إنتاج الفوسفات المُدمج.. محور الجزائر – الصين يتعزّز بمشروع “القرن”

تُعوّل السلطات العليا في البلاد كثيرا على مشروع إنتاج الفوسفات المُدمج بالشراكة مع الصين باعتباره مشروع “القرن” الذي سيمكّن الجزائر من اللحاق بركب أكبر البلدان المنتجة للفوسفات عالميا، وكذلك تحقيق الاكتفاء الذاتي فيما يخصّ الأسمدة الزراعية، مع توسيع الفرص في مجال إنعاش الولايات الشرقية من خلال إحداث حركية في سوق العمل ونشاط المناولة لفائدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، بشكل يساهم في خلق ثروة تعكس رقم الاستثمار الذي يناهز 7 ملايير دولار.

الشراكة الاستراتيجية في هذا المجال استنفرت القائمين على المشروع الذين يواصلون عملهم من أجل تطويره، حيث تباحث الشريكان الجزائري والصيني حول سبل تمويل مشروع الفوسفات المُدمج وذلك، خلال آخر لقاء لهما منتصف ماي، حين زار المدير العام لمجمع سوناطراك توفيق حكار رفقة وفد مُكوّن من إطارات المجمع وشركة «أسمدال» إحدى فروع سوناطراك، وكذا مجمع مناجم الجزائر، وتم على إثرها برمجة لقاءات مع مجموعة من البنوك المهتمة بتمويل المشروع ومؤسسات تأمين قروض الاستثمار والتصدير التي أبدت استعدادا مبدئيا للمساهمة في تمويل إنجاز هذا المشروع الحيوي.

في البداية، أوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مساهل، أن الصين تحاول اقتصاديا التغلغل بشكل سلس إلى الشمال الإفريقي وبشكل حذر جدا، خصوصا وأن العلاقات الأوروبية-الصينية متوازنة إلا أنها قد تتجه إلى التوتّر في أي لحظة وخاصة بعد أزمة الطاقة الأخيرة في أوروبا وحاجتها إلى مصادر الطاقة من ليبيا والجزائر، لافتا إلى أن أي تحرّك صيني في مجال الاستثمارات البينية الطاقوية مع الشمال الإفريقي هو تهديد مباشر لمصالح أوروبا.

لماذا الشراكة مع الصين؟

أما بالنسبة للجزائر، فقد اعتبر المهتم بالشأن الاقتصادي، في اتصال مع «الأيام نيوز»، أن هذه الفترة أفضل توقيت مناسب لتنويع مصادر استثماراتها وشركائها، لاسيما وأنها تسعى إلى كسب شريك صيني بعدما كل ما حققته مع إيطاليا مؤخرا، وهذا بهدف المحافظة على التّوازن الاقتصادي والسياسي، خاصة بعد التوترات والتجاذبات بين الصين وروسيا من جهة والدول الغربية من جهة أخرى، يؤكد المتحدث.

فبالإضافة إلى العرض الصيني المُغري لقارة إفريقيا ودول الشرق الأوسط في إطار المبادرة الصينية الجديدة “مبادرة الحزام والطريق” التي وافقت الجزائر على الانضمام لها رسميا سنة 2019، وصلت قيمة الاستثمارات الصينية المباشرة بالجزائر إلى حوالي 10 مليار دولار، وحجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين إلى 9 مليار، حسبما كشفه مساهل، الذي ذكّر في هذا الإطار، بالتوقيع على العديد من اتفاقيات شراكة واستثمار منها مشروع غار جبيلات للحديد بتندوف وتطوير ميناء الحمدانية بتيبازة، ومشروع الفوسفات المدمج بتبسة بقيمة سبعة مليار دولار.

وزن الصين عالميا

وكما هو معلوم فإن الصين دولة محورية في عالم اليوم وتحتلّ مرتبة رائدة اقتصاديا في العالم، ذكّر الأكاديمي، كما أنها المنتج رقم واحد للفوسفات على مستوى العالم بإنتاج يفوق 100 مليون طن سنويا، وتمتلك ثاني أكبر احتياطي فوسفات في العالم، بمخزون يبلغ 3.2 مليار طن، وبالتالي ـ حسبه ـ لديها الخبرة والتكنولوجيا اللازمة التي تحتاجها الجزائر في هذا المجال.

وأوضح عبد الرحمان مساهل أن الجزائر يمكن الاستفادة من الخبرة الصينية في مجال استكشاف وإنتاج وتسويق مادة الفوسفات، في ظل مساعيها الرامية إلى تحقيق الريادة فيما يخص تصدير الفوسفات مستقبلا، وهذا ببلوغ حوالي 10 مليون طن بعائد مالي يصل إلى 2 مليار دولار سنويا كهدف مسطر من طرف الحكومة.

بالأرقام

وفيما يخصّ الإضافة التي يقدّمها مشروع الفوسفات المدمج على المستوى الوطني والدولي، تحدث الخبير، عن توقعات كشفتها تقارير تُشير إلى إمكانية خلق أكثر من 12 ألف فرصة عمل خلال مرحلة الإنجاز وحوالي ستة آلاف فرصة عمل مباشرة، ونحو 24 ألف فرصة عمل غير مباشرة عندما يدخل حيز الإنتاج، مُنبّها إلى نقطة اعتبرها هامة وتتمثل في ضرورة اكتساب خبرة كبيرة في مجال التكنولوجيا وإنتاج الأسمدة والاستغلال المنجمي والفوسفات من طرف الشركات الجزائرية، لاسيما وأنه سيتم توجيه جزء من الإنتاج نحو السوق المحلية وجزء كبير نحو التصدير، ما سيجعل الجزائر أحد أهم المنتجين والمصدّرين للأسمدة الفوسفاتية على المستوى الدولي، كما أنه من المتوقّع إنتاج 5.4 ملايين طن من الأسمدة بمختلف أنواعها سنوياً، تُوجه للاستغلال المحلي، وتسويق الفائض منها إلى الخارج في مرحلة لاحقة، وكذا تصنيع المنتجات الفوسفاتية للتّغذية الحيوانية والنّباتية، يُضيف مساهل.

وفي الأخير خلص، محدثنا إلى أن التّوجه نحو التعاون مع الصين هو أمر إيجابي نظرا للخبرة الصينية من جهة، ومن ناحية أخرى الاستفادة القصوى من التجاذبات الدولية والصراعات والتّنافس الإقليمي والدولي بين القوى الكبرى، خاصة في مجال الطاقة والموارد المنجمية، الأمر الذي قد يجعل الجزائر لاعبا اقليميا ودوليا هاما ويعزز مكانتها الاقتصادية الدولية خاصة في المجال الطاقوي.

تعزيز الاستثمار المباشر الأجنبي

ومن جانبه، قال الخبير الطاقوي، أحمد طرطار، إن المشروع “واعد”، لأنه يسمح الكثير من المنتوجات المختلفة سواء الجانب الكيمائي أو باقي الجوانب الأخرى، مبرزا أن الشراكة بين “سونطراك” ممثلا بـ «اسمدال» ومجمع مناجم الجزائر، والشريك الصيني سيعطي دفعا قويا، بالنظر للفائدة المرجوة منه، سواء ما تعلق بخلق مناصب الشغل التي قد تصل إلى 40 ألف، أو فيما يخص إدماج المناولة من خلال خلق شركات صغير ومتوسطة ناشئة، ما يُسهل من آداء الأدوار المنوطة والمُدرجة في سياق البرنامج العام للحكومة فيما يتعلق بإنتاج الأسمدة الفوسفاتية والآزوتية.

وأضاف طرطار في حديث لـ«الأيام نيوز»، أن مشروع الفوسفات المُدمج سيحقق طفرة نوعية في مجال التنمية المستدامة على مستوى منطقة الجنوب الشرقي، ما يُشكّل ريعا إضافيا بعيدا عن الريوع الطاقوية المعروفة كالنفط، وبالتالي يعزز موارد الخزينة ويرفع من القيمة المضافة بالنسبة للمجتمع، كما يزيد من الاندماج والتنويع الاقتصادي في سياق البرنامج المسطّر من قبل الحكومة، ضف إلى ذلك تحفيز المستثمرين الجزائريين والأجانب بشكل يُعزز الاستثمار المباشر الأجنبي ويخلق منافسة بين المتعاملين.

وأبرز المتحدّث أهمية الموارد الخام التي تزخر بها الجزائر والتي من خلالها تستطيع إحداث ثورة في المجال الصناعي سواء باستحداث مؤسسات مُكمّلة أو عبر تكرير المواد الخام وتحويلها لتصبح قابلة للاستعمالات المختلفة، أو حتى بيعها في الأسواق العالمية وتحقيق إيرادات معتبرة مستقبلا.

طفرة نوعية

كما أكد، أن الشراكة في مجالات البحث والتطوير والتكنولوجيا ستستفيد منه الجزائر، خاصة وأن الشريك الصيني له باع في مجالات التكنولوجيا الجديدة، ولما لا تطويرها واستغلالها في مجالات الاستكشاف، وإنتاج وتكرير المحروقات وبعث مشاريع مرتبطة بالطاقات المتجددة، مُذكّرا بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والدولية لمشروع الفوسفات المدمج، والذي سيُمكّن ـ حسبه ـ الجزائر من الريادة فيما يخص إنتاج الفوسفات ومشتقاته وتصديرهما على غرار ما هو موجود في منطقة الجنوب الغربي، أين يُستغل منجم غار جبيلات في إنتاج الحديد والصلب ومشتقاته.

واختتم المتحدث ذاته، تصريحه، بالتأكيد على أهمية المشروع في إضفاء حركية على الدورة الاقتصادية، والمساهمة في رفع نسبة النمو بشكل يُحقق تحريك دواليب قطاعات اقتصادية حيوية.

وكما هو معلوم فإن تطوير مشروع الفوسفات المدمج تشرف عليه الشركة الجزائرية الصينية للأسمدة التي أُنشئت بتاريخ 22 مارس 2022 بين المجمعين الجزائريين «أسمدال» ومناجم الجزائر والشركتين الصينيتين «ووهوان» و «تيان آن»، إذ يهدف المشروع إلى استغلال منجم الفوسفات في بلاد الحدبة بمنطقة جبل العنق (ولاية تبسة)، والتحويل الكيميائي للفوسفات والغاز الطبيعي وصناعة الأسمدة الفوسفاتية والآزوتية ومواد كيميائية بوادي الكبريت (ولاية سوق أهراس)، وكذا صناعة الأسمدة بحجر السود بولاية سكيكدة، إلى جانب المنشآت المينائية المخصصة المتواجدة بميناء عنابة.

 

وهيبة حمداني - الجزائر

وهيبة حمداني - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
وزير الاتصال..الجزائر توسّع بثها الإعلامي دوليًا عبر الأقمار الصناعية سونلغاز تفتح أبوابها لنقل خبرتها إلى بوركينا فاسو قائد الجيش السوداني:"الخرطوم حرة" استنفار وطني لمواجهة أسراب الجراد ومنع انتشارها إلى ولايات جديدة رقمنة الخدمات التجارية.. "مرافق كوم" الحل الذكي لمتابعة مداومة التجار دوفيلبان يتصدر الشخصيات السياسية المفضلة في فرنسا بعد مواقفه من غزة والجزائر هذه أبرز الملفات التي ناقشها اجتماع الحكومة الجزائر في صدارة الدول المصدرة للغاز المسال بإفريقيا ليلة القدر في الجزائر.. نفحات إيمانية وعادات متجذرة الكاردينال فيسكو: "تصريحات روتايو مستفزة والجزائر لن تخضع للخطاب التهديدي"  غزة تشتعل.. تصعيد عسكري ونفير عام ورسائل تهز "إسرائيل" بوغالي يطالب إسبانيا بمراجعة موقفها من قضية الصحراء الغربية القضاء الفرنسي يرفض طلب تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري "دوالمن" بشراكة صينية.. نحو إعادة إطلاق مصنع الإسمنت بالجلفة سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر