تركّز الحكومة حاليا بشكل كبير على تطوير القطاع الفلاحي ورفع مردوديته، وتضع ذلك ضمن أولويات تحقيق الاكتفاء الذاتي ومنه الأمن الغذائي وتنويع الصادرات خارج المحروقات. ويتّفق المختصون في المجال على ضرورة الانتقال إلى الزراعة العضوية التي تجمع بين توفير منتجات صحية للمواطن، ورفع حجم الانتاج الفلاحي، وتقليص فاتورة استيراد المبيدات الكيميائية.
يشدّد النائب بالمجلس الشعبي الوطني، عضو لجنة الفلاحة، رابح جدو، على ضرورة استقطاب الاستثمار في مجال صناعة الأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية، وذلك ضمن جملة من الميكانيزمات التي تخدم مسعى تطوير القطاع الفلاحي.
وقال النائب في تصريح لـ”الأيام نيوز”، إن “هناك مبادرات قد تسهم في تقليص فاتورة استيراد المُبيدات الكيميائية، مشيرا إلى أن استيراد الأدوية البيطرية والأسمدة والمبيدات الزراعية يكلّف الخزينة العمومية ملايين الدولارات”. وفي السياق، أكّد المصدر أن مجال صناعة الأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية يعرف تأخرا كبيرا قد يؤثر سلبا على تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. ودعا إلى العمل على جلب الاستثمار الأجنبي في هذا المجال على اعتبار أن توفير هذه المواد المُنتجة محليا لا يقل أهمية عن توفير البذور للنشاط الفلاحي.
تجاهل وزاري ومحاصيل مهدّدة
وانتقد رابح جدو تجاهل وزارتي الصناعة والفلاحة لتطوير مجال صناعة الأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية رغم أهميته وانعكاسه على مردودية المحاصيل والانتاج الحيواني، كما نبّه إلى أن الدول التي تصدّر هذا النوع من المنتجات إلى الجزائر تفرض شروطها غالبا، على غرار فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا، واقترح تعزيز الشراكة مع الأردن ومصر اللتان عرفتا انطلاقة حقيقية في صناعة الأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية.
ولفت المتحدث إلى أن المحاصيل الزراعية مهدّدة بشكل مقلق بسبب الحشرات التي قد تقضي عليها في حال تأخر المعالجة ومنها انخفاض مردودية القطاع الفلاحي. ومن بين هذه الحشرات “حشرة المنّ” التي تنتقل إلى المحاصيل الزراعية عبر الأوراق وتنقل إليها فيروسات تقضي على المنتوج الزراعي، وكذا “خنفساء النخيل” التي قد تأتي على آلاف الهكتارات من النخيل، بالإضافة إلى أمراض أخرى على شكل فيروسات وبكتيريا.
وتساءل رابح جدو عن سبب عدم اهتمام الحكومة باستقطاب الاستثمار الأجنبي لتطوير القطاع الفلاحي رغم تحيين المنظومة القانونية وما يفرضه اعتماد الزراعة التقليدية من مبيدات وأسمدة كيماوية. وقال إن “الجزائر تزخر بموارد قد تساعد على بعث مشاريع، منها مصنع الكبريت الذي يمكن استغلاله في صناعة مادتين من المبيدات”، على أن يبقى استخدام التكنولوجيا على عاتق الشريك الأجنبي المعني بالشراكة في هذا النوع من الصناعة، مشيرا إلى أن الجزائر لا تمتلك ما يمكنها من التحكم في إنتاج منتجات عضوية.
آفاق واعدة للفلاحة العضوية في الجزائر
وخلافا لذلك، يرى الخبير الفلاحي، لعلى بوخالفة، أن الجزائر تتجه إلى إنتاج مبيدات ومواد بيولوجية تُستخدم في الإنتاج الفلاحي العضوي المُفيد لصحة الإنسان، مشيرا إلى وجود مبادرات من قبل الخواص ستُؤتي أُكلها خلال الفترة المقبلة، بعد دخول قانون الاستثمار حيّز التنفيذ، وفتح المجال أكثر أمام المتعاملين الجزائريين والشركاء الأجانب بما يسمح بتوسيع آفاق مختلف الصناعات التي يحتاجها القطاع الفلاحي سواء ما هو كيميائي أو بيولوجي.
ويتوقّع بوخالفة في تصريح لـ “الأيام نيوز” أن تتمكّن الجزائر خلال السنوات المقبلة من إنتاج كل ما تحتاجه من مبيدات وأسمدة، وأدوية بيطرية في ظل توفّر الإرادة السياسية ومرافقة الحكومة. وقال “إن الجزائر تستورد الأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية رغم امتلاكها لمصانع في الشرق، والغرب والجنوب لإنتاج هذه المواد، تابعة لخواص أو بالشراكة مع الأجانب”، وأضاف أن هذه المصانع تساهم في توفير الأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية بشكل معقول بالرغم من أنها غير كافية”.
وتحدّث بوخالفة عمّا وصفه بـ “النّقلة النوعية” التي تعرفها صناعة الأسمدة وخاصة الفوسفاتية بشرق البلاد تبسة، وكذا إنتاج الأسمدة من الأمونياك “مادة اليوريا 46” الأغنى في الأسواق الدولية، وهو ما يضع الجزائر في صدارة الدول المنتجة لهذه المادة على المستوى العالمي، بينما أكد أن المواد المستوردة تساهم بالإضافة إلى مواد أخرى، في تحسين مردودية إنتاج الأشجار المثمرة والخضروات والفواكه وضمان سلامتها من الحشرات، وأيضا ضمان سلامة الإنتاج الحيواني من الأمراض، ولا يعتبرها “مادة أساسية تمس بالمردودية بشكل شامل”، ويرى الخبير بوخالفة أن “الوضع الحالي لا يرهن تحقيق الاكتفاء الذاتي أو الأمن الغذائي”.
الشراكة مع الأجانب لتعويض الاستيراد بالإنتاج المحلي
اعتبر البروفيسور في الاقتصاد، مراد كواشي، أن الجزائر متأخرة في مجال صناعة الأدوية البيطرية والمبيدات الزراعية، وأكد على ضرورة تطوير المجال من خلال اللّجوء إلى الشراكة مع الدول المنتجة، والتي تستورد منها الجزائر هذا النوع من المواد كإحدى الخطوات اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي. واستدّل كواشي في تصريحه لـ”الأيام نيوز”، بالتعليمات المتكرّرة لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بخصوص تطوير القطاع الفلاحي واستعمال الأساليب الحديثة لرفع مردودية الهكتار الواحد، قصد المساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وبلوغ السيادة الغذائية التي يوليها الرئيس وحكومته أهمية بالغة، معتبرا أن الحكومة قادرة على إنجاح مساعيها في تنويع الاقتصاد من خلال استثمارات وطنية وأجنبية، تساهم في تطوير القطاعات الحيوية، لاسيما القطاع الفلاحي، والذي يرتبط بقطاعات أخرى أهمها الصناعة، سواء فيما يخص صناعة الأسمدة، أو صناعة المبيدات والأدوية البيطرية والصناعات التحويلية الغذائية، مشيرا إلى أن رؤية الحكومة مرتبطة بتقليص فاتورة الاستيراد والحفاظ على احتياطي الصرف.
وأكد كواشي على أهمية الشراكات التي وقعتها الجزائر مؤخرا على غرار “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية المعمّقة” مع روسيا، والتي تشمل اتفاقية في مجال حماية النباتات.