ابنة ضابط فرنسي تروي تفاصيل إجرام والدها في حق الجزائريين.. تعرّف على قصتها

ابنة ضابط فرنسي تروي تفاصيل إجرام والدها في حق الجزائريين.. تعرّف على قصتها

إيزابيل فاها، المولودة عام 1957 في مدينة ستراسبورغ، بفرنسا، هي كاتبة وناشطة اجتماعية فرنسية، نشأت في عائلة ذات خلفية عسكرية، حيث كان والدها ضابط صف فرنسي في الفيلق الأجنبي، كما شارك في الحروب الاستعمارية، بما في ذلك حرب الجزائر، أما والدتها فتنحدر من عائلة تعود أصولها إلى منطقة الألزاس واللورين التي هاجرت إلى الجزائر.

اكتشفت إيزابيل في مرحلة طفولتها صورًا لوالدها (ضابط فرنسي) بزيه العسكري، مبتسمًا أمام جثث جزائريين، مما أثر فيها بعمق وتركها تواجه صراعًا داخليًا مع ماضي عائلتها، وعندما حاولت مناقشة هذه الصور مع والديها في سن المراهقة، قوبلت بالإنكار، مما زاد من شعورها بالاضطراب وعدم الثقة.

من ضحية التاريخ إلى مدافعة عن الذاكرة الجزائرية

بعد حصولها على شهادة البكالوريا، غادرت إيزابيل منزل العائلة لتبدأ حياة جديدة، وفي عام 2002 كتبت رسالة بعد وفاة والدها، نُشرت في مجلة “Télérama” بمناسبة الذكرى الأربعين لحرب الجزائر، في هذه الرسالة، عبّرت إيزابيل عن مسافتها العاطفية من والدها ورفضها لأفعاله خلال الحرب.

وأدّى نشر إيزابيل فاها لهذه الرسالة إلى تغيير مسار حياتها، حيث التقت بالعديد من الأشخاص المهتمين بموضوع ثورة الجزائر وشاركت في فعاليات مختلفة لسرد قصتها.

أظهرت إيزابيل اهتمامًا خاصًا بالقمع البوليسي الدموي الذي حدث في 17 أكتوبر 1961 في باريس، وظلت تشارك سنويًا في إحياء ذكرى هذا الحدث، كما تقول دائما: “مكاني هنا وهذا المكان رهيب، بالمعنى الحرفي للكلمة؛يجب أن أكون هنا نظرًا لما أحمله ورائي”.

في عام 2015، نشرت إيزابيل كتابها “الفتاة الصغيرة من مستغانم”، الذي يمزج بين السيرة الذاتية والتحقيق التاريخي، في هذا العمل تكشف إيزابيل عن الأسرار العائلية المرتبطة بماضي والدها العسكري في الجزائر، مسلّطةً الضوء على تأثير ذلك على حياتها الشخصية ومسارها المهني.

وتسعى إيزابيل فاها من خلال كتاباتها ونشاطاتها إلى مواجهة ماضي فرنسا الاستعماري، وتعزيز الحوار والمصالحة بين الشعوب، والتأكيد على أهمية الذاكرة الجماعية في بناء مستقبل أكثر عدلاً وسلامًا.

إيزابيل فاها صوت من أجل العدالة والذاكرة في الجزائر

استقبلت الجزائر قبل أيام الباحثة والكاتبة إيزابيل فاها التي قدّمت شهادات تاريخية خلال ندوة علمية بعنوان “تجريم الاستعمار الفرنسي وفق القوانين الدولية”، المنظمة من طرف الشبكة الجمعوية لمجابهة الفكر النيوكولونيالي العالمي، بالتعاون مع المرصد الوطني للمجتمع المدني.

وتضمّنت شهادة إيزابيل فاها وقائع عايشتها مع والديها، اللذين كانا من أشد الكارهين للجزائر خلال الفترة الاستعمارية، حيث أكدت إيزابيل في معرض حديثها أنها أمضت أربعين عامًا تقاوم من أجل نقل الحقائق التاريخية، مشيرةً إلى أن ذلك يعدّ جزءًا لا يتجزأ من مسيرة حياتها.

تروي إيزابيل أنها ابنة ضابط فرنسي، رجل ارتكب مجازر مروعة بحق الجزائريين، كان والدها، بحسب وصفها، مقتنعًا تمامًا بجرائمه، وصرّح غير مرة بندمه الوحيد: أنه لم يرتكب المزيد من المجازر.

كانت بيئتها العائلية مشبعة بالكراهية تجاه الجزائر وأبنائها، لكن نقطة التحوّل في حياة إيزابيل جاءت عندما اكتشفت حقيقة والدها كمجرم حرب، تقول: “أثناء تفتيشي في صندوق الصور القديم، صُدمت بالعثور على صور توثّق الجرائم الوحشية التي ارتكبها والدي ضد الجزائريين.”

وتشير إيزابيل إلى أن هذه الشهادات تسلّط الضوء على ما تحمله بعض الأوساط الفرنسية من عداء مستتر أو معلن تُجاه الجزائر، الذي يتجلى في محاولات إنكار وجودها التاريخي قبل الاستعمار الفرنسي، وفي ممارسات عنصرية داخل بعض الجامعات الفرنسية.

كما تؤكد الباحثة الفرنسية أن هذه الأيديولوجيات المتطرفة تستدعي مزيدا من العمل والحرص على مواجهتها بشتى الطرق، مضيفة أنها ستظل تكافح بكل ما أوتيت من قوة لإعلاء صوت الحقيقة والدفاع عن الكرامة الإنسانية.

بهذه الكلمات، تسلط إيزابيل فاها الضوء على تاريخٍ مؤلم ومخاضٍ إنساني عميق، داعية إلى مساءلة التاريخ ومواجهة أيديولوجيات العنصرية بتوظيف المعرفة والعدالة.

وتعترف إيزابيل فاها بحبها العميق للجزائر، الذي زاد من خلال ما رأته من صور للتعذيب الذي طال الجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية و الذي أثّر فيها كثيرا، ما جعلها تسخّر نفسها للدفاع عن القضية الجزائرية بواسطة قلمها و مؤلفاتها.

بلال شبيلي

بلال شبيلي

اقرأ أيضا