مثلما تتّخذ الجماعات الإرهابية وشبكات المافيا، من عمليات الاغتيال أسلوبا في حروبها القذرة، ها هي “إسرائيل” -المتشبّثة بجذورها الورمية المظلمة- تتمكّن – تحت إشراف صانعيها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبالتعاون مع حلفائها العرب المتورّطين في مشروع التطبيع- من اغتيال رجل المقاومة الأول في لبنان -الشهيد حسن نصر الله- لكنّ هذه الخطوة الجبانة -لا تعني بأيّ حال من الأحوال أن (إسرائيل) قد استطاعت القضاء على المقاومة. فالمقاومة متجذّرة في قلوب الملايين، ولا يمكن اغتيالها بالرصاص أو بالغدر أو بالتواطؤ. إنها تمثّل قوّة الإرادة، محمّلةً بآمال الشعوب الساعية إلى الحرية والكرامة، وهي لن تُقهر بأي وسيلة كانت، بل ستستمر في القتال، متجاوزة كل محاولات الإخضاع.
=== إعداد: سهام سعدية سوماتي بمشاركة موسى بن عبد الله ومنير بن دادي ===
وبالفعل، أعلن حزب الله اللبناني، في بيان له، أمس السبت، عن استشهاد الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في غارة شنها الكيان الصهيوني مساء يوم الجمعة على الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت. وذكر البيان، الذي تداولته وسائل الإعلام، أن “حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله التحق برفقائه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحو ثلاثين عامًا، عامًا من نصرٍ إلى نصر”.
وبارك البيان الأمين العام لحزب الله شهادته، مؤكدًا أنها “أرفع الأوسمة”، وأن نصر الله حقق أغلى أمانيه شهيدًا على طريق القدس وفلسطين، مضيفًا: “نعزي ونبارك برفاقه الشهداء الذين التحقوا في موكبه إثر الغارة الصهيونية الغادرة التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت”. وعاهدت قيادة حزب الله الشهيد نصر الله على مواصلة جهادها في مواجهة العدو الصهيوني وإسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه.
وباغتيال الشهيد نصر الله، أصبح من الواضح أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة. إذ يتوقع أغلب المحللين أن يتجه ثقل الحرب ضد الكيان الصهيوني من قطاع غزة نحو جنوب لبنان، حيث ستنتهي الأمور في المستقبل إلى مواجهة مباشرة. وسيتبين أن الاغتيالات، التي كانت تعطي انطباعًا مؤقتًا بالقوة، لن تُحدث تغييرًا في موازين القوة الحقيقية على الأرض.
وفي هذا الصدد أكّد قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي، أمس السبت، أنّ الكيان الصهيوني أصغر من أن يُوجّه ضربةً يُعتَدُّ بها لبنية حزب الله الصلبة في لبنان، مضيفا -في رسالةٍ حول العدوان الصهيوني الأخير على لبنان- أن “مصير المنطقة تحدّده قوات المقاومة وعلى رأسها حزب الله”.
ولفت خامنئي إلى أنّ ارتكاب المجازر بحقّ العُزّل في لبنان كشف مجدّداً للجميع، من جهة، الطبيعة الوحشيّة للكلب الصهيونيّ المسعور، وأثبت، من جهة أخرى، قصر نظر قادة الكيان الصهيوني الغاصب وسياستهم البلهاء.
وأردف: “لم يستطيعوا أن يفهموا (قادة الكيان الصهيوني) أنّ الإبادة الجماعيّة لا يمكنها التأثير في البنية الصلبة لمنظومة المقاومة، ولن تؤدّي إلى انهيارها، وها هم الآن يختبرون السياسة الحمقاء ذاتها في لبنان”.
وتطرّق خامنئي إلى أنّه “لم ينسَ شعب لبنان أنّ جنود الكيان الغاصب كانوا ذات يوم يدوسون المناطق بأقدامهم حتى بيروت، وكان حزب الله من قطع أقدامهم، وجعل لبنان عزيزاً وشامخاً”، مشيراً إلى أنّه “اليوم أيضاً، سوف يجعل لبنان العدوَّ المعتديَ والخبيثَ والشقيَّ يندم، بحول الله وقوّته”.
كما أشار إلى أنّ العصابة الإرهابية الحاكمة للكيان الصهيوني لم تتعلّم من حربها الإجرامية التي استمرّت لمدّة عامٍ كامل في قطاع غزّة، ولم تفهم أنّ القتل الجماعي للنساء والأطفال والمدنيين لا يُمكن أن يؤثر على البنية الصلبة لمحور المقاومة.
وغالبا ما توصف الاغتيالات التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني ضد القيادات اللبنانية والفلسطينية بأنها عمليات خسيسة ودنيئة، ولن تكسب الاحتلال الحرب، فهناك دلائل تاريخية تشير إلى ذلك، فعقب استشهاد عباس الموسوي، ثاني أمين عام لحزب الله في 16 فيفري 1992، قالت إسرائيل بأن عهد حزب الله، والنتيجة أن حزب الله أصبح أقوى.
ففي صباح يوم 17 فيفري 1992، تصدرت عناوين الصحف الصهيونية خبر اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، عباس الموسوي، حيث ذكرت صحيفة “حدشوت” في عنوانها الرئيسي: “اغتيال الموسوي كان مخططًا له مسبقًا، وحالة تأهب قصوى على الحدود الشمالية”. واليوم، تقول إسرائيل الشيء ذاته بشأن اغتيال حسن نصر الله، حيث أعلنت أن العملية كانت مخططة بعناية وتم استغلال اللحظة المناسبة لتنفيذها عبر قصف مكثف للضاحية الجنوبية في بيروت.
بالعودة إلى واقعة اغتيال الموسوي، أفادت “حدشوت” حينها: “هكذا تم القضاء على زعيم حزب الله”. وأوضحت الصحيفة أن “المروحيات الصهيونية أغرقت القافلة بنيران الصواريخ والمدافع الرشاشة، حيث “قُتل” زعيم حزب الله في هجوم نفذته مروحية تابعة للقوات الجوية بينما كان يسافر مع قادة آخرين من التنظيم بعد حضور اجتماع في إحدى القرى اللبنانية”. كما أشارت الصحيفة إلى أن “القوات الصهيونية أطلقت سبعة صواريخ، أصابت ثلاث سيارات من القافلة المكونة من سبع سيارات، ثم فتحت النار بالمدافع الرشاشة على من حاولوا الهروب”. ونشرت الصحيفة صورة لعباس الموسوي، الذي كان يشبه نصر الله إلى حد كبير.
في ذلك الوقت، نقلت الصحيفة عن وزير الدفاع الصهيوني موشيه أرينز تصريحه الذي قال فيه: “هذه رسالة إلى كل المنظمات…”. وبالطريقة نفسها، تناولت وسائل الإعلام الصهيونية أمس تفاصيل اغتيال نصر الله، مشيرة إلى أن الهجوم تم بإطلاق عشرات الصواريخ الثقيلة على المقر الرئيسي لحزب الله أثناء وجوده مع عدد من قيادات الحزب. وأعلن رئيس أركان الجيش الصهيوني، هرتسي هاليفي، في بيانٍ رسمي، استشهاد نصر الله قائلاً: “الرسالة واضحة.. سنصل إلى كل من يهدد مواطني الكيان”.
كما علقت صحيفة “حدشوت” سابقًا على اغتيال الموسوي بعبارة: “قواعد جديدة للعبة”. اليوم، تردد وسائل الإعلام الصهيونية أن اغتيال نصر الله رسخ قواعد جديدة للعبة أيضًا، إذ أطلق الجيش الصهيوني على عملية الاغتيال الأخيرة اسم “ترتيب جديد”.
إنها فكرة ومشروع..
المقاومة ليست مجرّد أشخاص
ومن جانبه تحدث يوسف حمدان، ممثل حركة “حماس” في الجزائر، عن سياسة الاغتيالات التي ينتهجها الكيان الصهيوني ضد قيادات المقاومة في فلسطين ولبنان، واصفا إياها بأنها سياسة فاشلة تعكس أزمة الكيان الوجودية والاستراتيجية. وأكد حمدان –في تصريح خص به الأيام نيوز- أن المقاومة ليست مجرد أشخاص بل هي فكرة ومشروع لا يتأثر باغتيال قياداتها، وأن هذه السياسة لن تجلب الهدوء للكيان.
ويرى حمدان أن استمرار الصراع سيزيد من التوترات في المنطقة ويهدد وجود إسرائيل. كما يشير إلى أن المقاومة نجحت في تحقيق إنجازات استراتيجية كبيرة مثل “طوفان الأقصى”، ما يعزز من قدرتها على الصمود والتحدي. في ختام حديثه، يترحم على حسن نصر الله ويعبر عن ثقته في أن حزب الله سيتجاوز المحنة ويواصل مقاومته للاحتلال.
وفي مساهمة له، خصّ بها صحيفة “الأيام نيوز” -حول مشهد استشهاد نصر الله- قدّم الدكتور محمد لخضر حرز الله تحليلًا للتطورات الجارية بالمنطقة، مشيرا إلى أن ما تحققه إسرائيل من نجاحات تكتيكية مؤقتة، لن يؤدي إلى هزيمة فكرة المقاومة. بل على العكس، يعتبر أن الاستهدافات ستزيد من شراسة الأجيال القادمة في التمسك بفكرة المقاومة وإعادة بناء قدراتها.
وقال الباحث الجامعي إن الأجيال الجديدة ستستفيد من الدروس السابقة، كما حدث في نضالات الجزائر وفيتنام، وهذه الرؤية تعكس بعدًا تاريخيًا واستراتيجيًا، حيث يؤكّد على أن القمع العسكري لا يمكنه القضاء على حركات التحرّر ذات الجذور الشعبية، مشدّدا على أن الخطر الأكبر الذي يواجه الأمة الإسلامية والعربية ليس فقط من العدو الخارجي، بل من الداخل عبر تمدّد “الصهيونية العربية” التي تمثّلها موجة التطبيع.
الدكتور حرز الله ربط التطورات العسكرية بالتداعيات السياسية الأوسع، محذّرًا من أن استمرار الانصياع لموجة التطبيع سيؤدي إلى انهيار المنظومة العربية والإسلامية. يحثّ الدول المناهضة للتطبيع على تطوير خطط استراتيجية لمجابهة هذا الخطر الذي يهدد البنية السياسية والاجتماعية للدول التي ما زالت تقاوم الصهيونية.
وخلصت مساهمة الدكتور حرز الله إلى قراءة متكاملة للتطورات العسكرية والسياسية في المنطقة، مع التأكيد على أهمية الوعي بخطورة التطبيع والاختراقات الاستخباراتية، وضرورة مواجهة هذه التحديات بخطط استراتيجية محكمة. كما رأى أن المقاومة، رغم الضربات التي تتلقاها، تظل فكرة راسخة وقوة متجددة لن تستطيع إسرائيل القضاء عليها بسهولة.
وفي ذات السياق أشار المحلل السياسي حكيم بوغرارة إلى أن الاحتلال الصهيوني يستخدم كل الوسائل غير الأخلاقية والهمجية لتحقيق أهدافه التدميرية، كما يظهر في قطاع غزة والضاحية الجنوبية بلبنان. مضيفا أن الاحتلال يعتمد على التكنولوجيا والأموال والبحث العلمي لتحقيق أهدافه الوهمية، ضمن سياسة الاغتيالات التي تنتهجها العصابات الصهيونية منذ ما قبل عام 1948.
بوغرارة أكد –في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز” أن “طوفان الأقصى” كان فرصة لمحاور المقاومة لدعم جهودها عسكريًا، مشيرًا إلى أن توحيد الجهود بين محاور المقاومة كان من الممكن أن يسرّع في استسلام العدو الصهيوني. لكن التردّد في استجابة الدول العربية والإسلامية وضعف التنسيق بين محاور المقاومة أعطى الاحتلال فرصة للتعافي بفضل دعمه التكنولوجي والعسكري والدعم الدولي، بما في ذلك دعم بعض الأنظمة العربية المطبّعة والخونة.
وفي ختام تصريحه، أكد بوغرارة أن المقاومة ليست مرتبطة بأشخاص أو قادة معينين، بل هي مشروع مستمر. حتى أن اغتيال شخصيات بارزة مثل الأمين العام لحزب الله لن يثني المقاومة اللبنانية عن مواصلة نضالها والرد بقوة، مع الحاجة إلى تطوير استراتيجيات جديدة لمنع الاختراقات وحماية قيادات المقاومة من المخططات الصهيونية.
غالبًا ما يتساءل أنصار المقاومة في كل مكان: هل حققت إسرائيل أهدافها من سياسة الاغتيالات؟ هذا السؤال أجاب عنه الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور أحمد ميزاب في تصريح لـ”الأيام نيوز”، حيث أوضح أن سياسة الاغتيالات التي يتبعها الاحتلال الصهيوني منذ بدء العدوان على غزة قبل عام، والتي استهدفت قيادات من المقاومة الفلسطينية، حزب الله في لبنان، وقيادات إيرانية في سوريا، لم تحقق أهدافها المرجوة.
وأشار ميزاب إلى أن هذه السياسة لن تثني المقاومة عن متابعة نهجها، مؤكدًا أن عملية “طوفان الأقصى” وجهت ضربة قوية لصورة الكيان الصهيوني وجيشه. ورغم نجاح الاحتلال في اغتيال بعض القيادات مثل إسماعيل هنية وحسن نصر الله نتيجة لاختراقات استخباراتية، إلا أنه لم يتمكن من اختراق غزة، حيث يستمر صمود المقاومة. كما شدد على أن الدعم الأمريكي والدولي المتواصل للاحتلال لن يغير المعادلة، وأن الاغتيالات ستفرز قيادات جديدة تزيد من تعقيد مهمة الاحتلال، الذي يسير نحو نهايته المحتومة مع توسع المواجهات وتعدد الجبهات.
استشهاد نائب قائد الحرس الثوري بهجوم بيروت
أفادت وسائل إعلام إيرانية أمس السبت أن عباس نيلفوروشان، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، قُتل في الغارات الصهيونية على بيروت يوم الجمعة. وأكدت وكالة مهر الإيرانية مقتل العميد عباس نيلفروشان مسؤول ملف لبنان في فيلق القدس بالحرس الثوري في الهجوم الصهيوني على الضاحية الجنوبية الذي قتل فيه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
وقد أكد حزب الله اللبناني عصر أمس استشهاد أمينه العام حسن نصر الله في الغارات التي استهدفت، مساء يوم الجمعة، مقر القيادة المركزية للحزب في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. وقال الحزب في بيانه “التحق حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله برفاقه الشهداء العظام الخالدين الذين قاد مسيرتهم نحوا من 30 عاما”.
وفي إيران أكدت لجنة الأمن والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني على “ضرورة الرد بحزم، وجعل الكيان الصهيوني يندم على جرائمه”، كما نقلت رويترز عن مصادر مطلعة أن “إيران على اتصال دائم بحزب الله وحلفائها الإقليميين الآخرين، لتحديد الخطوة التالية”.
حسن نصر الله في عليائه..
قوة المقاومة تشتدّ رغم غياب القائد
أكد قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي، أنّ المسيرة والمدرسة لرجل المقاومة، الأمين العام لحزب الله، الشهيد حسن نصر الله، ستستمران، وأضاف خامنئي، في بيانٍ، أنّ الأساس الذي أرساه نصر الله في لبنان، ووجّه من خلاله سائر مراكز المقاومة، لن يزول بغيابه، بل سيزداد قوّةً وصلابة، مشدداً على أنّ ضربات المقاومة على الهيكل المستنزف للكيان الصهيوني ستصبح أكثر قسوة.
وقال خامنئي إنّ العالم الإسلامي فقد شخصيةً عظيمةً مقاومةً حاملةً للراية، مضيفاً أنّ حزب الله خسر قائداً لا مثيل له، وشدّد قائد الثورة والجمهورية الإسلامية على أنّ بركات جهاد الشهيد نصر الله، والممتدة لعقود، لن تضيع، وأن دماءه لن تذهب هدراً، كما لم تذهب دماء الأمين العام الأول لحزب الله، الشهيد عباس الموسوي.
ووصف خامنئي الشهيد نصر الله بالمجاهد الكبير، ورافع راية المقاومة في المنطقة، والعالِم الديني الفاضل، والقائد السياسيّ المدبّر. ولفت إلى أنّ رجل المقاومة تلقى ثواب عشرات الأعوام من الجهاد في سبيل الله، وتحمّل صعوباته خلال معركة مقدّسة، واستُشهد بينما كان منهمكاً في التخطيط للدفاع عن الناس العُزّل، كما جاهد عشرات الأعوام من أجل الدفاع عن أهالي فلسطين. وأعلن خامنئي الحداد 5 أيام في إيران بمناسبة ارتقاء حسن نصر الله شهيداً.
وتولى نصر الله منصب الأمين العام لحزب الله في 16 فيفري 1992، بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في هجوم صهيوني. منذ توليه القيادة، قاد نصر الله الحزب في سلسلة من العمليات النوعية ضد إسرائيل، أبرزها أدى إلى انسحاب القوات الصهيونية من جنوب لبنان في عام 2000 بعد احتلال دام 22 عاما.
في عام 2004، لعب نصر الله دورا محوريا في أكبر صفقة تبادل أسرى بين حزب الله وإسرائيل، شملت إطلاق مئات الأسرى اللبنانيين والعرب. ونال نصر الله لقب “سيد المقاومة” محليا نظرا لدور الحزب في تحرير جنوب لبنان عام 2000، ومواجهته لإسرائيل في حرب “تموز” عام 2006.
خطبه الحماسية وتنفيذ وعوده بشن هجمات ضد إسرائيل ردا على اعتداءاتها المتكررة ضد الفلسطينيين ساعدا في تعزيز شعبيته، خاصة في العالمين العربي والإسلامي، ولمع اسمه في أوساط الأجيال الجدية في البلدان العربية خلال معركة “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل فلسطينية، بينها حماس والجهاد الإسلامي، على مستوطنات غلاف غزة في فجر السابع من أكتوبر 2023، والتي تلاها حرب إبادة صهيونية على قطاع غزة تقترب من دخول عامها الأول ما أسفر عن اتشهاد وإصابة أكثر من 137 ألف فلسطيني، فقد أعلن الراحل نصر الله عن فتح “جبهة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية”، وهي الجبهة التي قال في عدد من خطبه إنها لن تهدأ إلا بعد إنهاء الحرب على غزة.
ولد حسن نصر الله، في 31 أوت 1960 في بلدة البازورية بقضاء صور جنوب لبنان، وكان والده يملك محل بقالة صغيراً، ونصر الله هو الابن الأكبر بين تسعة أبناء. وكان عمره 15 عاماً عندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان؛ وهي عبارة عن معارك مدمرة استمرت لمدة 15 عاماً في هذا البلد الصغير الواقع على البحر الأبيض المتوسط، والتي رسّم خلالها المواطنون اللبنانيون حدوداً وحاربوا بعضهم البعض بناءً على انتمائهم الطائفي.
تلقى نصر الله تعليما دينيا في مراكز وحوزات في لبنان والعراق وإيران، وانضم إلى “حركة أمل” خلال دراسته الثانوية، وتدرج بالمناصب حتى أصبح عضوا في المكتب السياسي للحركة عام 1979.
في عام 1982، انسحب من حركة أمل مع عدد من المسؤولين إثر خلافات حول كيفية مواجهة الاجتياح الصهيوني للبنان، وانضم إلى “حزب الله” الذي تأسس في العام نفسه، وتولى مسؤولية تعبئة المقاومين في منطقة البقاع (شرق). وفي عام 1985، انتقل إلى بيروت حيث تولى منصب نائب مسؤول المنطقة، ثم أصبح المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس الشورى.
تزوج من فاطمة ياسين ولهما خمسة أبناء: هادي، زينب، محمد جواد، محمد مهدي، ومحمد علي. وقد استشهد ابنه الأكبر، هادي، في مواجهات مع الجيش الصهيوني جنوب لبنان عام 1997.
يعتبر الكثير من المراقبين حسن نصر الله المؤسس الحقيقي لحزب الله ومن أعاد بناء الشكل الجديد للحزب، بعد مرحلة صبحي الطفيلي وعباس الموسوي، وظل مسيطرا على مقاليد الحزب وطوّر استراتيجيته السياسية والعسكرية والأمنية طوال 32 عاما، وحطم كل قواعد الحزب التي كانت تنص على تولي الأمين العام منصبه لفترتين فقط، لكنه ظل في منصبه حتى اغتياله.
وتعتبر إسرائيل نصر الله أكبر أعدائها، بسبب الدور الذي يلعبه في قيادة “حزب الله”، وسبق أن حاولت إسرائيل في عدة مناسبات اغتياله خلال النزاعات المسلحة، لكن هذه المحاولات لم تنجح. فيما أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية نصر الله على قائمتها، عام 1995، وعرضت مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى تحديد مكانه أو اعتقاله.
وقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمس السبت، تعازيه إلى “حزب الله”، وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا”، إن عباس “قدم التعازي لحزب الله اللبناني باستشهاد أمينه العام الشيخ حسن نصر الله”. وأضافت أن عباس “قدم كذلك تعازيه الحارة للحكومة اللبنانية والشعب اللبناني الشقيق، باستشهاد الضحايا المدنيين الذين سقطوا نتيجة العدوان الصهيوني الغاشم، واستمرار حرب الإبادة ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني”.
وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، مساء أمس السبت، إن العدوان الصهيوني على بلاده يهدف إلى “ضرب وحدتها”، داعيا مواطنيه إلى مواجهة ما يجري بمسؤولية وطنية، جاء ذلك في كلمة لميقاتي خلال ترؤسه جلسة طارئة لمجلس الوزراء فور وصوله من نيويورك في أعقاب اغتيال أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، بغارة صهيونية مساء الجمعة.
وتابع: “أمام هول ما تعرّض ويتعرض له وطننا من عدوان صهيوني وحشي طاول معظم المناطق اللبنانية (..) أدعو اللبنانيين إلى مواجهة ما يجري بمسؤولية وطنية، لأن من أهداف العدو الصهيوني ضرب وحدتنا”. وأردف: “مسؤوليتنا الوطنية في هذه اللحظة التاريخية والاستثنائية تتطلب وضع الخلافات السياسية جانباً لكي نلتقي جميعا على ما يصون الوطن ويحميه ويقوي مناعته”.
وخلال الجلسة، دعا ميقاتي الوزراء إلى “الوقوف وقفة صمت حدادا على روح الشهيد حسن نصر الله وجميع الشهداء الذين سقطوا نتيجة حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على لبنان”، وجدد ميقاتي “ضرورة وقف العدوان الصهيوني وتطبيق القرار الدولي رقم 1701″.
كما أعلن ميقاتي، الحداد الرسمي في البلاد 3 أيام، وأفادت مذكرة حكومية أصدرها ميقاتي، بـ”إعلان الحداد الرسمي على المغفور له الشهيد سماحة حسن نصر الله”. وقالت المذكرة: “على أثر استشهاد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي انضم إلى قافلة الشهداء الذين ارتقوا نتيجة العدوان الصهيوني الآثم على لبنان، يعلن الحداد الرسمي أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء”.
وأضافت: “تنكس خلالها الأعلام على سائر الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة والبلديات، وتعدل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون بما يتناسب مع الحدث الأليم”. ولفتت المذكرة إلى أن “يوم تشييع الشهيد الكبير (لم يحدده)، سيكون يوم توقف عن العمل في جميع الإدارات العامة والبلديات والمؤسسات العامة والخاصة”.
وفي السياق، نعى رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، الأمين العام لحزب الله، الشهيد حسن نصر الله، واصفاً الشهيد بـ”ابن موسى الصدر والمدرسة الكربلائية المقاومة”. وقال بري، في بيانٍ مخاطباً الشهيد نصر الله: “أكتب إليك في عليائك، وتخنقني العَبرة وأنا الذي مسّني الشوق لرؤيتك ومنعني لهيب النار من لقائك”، وأضاف “33 عاماً من العمر سوياً، أنت منا ونحن منك ولم يحل بيننا أثقال جبال”.
وتابع معبراً عن حزنه “أكتب إليك في وداعك وتتوه الكلمات وأنا الذي كسرني الرحيل بشهادتك وأخذني أنين الروح في رثائك، أهكذا تتحقق الأمنية؟ يا من كانت أقصى أمنياته أن يحقق هذا الشرف.. شهيداً”.
وختم بيانه بالقول إنّ “كل الكلمات التي يمكن أن تقال في وداعك تبقى قاصرة أمام قامتك وعمامتك، كل الكلمات التي يمكن أن تقال في وداعك أصغر من هامتك التي لم تنحنِ إلا لله عز وجل”.
وكانت حركة أمل اللبنانية نعت، الأمين العام لحزب الله الشهيد حسن نصر الله، قائلةً: “ننعاه أخاً مقاوماً من مدرسة سماحة الإمام القائد موسى الصدر، وأميناً قائداً لحزب الله وللمقاومة الإسلامية الباسلة”.
وفي 11 أوت 2006، تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1701 الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان والاحتلال الصهيوني، وإيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوب لبنان، تكون خالية من أي مسلحين وأسلحة، ما عدا التابعة للجيش اللبناني وقوات “يونيفيل” الأممية.
ومنذ 23 سبتمبر الجاري، يشن الجيش الصهيوني “أعنف وأوسع” هجوم على لبنان منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” قبل نحو عام، أسفر حتى صباح أمس السبت عن 783 شهيدا بينهم أطفال ونساء، و2312 جريحا، وفق رصد لبيانات السلطات اللبنانية.
“سياسة الاغتيالات” خير دليل..
“الكيان اللقيط” غارق في أزمته الوجودية
قال ممثل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالجزائر، يوسف حمدان، إن استهداف الكيان الصهيوني لقيادات المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرها من جبهات الإسناد، قصد إضعاف البنية التنظيمية للمقاومة والتأثير على رؤيتها الاستراتيجية- هي سياسة سبق وأن ثبت فشلها، وتكرار استخدامها من طرف العدو الصهيوني يعكس عمق الأزمة الاستراتيجية والوجودية التي يعاني منها هذا الكيان.
وحول اغتيال (إسرائيل) للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وغيره من قيادات المقاومة الفلسطينية واللبنانية في عمليات اغتيال سابقة، أكّد يوسف حمدان، في تصريح خص به صحيفة “الأيام نيوز” أن المقاومة فكرة -وروح ومشروع- لم تتأثر ولن تتأثر باستهداف قياداتها، كما لن تؤدي هذه السياسية إلى تخلي المقاومة عن مشروعها وحقها في الدفاع عن أرضها وشعبها ومقدساتها.
وعن توقعاته حول الأيام المقبلة من الحرب، يرى حمدان أن المنطقة ستبقى ملتهبة وستتوسع دائرة النيران لتحرق الكيان الصهيوني ومصالحه في كل مكان وسيدفع الثمن كل من يعتقد أنه يمكن التعايش والسلام مع هذا العدو المجرم السادي والصهيو-نازي -على حد قوله- مؤكدا أن سياسة “اغتيال قادة المقاومة” التي ينتهجها الاحتلال لن تمكنه من فرض الهدوء في المنطقة ولا من إعادة المستوطنين إلى الشمال أو جلب الأمن للكيان على هذه الأرض.
وأضاف محدثنا يقول: “هذا الكيان اللقيط غُرس في جسد الأمة وعلى هذه المنطقة نتيجة لسياسة الاستفراد بكل قُطر وبقاءه مرتبطا ببيع وهم مشاريع التسوية والتطبيع، وما فعله بتاريخ السابع من أكتوبر هو تهديد وجودي للصهيونية في المنطقة، وإثبات إمكانية هزيمة الاحتلال واستنزافه في حروب طويلة تهشم الأساسات التي بني عليها هذا الكيان وتدمر عوامل بقائه في المنطقة”.
واسترسل: “مرور عام على هذه المعركة وعلى هذا الصمود هو انتصار متجدد للمقاومة وللمعركة بكل جبهاتها، فالاحتلال يسعى من خلال هذا الاستهداف وفي هذا التوقيت بالذات إلى القفز على هذا الاستخلاص والتعمية عن حجم الهزيمة والأزمة التي يعاني منها الكيان”.
خاصة أن ما فعلته المقاومة يوم العبور العظيم من إنجاز استراتيجي لصالح القضية الفلسطينية ترسخ على مدار عام من البطولة والصمود أمام آلاف الأطنان من القنابل وفي وجه كل قوى الاستعمار التي ألقت بثقلها العسكري والسياسي لفرض واقع ميداني جديد على الشعب الفلسطيني -يضيف حمدان- وقدم للأمة الإسلامية نموذجا ملهما على عدم العجز والاستسلام والقدرة على التحدي والإصرارـ الأمر الذي يستوجب استثماره لتأكيد الوعي الجمعي بإنجازات معركة “طوفان الأقصى” ورفع الحالة المعنوية للجميع، واستعادة زخم الاهتمام بهذا الحدث الاستثنائي في تاريخ القضية.
وفي ختام حديثه مع “الأيام نيوز”، ترحم ممثل حركة حماس بالجزائر على روح الشهيد حسن نصر الله قائلا: “هنيئاً له الشهادة على يد الاحتلال الصهيوني”، وتقدم بتعازيه إلى قيادات الحزب وكل الشعب اللبناني الذي ضحى بآلاف الشهداء في هذه المعركة، مؤكدا أن حزب الله “سيتجاوز هذه المحنة ويخرج منها أقوى ويواصل المقاومة وردع الاحتلال المجرم الغاصب”.
رهان خاسر في مواجهة المقاومة الفلسطينية..
“سياسة الاغتيال” لن تُغيّر من واقع الحال
منذ بداية العدوان الصهيوني الجائر على قطاع غزّة قبل نحو عام، ركّز الاحتلال الصهيوني على استهداف الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع، واغتيال قيادات وكوادر تنظيمات المقاومة الفلسطينية، إلى جانب استهداف قيادات حزب الله اللبناني، وقيادات عسكرية واستخبارية إيرانية في سوريا.
هذا يأتي في إطار خطة راهن عليها الاحتلال لتحقيق أهدافه المعلنة، إلا أنها كانت رهاناً خاسراً، وفقاً للخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور أحمد ميزاب الذي يرى أن انتهاج (إسرائيل) سياسة الاغتيالات لن يُغير من الواقع شيئاً يُذكر، ولن يثني المقاومة عن المضي قُدماً في تحقيق أهدافها.
وأكد الدكتور ميزاب في حديثه لـ”الأيام نيوز”، أن الاحتلال الصهيوني، ورغم استمراره في استهداف واغتيال رموز المقاومة، لن يتمكن من محو عملية “طوفان الأقصى” من ذاكرة العالم. هذه العملية الاستراتيجية أهانت وأذلت الكيان الصهيوني، الذي لطالما تفاخر بجيشه “الذي لا يُقهر”، وهي رواية زائفة بات العالم يدرك حقيقتها بفضل ما تنقله منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية من حقائق لا يمكن دحضها أو تفنيدها.
وفي سياق متصل، أوضح الخبير الأمني أن اغتيال إسماعيل هنية، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، تم في إيران، بينما اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، تم في لبنان، ما يشير إلى وجود اختراق استخباراتي مكّن الاحتلال من تنفيذ هذه العمليات بدقة.
أما في قطاع غزة، فيرى ميزاب أن الوضع مختلف تماماً، إذ لم يتمكن الاحتلال من اختراق القطاع استخباراتياً، وهو ما يظهر بوضوح في استمرار صمود المقاومة الفلسطينية بعد عام كامل من العدوان الصهيوني المتواصل. الاحتلال، الذي يتلقى دعماً غير محدود من الولايات المتحدة، بما في ذلك تمويل سنوي يبلغ حوالي 3.3 مليار دولار، إضافة إلى 500 مليون دولار لتكنولوجيا الدفاع الصاروخي، يستفيد أيضاً من دعم غير مشروط من دول غربية مثل فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، وغيرها.
في ختام تصريحه، شدد الدكتور أحمد ميزاب على أن اغتيال القيادات لن يؤدي إلا إلى بروز قيادات جديدة من جيل جديد، ما سيعقّد مهمة الكيان الصهيوني بشكل أكبر. الاحتلال، الذي أراد أن تمر ذكرى “طوفان الأقصى” دون أن تترك أثراً، يجد نفسه اليوم يسير نحو الانتحار ونحو نهايته المحتومة، خاصة في ظل احتمالية توسع رقعة المواجهات وتعدد الجبهات في المنطقة.
في ذكرى “طوفان الأقصى”..
هكذا تحاول “إسرائيل” تحقيق رد اعتبار؟
أبرز المحلّل السياسي الدكتور حكيم بوغرارة، أن الاحتلال الصهيوني ومنذ محاولة تأسيسه لكيانه الوهمي وهو يستخدم كل الطرق والأساليب الخبيثة والمُلتوية، من أجل تحقيق أهدافه التدميرية ولو كان ذلك بأدوات غير أخلاقية وهمجية، تماماً كما يحدث اليوم في قطاع غزة، وفي الضاحية الجنوبية في لبنان، حيث يتمادى الاحتلال الصهيوني النازي في ارتكاب المزيد من المجازر بحق الأبرياء والعزل غير آبه لا بالقوانين ولا بالأعراف الدولية، ضف إلى ذلك استمراره في سياسة الاغتيالات التي اعتمدتها العصابات الصهيونية قبل عام 1948.
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور بوغرارة، في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أن (إسرائيل) تعتمد على استخدام الأدوات والتكنولوجيا والبحث العلمي والأموال من أجل تحقيق أهدافها الوهمية، بالمقارنة، مع محاور المقاومة وعلى الرغم من كل ما قدمته في سبيل القضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية ولكن يبقى توحيد محاور المقاومة والضرب بقوة في كل لحظة ضروري جدا، لأن “طوفان الأقصى” كان فرصة مهمة للدعم العسكري لمحاور المقاومة.
في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنه لو كانت الوتيرة بنفس وتيرة المقاومة الفلسطينية لاستسلم العدو الصهيوني في وقت مبكر، ولكن عدم تجاوب مختلف محاور المقاومة والدول العربية والإسلامية، بصفة سريعة ومتضامنة مثلما يعمل الكيان الصهيوني مع القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، جعل الكيان الصهيوني، يلملم جراحه ويسترجع قواه بمرور الوقت، وبفضل ترسانته التكنولوجية والعسكرية والدعم الدولي والعربي المطبع المنقطع النظير، والكثير من الخونة والجواسيس نجد أن هذا الاحتلال الجائر يتمادى في ارتكاب المزيد من المجازر والمزيد من عمليات اغتيال قيادات المقاومة، حتى يرد الاعتبار لصورته التي فقدت تاريخها فجر ذات سبت أسود، خاصة وأنه كان يُمني النفس بالقيام بمثل هذه العمليات الخبيثة بالتزامن مع الذكرى الأولى لمعركة “طوفان الأقصى”.
هذا، وفي ختام حديثه، أفاد المحلّل السياسي، أن المقاومة هي فكرة ومشروع مستمر، وليست مرتبطة بأسماء أو شخصيات أو قادة معينين، وبالتالي فإن هذه المرحلة حساسة جدّا، ولكن بالرغم من ذلك، فإنّ اغتيال الأمين العام لحزب الله لن يُثني المقاومة اللبنانية عن لملمة جراحها والرد بقوة انتقاما لاغتيال قادتها، ثم بعدها تأتي مرحلة البحث بجدية أكبر عن استراتيجيات جديدة تمنع الاختراقات وتحصن المقاومة وقادتها من هذا الكيان الصهيوني الذي يستخدم كل الطرق المشروعة وغير المشروعة من أجل تحقيق أغراضه ومآربه المشبوهة والمغرضة.
أسوةً بتعيين السنوار..
هل سيحذو “حزب الله” حذو “حماس”؟
يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأغواط، الدكتور علي بقشيش، أن التطور الخطير في العدوان الصهيوني على لبنان يفتح الباب على حرب مفتوحة وشاملة لن تكون نتيجتها إلاّ وبالاً على هذا الكيان المؤقت ومجرميه.
وفي تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أكد الدكتور علي بقشيش، أن إمعان العدو الصهيوني في استهداف قيادات المقاومة ما هو إلاّ سلوك إرهابي جبان وليس بالجديد ولا بالمستغرب على العصابة الصهيونية التي سبق وأن اغتالت العديد من الرموز والقيادات الفلسطينية على غرار الرئيس الفلسطيني الراحلياسر عرفات، وعدد من مؤسسي حركة حماس وقادتها مثل الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، ومؤخرا إسماعيل هنية.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن الكيان الصهيوني ما كان له أن يتمادى على هذا النحو لولا الدعم الغربي والأمريكي غير المحدود والأسلحة المستخدمة في الغارات الأخيرة تؤكد من جديد أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك في كل الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني في لبنان وفلسطين، مهما حاولت تجميل صورتها والتنصل عن ذلك، وأن حديثها عن التهدئة هو من أجل تخفيف الضغط الدولي على هذا الكيان، وإعطائه مزيد من الوقت لارتكاب مزيد من جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.
وتابع يقول: “ففي هذه المرحلة بالذات تمتلك (إسرائيل) الضوء الأخضر من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لتصفية رموز المقاومة بحجة الدفاع عن النفس، وبالتالي هي تتصرف من هذا المنظور وتطارد القيادات من الصف الأول بحجة مسؤوليتهم على مالحق بها من فشل وخسائر كبيرة بعد معركة طوفان الأقصى التي قادتها المقاومة الباسلة”.
وحول تداعيات اغتيال قادة المقاومة، أكد محدثنا أن المقاومة في فلسطين ولبنان لها مخططاتها لمثل هكذا تطورات وتضع حلول استراتيجية لكل الاحتمالات، وهو ما تأكد من تعيين يحيى السنوار على رأس المكتب السياسي لحركة حماس بعد اغتيال قائدها إسماعيل هنية، ومن المتوقع أن الأمر نفسه سيقوم به حزب الله بتعيين قيادات أكثر شراسة وبأسا في مقاومة الاحتلال.
وبالإضافة إلى ذلك، لن يفُت هذا التوحش الصهيوني الهمجي من عضد المقاومة الإسلامية في لبنان في مواصلة إسنادها القوي والفاعل والمؤثر للشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته الباسلة ودفاعها في نفس الوقت عن لبنان الذي يقدم الشهداء تلو الشهداء على طريق القدس-يضيف المتحدث ذاته.
وختم الدكتور علي بقشيش حديثه مع “الأيام نيوز” قائلاً: “دون أن ننسى بأن هذه العمليات الصهيونية المكشوفة التي ترقى إلى جرائم حرب قضت على أمل (إسرائيل) في التطبيع مع الشعوب العربية وجعلت من حكام الأنظمة المطبعة أقزاماً امام شعوبهم، كما أن هذه الهستيريا الصهيونية في تصعيد عدوانها على المنطقة تكشف عن حجم الخيبة والإحباط الذي يعانيه العدو أمام صلابة المقاومة التي ستبقى صامدة وقائمة حتى زوال المحتل”.
عقيدة استراتيجية مستعدة لكل السيناريوهات..
مناعة المقاومة في مواجهة سياسة الاغتيالات
يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، الدكتور حسام حمزة، أن ما حدث في لبنان من تطورات خلال الأيام الأخيرة، هو عملية اختراق استراتيجي غير مسبوقة في تاريخ المقاومة اللبنانية ومحور المقاومة بصفة عامة، وهي العملية التي سيكون لها تأثيرات ظرفية على المقاومة سواءً في فلسطين أو في لبنان.
وعن طبيعة هذا التأثير، أوضح الدكتور حسام حمزة، أنه سيكون على مستويين، الأول متعلق بأداء المقاومة اللبنانية في ظل اغتيال معظم القيادات المشكلة للمجلس العسكري لحزب الله، أما المستوى الثاني من التأثير سيكون على مسار طوفان الأقصى بحكم أن جبهة لبنان هي جبهة مساندة لجبهة غزة، ناهيك أن حزب الله هو المحرك الأساسي لهذه الجبهة التي لم تهدأ –تقريبا- منذ الأسابيع الأولى لمعركة طوفان الأقصى، وبالتالي أي تأثير يلحق بحزب الله سينعكس تلقائيا على مسار المقاومة ومسار هذه المعركة.
لكن هذا التأثير سيكون ظرفياً لأن القرار العسكري لحزب الله سيتأثر خاصة في خضم عملية التحضير لردة الفعل والتنسيق واختيار الوسائل التي يمكن بها أن يرد على الكيان الصهيوني بعد هذه الضربة الهمجية -يضيف محدثنا- وهو الأمر الذي سيحتاج إلى معرفة مصدر الاختراق -أولا- من أجل تفادي تكرار السيناريو في المستقبل، ويحتاج -ثانيا- إلى اختيار قيادات جديدة وربط بعضها ببعض من خلال إيجاد منظومة للتواصل فيما بينها، كما يحتاج إلى بعض الوقت وإلى قدرة على مسايرة وتسيير الوضع الراهن الذي يبدو في ظاهره صعباً على المقاومة اللبنانية.
وأكد الدكتور حسام حمزة، أن العقيدة الاستراتيجية لمحور المقاومة وكل الجبهات التي تنتمي إليه، مستعدة لمثل هذه السيناريوهات لأنها تدرك تماما بأن مواجهتها مع كيان مجرم إرهابي لا يتوانى عن استخدام أي طريقة من أجل التأثير عليها ومن أجل اغتيال قياداتها ومحاولة منعها من القيام بأي فعل من شأنه أن يؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية.
وختم حديثه مع “الأيام نيوز” قائلاً: “إذن حتى وإن كانت الضربة قوية ومؤلمة لكن أتصور بأن قوى المقاومة ستستطيع اختيار قيادات جديدة يمكنها أن تواصل المعركة في المستقبل، وربما يحتاج هذا الأمر إلى بعض الوقت ولكن من المؤكد أن المقاومة في فلسطين وفي لبنان ستنجح في هذا الاختبار”.
حسن نصر الله..
الشهيد في طريق القدس”
يرى الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنه من الواضح بأن اغتيال الكيان الصهيوني لحسن نصر الله، جاء بعد دعمه وإسناده الصريح للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، منذ تاريخ الثامن من أكتوبر 2023، وهذا ما عبرت عنه حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، التي اعتبرت حسن نصر الله شهيدا في معركة “طوفان الأقصى”، وحتى حزب الله اللبناني، وصفه بـ”الشهيد في طريق القدس”.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أن الكيان الصهيوني كان مُخططا لأن يستفرد بكل طرف من أطراف المقاومة على حِدا، ففي البداية حاول الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبعد عام كامل ها هو اليوم يحاول الاستفراد بالمقاومة في لبنان، لافتاً في السياق ذاته إلى أن أذرع المقاومة الأخرى أو ما يصفه البعض بـ”أذرع إيران” لم تكن تريد الذهاب إلى حرب شاملة، بما في ذلك حزب الله، لكن الواضح أن الكيان الصهيوني لم يكن يؤمن أبدا بالمفاوضات وحتى أمريكا التي كانت تشرف على هذه المفاوضات كانت ترى فيها مجرد وسيلة لربح المزيد من الوقت من أجل إعطاء (إسرائيل) الوقت الكامل للاستفراد بكل جبهة على حدا.
إلى جانب ذلك، أفاد الباحث في الشؤون الدولية، أن الأمر الأكثر تأثيرا بالنسبة إلى العدو الصهيوني، ليس عدد قتلاه، بقدر ما تؤلمه وتغص في نفسه انكسار صورة الردع التي لطالما كان يسوق ويروج لها هذا الاحتلال الهش منذ الحروب العربية-الصهيونية، وبالتالي فإن الهدف الكبير بالنسبة إلى المتطرفين في الكيان الصهيوني هو إعادة صورة (إسرائيل) التي تردع خصومها بالرصاص والنار، وكل ذلك تم تحت رعاية أمريكية خالصة.
على صعيدٍ متصل، أبرز محدثنا، أن حزب الله اللبناني كان يأمل بأن يتجنب الدخول في حرب شاملة، لكن (إسرائيل) كانت تسعى إلى القضاء على المقاومة في لبنان ولم تكن تريد التهدئة بأي شكل من الأشكال، ولم تكن تريد حتى التوصل إلى حل سياسي، خاصةً بعد الضربات التي تلقتها المقاومة اللبنانية خلال المدة الأخيرة وأخيراً اغتيال أمينها العام حسن نصر الله.
وأردف قائلا: “لا أعتقد بأن هذا سيستمر طويلا، حيث ستعاود المقاومة بناء وتنظيم نفسها، خاصة وأن المعروف عن حزب الله أنه حزب مؤسسات وذو بنية قوية، حيث لا يتأثر كثيرا باغتيال وتصفية قادته، كما أن الحزب اللبناني مازال يمتلك قوة كبيرة رغم ادعاء العدو أنه قد قضى على أكثر من 50 بالمائة من أسلحته الدقيقة وعدد كبير من قادته خلال الفترة الأخيرة”.
في سياق متصل، أشار المتحدث، إلى أن ما يجري خلال هذه الفترة، يبدو ملائما أكثر للكيان الصهيوني منه إلى إيران والمقاومة بشكلٍ عام، على اعتبار أن الاحتلال خطط لهذه الحرب بذكاء، حيث جاءت في فترة ما قبل الانتخابات الأمريكية، ولا يخفى على أحد مدى تأثير اللوبي اليهودي في هذه الانتخابات لذلك نجد أن إدارة بايدن تحاول أن تفعل كل شيء لإرضاء الكيان الصهيوني خلال هذه الفترة حتى لا تتأثر حملة المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، وفي الوقت ذاته لا يعلن ترامب فقط دعمه لـ(إسرائيل) ولكن يعلن حتى أنه يرغب في توسيع جغرافيتها على حساب الدول الأخرى، الأمر الذي لم تعلنه حتى (إسرائيل) نفسها، على الرغم من أنه ضمن أولوياتها.
خِتاماً، أفاد الأستاذ بوثلجة، أنه في الوقت الراهن، حتى إيران في وضع صعب، حيث أن الرئيس الإيراني الجديد، يريد توجها تصالحيا مع الغرب أو لنقل يريد الوصول إلى اتفاق مع أمريكا، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي، وتراجع الاقتصاد الإيراني المتأثر بالعقوبات المفروضة عليه خلال السنوات الماضية، وإيران كذلك لا تريد الذهاب إلى حرب شاملة، لأنها تدرك أن ذلك سيكون مغامرة ببرنامجها النووي وبالكثير من الأمور الأخرى، الذي لن يتوان الاحتلال الصهيوني في استهدافه، وهو ما أعلن عنه نتنياهو في مقر الأمم المتحدة عندما قال: “إن (إسرائيل) تستطيع الوصول إلى أي مكان في إيران”، وهو تهديد واضح ومباشر، لذلك فمن غير المتوقع أن يكون هناك ردا فوريا من إيران.
على المدى البعيد..
انتصارات مؤقتة مقابل خسائر استراتيجية
قال النائب في البرلمان الجزائري، زكرياء بلخير، إنه مع اقتراب ذكرى السابع من أكتوبر المجيد، يبدو أن الكيان الصهيوني لم يستوعب بعد حجم الصدمة، ولهذا يحاول استدراك ما فاته في ملحمة غزة من خلال حربه على لبنان، لعله يسترجع قليلاً من ثقة شعبه وصورة الردع وهيبة السطوة الصهيونية. وهذا الأمر هو ما جعل هجومه على لبنان عنيفًا ودمويًا أكثر من أي حرب سابقة بين الطرفين.
وفي تصريح لـ”الأيام نيوز”، اعتبر بلخير أن استراتيجية العدو الصهيوني في ضرب قيادات المقاومة كانت أكثر إيلامًا مما كان يتوقعه الجميع، لأنها استهدفت قيادات الصفين الأول والثاني على مستوى حزب الله. لكنه أضاف أن هذه الاستراتيجية لن تؤتي أكلها في هذه المعركة، لأن هذا العدو قد خسر خسارة استراتيجية كبيرة على مستوى سرديته التي روّج لها على مدار عقود.
وصحيح أن حرب الطوفان كانت ضريبتها باهظة جدًا، سيما فيما يتعلق بسياسة مسح المربعات التي يستخدمها الكيان في لبنان، بعدما استخدمها في فلسطين – يقول المتحدث ذاته – لكن هذه الحرب، بقدر ما أكسبته من انتصارات لحظية، فإنها تتسبب له في خسارات استراتيجية على المدى البعيد، خاصة بعد سقوط سرديته وسقوطه الأخلاقي أمام شعوب العالم أجمع.
وختم بلخير حديثه مع “الأيام نيوز” قائلاً: “بعد إعادة إحياء القضية عالميًا، خسر العدو الصهيوني كل الحشد الدولي والشعبي الذي كان يعمل عليه على مدار عقود. وهذا ما يجعلنا نقول إن هذه الاستراتيجية لا يمكنها أن تحمي هذا الكيان الذي يشعر، حقيقة، بخطر وجودي حقيقي. وهو يدعي أنه يعيد مشروع ‘إسرائيل’ الكبرى بهذه الخطة الفاشلة، ويتوهم أن هذه الاستراتيجية ستؤدي به إلى الحسم النهائي. هذا الحسم الذي تغنى به على مدار سنة كاملة في غزة، ولم يوفق فيه، ولا يمكن أن يوفق فيه في لبنان، رغم التضحيات الجسام ورغم الانتصارات المؤقتة التي حققها بقطف رؤوس القيادات الكبرى في هذا الحزب”.
لن تُفلح خطة كسر “جبهة الاسناد”..
أجيال المقاومة القادمة أكثر شراسة وانتقاما
بقلم: الدكتور حرز الله محمد لخضر – باحث جامعي – الجزائر
تَتَابعُ الأحداث في الآونة الأخيرة يؤشر على أننا بصدد تحول دراماتيكي في المنطقة يحتاج منا إلى وقفة مراجعة ونقد واستشراف، فمحور المقاومة إزاء منعرج خطير بعد جملة الاستهدافات التي تبدو أنها تأتي في سياق منسجم ومحكم، ووفق ترتيب دقيق ومعقد، ففي غضون 05 أيام تم الوصول إلى قيادات الصف الأول لحزب الله انتهاء برأس التنظيم، بطريقة متسلسلة ومتقاربة وبنسبة صفر خطأ، وهو ما يؤكد على وجود اختراق غير عادي للبنية الصلبة للتنظيم، اختراق لا يعتمد على التعقب التكنولوجي أو الجوسسة فحسب، بل يبدو أنه عمل استخباراتي معقد وعلى مستويات عليا موازية لمكانة المستوى القيادي المستهدف أو على التماس منه.
استراتيجية الكيان الصهيوني في هذا الحرب تعمل على تفكيك البنية التنظيمية لحزب الله وحماس وفق مقاربة عسكرية استخباراتية، والملاحظ أنه في الآونة الأخيرة استدار إلى جهة الشمال بعد الإخفاق الكبير الذي مني به في غزة بعدم استعادة الأسرى، وفي عدد جنوده القتلى والمصابين الذين يتكتم عن أعدادهم الحقيقية، وهذا بأريي يهدف إلى تحقيق هدفين مركزيين:
الأول: صرف الأنظار عن فشله في استعادة الأسرى وتخفيف الضغط الممارس على حكومة نتنياهو من طرف أهاليهم، أين أصبحت المسيرات بشكل يومي خاصة بعد عرض حماس لفيديوهات مصورة عن الأسرى الستة الذين قتلوا مؤخرا.
الثاني: محاولة كسر جبهة الإسناد من خلال توجيه ضربة موجعة لعمودها الفقري وهو حزب الله، وفي الوقت ذاته إضعاف جناح إيران في المنطقة ودفع جبهة الإسناد نحو الانحسار والتخلي عن جبهة غزة بهدف الاستفراد بها وتصفية آخر ما تبقى من رموز النضال الشريف.
ومع أن هذه المقاربة حتى وإن أدت على المستوى التكتيكي إلى تململ في جبهة المقاومة في ظل التخاذل العربي الرسمي، لكنها على المستوى الاستراتيجي لن تنجح في قتل فكرة المقاومة في وجدان الأجيال القادمة، التي ستستفيد من الدرس وتعيد بناء قدراتها القتالية بشكل أكثر شراسة وانتقاما، وفي ذلك أمثلة عديدة من نضالات الشعب الجزائري والفياتنامي.
وإزاء كل هذه التطورات أعتقد أن الخطر الاستراتيجي الذي يتهدد الأمة في أمنها القومي والوطني، الذي يجب أن تصوب تجاهه الأنظار، وتشتبك فيه الأفكار، هو تمدد خطر “الصهيونية العربية” أو ما سمي زورا “بالتطبيع”، هذا الوباء الذي إذا لم يجابه باستراتيجية مضادة وبتخطيط محكم من الدول المناهضة، سيفتك حتما بالمنظومة العربية والإسلامية بما في ذلك تلك التي بقيت عصية أمام الرياح العاتية لموجة التصهين، فالكيانات الوظيفية التي تأسست في أعقاب سايكس بيكو، وهي الآن شريكة في المشروع التوسعي الصهيوني أو ما سماه برنارد لويس: الشرق الأوسط الجديد.
الراية لن تسقط فهناك من يحملها..
حزب الله سينهض ويرد على العدو الصهيوني؟
بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني
حديث رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو بأنه بدأ في خطة تغيير الشرق الأوسط هو خطاب للاستهلاك الإعلامي، ينقصه قراءة في التاريخ ليأخذ منه العبر للمستقبل ويتأكد أن هذه الأمة لم ولن تنكسر ولن تعرف الهزيمة.
يحاول نتنياهو استغلال الأحداث الأخيرة في لبنان للترويج بأنه يسعى لاجتثاث المقاومة في المنطقة وفرض الإرادة الصهيونية عليها وتغيير مخطط الشرق الأوسط الجيوسياسي وفق مخطط شمعون بيريز للشرق الأوسط الجديد وهو يدرك أن أنظمة التطبيع العربي وهي أنظمة فاقدة للشرعية، وإن كانت هذه الأنظمة فرطت بحقوق الأمة لحماية ممالكها المتهاوية والمتهالكة فإن مخطط نتنياهو لن يحدث، كما أن الكيان الصهيوني مهزوم استراتيجيًا ويعاني من انقسام داخلي خطير وفشل كبير في غزة ولا يستطيع تحقيق الأمن لمستوطنيه أو إعادتهم للشمال بعد تهجيرهم لمدة تزيد عن السنة.
إن عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله، الشهيد حسن نصر الله ترسي لمرحلة جديدة، مرحلة تقود لفجر المتغيرات وإفشال كافة المخططات وأحلام اليقظة لرئيس حكومة اختطت طريق التوحش والدم.
وهذا الاغتيال يعيد الأمة للتاريخ الإسلامي ومعركة مؤته التي لم يحصل المسلمون فيها على الهدف الذي خرجوا من أجله وهو الثأر لمقتل حامل رسالة، إلا أنه كان لها أثر كبير جدا في تضخيم سمعة المسلمين ومدى قوتهم وقدرتهم على مجابهة أعظم دولة في ذلك الوقت وهي قوة الروم. معركة وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعُدت أكبر لقاء مثخن وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت مقدمة وتمهيدًا لفتح بلدان النصارى.
نعم، هذا هو التاريخ وهذا هو الإيمان وهذا هو النهج، لن تسقط الراية وهناك من يحملها، ويدرك ذلك نتنياهو ومن معه جيدًا وأن (إسرائيل) مأزومة وتقتل الشجر والحجر والبشر وهي تظن أن سياسة التوحش والتغول واستباحة الدم هو ما يحقق لها مشروعها للشرق الأوسط الجديد، وكيف لها أن تحقق ذلك وهي مهزومة استراتيجيًا.
إن تصريحات بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بأن”بلاده دخلت مرحلة جديدة من الحرب، وأنها تعمل على تغيير الشرق الأوسط”، صادقة لكن هذا التغيير ليس لصالح كيان الاحتلال الصهيوني بل ضده، وحتمًا هو التغيير الذي ستشهدها المنطقة العربية واندحار الأنظمة المطبعة والمتأمركة والمتصهينة.
إن ما يقوم به نتنياهو من أفعال هي هزيمة استراتيجية لكيان الاحتلال الصهيوني.هزيمة تتمثل في الفشل في تحقيق أهداف الحرب على قطاع غزة، أبرزها إعادة الأسرى والقضاء على المقاومة، وكذلك فشله في إعادة المستوطنين إلى المستعمرات في شمال الكيان كما خسر “جيش” الاحتلال الصهيوني عنصر الردع.
بالنظر إلى خريطة الشرق الأوسط نجد أن الجبهات بدأت تتوالى لوقف حرب الإبادة على غزة من إيران إلى اليمن إلى المقاومة في العراق إلى حزب الله في لبنان إلى الضفة الغربية إلى غزة.
الاحتلال وسياسة الاغتيالات للهروب إلى الأمام
وفي قراءة عسكرية لهذا التصعيد، وعمليات الاغتيال لقيادات في حزب الله واغتيال اسماعيل هنية وقيادات من حماس يمكن القول أنها محاولة من الحكومة الصهيونية للهروب إلى الأمام في ظل الضغوط الدولية المتزايدة لوقف إطلاق النار بغزة، وأن رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو قد يكون لديه “مخطط معين” يبدأ من غزة وينتقل إلى الضفة الغربية ثم لبنان وصولًا إلى الوطن البديل و”إسرائيل الكبرى من النيل للفرات”.
وعلى العرب كل العرب والمسلمين جميعًا أن يعلموا أن الولايات المتحدة، رغم تصريحاتها الداعية لضبط النفس هي منغمسة بالصراع والمخطط للشرق الأوسط الجديد، وإن آجلًا أو عاجلًا، قد تجد نفسها مضطرة لدعم حليفتها (إسرائيل) في حال اندلاع مواجهة شاملة، ونذكر بأن الأمريكيين “يقولون بسرعة: لا (عدة مرات) ولكن عندما يقوم نتنياهو بعملية ما فإنهم يتبنون هذا الأمر”.
يتمسك نتنياهو بالحرب ويهاجم الأمم المتحدة، ووفود دبلوماسية تقاطع كلمته ومع ذلك ممعن بتنفيذ مخططه لإشعال المنطقة وقد دخلت حربًا إقليمية واسعة بعد عملية اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله وحتمًا المنطقة ستشهد تغيرات وعلى كافة الأصعدة،لكن ليست كما يشتهي نتنياهو أو ترغب بتحقيقه أمريكا عبر حلفائها والتاريخ خير شاهد كما سبق وذكرنا.
قائدٌ شجاع في زمن التحديات الكبرى..
رحيل سيد المقاومة وأسطورة النضال
بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني
“قيادة الحزب تعاهد الشهيد حسن نصر الله أن تواصل جهادها في مواجهة العدو وإسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف”، كلمات مشحونة بالعاطفة الجياشة، وبأصوات الرجال الصابرين حملة البنادق في نعي رجل أطلق عليه لقب “سيد المقاومة”، لديه معجبون كثر بمقدار ما له من أعداء في لبنان والوطن العربي.
لم يظهر نصر الله علنًا إلا قليلًا، لكن اختفاءه لم يمنع جمهوره من الاستماع إلى خطبه بشكل شبه أسبوعي، وفي الأحداث الكبرى.رحل في عمر 64 عامًا، بعد أن كان يعتبر قائدًا سياسيًا وعسكريًا في لبنان، رغم الانقسام حول مكانته، ودوره، ورفض خصومه السياسيين لسطوته على الساحة اللبنانية.
حسن نصر الله، المولود عام 1960 في بلدة البازورية الجنوبية القريبة من مدينة صور، اختبر قسوة الحياة في مرحلة مبكرة من حياته الشخصية، فقد اضطرته الظروف، وهو صغير وبسبب ضيق حال العائلة وانعدام فرص العمل في بلدته للنزوح مع عائلته إلى بيروت، وهناك أقامت العائلة في منطقة الكرنتينا في أطراف العاصمة فساعد في أولى أيام حياته والده في بيع الخضار والفاكهة.
وعندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية رجع مع عائلته إلى بلدته وهناك تابع دراسته الثانوية والتحق بصفوف حركة “أمل” التي أسسها موسى الصدر، وكان خياره يبدو بعيدًا حينها عن توجهات البلدة السياسية التي كانت تأخذ الطابع الشيوعي والماركسي وذلك لكثرة الشيوعيين الموجودين فيها إبان ذلك الوقت، ثم أصبح مندوب الحركة في بلدته.
وفي مدينة صور تعرف الشهيد على محمد الغروي الذي كان يقوم بتدريس العلوم الإسلامية في إحدى مساجد المدينة باسم الصدر، الذي ساعده على الذهاب إلى مدينة النجف والتي تتلمذ فيها كبار علماء الدين الشيعة، وحمله الغروي كتاب توصية لمحمد باقر الصدر أحد أهم رجال الدين الشيعة، وبوصوله إلى النجف تعرف على عباس الموسوي.
لقاؤه بالموسوي كان مرحلة محورية في حياة نصر الله، فمنذ اللحظة نشأت صداقة قوية ومتينة بين الرجلين الذين كتبا فصلًا هامًا من تاريخ المنطقة عبر تأسيس “حزب الله” عام 1982.
بعد لقائه بالصدر، طلب الصدر من الموسوي رعاية نصر الله، وعهد له بتدريسه، وكان الموسوي صارما في دوره كمعلم، مما أمن لنصر الله الفرصة بإنهاء علومه الدينية في فترة سريعة نسبيًا، حيث أنهى المرحلة الأولى عام 1978.
بعد أن عاد نصر الله إلى لبنان التحق بالحوزة الدينية في بعلبك، وهناك تابع حياته العلمية معلمًا وطالبًا، إضافة إلى ممارسته العمل السياسي والمقاوم ضمن صفوف حركة “أمل” واستطاع الوصول إلى منصب مندوب الحركة في البقاع.
عام 1982 كان عامًا مفصليًا في حياته، ففي هذا العام وقع الاجتياح الصهيوني للبنان وواجهت “أمل” أزمة في صفوفها بين تيارين متعارضين، تيار يقوده نبيه بري وكان يطالب بالانضمام إلى “جبهة الإنقاذ الوطني”، وتيار آخر متدين كان نصر الله والموسوي أحد أعضائه وكان يعارض هذا الأمر، بسبب وجود بشير الجميل في الجبهة، وكانوا يعتبرون الجبهة تريد إيصال الجميل إلى رئاسة الجمهورية.
والجميل هذا كان خطا أحمر لدى تيار المتدينين بسبب موالاته لـ (إسرائيل)، وبتفاقم النزاع انشق التيار المتدين عن تيار بري، وكانت البداية الأولى لظهور “حزب الله”.
عند ولادته لم يكن نصر الله عضوًا في القيادة، فهو لم يكن حينها قد تجاوز 22 من عمره، وكانت مسؤولياته الأولى تنحصر بتعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية.بعد فترة تسلم منصب نائب مسؤول منطقة بيروت، واستمر بالصعود داخل سلم المسؤولية في الحزب، فتولى لاحقًا مسؤولية منطقة بيروت ثم استحدث بعد ذلك منصب المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات “مجلس الشورى”، فشغله نصر الله.
ولكن حسن نصر الله ما لبث أن غادر بيروت متجهًا إلى إيران لمتابعة دروسه الدينية في مدينة قم، ولكن التطورات الحاصلة على الساحة اللبنانية اضطرته للعودة مجددًا إلى لبنان، بعد عودته، وجد نصر الله منصبه كمسؤول تنفيذي عام قد سلم لنعيم قاسم، وهكذا بقي نصر الله من دون منصب حتى انتخاب عباس الموسوي أمينًا عامًا، فعين قاسم نائبًا له، وعاد حسن نصر الله لمسؤوليته السابقة.
في عام 1992 اغتال الاحتلال أمين عام حزب الله عباس الموسوي، فانتخب نصر الله أمينًا عامًا للحزب بالرغم من أن سنه كان صغيرًا على تولي هذه المسؤولية ولكن يبدو أن صفاته القيادية وتأثيره الكبير على صفوف وأوساط قواعد “حزب الله” قد لعبت دورًا مؤثرًا في هذا الاتجاه.
وفي ذلك العام، وبعد أشهر قليلة من اغتيال الموسوي، اختار الحزب الدخول إلى الصالون السياسي اللبناني، فشارك في الانتخابات النيابية التي جرت في ذلك العام، وحصد عددًا من المقاعد النيابية عن محافظتي الجنوب والبقاع. وفي عام 1997 فقد نصر الله ابنه البكر هادي، في مواجهات دارت بين مقاتلي الحزب وجيش العدو الصهيوني، في منطقة الجبل الرفيع جنوب لبنان.
نجاحات الحزب في تلك الفترة وضعته على قمة الشعبية في الشارع العربي، واستطاع الحزب بقيادة نصر الله تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني باستثناء مزارع شبعا، وذلك في عام 2000.
وتمكن في عام 2004 من تسجيل نجاح هام بتنظيم عملية أشرف عليها شخصيًا تمثلت في تبادل جثث ثلاثة جنود “إسرائيليين” مقابل الإفراج عن حوالي 400 أسير لبناني وعربي معتقلين في السجون “الصهيونية”، إضافة إلى استعادة جثث لبنانيين وعرب، من بينها جثة ابنه هادي، ارتقوا في مواجهات مع “الإسرائيليين”، بعد وساطة طويلة قامت بها ألمانيا.
لكن واقع الحال بالنسبة إلى شعبية الحزب داخل لبنان تغير بعد الانسحاب الصهيوني من جنوب البلاد، إذ بدأت تظهر على الساحة أصوات مطالبة بنزع سلاح الحزب وتسليمه إلى الدولة اللبنانية، لكن نصر الله رفض بشدة الضغوط الدولية التي تجسدت بالقرار رقم (1559) عام 2005 الذي طالب بسحب سلاح المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية في إشارة إلى “حزب الله”.
اعتبر عبر سنوات صعوده الذهبية من بين أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم الإسلامي، كما تصف العديد من المصادر نصر الله بأنه يتمتع بكاريزما قوية، وكانت خطبه الحماسية أيام الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان تستحوذ على اهتمام الشارع العربي، وتحديدًا في حرب جويلية عام 2006 فقد خرجت المظاهرات المؤيدة له آنذاك في لبنان وعدد من الدول العربية.لكن هذا التأثير ما لبث أن تراجع بعد أن دخل الحزب طرفًا أساسيًا في الصراع في سوريا.
يعد نصر الله أحد قادة الشيعة في لبنان، ورمزًا من رموز محور المقاومة، يقول عن ذلك “وصلنا إلى قناعة بأننا لا نستطيع الاعتماد على الدول العربية، ولا على الأمم المتحدة (…) الطريقة الوحيدة هي أن نحمل السلاح ونقاتل قوات الاحتلال”، مضيفًا “أنا ضد أي صلح مع (إسرائيل). أنا لا أعترف حتى بوجود دولة أسمها (إسرائيل)”.
تحت حكمه، أصبح حزب الله عنصرًا فعالا في الحياة السياسية اللبنانية ويشارك في مختلف الحكومات اللبنانية واللجان النيابية. رغم أن الحزب صنف كـ”منظمة إرهابية” من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى حليفة لها.
تمكن نصر الله من تجاوز أزمات تاريخية مثل الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية، والأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان، وتراجع تمثيله في المجلس النيابي اللبناني بعد الانتخابات الأخيرة عام 2022.
لكنه استعاد مكانته عربيًا بعد إسناده للمقاومة الفلسطينية بعد “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر، رغم أنه لم يكن مضطرًا لذلك، لكنه رفض أن يترك غزة وحيدة، فأطلق صواريخه نحو العدو، واضعًا شرطًا واحدًا لوقف مشاركته المقاومة في غزة، وهو وقف الحرب على غزة، ولم تفلح جميع الضغوط التي مورست عليه في ثنيه عن إسناد الشعب الفلسطيني.
ربما يكون الفلسطينيون الأكثر حزنًا عليه فهو يرمز للبطولة والتضحية والنخوة في نجدتهم حين تركهم الجميع يواجهون مصيرهم أمام عصابة من القتلة، وسيبقون يتذكرون خطابه قبل 20 عامًا، وعقب ارتقاء الشهيد أحمــد ياسين، حين قال: “اعتبرونا نحن في حزب الله من أمينه العام إلى قادته ومجاهديه وكباره ونسائه وصغاره أعضاء في حركة حماس، واعملوا أننا سنفي وعدنا بهذا الالتزام والانتماء”، وقد صدق الرجل وعده.
سؤال برسم الإجابة الأمريكية..
ماذا بعد نصر الله؟
بقلم: حازم عياد – باحث سياسي أردني
إنه السؤال الأخطر الذي يطرح نفسه على الأطراف المنخرطة في الصراع والمراقبة له: ماذا بعد استشهاد حسن نصر الله؟ المؤشرات تقول إن المنطقة بعد الضربة الأمريكية الصهيونية المشتركة في الضاحية الجنوبية التي استهدفت الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تتجه نحو تصعيد كبير، يتجاوز حدود الحرب المحدودة، نحو نوع جديد من الحرب الإقليمية، تشتمل على ضربات محددة ومتبادلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وحلفائها وشركائهم في معسكر المقاومة، باستخدام أدوات تقليدية وغير تقليدية وأخرى عتيقة.
فأمريكا، كما هو واضح، باتت جزءًا من المعركة وشريكًا فيها، ومحاولات النفي من قبل واشنطن لم تعد تجدي نفعًا لدى الأطراف المنخرطة في المواجهة، ولا يصدقها عاقل في الإقليم والعالم. وهذا ما انعكس على اللغة المستخدمة من قبل الجانب الأمريكي، على لسان وزير الدفاع لويد أوستن، الذي أعلم نظيره الصهيوني في اتصال هاتفي بأن الولايات المتحدة ستدعم الكيان الصهيوني في مواجهة “الجماعات الإرهابية” المدعومة من إيران، وأنها تعمل على تأمين منشآتها وقواتها في المنطقة، في الوقت نفسه، لمواجهة الردود العسكرية والضربات الأمنية التي باتت متوقعة وقريبة.
في المقابل، فإن إيران مقتنعة بأن مسألة استهدافها باتت مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، وأنها الهدف التالي لنتنياهو، الذي طالما أعلن نيته استهداف المشروع النووي الإيراني. وهي السمكة الكبيرة التي يبحث عنها نتنياهو ويسعى إليها في خضم هذا المشهد المضطرب والنيران المشتعلة.
من ناحية أخرى، فإن دول الجوار لكل من لبنان وفلسطين المحتلة ودول الإقليم مقتنعة بأن التصعيد سيكون كبيرًا في المرحلة المقبلة، وأن الجنون والغرور الصهيوني لن يقتصر على لبنان وإيران، بل سيندفع قريبًا نحو الضفة الغربية وقطاع غزة، لاستكمال مشروع التطهير العرقي وصولًا إلى الترانسفير. فإذا كان المفاعل النووي الإيراني والعمود الفقري للنظام الإيراني الهدف المنظور لأمريكا والكيان”، فإن الضفة الغربية هي الهدف الظاهر في الأفق القريب.
ما بعد نصر الله سيكون مزيدًا من التصعيد والجنون المدعوم بالقوة الأمريكية التي تورطت في المعركة، وهو تورط سيجلب المزيد من الدمار، رغم محاولات الطمأنة الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ومسؤولين أمريكيين، والتي كان آخرها القول بأن ضربة بيروت لو وُجهت قبل ستة أشهر لتسببت في حرب كبرى، ولكن اليوم إيران وحزب الله ضعيفان، وما لم يقله البنتاغون هو أن هذا الضعف قد يُغري الكيان الصهيوني لإشعال حرب إقليمية كبرى واستهداف أشرس للضفة الغربية، ما سيدفع قوى دولية لمحاولة ترميم الاختلال في موازين القوة الذي قد يمتد إليها في موسكو وبكين، إلى جانب عدد من القوى الإقليمية.
ختامًا، يمثل التصعيد الأفق الاستراتيجي الواعد بالحرب والاستنزاف الطويل والعميق للمنطقة، وهو أفق صنعته أمريكا والكيان على أمل حسم المعركة لثلاثين أو خمسين عامًا قادمة. فهل تنجح (إسرائيل) وأمريكا في ذلك؟ سؤال تعتقد أمريكا والكيان أنهما تملكان الإجابة عليه، وهو السبب الحقيقي الذي يغذي التصعيد في المنطقة ويدفع نحو الحرب الشاملة والاستنزاف الطويل والعميق.
حتى التحرير..
هكذا ستلملم المقاومة جراحها وتواصل المسير
بقلم: الدكتور السنوسي محمد السنوسي – باحث مصري في الفكر الإسلامي
لا شك في أن عدوًّا له تاريخ عريق في الإجرام مثل الكيان الصهيوني، لا يتورع عن استخدام الوسائل المشروعة وغير المشروعة، الأخلاقية وغير الأخلاقية؛ لتحقيق أطماعه والمُضيّ في مخططاته. و”الاغتيال” وسيلة من الوسائل القذرة التي لا يتوانى العدو الصهيوني عن استخدامها.
فتاريخه يشهد على أنه استخدم “الاغتيال” في القضاء على خصومٍ توزعوا على مجالات عدة؛ شملت علماء وباحثين ودعاة وصحفيين وإعلاميين وسياسيين وغير ذلك، كما يشهد تاريخه على أنه استهدف خصومه في نطاق جغرافي امتد خارج الكيان، ولم يراع حرمة الدول ولا شرعيتها!
العدو يظن أنه بوسيلة الاغتيال يُضعِف خصمه، ويحدّ من فاعلية المقاومة، ويقضي على بعض المشروعات والأفكار وهي ما زالت في طور التشكل!! ولا جدال في أن اغتيال القادة يؤثر بالسلب على مسيرة المقاومة، وبما يتناسب مع حجم ومكانة وخبرة وزعامة القادة الذين يتم اغتيالهم.
غير أن تاريخ المقاومة- وكما يشهد سجلها الواسع في غزة وفلسطين ولبنان وغيرها- يخبرنا أن المقاومة سرعان ما تلملم جراحاتها، وترتب أوراقها، وتَصفّ صفوفها من جديد خلف قيادة أخرى تتولى زمام الأمور، وتواصل مسيرة المقاومة والجهاد، وهنا نشير إلى أمرين:
الأول: أن من المهام الأساسية للقيادة، تكوين صفوف ثانية وثالثة يكون بإمكانها أن تواصل المسيرة في حال حصل تغييب مفاجئ للقيادة، وأن النجاح في تكوين هذه الصفوف هو معيار مهم على نجاح القيادة ووعيها.
الثاني: أنه ينبغي أن تُساءَل الأدوات والظروف التي يتم فيها اغتيال القيادة، بحيث تُسَد الثغرات ويُتدارك الأمر؛ وبالتالي لا تكون حياة القادة كلأً مستباحًا، بل من المهم إرسال رسائل للعدو بأن اغتيال القيادة ليس أمرًا سهلًا ولن يمر دون حساب، فإذا استطاعت المقاومة ردع العدو من الأساس عن ارتكاب هذه الحماقات، فنعم الأمر، وإلاّ فينبغي تدفيعه الثمن.
فالخطاب الذي ينبغي أن يكون موجَّهًا للعدو هو أن القادة رقم صعب ومنطقة محظورة، بينما الخطاب الذي يوجه لصف المقاومة الداخلي هو أن دماء القادة ليست أغلى من دماء بقية الشعب.
وليس من الصواب ولا من الحكمة الخلط بين هذين المستويين من الخطاب، كما يحدث للأسف في بعض الأوقات إثر اغتيال قادة؛ ظنًّا من القائل أنه بذلك يُعلي من قيمة كل صف المقاومة، ويؤكد أن المسيرة متواصلة..!!
نعم، فقدان القادة أمر صعب ومؤثر، لكن تاريخ المقاومة يشهد بقدرتها على تجاوز هذه الآثار السلبية، وعلى الوفاء بحق هؤلاء القادة وإتمام ما حيل بينهم وبين إكماله، وهذا هو فعلًا خير وفاء للقادة الذين قدموا دماءهم الغالية رخيصةً لقضيتهم ومبادئهم.
رضوان بوهيدل يجيب عن السؤال..
هل يكون “هاشم صفي الدين” أكثر قسوة من نصر الله في مواجهة الاحتلال؟
مع تزايد التقارير حول تفاصيل اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني، برز اسم هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب والرجل الثاني في قيادته، كأحد أبرز المرشحين لخلافة نصر الله. وُصف صفي الدين منذ سنوات في الأوساط الإعلامية بأنه “ظل” نصر الله، مما يعزز من فرصه كخليفة محتمل.
وفي هذا السياق، أشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رضوان بوهيدل، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، إلى أن هاشم صفي الدين يُعدّ من القيادات الهامة في حزب الله، ويمكن أن يخلف نصر الله في أي لحظة، بل قد يكون أكثر صرامة في تعامله مع الكيان الصهيوني.
ويرى رضوان بوهيدل، أن حسن نصر الله منذ سنوات طويلة ومنذ وصوله إلى قيادة حزب الله اللبناني في عام 1992 بعد أن اغتالت (إسرائيل) سلفه عباس الموسوي في هجوم بطائرة هليكوبتر، وهو يعمل على تحضير قيادات لها الكفاءة والقدرة العالية على قيادة المقاومة اللبنانية، فدائما يجري التحضير لمن سيقود حزب الله لأنه يمثل المقاومة في المنطقة.
أشار الدكتور بوهيدل، في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أن الحزب اللبناني وبقيادة نصر الله تمكن من تحرير منطقة جنوب لبنان عام 2000، وهو ما أنهى احتلالا استمر 18 عاما، لذلك فإنّ قيام الكيان الصهيوني باغتيال نصر الله في هذا التوقيت تحديدا يعني توسيعا لدائرة الحرب في المنطقة وفتح جبهات أخرى جديدة قد تؤدي هذه المرة إلى حرب إقليمية خاصة إذا ما دخلت إيران على الخط.
وصفي الدين هو من مواليد عام 1964 في بلدة دير قانون النهر بقضاء صور جنوب لبنان. ولا تتوفر الكثير من المعلومات عن الرجل، لكن من بين المعروف عنه أنه كان جزءًا من هيكل “حزب الله” منذ تأسيس الحزب عام 1982. وفي ثمانينيات القرن العشرين سافر صفي الدين إلى مدينة قم في إيران ليلتحق هناك بابن خالته حسن نصر الله، في دراسة العلوم الدينية.
وأُعد صفي الدين لخلافة نصر الله منذ عام 1994، حيث تم استدعاء الرجل من قم إلى بيروت ليتولى رئاسة المجلس التنفيذي الذي يعتبر حكومة الحزب، خلفا لنصر الله، الذي أصبح أمينا عاما للحزب. وأشرف على عمله آنذاك القائد الأمني السابق للحزب عماد مغنية.
وعلى مدى 3 عقود، أمسك الرجل بكثير من الملفات اليومية الحساسة في الحزب، من إدارة مؤسساته إلى إدارة أمواله واستثماراته في الداخل والخارج، تاركاً الملفات الاستراتيجية بيد نصر الله.
أفاد المحلّل السياسي، بوهيدل بأن الكيان الصهيوني وبعد اغتياله إسماعيل هنية اعتقد جازما بأنه قضى بذلك على قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، حتى ظهر القيادي البارز يحي السنوار على رأس المكتب السياسي للحركة، في ضربة أوجعت كثيرا الكيان خاصة وأن السنوار يعتبر أكثر حدّة في التعامل مع (إسرائيل).
وكأن الكيان الصهيوني –يضيف بوهيدل- ندم على اغتيال هنية بتعبير آخر، والأمر ذاته سيتكرر مع حزب الله خاصة إذا كان خليفة نصر الله هو “هاشم صفي الدين” الذي يعتبر أحد أهم القيادات والعارفين بحزب الله حيث تم إعداده منذ عام 1994 لتولي قيادة الحزب، وبالتالي يُمكن أن يعوض نصر الله في أي لحظة، وربما بأكثر شدة. ويشبه صفي الدين نصر الله في العديد من الجوانب، بما في ذلك شكله وطريقة حديثه، وهو ابن خالة نصر الله وصهر قاسم سليماني، القائد الإيراني الذي اغتالته أمريكا.
طوال السنوات الماضية، أشرف صفي الدين على إدارة العمليات اليومية لحزب الله، بما في ذلك إدارة مؤسساته وأمواله، بينما ترك نصر الله التركيز على الملفات الاستراتيجية. وكان صفي الدين مسؤولا عن تنفيذ السياسات الداخلية وتطوير الهيكل الإداري للحزب.
وعلى غرار نصر الله، الذي يشترك الرجل معه في العديد من الصفات، يتميز صفي الدين بالحضور الشعبي والسياسي، وخطاباته المفوهة والنارية، التي تُغلف في الغالب بنبرة دينية قوية. ويبرز الرجل في تلك الخطب التزامه بمواجهة الاعتداءات الصهيونية والتأكيد على الرد الحازم تجاهها.
ففي كلمة ألقاها في 13 جويلية 2024، قال صفي الدين: “إذا كان تكليفنا، كما هو اليوم، أن نكون في الجنوب نقاتل هذا العدو، ونقدم شهداءنا، فنحن مستعدون للتضحية بكل شيء، وواثقون بأن الله سينصرنا كما نصرنا في 2006”.
وفي خطاب آخر في 18 من الشهر ذاته، شدد على أن “لبنان معني بالحرب مع العدو الصهيوني دون قيود أو حدود”. كما أكد صفي الدين مرارًا، خلال الفترة الأخيرة، على ما سبق أن أعلنه نصر الله، بأن حزب الله لن يتوقف عن دعم جبهة غزة حتى توقف إسرائيل عدوانها على القطاع.
وتربط صفي الدين علاقات جيدة بطهران، فإضافة إلى قضائه سنوات في دراسة العلوم الدنية بحوزة قم، صاهر الرجل القائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني عام 2020. إذ تزوج ابنه رضا آنذاك من زيت ابنة سليماني. وفي عام 2017، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن “إدراج صفي الدين على قائمة الإرهاب” بدعوى انتمائه إلى “حزب الله”.
وأكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أنّ (إسرائيل) ومن خلال تماديها في استخدام سياسة الاغتيالات هي تدق آخر المسامير في نعشها، فالاحتلال ليس لديه خيارات أخرى لذلك هو يريد توسيع نطاق الحرب حتى يُشتت الأنظار ويكسب التضامن الدولي والغربي بشكلٍ خاص.
وعلى اعتبار أن هؤلاء لن يتركوا الاحتلال وحيداً في المواجهة، خاصة إذا ما دخلت على الخط إيران أو العراق أو اليمن، فالأكيد –يقول بوهيدل- أن ذلك لو حدث سيستفز القوى المساندة للكيان الصهيوني على غرار الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، وسيجذبهم إلى الدخول في هذه الحرب.
ويصف الإعلام الصهيوني صفي الدين بأنه قد يكون أكثر حدة من نصر الله في موقفه من إسرائيل، وأن تعيينه على رأس الأمانة العام لحزب الله لن يكون في صالحها. وكانت إذاعة الجيش الصهيوني ذكرت أن التقديرات تشير إلى أن صفي الدين لم يُقتل في الهجوم الذي استهدف ضاحية بيروت الجنوبية أمس.
وأشارت تقارير إعلامية أن صفي الدين قد باشر فعلا، كما تتوقع سلطة الكيان، في إمساك زمام الأمور داخل الحزب، وإن أياما صعبة تنتظر الإسرائيليين، وهذا ما أكد عليه رئيس الأركان، هرتسي هاليفي، إذا قال إن الجيش الصهيوني بكافة قطاعاته برا بحرا وجوا في حالة تأهب قصوى في هذه الأثناء.
ومن جهته، أعلن المتحدث باسم الجيش الصهيوني دانيال هاغاري عن تشديد إجراءات ما أسماها “الجبهة الداخلية”، وخاصة حول مستوطنة تل أبيب والمناطق الأخرى، لأنها تتوقع أن يكون هناك رد واسع وكبير من حزب الله على اغتيال أمينه العام، وربما بمشاركة فصائل مقاومة أخرى من اليمن والعراق.
ووفق الإعلام الصهيوني، تصف (إسرائيل) نصر الله بأنه كان من أشد أعدائها منذ 30 إلى 40 عاما، لكن توقع أن يكون صفي الدين هو قائد الحزب، بعد نصر الله، قد لا يكون صحيحا لأن حزب الله –على غرار المقاومة- غالبا ما يفاجئ الاحتلال بما لا يمكن أن يتوقعها جنرالاتها.
المقاومة.. صفاً واحداً مع حزب الله
نعت فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة الأمين العام لحزب الله، الشهيد حسن نصر الله، للشعب الفلسطيني، والأمة الإسلامية وأحرار العالم، قائداً إسلامياً عربياً مقاوماً، مؤكدةً ثباتها على خط مواجهة الاحتلال الصهيوني لتحقيق الهدف الذي جاهد عمره لأجله، وتحرير فلسطين والصلاة في المسجد الأقصى. وأجمعت الفصائل على الدور الأمريكي الواضح في اغتيال القائد كما في كل الاعتداءات الصهيونية على شعوب أمتنا، وحركات المقاومة.
ونعت حركة المقاومة الإسلامية، حماس إلى الشعب الفلسطيني والأمة و”أحرار العالم استشهاد حسن نصر الله الذي ارتقى في معركة طوفان الأقصى وعلى طريق القدس”. وحمّلت حماس، “الاحتلال الصهيوني المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة وتداعياتها الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة”، مضيفةً أنّ “الإدارة الأمريكية تتحمل أيضاً المسؤولية باستمرار دعمها لهذا الاحتلال، سياسياً، ودبلوماسياً، وعسكرياً، وأمنياً، واستخبارياً”. وجددت الحركة تضامنها المطلق ووقوفها “صفاً واحداً مع الإخوة في حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان”.
أكدت كتائب الشهيد عز الدين القسام ثقتها العالية بأن حزب الله سيتجاوز المصاب الجلل باغتيال كيان الاحتلال أمينه العام، الشهيد حسن نصر الله، في العدوان الذي استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت، يوم الجمعة. وشدّد الجناح العسكري لحركة حماس، في بيان، على أنّه “سيخلف القائد قادةٌ أكفاء سيواصلون الدرب الذي خطّه الشهيد بدمائه ودماء إخوانه”.
وبشأن الاحتلال، قالت القسّام “إن قيادة العدو الإرهابية، التي تعيش نشوةً موقتةً وتكثّف أفعالها الإجرامية، ستدرك بعد حينٍ أنها تسير بقدميها نحو الزوال المحتَّم على أيدي المجاهدين”. وتطرّقت كتائب القسام إلى الدور الكبير للشهيد القائد نصر الله، ولاسيما في معركة طوفان الأقصى، مقدّمةً التعزية الحارة بارتقائه إلى حزب الله، وإلى الشعب اللبناني، وإلى قادة محور المقاومة وجماهير الأمة.
وأكدت القسّأم أنّه يُسجَّل للسيد نصر الله موقفه التاريخي بشأن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، خلال معركة طوفان الأقصى، دفاعاً عن الأقصى والمقدسات، ورفضه القاطع وقف جبهة الإسناد لغزة على رغم التضحيات الجسيمة التي قدمها لبنان وحزب الله.
وأشارت إلى أنّ نصر الله توّج ذلك بتقديم روحه فداءً للأقصى، وليختلط دمه بدماء شهداء فلسطين وقادتها المجاهدين، فيما وصفته بأنّه “أعظم صورة للتعاضد والتلاحم وأُخُوّة السلاح على طريق تحرير القدس”. وقالت كتائب القسّام إنّها تودّع قائداً مجاهداً تصدّر قائمة المطلوبين للكيان الصهيوني، وانتقل حزب الله، خلال فترة قيادته، نقلةً نوعيةً، وأصبح أكثر قوةً وبأساً.
وأضافت أنّ قيادته للحزب شكّلت رافعةً مهمةً للعلاقة مع بالمقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها كتائب القسام، و”لم يتوان خلالها عن تقديم كل ما يلزم مقاومتنا من دعم وإسناد واحتضان وخبرات”.
سراج يضيء طريق الحرية
كما نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى “الشعب الفلسطيني العزيز، والأمة العربية والإسلامية، استشهاد الأمين العام لحزب الله، سماحة حسن نصر الله، الذي ارتقى إثر غارة صهيونية حاقدة استهدفته الجمعة في المقر المركزي لحزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت”.
وأضافت الحركة، في بيان، “إننا إذ نشعر بألم الفراق ومرارته، وبفداحة فقدان هامة عربية وإسلامية مقاومة، اختطت طريق النصر للأمة، فإننا في الوقت ذاته نشعر بالفخر بإرثه المبارك، بعشرات الآلاف من المجاهدين والكوادر والقادة الذين تربوا على نهجه، على طريق الشهادة وفلسطين”. وأكدت الحركة، في بيانها، ثقتها التامة “بأن استشهاد نصر الله، سيزيد المقاومة في لبنان، وفلسطين والمنطقة قوة وصلابة وعزيمة”.
و”بمزيد من الحزن، والأسى، والألم، وكل الفخر والاعتزاز”، نعت قيادة لجان المقاومة في فلسطين، وذراعها العسكري، ألوية الناصر صلاح الدين، “الشهيد القائد الكبير، درة المقاومة وتاجها ونبراسها، الأمين العام لحزب الله، سماحة حسن نصر الله، ليلتحق برفاقه الشهداء العظام، قمراً منيراً، وسراجاً وهاجاً يضيء طريق الحرية والتحرير”.
وشدّدت لجان المقاومة على أن نصر الله بشهادته، سيوقد شعلة الثأر المقدس على أسوار القدس “التي أحبها وعمل بلا كلل وملل من أجل تطهيرها من الدنس الصهاينة الغاصبين، لتعود إلى حضن الإسلام الطاهر العظيم”.
وعزّت اللجان “الشعب اللبناني العظيم، والأحباء والأشقاء تيجان الرؤوس، وصانعي مجد الأمة، وفخرها التليد أبطال المقاومة الإسلامية في حزب الله، وكل كوادر وقادة ومجاهدي المقاومة في حزب الله والمقاومة اللبنانية العظيمة، وكل أحرار الأمة ومكوناتها باستشهاد أحد قادة الأمة وأحرارها الذي ستخلده الأجيال، بأنه من قال لن نترك غزة وحدها وكان صادق الوعد والفعل والقول”.
صنعاء تعاهد الشهيد نصر الله
أعلن رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشاط، أمس السبت، الحداد 3 أيام، وتنكيس الأعلام بعد استشهاد القائد الكبير المجاهد سماحة حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في عدوانٍ صهيوني غادر على ضاحية بيروت الجنوبية.
وفي السياق، نعت حكومة التغيير والبناء في صنعاء اليمنية، استشهاد المجاهد الكبير سماحة حسن نصر الله، الذي اغتالته قوات الاحتلال الصهيوني في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت. وأكّدت حكومة التغيير والبناء في صنعاء في بيانٍ لها أنّ “المسيرة الجهادية للشهيد القائد حسن نصر الله والدفاع عن القضايا العادلة ستستمر والنصر قادم بإذن الله”.
وقال البيان إنّ “سماحة حسن نصر الله كان رمزاً من رموز الجهاد والمقاومة وصاحب رؤية وفعل استراتيجيين في مواجهة التحديات”، مضيفاً أنّ “الشهيد القائد حسن نصر الله أحرز انتصارات عظيمة في مواجهة أعداء الأمة كان لها الأثر الكبير في إعلاء راية الإسلام”.
وهنّأ البيان “الأمة العربية والإسلامية بالنصر الشخصي الذي أحرزه القائد الشهيد حسن نصر الله حيث كان له دور بارز في تعزيز محور الجهاد والمقاومة ودعم قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية”.
وشدّد البيان على أنّ “دماء القادة الشهداء لن تذهب سدى والعدو الصهيوني لن يحقّق شيئاً من آماله بعمليته الجبانة”، مؤكداً أنّ “المقاومة لن تُكسر والروح الجهادية للإخوة المجاهدين في لبنان، وفي كل جبهات الإسناد ستقوى وستكبر وسيظل إخوتنا المجاهدون في حزب الله النموذج المعاصر الأرقى في ميدان القتال وساحة النزال”.
كما أكّد البيان أنّ أحرار اليمن سيواصلون السير على درب الجهاد دفاعاً عن وطنهم وأرضهم وأمتهم وانتصاراً للمظلومين في فلسطين ولبنان بعطاءٍ غير محدود في سبيل الحق، داعياً “جميع الأحرار في العالم إلى مواصلة العمل من أجل تحقيق العدالة، ومعاقبة العدو الصهيوني وشريكه العدو الأمريكي”.
بدوره، تقدّم المتحدّث باسم حركة أنصار الله، محمد عبد السلام إلى أمة حزب الله وحركات التحرّر حول العالم بعظيم المواساة على هذه الخسارة الفادحة برحيل القائد العظيم حسن نصر الله. وقال عبد السلام إنّ “الشهيد القائد حسن نصر الله نال ما تمنّاه وهو وسام الشهادة بعد عقودٍ من الزمن مجاهداً مقداماً قلّ نظيره في التاريخ المعاصر”. كما أضاف أنّه ببركة القيادة الحكيمة للشهيد حسن نصر الله لحقت بالكيان والمستكبرين هزائم متتالية، ودماؤه المقدسة ستكون لعنة تطارد الكيان الصهيوني حتى اقتلاعه.
ولفت عبد السلام إلى أنّ الأمة لم تعرف مع حسن نصر الله إلا الانتصارات، وختم حياته الجهادية بنصر الشهادة، مردفاً أنّ لوعة فراق الشهيد القائد حسن نصر الله لن تفتّ من عضد إخوانه من بعده بل تمنحهم قوة إلى قوتهم ليواصلوا طريق المقاومة والجهاد حتى النصر النهائي وهذا وعد الله ولن يخلف الله وعده.
وأكّد عبد السلام أيضاً، أنّ “استشهاد سماحة القائد حسن نصر الله سيزيد جذوة التضحية وحرارة الاندفاع وقوة العزيمة وشكيمة الاستمرارية”. من جانبه، صرّح عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله، محمد البخيتي بأنّ اليمن “لن يترك إخوانه في لبنان، وسيصعّد عملياته العسكرية ضد الكيان الغاصب”.
من جانبه، قال المجلس السياسي الأعلى في اليمن في بيانٍ له إنّ “عطاء نصر الله وجهاده تتوّج بخير ختام وهو الشهادة في سبيل الله، بعد مسيرة حافلة بالجهاد”. كما توجّه المجلس السياسي بـ”أحرّ التعازي وخالص المواساة إلى أسرة حسن الكريمة وإلى حزب الله ومجاهديه والشعب اللبناني والأمة الإسلامية”.
وشدّد على أنّ “العاقبة المحتومة ستكون النصر وزوال العدو الصهيوني وكيانه الموقت”، متابعاً أنّه “مهما بلغت التضحيات فإنّ استشهاد سماحة القائد حسن نصر الله إنما سيزيد جذوة التضحية وحرارة الاندفاع وقوة العزيمة وشكيمة الاستمرارية”.