إصلاحات عميقة يشهدها القطاع.. هل ينجح قانون المناجم الجديد في جذب الاستثمارات؟

يشهد قطاع المناجم في الجزائر تحولات جوهرية تهدف إلى تعزيز الشفافية وتحفيز الاستثمار، من خلال مشروع القانون الجديد المنظم للنشاطات المنجمية، الذي يهدف إلى إرساء إطار أكثر مرونة واستدامة، بما يتيح استقطاب رؤوس الأموال والتكنولوجيا الحديثة، فلطالما واجه القطاع تحديات مرتبطة بتعقيدات إدارية وغياب بيئة استثمارية مشجعة، ما أدى إلى تراجع الإنتاج وضعف مساهمة الاستثمارات الوطنية والأجنبية. ويسعى التشريع الجديد إلى تجاوز هذه العراقيل عبر تبسيط إجراءات منح التراخيص، وإلغاء بعض القيود، مثل قاعدة 51/49، في خطوة تعكس توجهاً نحو انفتاح أكبر على الاستثمارات الخاصة. كما يتضمن القانون المرتقب تدابير تهدف إلى تثمين الثروات المعدنية محليًا، وتعزيز القيمة المضافة من خلال تطوير عمليات المعالجة والتصنيع داخل البلاد، بدلًا من الاكتفاء بتصدير المواد الخام. فهل ستنجح هذه الإصلاحات في إحداث نقلة نوعية تعزز جاذبية القطاع المنجمي؟ وهل ستساهم في استغلال أكثر كفاءة للموارد الوطنية؟

أكدت كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة المكلفة بالمناجم، كريمة طافر، أن مشروع القانون الجديد المنظم للنشاطات المنجمية يهدف إلى تعزيز الشفافية والاستقرار في القطاع، مع تحسين ظروف الاستثمار للمستثمرين الوطنيين والأجانب. جاء ذلك خلال جلسة استماع نظمتها لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والتجارة والتخطيط بالمجلس الشعبي الوطني، بحضور وزيرة العلاقات مع البرلمان، كوثر كريكو، حيث أوضحت أن النص الجديد يسعى إلى تبسيط إجراءات الاستثمار المنجمي لتعزيز جاذبية القطاع.

وأشارت السيدة طافر إلى أن إعداد المشروع استغرق أكثر من ثلاث سنوات من الدراسة والتشاور مع مختلف الفاعلين في المجال، وأسفر عن إدراج إجراءات جديدة لتسهيل الاستثمار. كما أكدت أن الإطار القانوني الحالي، المتمثل في قانون المناجم 14-05، لم يحقق التحسينات المرجوة في مناخ الاستثمار المنجمي، رغم الأهمية الاستراتيجية للقطاع.

يهدف مشروع القانون الجديد المنظم للنشاطات المنجمية، الذي يخضع حاليًا للدراسة على مستوى اللجنة المختصة بالمجلس الشعبي الوطني، إلى تحسين بيئة الاستثمار في القطاع المنجمي من خلال إدراج مجموعة من التدابير الرامية إلى تبسيط إجراءات الولوج إلى نشاط البحث والاستغلال المنجمي. ويهدف هذا القانون، الذي يجري إعداده في إطار مراجعة شاملة للتشريعات المنجمية، إلى تعزيز الشفافية في منح التراخيص والتصاريح، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي عبر توفير بيئة قانونية أكثر استقرارًا واستدامة.

تحسين مناخ الاستثمار المنجمي

يرتكز مشروع القانون الجديد على عدد من المبادئ والتعديلات الجوهرية التي تهدف إلى جعل إجراءات الاستثمار المنجمي أكثر بساطة وشفافية، مع وضع إطار قانوني متكامل يسمح بجذب المستثمرين العموميين والخواص، سواء كانوا محليين أو أجانب.

ويأتي هذا المشروع كجزء من استراتيجية وطنية لإعادة هيكلة قطاع المناجم، خصوصًا بعد الملاحظات التي أظهرت محدودية القانون الساري المفعول حاليًا، وهو قانون المناجم رقم 14-05 الصادر سنة 2014، الذي لم يحقق الأهداف المرجوة في خلق بيئة استثمارية جاذبة. ومن بين الإجراءات الرئيسية التي يقترحها مشروع القانون الجديد، إلغاء القاعدة 51/49 بالمائة، التي كانت تقيد الاستثمار الأجنبي في قطاع المناجم، مما يشكل خطوة مهمة نحو تحرير القطاع وتسهيل وصول المستثمرين الأجانب إلى مشاريع البحث والاستغلال المنجمي.

تعزيز الاستدامة وجذب رؤوس الأموال

يعتمد مشروع القانون على مقاربة جديدة تهدف إلى إرساء تدابير مشجعة ودائمة للاستثمار في قطاع المناجم، من خلال تقديم ضمانات للمستثمرين وتقليل التعقيدات الإدارية التي تعيق تطوير المشاريع المنجمية. وتشمل هذه التدابير تسهيل إجراءات الحصول على التراخيص، وإلغاء القيود التي كانت تمنع المستثمرين من الاستفادة الكاملة من إمكانياتهم في استكشاف واستغلال الموارد المعدنية.

ومن بين أبرز التعديلات التي تضمنها مشروع القانون، حذف الأحكام المتعلقة بالطبيعة الاستراتيجية للمواد المعدنية أو المتحجرة، والتي كانت مدرجة في قانون 2014، مما يسمح بتوسيع نطاق الاستثمار المنجمي وزيادة فرص تطوير الموارد المعدنية واستغلالها بطرق أكثر كفاءة واستدامة.

معالجة العوائق السابقة

لقد واجه قطاع المناجم في الجزائر خلال السنوات الماضية عدة عوائق أثرت على تطوره، ومن بين هذه العوائق تعقد الإجراءات الإدارية، بطء منح التراخيص، وعدم كفاية البيانات الجيولوجية والمنجمية التي يمكن أن تساعد المستثمرين في تقييم جدوى مشاريعهم. وبحسب وثيقة عرض الأسباب المتعلقة بمشروع القانون الجديد، فإن هذه العوامل أدت إلى مشاركة متواضعة للغاية للاستثمارات في القطاع، وهو ما استدعى وضع إطار تشريعي جديد يعالج هذه الإشكالات.

وفي هذا السياق، ينص المشروع الجديد على منح تراخيص استغلال المناجم للأشخاص المعنويين المنشئين من طرف المساهمين الأجانب الخاضعين للقانون الجزائري، مع إعطاء الحق للمؤسسات الوطنية في الحصول على مساهمة محددة تصل إلى 20% من رأس مال الشركة المستغلة طوال مدة حياة المنجم، مع ضمان عدم تعرض هذه المساهمة لأي تخفيض في حالة رفع رأس المال.

يتكون مشروع القانون من 218 مادة موزعة على 10 أبواب، ويهدف إلى تطوير منظومة التراخيص المنجمية بشكل يضمن تحسين فعالية العملية الاستثمارية. وبحسب النص الجديد، يتم منح تراخيص البحث والاستغلال المنجمي حصريًا بموجب السندات والرخص المنجمية، سواء بالنسبة لاستكشاف المقالع أو المناجم أو استغلال البقايا المنجمية أو جمع النيازك. ومع ذلك، فإن هذه السندات لا تمنح للمستثمر الحق في امتلاك الأرض أو باطن الأرض، وفق ما ورد في المادة 59 من القانون.

تبسيط الإجراءات وتقليص البيروقراطية

ومن أجل وضع حد للعقبات البيروقراطية التي تعيق نمو القطاع، يقدم مشروع القانون الجديد حلولًا مبتكرة من خلال اعتماد إجراء موحد للحصول على الرخصة المنجمية، بدلًا من الإجراء المزدوج الذي كان يخضع له المستثمرون في ظل التشريعات السابقة، والتي كانت تفرض متطلبات متعلقة بالتشريع المنجمي والبيئي معًا، مما أدى إلى تعطيل العديد من المشاريع المنجمية خلال السنوات الماضية.

كما يضع القانون آليات جديدة لضمان تطوير الشراكة بين المؤسسات الوطنية والمستثمرين الخواص، سواء كانوا محليين أو أجانب، من أجل توفير التمويل اللازم ونقل التكنولوجيا، وهي خطوة تهدف إلى خلق بيئة تنافسية تعزز من مردودية القطاع.

وفقًا لمشروع القانون، يتم منح تراخيص استغلال المناجم لمدة تصل إلى 30 سنة، مع إمكانية تجديدها عدة مرات بشرط أن تسمح الاحتياطات المعدنية بذلك. أما تراخيص استغلال المقالع، فتمنح لمدة أقصاها 15 سنة، مع إمكانية تجديدها وفقًا للمعطيات الجيولوجية والاقتصادية. وبالنسبة لرخصة الاستغلال الحرفي للمناجم أو المقالع، فتمنح لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد عدة مرات، وفقًا للإطار القانوني المحدد.

دور الوكالات الوطنية في ضبط القطاع

في إطار تنظيم القطاع وتعزيز الرقابة عليه، يمنح مشروع القانون الجديد دورًا محوريًا لكل من الوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية ووكالة المصلحة الجيولوجية للجزائر، حيث سيتم تكليفهما بمهام ضبط وتنظيم الأنشطة المنجمية، وإعداد واعتماد الأنظمة والتوجيهات والمعايير الخاصة بالقطاع، فضلًا عن حماية الممتلكات الجيولوجية والمعدنية الوطنية.

واحدة من أبرز الإجراءات الجديدة التي جاء بها مشروع القانون هي تكريس مفهوم “المحتوى المحلي”، الذي يهدف إلى تحقيق أكبر قدر من القيمة المضافة من خلال تثمين الموارد المنجمية محليًا، والاعتماد على وحدات التحويل والتصنيع داخل البلاد، بدلًا من تصدير المواد الخام مباشرة. كما يشجع هذا التوجه على توظيف اليد العاملة المحلية ونقل التكنولوجيا، مما سيسهم في تطوير الصناعة المنجمية وخلق فرص عمل جديدة.

“حق الأولوية” لأصحاب الأراضي

حرصًا على تقليل النزاعات بين المستثمرين وأصحاب الأراضي، يتضمن مشروع القانون استحداث آلية “حق الأولوية”، التي تمنح لملاك الأراضي الذين يمتلكون القدرات التقنية والمالية الحق في استغلال المواد المعدنية المتواجدة ضمن أراضيهم، ولكن ضمن شروط وضوابط محددة، مما يحد من النزاعات المتكررة بين المستثمرين وأصحاب الأراضي.

من خلال هذه الإصلاحات العميقة، يسعى مشروع القانون الجديد إلى إحداث تحول نوعي في قطاع المناجم بالجزائر، من خلال تعزيز الاستثمار، وتوفير بيئة قانونية مستقرة، وتحقيق الاستدامة في استغلال الموارد المعدنية. كما يهدف إلى تحقيق توازن بين جذب المستثمرين وحماية المصالح الوطنية، لضمان تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تستفيد منها مختلف شرائح المجتمع.

مها عزالدين - الجزائر

مها عزالدين - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
اليونيسف: المشاهد والتقارير القادمة من غزة تفوق حدود الرعب القضاء الفرنسي يرفض تسليم بوشوارب للجزائر.. هل تتصاعد الأزمة؟ وزير الداخلية التونسي يزور مديرية إنتاج السندات والوثائق المؤمنة بالحميز انتشار "الجراد الصحراوي" يُهدّد 14 ولاية.. وهذه المناطق المعنية الجزائر تُروّج لمنتجاتها الغذائية في صالون لندن الدولي من الهاغاناه إلى "الجيش الإسرائيلي".. قرنٌ من التآمر على فلسطين! تقييم جهود البحث والإنقاذ البحري.. نحو استجابة أكثر فاعلية الجزائر تُندّد بجرائم الاحتلال في غزة وتدين صمت مجلس الأمن تراجع طفيف في أسعار النفط وسط احتمالات إنهاء الحرب بأوكرانيا نضال دبلوماسي لكسر العزلة.. الحقيقة الصحراوية تتحدّى التزييف المغربي خطوة نحو الاكتفاء الذاتي.. قطع غيار جزائرية في قلب صناعة السيارات فرنسا تفقد صوابها.. الجزائر تُحطم شراهة النفوذ البائد! نحو إعداد مشروع لتعديل أو استكمال القانون الأساسي لموظفي قطاع التربية الجزائر تدحض الادعاءات الفرنسية بشأن ترحيل رعاياها وتكشف تجاوزات باريس الجزائر تستنكر بشدة خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة الرئيس تبون يستقبل وزير الداخلية التونسي 15 سنة سجنا لمتّهم بالمضاربة غير المشروعة في البطاطا بداري: "الجامعة منخرطة بقوة في الأهداف التنموية للبلاد" التوقيع على اتفاقيات لتطوير الصناعة المحلية لقطع الغيار وزير الداخلية التونسي في الجزائر