سدة الحكم لدى (إسرائيل)، فإن هذه الحرب ستستمر إلى الأبد”. وحذروا من أن سياسته، تجلب للإسرائيليين “101 رون أراد جديد”.
وأكدت عائلات الأسرى، أن مسعى نتنياهو لنقل مركز الثقل للجبهة الشمالية من فلسطين المحتلة، وتوسيعه العملية العسكرية في الشمال، من دون عقد أي صفقة لتبادل الأسرى في القطاع، هو “حكم بالإعدام على الأسرى” وترك مصيرهم “إلى الموت”. وكذلك، طالبوا الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن، بممارسة الضغط على نتنياهو وحكومته، من أجل التوصّل إلى صفقة لتبادل الأسرى.
من جهتها، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية حماس بياناً، أكدت فيه الاستمرار في إظهار مرونتها من أجل التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وانسحاب جيش الاحتلال من كامل أراضي قطاع غزة، ما يفسح بالمجال “لصفقة تبادل الأسرى، والإغاثة وعودة النازحين وإعادة الإعمار”.
كما أبدت استعدادها للتنفيذ الفوري لاتفاق وقف إطلاق النار على أساس إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 31 ماي الماضي، وقرار مجلس الأمن رقم 2735، وما تمّ التوافق عليه سابقاً، خاصةً توافقات 2 جويلية الماضي، من دون وضع أي مطالب جديدة، حيث جدّدت حماس رفضها لأي شروط مستجدة على هذا الاتفاق من جانب أي طرف.
ويرى معظم الإسرائيليين أن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب من أجل الحفاظ على بقائه السياسي، وتعطيل محاكمته في تهم تتعلق بالفساد منذ 2019 يمكن أن تزج به في السجن، فضلا عن اتهامه بالإخفاق في منع هجوم طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر 2023، واتهامات على المستوى الدولي بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
وتابع زيف “في الشهر الثاني عشر من أطول حرب وأكثرها إنهاكا في تاريخنا، تجد (إسرائيل) نفسها عالقة في دوامة أمنية، حيث تتوالى الأحداث وتتبعها ردود الفعل بلا نهاية في جميع الساحات المحيطة بنا”. وأضاف أنه من الناحية الأمنية، “فإن وضعنا ليس فقط لا يتحسن، بل يزداد تعقيدا، ومن ناحية أخرى لا يوجد أفق يشير إلى نهاية الحرب أو حتى اتجاه لحل الوضع”.
وأشار القائد السابق بالجيش إلى أن الحرب كان من الممكن أن تنتهي قبل نصف عام عندما باع نتنياهو للجمهور شعار “نحن على بعد خطوة من النصر” إلا أنها بدت بلا نهاية. وأردف قائلا “الجهد الرئيسي الذي يبذله الجيش الصهيوني اليوم هو كبح انتعاش حماس التي تواصل السيطرة على القطاع”.
ودحض القائد الصهيوني السابق المزاعم التي روج لها نتنياهو ذريعة للبقاء في محور فيلادلفيا بين غزة ومصر، والذي تطالب حماس الإسرائيليين بالانسحاب منه شرطا لأي صفقة محتملة بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
ورأى أن نتنياهو يستغل إعادة تجمع عناصر حماس لبناء رواية جديدة لما يسمى “التهديد الوجودي”، مما يسمح له بالتمسك باستمرار الحرب وتجنب التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى تعجل بإنهاء الحرب.
وفي سياق متصل، قال زيف إن “(إسرائيل) في خضم حرب استنزاف في الشمال لا تلوح نهايتها في الأفق، والجليل هو النطاق الرئيسي لحزب الله وسكان الشمال هم وقود مدافعه”. وأكد أن احتمال الدخول البري إلى لبنان من دون أي إستراتيجية خروج أو التفكير فيما سيحققه، حتى لو كان غزوا محدودا، سيعقد الوضع أكثر بكثير.
ورأى أن دخول (إسرائيل) إلى جنوب لبنان لن يدفع حزب الله إلى وقف إطلاق النار، بل قد يزيد من إطلاق الصواريخ والمسيرات تجاه الكيان، مثلما حدث في رفح جنوبي قطاع غزة بعد اجتياحها. وشدد على أنه في ظل غياب قدرة حكومة ضعيفة، على اتخاذ قرارات بشأن العودة (الانسحاب) فإن (إسرائيل) سوف تظل عالقة هناك.
ومنذ الثامن من أكتوبر الماضي، وعلى وقع حرب غزة، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها حزب الله، مع الجيش الصهيوني قصفا يوميا عبر “الخط الأزرق” الفاصل أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.
وبشأن التصعيد في الضفة الغربية المحتلة، حمّل القائد العسكري السابق “الأفعال الخطيرة” التي يرتكبها المتطرفان في الحكومة وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش مسؤولية “إشعال النار في المنطقة”.
وتابع اللواء زيف قوله إن بن غفير وسموتريتش يتسابقان على مَن منهما سيتسبب في حرب شاملة تعيد احتلال الضفة الغربية وتطيح بالسلطة الفلسطينية. وأكد زيف أنه ليس لدى الوزيرين المتطرفين فكرة عما تعنيه أفعالهما الخطيرة، وكيف سيؤدي استغلالهما ضعف نتنياهو إلى مشكلة عدم الاستقرار الإقليمي.
ومنذ 10 أشهر تقريبا، تتعثر جولات المفاوضات غير المباشرة بين حماس وتل أبيب، جراء إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب، وتمسكه بالسيطرة على محوري فيلادلفيا ونتساريم جنوب ووسط القطاع، بينما تطالب حماس بانسحاب صهيوني كامل من غزة وعودة النازحين دون تقييد.
ورغم العراقيل الصهيونية، تستمر وساطة قطر إلى جانب مصر والولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة، وإبرام تبادل أسرى بين حماس و(إسرائيل) التي تشن بدعم أمريكي، منذ السابع من أكتوبر الماضي، حربا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 136 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل (إسرائيل) الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.