تواصل الحكومة تحضيراتها للبدء في تنفيذ برنامج إعادة تأهيل السدّ الأخضر ـ خلال الفترة 2023-2030 ـ وذلك بإضفاء الصبغة الاقتصادية على طابعه البيئي والزراعي الأصلي منذ بعثه ـ عام 1971 ـ في عهد الرئيس الأسبق المرحوم هواري بومدين، وكل هذا يأتي ضمن خطّة متكاملة ترمي إلى توفير سلّة غذاء أخرى للجزائريين.
مشروع إعادة غرس المساحات المتوفرة في المناطق التابعة لحزام السدّ الأخضر ـ من ولاية تبسة شرقا إلى ولاية النعامة غربا مرورا بولايتي الجلفة والأغواط وغيرها من الولايات الأخرى ـ يحظى باهتمام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي أسدى تعليماته للوزارة الأولى من أجل توفير جميع المتطلبات التي يحتاجها المشروع القديم المتجدّد، الهادف إلى خلق الثروة والاستغلال الأمثل للثروات الغابية والمحافظة على المناخ والحماية من خطر التصحّر والكوارث الطبيعية والمساهمة في مجابهة التغيرات المناخية كالجفاف وغيرها، وكذلك تمكين الساكنة بالقرب منه من الحصول على فرص التوظيف.
وحدات إنتاجية لفائدة الشباب
مشروع السدّ الأخضر الذي أطلق عام 1971 في عهد الرئيس الأسبق المرحوم هواري بومدين، على مسافة 17000 كلم وعمق 400 كلم، هو مشروع زراعي وبيئي بالدرجة الأولى، كان الهدف المُسطر آنذاك مكافحة زحف الرمال من الصحراء إلى الشمال، حيث تم زراعة أشجار غابية كالبلوط الأخضر والفستق الأطلسي، لكن، للأسف لم يُستكمل منذ ذلك العهد بالرغم من أهميته للبيئة وللمجال الزراعي بكل المدن والولايات التي يمر عليها، حسبما كشفه المهندس الزراعي إبراهيم شاكر لمنيعي.
غير أن هذا المشروع عرف تغيّرا في عهد الرئيس تبون لمواكبة التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية الراهنة، هذه الأخيرة التي دفعت بالرئيس وحكومته ـ بقيادة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان ـ إلى إحياء المشروع من خلال إعادة تأهيله، مع إضفاء طابع آخر يتعلق بالاقتصاد، وقد تحدّث مسؤول الإعلام لدى الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، لمنيعي، في تصريح لـ«الأيام نيوز»، عن رصد حوالي 75 مليار دينار من أجل عملية تأهيله خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى 2030 على أن يشمل أزيد من 15 ألف هكتار، مع تنويع الأشجار المُرتقب زراعتها.
وعليه فإن وزارة الفلاحة ـ وبهدف الاستفادة من المساحات المغروسة للسدّ الأخضر ـ تتطلع إلى غرس مختلف الأشجار المُثمرة كالتفاح، الفستق الخروب، والتين الشوكي وغيرها، بشكل يُعطي للمشروع صبغة اقتصادية، من خلال إنشاء وحدات إنتاجية تُسند للشباب ومختلف فاعلي المجتمع المدني بالولايات الـ13، بغية تمكينهم من استغلال هذه الثروة في نشاط فلاحي، تجاري، وتحقيق أرباح معتبرة بشكل يُنعش الحركية على مستوى هذه المناطق، ناهيك عن ضمان وفرة منتجات فلاحية لفائدة المواطنين، في ظل ما تعرفه الفترة الراهنة من ارتفاع للأسعار نظرا لعدة اعتبارات، يقول المهندس الزراعي.
توقّعات بتحقيق عائدات معتبرة
المتحدّث، أشار بالمناسبة، إلى إن الدائرة الوزارة أخذت بتوصيات ملتقى الاتحاد المهندسين الزراعيين حول إعادة تأهيل السدّ الأخضر المنعقد العام الفارط بمقر الغرفة الوطنية للفلاحة، لاسيما ما تعلق بإنشاء العديد من المجمعات المائية بمحيط المشروع من أجل استغلالها في الفلاحة وخاصة توريد الماشية، مع تشجيع نشاط تربية النخل بوضع صناديق النحل لإنتاج العسل، وخلق وحدات إنتاجية خاصة بذلك لصالح الفئات المذكورة، علاوة على ذلك، فتح المسالك الريفية والتي سينتفع بها مختلف الشرائح السكانية يضيف لمنيعي.
وإضافة إلى أهمية السدّ الأخضر ـ في مجال زيادة الثروة الغابية ـ لفت المهندس، إلى أن تنظيمه أوصى أيضا بإعطاء الأولوية لزراعة الأشجار المُدّرة للخشب بهدف ضمان وفرة هذه المادة المهمة جدا، وخاصة أشجار الباولونيا باعتبارها أسرع شجرة تنمو في العالم وتنتج الأخشاب الصلبة في وقت قياسي وتباع بعائد مادي عالي جدا.
وخلص المهندس الزراعي بالقول، إن مصالح الوزير “هني” أخذت بالتوصيات التي تجعل من السدّ الأخضر مشروعا اقتصاديا أكثر من كونه بيئيا، رغم أن الأساس في بعثه حماية الشمال من زحف الرمال، حيث يُرتقب أن يحقّق عائدات معتبرة للخزينة العمومية ويساهم في حركة اقتصادية.
إشراك ساكنة 13 ولاية
يُذكر أن إعادة بعث مشروع السدّ الأخضر، كانت محل تنويه من قبل الرئيس تبون خلال أشغال الجلسات الوطنية للفلاحة، نهاية فيفري الفارط، حين وصف ذلك بـ”الفكرة الهامة”، لاسيما وأن المشروع سيكون فضاء لغرس منتجات فلاحية، والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.
وقبل ذلك، أكد عبد الحفيظ هني وزير الفلاحة والتنمية الريفية بمناسبة إعطائه إشارة انطلاق الحملة الوطنية للتشجير لموسم 2023/ 2024 من ولاية الجلفة، في 25 أكتوبر 2022، أن هذه الولاية كانت منطلقا لمشروع السدّ الأخضر في بداية السبعينيات من منطقة “مجبرة”، مشيرا إلى ضرورة جعل السدّ موردا اقتصاديا واجتماعيا هاما، ليُذكر بتوسيع مشروع إعادة تأهيل السدّ الأخضر من 3,7 إلى 4,7 مليون هكتار في 13 ولاية، على طول إجمالي قدره 1500 كلم من بينها ولاية الجلفة الذي يمتد بها السدّ الأخضر على 24 بلدية.
كما قام وزير الفلاحة والتنمية الريفية أيضا بإعطاء إشارة انطلاق مشروع إعادة تهيئة السدّ الأخضر، وذلك ضمن مقاربة جديدة ترتكز على إحياء الفضاءات المتضررة من هذا المعلم الطبيعي، وإشراك الساكنة المحلية في مشاريع غرس أشجار مثمرة مقاومة تتأقلم مع هذا الفضاء وتساهم في تحسين ظروف معيشتهم وكذا في تنويع الاقتصاد الوطني، يقول هني.
تحفيزات وتسهيلات
أما عن انطلاق المشروع رسميا، فكشفت مديرة السدّ الأخضر ومكافحة التّصحر بالمديرية العامة للغابات صليحة فرطاس، أن شهر ديسمبر القادم سيشهد انطلاقته، على أن يتم على مدار 7 أعوام، حيث خصّصت الوزارة غلافا ماليا يفوق 10 ملايير دينار للعام الأول من تجسيد مشروع إعادة تأهيل السدّ الأخضر الذي سيلعب دورا هاما للحدّ من الاحتباس الحراري
ويأتي مشروع إعادة تأهيل السدّ الأخضر الذي يمس 13 ولاية عبر 183 بلدية، ضمن برامج عدة وضعتها الحكومة للحد من ظاهرة تغير المناخ من بينها الانتقال الطاقوي، باستعمال الطاقات الشمسية، تقول صليحة فرطاس، التي أشارت إلى أن الدولة وضعت جملة من التحفيزات والتسهيلات الممنوحة لكل الشباب الراغبين في إنجاز مشاريع تتعلّق بالغطاء النباتي، وذلك من خلال التقرب من مختلف محافظات الغابات عبر ولايات الوطن الـ58 وتلقّي مختلف الشروحات المتعلقة بالمشروع المراد إنجازه.