عندما سجّلت السيدة أليس أول مرة في موقعنا لطلب العلاج٬ لم تفهم جيدًا ما عليها القيام به والخطوات اللازمة٬ امرأة عمرها 85 سنة ومعظم النساء في هذا العمر يجدن الصعوبة في استخدام المواقع باختلاف تصاميمها٬ وقد تتوه وهي لا تعرف كيف تضيف ملفها الطبي وتشرح وضعها وطلبها بالضبط.
سجّلت أول الطلب برقم هاتف خاطئ ثم أرسلت لي إيميلاً تشرح لي فيه بأنّها مريضة وتعاني من أوجاع لا تحتمل في الظهر تمنعها من الحركة ومغادرة البيت. طلبتُ منها أن ترسل لي ملفها الطبي على الأقل من خلال الإيميل لأقوم بترجمته إلى الإنجليزية وإرساله إلى الطبيب الأخصائي لم ترسل لي الملف وبدلاً من ذلك فتحت طلبًا ثانيًا في الموقع٬ وأرسلت لي إيميلاً ثانيًا مشابهًا تتحدث فيه بالتفصيل عن وجعها الجسدي ووجعها النفسي وضيقها من الإحساس بالاحتجاز في البيت.
للمرةِ الثانية طلبت من السيّدة أليس إرسال ملفها الطبي كاملاً ومرفقًا بالتقرير والأشعة واستمرّت السيدة أليس بالتسجيل في موقعنا مرةً ثالثة ورابعة٬ تعاطفتُ معها وكتبتُ لها ساعديني لأساعدك دون الملف الطبي لا يمكنني فعل شيء وإذا كنتِ تستخدمين تطبيق الواتس آب يكون أفضل لأتصل بك وأشرح لك كل الخطوات.
في المرة الأخيرة٬ في طلبها الأخير وجدتُ أنّها تعلمت كيف تضيف رقم الواتس آب وتعلمت أيضًا كيف تضيف ملفها الطبي بل وأرسلت لي صورتها أيضًا٬ سيّدة ثمانينية بشوشة ومبتسمة بشعر رمادي٬ وجهٌ يوحي بالطيبة والبراءة٬ براءة الجدّات اللاتي نفتقد حنانهن٬ سُرِرتُ وأنا أتلقى طلبها الأخير لأنّ السيدة أليس لم تستلم٬ كانت عنيدة عنادًا مثيرًا للإعجاب وفهمت أخيرًا نظام موقعنا٬ تعلّمت كيف ترسل فيه الملفات والصور.
أرسلتُ لها أوّل رسالة في الواتس أب أبلغها عن سعادتي أخيرًا من التواصل معها مباشرة وعن استلامي لملفها والعمل عليه لتحويله إلى المستشفى والفريق الطبي الذي سيقوم بتقييم حالتها ويقترح لها العلاج المناسب بالتفاصيل وبمجرد أن أرسلت الرسالة وتلوّن الخطان الأزرقان خطا تأكيد القراءة٬ وصلني اتصالٌ من ذلك الرقم.
تفاجأتُ بصوتِ رجلٍ وفكّرت فورًا بأنّه بلا شك يكون ابنها وربما هو الذي سيتابع وضعها وهي غير قادرة في هذه اللحظة على التواصل لكن ليس هذا ما حدث٬ وصلني صوت رجل الهدوء يغلب على نبرته٬ رجل يعرف ماذا يقول وماذا يريد٬ تحدّث باللغةِ الفرنسية وقال:
“مرحبًا سارة٬ شكرًا لتواصلك واهتمامك بوالدتي أقدّر هذا كثيرًا٬ لكنّها كانت تتواصل معك دون علمٍ منّا٬ هي سيدة كبيرة ومريضة ولا فائدة من علاجها.
هي تحلم بأن تتعافى وتستعيد صحتها٬ تحلم بالمشي مجددًا والخروج لكن هذا غير ممكن٬ ونحن لن نستطيع إحضارها للعلاج لذا سيكون تواصلك معها بلا فائدة٬ شكرا لتفهمك.”
قلتُ له: “حسنًا لا مشكلة٬ سأغلق ملفها” وأنهيتُ الاتصال بمرارة٬ جلستُ شاردة لبعض الوقت وأنا عاجزة عن التفكير في أي إنسان آخر غير أليس٬ استعدتُ ملامحها٬ ابتسامتها البريئة وحديثها عن تعاستها بعد المرض والتقاعد٬ محاولاتها العنيدة وإيميلاتها وشعرت بالحزن والعجز لأنّه لا يمكن تغيير شيء.. كما شعرتُ بالغضبِ أيضًا من الابن.
ما استفزّني لم يكن كلامه٬ ربما هو معذور٬ ربما ليس لديهم الإمكانيات للقيام بجراحة معقّدة أو ربما لديهم الإمكانيات ولكنّ الطبيب الذي يتابع حالتها لا ينصح بالجراحة في عمرها ووضعها وربما لأسباب أخرى٬ ما استفزّني كان طريقته في قولِ ذلك٬ البرود الذي تحدّث به٬ اللامبالاة٬ تحدّث عن الحقيقة بطريقة فظة وقاسية لا تتناسب مع أمل العجوز وبشاشتها وحلمها في الحصول على العلاج.
بعد ذلك تذكرتُ حالةً أخرى٬ شابٌ كان يتواصل معي كي يتبرّع بكليةٍ لوالده٬ الوالد لم يكن في وضع جيد لتلقي تلك الكلية٬ كان مصابًا بعدّة أمراض مزمنة٬ بالإضافة إلى معاناته من مرض خطير في الكبد٬ مع ذلك كان للابن أمل في علاجه٬ وكان مستعدًا لدفع مبلغ كبير ومنحه كليته وهو غير متأكد كم من العمر سيعيش والده بعد زراعة تلك الكلية٬ قال لي لا يهم٬ أريده أن يشفى٬ أن أخفّف معاناته٬ أريده أن يعيش ولو كان ذلك لبضعة أشهر فقط.
