تأخذ قضية الصحراء الغربية طابعا إنسانيا وثقافيا – ناهيك عن الطابع السياسي والميداني – وهو ما يجعلها ذات أبعاد شتى، فقد رفع زوجان سويديان تحدي قطع مسافة 48000 كلم بالدراجة للتعريف بالقضية عبر ثلاث قارات. ومن جانب آخر تم بالعاصمة الإسبانية مدريد، تقديم النسخة الـ18 من المهرجان العالمي للسينما في الصحراء الغربية “في صحراء” المقرّر عقدها في الفترة الممتدة من 29 أفريل إلى 5 ماي المقبل بولاية أوسرد بمخيمات اللاجئين الصحراويين.
وذكرت وكالة الأنباء الصحراوية (وأص) أنّ الطبعة التي حضر مراسم تقديمها ممثل جبهة البوليساريو بإسبانيا عبد الله العرابي والمسؤولون عن الطبعة، ستحمل شعار “خيمتنا في السينما.. الصمود يقود إلى الظفر” وبإشهار الخيمة كعلامة مميزة وإشارة واضحة ترمز إلى الهوية الصحراوية التي يلجأ الاحتلال المغربي على الدوام إلى محاربتها وطمسها على مستوى الصحراء الغربية، يبقى مهرجان “في صحراء” رافعا لواء الصمود متوخيا الانتصار وعلامة وصل بين الشعوب المقهورة، وبالسينما يتم دفع المقاومة الثقافية إلى الأمام.
وسيتابع الجمهور على مدى أسبوع عروض أفلام ونقاشات حول القضية الصحراوية متنوعة ومن دول عديدة مثل الجزائر، فلسطين، تيمور الشرقية، كولومبيا وبورتو ريكو، ويسعى المهرجان العالمي للسينما إلى نسج علاقات جديدة وروابط بين السينمائيين والفنيين الأجانب والسينمائيين والناشطين الصحراويين.
وسيعرف المهرجان حضور سينمائيين من دول مختلفة من بينهم الكولومبية سورايا باهويلا الحائزة على الجائزة الوطنية للسلام، وصاحبة فكرة المهرجان السمعي البصري (مونتيس دي ماريا) والمشاركة في مجموعة بعثة الضحايا الستين التي حضر منتسبوها لإشعال طاولة حوار السلام بالعاصمة الكوبية هافانا، إلى جانب السيدة لورذيس بيريس سينمائية وناشطة من تيمور الشرقية التي عرفت بتأثيرها القوي على الساحة لفائدة استقلال تيمور وأنجزت الفيلم الأول حول الكفاح بتيمور.
كما ستعرض التظاهرة، مشاركة الصحفي السينمائي من دولة بورتو ريكو ميلتون كريرو الذي حول أعماله الفنية إلى طابع موسيقي يتناول دمار الأركان ماريا الذي عصف بالبلاد، وكذا الغضب الشعبي الذي أرعب المفسد والحاكم ريكاردو روسيو على الاستقالة، والفنان والناشط السنغالي تيمبو صامب الذي يتخذ من السينما والتمثيل سبيلا من أجل تحسيس الرأي العام الإسباني بشأن التمييز العنصري ودعم فئات الشباب المغترب التي تلجأ عادة إلى خطر امتطاء زوارق الموت انطلاقا من القارة الإفريقية إلى أوروبا.
كما سيعرف المهرجان عرض سلسلة أفلام إسبانية، بمشاركة الفنانات كارولينا يوستي، نطاليي بوثا، والممثل غييرمو طوليظو، والمغني بيذرو باصطور المكلف بالسهرة الختامية للمهرجان العالمي.
وحول هذه التظاهرة العالمية الهامة، صرحت السيدة ماريا كاريون المديرة التنفيذية للمهرجان قائلة “مضى على الشعب الصحراوي قرن ونصف من الزمن صامدا في وجه الاستعمار الإسباني، والاحتلال المغربي معا، بالإضافة إلى مواجهة مطامع القوى العظمى التي تتوخى إفشال مشروعه الوطني في نيل الحرية، ولكن هذا الشعب يواصل واقفا على قدميه مثبتا وجوده، محافظا على هويته ومقومات ثقافته، وهذا بحد ذاته يعتبر انتصارا”.
وأوضحت المديرة التنفيذية أنّ المهرجان بقي متواصلا على مدى عشرين عاما، لافتة إلى أن هذه النسخة تستحضر كفاحات الصمود التي تنتقل من جيل إلى آخر، وبقوة راسخة، وبحضور الخيمة الصحراوية كرمز للصمود والإرث الثقافي. وسيتمتع الجمهور أيضا بمشروع العمل الفني: “خيمتنا”، الذي تم عرضه بالعاصمة الإسبانية مدريد نهاية السنة الماضية.
وفي كلمة له، أوضح عبد الله العرابي ممثل جبهة البوليساريو بإسبانيا “بأن أي حل لقضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية يكون عادلا ودائما ونهائيا لا يمكن التوصل إليه دون استشارة الشعبين اللذين يعانيان ويلات الاحتلال اللاشرعي”.
وأشار إلى أنّ المغرب غير جدير بالثقة، والشعب الصحراوي، كما قال، سبق وأن وقع اختياره على الطريق السلمي، وما كان من المغرب إلا اللجوء إلى استغلال ذلك ضده بدعم ومباركة من القوى العظمى مثل إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. أما الممثل ويلي طوليذو، فقد أبرز مدى التضامن بين الشعبين الصحراوي والفلسطيني أمر محسوس، منتقدا التغير في المواقف بين الحين والحين.
وأعرب الناشط السنغالي صامب عن دعمه للقضية الصحراوية، والتأثر العميق باد على محياه كمواطن إفريقي، وهو يقوم بالسفر إلى مخيمات اللاجئين، كما ثمنت ناطاليي عقد المهرجان العالمي للسينما، معتبرة إياه يهدف إلى الحفاظ على الموروث والثقافة الصحراوية، ويفتح نافذة على العالم بغية التعاطف والتضامن.
وتعقد هذه التظاهرة السينمائية العالمية بمخيمات اللاجئين بمشاركة أزيد من إثني عشرة جنسية، وسيتم خلالها عرض ما يقرب من ثلاثين فيلما، وبخاصة من فلسطين وكولومبيا وتيمور الشرقية وبويرتو ريكو، علاوة على حضور أزيد من أربعين وسيلة إعلامية لتغطية الحدث.
ومن جانب آخر، رفع زوجان سويديان تحدي قطع مسافة 48000 كلم بالدراجة للتعريف بالقضية الصحراوية عبر ثلاث قارات وهي رحلة مليئة باللقاءات التي من المقرر أن تنتهي في جانفي 2025.
مسافة التحدي دعما للقضية الصحراوية
وحسب صحيفة “لو كوريي” السويسرية، فإنّ سناء قطبي وبنجامين لذرع اللذين وصلا هذا الأسبوع إلى سويسرا وهما يحملان العلم الصحراوي ملتزمان بالتعريف بنضال الشعب الصحراوي أينما حلا مشيرة إلى أن الزوجين قد عبرا 21 بلدا خلال عامين.
في هذا الخصوص، أكد بنجامين لذرع أن الصحراء الغربية “ليست فقط آخر مستعمرة في إفريقيا بل أيضا الأكبر في العالم”، مضيفا أنه في هذه المنطقة “يتعرض القانون الدولي لانتهاكات صارخة” بما أن الأمر يتعلق بـ”إقليم يتطلب تصفية الاستعمار” حسب قرارات الأمم المتحدة.
وخلال رحلتهما، التقى المغامران بأشخاص للحديث معهم عن الوضع في الصحراء الغربية تحت الاحتلال حيث قال بنجامين أن “الأمر يتعلق بلقاء أشخاص مهمين لتحسيسهم على غرار سياسيين أو أكاديميين أو صحفيين”.
فلسطين والصحراء
وفي البلدان التي تغيب عنها بالشكل الكافي مظاهر التعريف بالقضية الصحراوية يعتمد بنجامين وسناء على شبكة اتصالاتهما للتضامن مع القضية الفلسطينية لتمهيد الطريق والسماح لهما بالتعريف بقضية الشعب الصحراوي.
وبخصوص فلسطين، سبق لبنجامين أن قطع مسافة 5000 كيلومتر مشيا على الأقدام في 2017 حيث شملت هذه الرحلة بلدان الشرق الأوسط حيث نشط ندوات حول مواضيع مختلفة ذات صلة سيما الحصار المفروض على قطاع غزة ووضع اللاجئين الفلسطينيين. وقد تم طرده من طرف الجيش الصهيوني أثناء محاولته دخول الأراضي المحتلة. وفي السنة ذاتها، أنشأ جمعية للتضامن من أجل “الدفاع عن الحرية والقضايا العادلة”.
وفيما يتعلق بالقضية الصحراوية، أشار بنجامين إلى رغبة المحتل في إخفاء جرائمه بأي ثمن. وكما هو الشأن بالنسبة للكيان الصهيوني في فلسطين، تمنع السلطات المغربية تواجد وسائل إعلام ومنظمات غير حكومية في الأراضي الصحراوية المحتلة، ولهذا السبب بالتحديد قرر السويديان تنظيم رحلتهما التضامنية. كما يعتزمان أيضا إنتاج فيلم وثائقي سيقدمونه في سنة 2025 في الولايات المتحدة.
تطبيق اتفاق عام 1991
وعلى الصعيد السياسي، حملت جبهة البوليساريو مجلس الأمن الدولي المسؤولية الكاملة عن تطبيق الاتفاق المبرم بين الطرفين الصحراوي والمغربي سنة 1991، وجددت جبهة البوليساريو، في بيان يوم الجمعة، توج أشغال الدورة العادية الرابعة لأمانتها الوطنية، التأكيد على مسؤولية مجلس الأمن في تطبيق اتفاق سنة 1991، تماشيا مع الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومقتضيات القانون الدولي وباعتباره “الاتفاق والمرجع الشرعي لحل توافقي وسلمي، بعيدا عن مناورات المحتل المغربي وأساليبه التضليلية ومغالطاته لفرض الأمر الواقع وتحريف الحقائق”.
وأعادت الجبهة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الصحراوية (وأص)، التأكيد أيضا على “تمسكها بحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال وبحقه في الدفاع عن وطنه وثرواته بكل وسائل المقاومة المشروعة”.
وشجبت، في السياق، محاولات المملكة المغربية الهادفة إلى “التملص من التزاماتها الموقع عليها مع الطرف الصحراوي معتمدة في ذلك على قوى من داخل مجلس الأمن ومن خارجه، تعرقل مجهودات المجتمع الدولي الرامية إلى تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية والى تغيير الطبيعة القانونية لأخر مستعمرة في إفريقيا، في تناقض صارخ مع مواثيق وقرارات المنظمات والمحاكم الدولية والإقليمية ذات الصلة”.
ودعت الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو بالمناسبة، الاتحاد الإفريقي لـ”مواصلة جهوده الرامية إلى فرض احترام القانون التأسيسي وخاصة فيما يتعلق برفض ضم الأراضي بالقوة ومبدأ احترام الحدود الدولية المعترف بها غداة الاستقلال”.
وكان الرئيس الصحراوي، الأمين العام لجبهة البوليساريو، السيد إبراهيم غالي، طالب خلال إشرافه، يوم الأربعاء، على افتتاح أشغال دورة الأمانة الوطنية للجبهة، مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية (المينورسو) من استكمال مهمتها القاضية بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال، عبر استفتاء حر، عادل ونزيه.
وأوضح أنّ “الجمهورية الصحراوية على استعداد لإنهاء النزاع القائم مع المملكة المغربية، في سياق احترام أهداف ومبادئ الاتحاد الإفريقي، وخاصة مبدأ احترام الحدود القائمة عند الاستقلال”.