احتلال غزة وتهجير سكانها.. ترامب يخطّط لإطلاق “مسرح التدمير العالمي”

في خضم موجة التصريحات والقرارات الهستيرية الحادة والمستفزّة التي دأب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إطلاقها، جاء تصريحه الأخير بشأن القضية الفلسطينية ليعكس نهجه المعتاد القائم على القوة والعنجهية. فخلال استقباله لرئيس وزراء سلطة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، أثار ترامب صدمة واسعة بتجاهله الحقوق التاريخية والإنسانية للشعب الفلسطيني، مجاهرًا بمقترحات صادمة، من بينها تهجير سكان غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. وهذه التصريحات لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل أظهرت رؤية أحادية الجانب تسعى إلى فرض إملاءات دون اعتبار لمواقف الأطراف الأخرى.

خلال استقباله مجرم بنيامين نتانياهو، يوم الثلاثاء، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن المملكة العربية السعودية لا تطالب بدولة فلسطينية مقابل إبرام اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني. وبدا أن تصريحاته وكأنها مستندة إلى محادثاته سابقة مع القادة في الرياض، لكن، تبيّن لاحقاً أن ترامب كان يعبر عمّا يود سماعه وليس بالضرورة عن الموقف السعودي الفعلي. ذلك أن السعودية –وبعد ساعات قليلة من تصريح ترامب- أكدت بوضوح أنها لن تقيم علاقات مع الكيان من دون إنشاء دولة فلسطينية.

وقالت وزارة خارجية الرياض في بيان “تؤكد وزارة الخارجية أن موقف المملكة العربية السعودية من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال”.

في الواقع، لم يقتصر الرد السعودي على تصريحات ترامب بشأن التطبيع فقط، بل تجاوز ذلك ليشمل مواقف أكثر وضوحًا وحزمًا حول مجمل نواياه الخبيثة بشأن غزة. ففي إعلان صادم، كشف ترامب عن نيته تهجير سكان غزة، مشيرًا -بحسب خطته- إلى أنهم “يجب أن يحصلوا على أرض جيدة وجديدة”. ولم يكتفِ بذلك، بل دعا إلى أن تصبح غزة “ملكية طويلة الأمد” للولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، أكدت وزارة الخارجية السعودية في بيان رسمي أن المملكة ترفض بشكل قاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. وجاء في البيان: “تؤكد وزارة الخارجية ما سبق أن أعلنته من رفضها القاطع لسياسات الاستيطان الصهيوني أو ضم الأراضي الفلسطينية أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. وتشدد المملكة على أن هذا الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات”.

وقبل ذلك، واصل ترامب محاولاته للتحدث نيابة عن مصر والأردن، مدعيًا أن الدولتين ستستقبلان اللاجئين الفلسطينيين المطرودين من قطاع غزة، مبررًا ذلك بأن واشنطن تقدم مساعدات كبيرة لهما. وأثناء حديثه للصحفيين في المكتب البيضاوي يوم الخميس 30 جانفي، طُرِح عليه سؤال حول إمكانية ممارسة الضغط على مصر والأردن لقبول اللاجئين الفلسطينيين. فجاء رده قاطعًا: “سيفعلان ذلك.. سيفعلان ذلك تمامًا.. نحن نفعل الكثير من أجلهما، وسيفعلان ذلك”.

تعكس تصريحات ترامب حول غزة سياسة قائمة على القوة والإملاءات، حيث يتجاهل تمامًا مواقف الأطراف الأخرى. هذا النهج يعكس انغلاقًا واضحًا على الذات، ورفضًا للدبلوماسية، وإنكارًا للحقائق التاريخية والإنسانية المتعلقة بغزة، التي يبدو أن ترامب يسعى إلى احتلالها وتهجير سكانها.

وردًا على هذه التصريحات، أصدرت حركة حماس بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه بشدة ما ورد على لسان ترامب. وأكدت الحركة رفضها القاطع لهذه التصريحات، واصفة إياها بالعدائية تجاه الشعب الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة. كما دعت المجتمع الدولي، بما في ذلك جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة، إلى اتخاذ موقف حازم يحمي حقوق الفلسطينيين ويضمن قيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.

من جانبه، وصف القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري تصريحات ترامب بأنها “سخيفة وعبثية”، مشيرًا إلى أن مثل هذه الأفكار ستشعل المنطقة. وأكد أن الفلسطينيين لن يسمحوا بتمرير هذه المخططات، مضيفًا أن الحل الحقيقي يكمن في إنهاء الاحتلال الصهيوني وليس في تهجير الفلسطينيين من أرضهم.

كما أكد عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أن تصريحات ترامب تعكس جهلًا عميقًا بالواقع الفلسطيني والإقليمي. وقال إن غزة ليست “أرضًا مشاعًا” يمكن لأي جهة أن تقرر مصيرها، مشددًا على أن أي حل يجب أن يكون مبنيًا على إنهاء الاحتلال وتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وأضاف الرشق أن هذه التصريحات تؤكد الانحياز الأمريكي الكامل لصالح الاحتلال الصهيوني.

الشعب الفلسطيني متشبث بأرضه

في ذات السياق، صرّح الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع بأن تصريحات ترامب تمثل محاولة خطيرة لتصفية القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه مهما بلغت التحديات. واعتبر أن هذا الموقف الأمريكي العنصري يتماهى مع توجهات اليمين الصهيوني المتطرف.

ورغم التصعيد في التصريحات، أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق استعداد الحركة للتواصل مع إدارة ترامب. وأشار إلى أن الحركة لم تعارض الاتصالات مع الإدارات الأمريكية السابقة، مؤكدًا أهمية التواصل مع الولايات المتحدة كونها لاعبًا رئيسيًا في الشرق الأوسط.

وفي تصعيد غير مسبوق، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة “ستتولى أمر” قطاع غزة، مشيرًا إلى إمكانية تحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. وأضاف أن مصر والأردن سيقدمان الأراضي اللازمة لتهجير سكان غزة، في تصريحات أثارت غضبًا واسعًا ورفْضًا قاطعًا من الفلسطينيين.

خطة ترامب غير واقعية ولن تنجح

أثارت تصريحات ترامب جدلًا واسعًا، إذ بينما بدت خطته غير متوقعة، إلا أنها -وفقًا لصحف عالمية- تتماشى مع توجهاته السابقة نحو التوسع الإقليمي، مثل فكرة الاستحواذ على غرينلاند أو إعادة السيطرة على قناة بنما. ومع ذلك، كان اقتراحه بشأن غزة ذا طابع مختلف، حيث جاء في توقيت حساس أعقب أشهرًا من الحرب في المنطقة.

في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، ألقى كاتب العمود إيشان ثارور الضوء على رؤية ترامب التي وصفها بـ”المثيرة للجدل”، والتي تتضمن “الاستيلاء على غزة لفترة طويلة الأمد”. ووفقًا للمقال، اقترح ترامب، خلال اجتماعه مع مجرم الحرب بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء، أن تتولى الولايات المتحدة إعادة إعمار غزة، مشيرًا إلى إمكانية تحويلها من “موقع دمار” إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، في إشارة إلى الريفييرا الفرنسية الفاخرة والمزدهرة اقتصاديًا.

وأضاف ترامب، بحسب المقال، أن العديد من سكان غزة قد لا يعودون إليها بعد التهجير، بل وأعرب عن اعتقاده بأن الغزيين قد يفضلون مغادرتها بشكل دائم. وبرر ذلك بقوله إن سكان غزة “عانوا كثيرًا من ويلات الحرب ويستحقون حياة أفضل”، واصفًا أوضاعهم الحالية بأنها “تشبه العيش في الجحيم”. وادعى أن معظمهم لن يرغبوا في العودة إلى منطقة دُمرت بفعل الحروب المتكررة.

ويرى الكاتب أن اقتراح ترامب يتماشى مع أهداف (إسرائيل) المتمثلة في عزل حركة حماس عن السلطة. وبالنسبة للفلسطينيين، تُعد هذه الخطة خطوة نحو تهجيرهم القسري، وهو ما اعتبره بعض المحللين الدوليين جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى القضاء على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ووسيلة لممارسة “تطهير عرقي” ورفضًا لحل الدولتين.

وفي تغطية لصحيفة وول ستريت جورنال، رأت الصحيفة أن اقتراح ترامب بشأن غزة يُعد جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز العلاقات الأمريكية-الصهيونية، واعتبرته بمثابة “طوق نجاة” لمسيرة نتنياهو السياسية، الذي يواجه معارضة محلية متزايدة داخل الكيان.

وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب، خلال مؤتمره الصحفي مع نتنياهو، أكد التزامه بمواصلة الضغط على إيران، مشيرًا إلى سعيه لوقف أنشطتها النووية وتقليص صادراتها النفطية. كما أوضح أن أي جهود لإعادة إعمار غزة تهدف إلى إضعاف حماس وتعزيز الأمن الصهيوني. واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن ترامب تفاخر بإنجازاته في العلاقات الأمريكية-الصهيونية، مشددًا على دوره في اتفاقيات أبراهام ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وأكد أن الأحداث المأساوية، مثل طوفان الأقصى، لم تكن لتحدث تحت إدارته.

نقل سكان غزة يعمق أزمات المنطقة

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً لمراسلها في واشنطن ديفيد سميث، بعنوان “مرحباً في عالم ترامب، حيث يرى رجل العقارات أنقاض غزة دولارات”، وقالت الصحيفة إن القاعة الشرقية في البيت الأبيض، حيث أقيم المؤتمر الصحفي بين ترامب ونتنياهو، تحولت إلى حلبة مصارعة بين الصحفيين لتغطية الحدث الهام الذي تأخر ساعة ونصف الساعة عن موعده.

وبينما كان مجرم الحرب نتنياهو ينظر، وربما كان يحاول كبح جماح نفسه من الضحك، تحدث ترامب عن بناء “مناطق مختلفة” في بلدان أخرى لتوطين سكان غزة، وأضاف: “يمكن دفع تكاليف هذا من قبل البلدان المجاورة التي تمتلك ثروات عظيمة”، وتساءلت الصحيفة “هل كانت هذه خطة مدروسة جيداً؟”، فخلال حديثه لم يحدد شيئاً واضحاً. وعن تصوره لمناطق التوطين الجديدة، قال ترامب: “يمكن أن يكون واحداً، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، سبعة، ثمانية، 12، يمكن أن تكون مواقع عديدة أو موقعاً كبيراً واحداً”. لكنه وعد بأن يكون “شيئاً مذهلاً حقاً”!

ثم جاءت المفاجأة عندما قال ترامب: “ستستولي الولايات المتحدة على قطاع غزة، وسنقوم بعمل ما يتطلبه الأمر. سنمتلكه”، ولم يستبعد “إرسال” قوات أمريكية للسيطرة. وتعد تصريحات ترامب مؤشراً على أنه يدخل مرحلة توسعية جديدة وخطيرة، وأن الرئيس الأمريكي سيلعب خلال ولايته الثانية دوراً أكبر على مسرح أعظم.

ناقشت مجلة فورين بوليسي الآثار المحتملة لاقتراح ترامب بنقل سكان غزة إلى دول عربية مجاورة مثل الأردن، مشيرة إلى أن هذا القرار قد يهدد الاستقرار الإقليمي بشكل خطير. وأوضحت أن الضغط على حليف الولايات المتحدة، الملك الأردني عبد الله الثاني، لقبول المزيد من اللاجئين الفلسطينيين يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الداخلي في المملكة.

وأكدت المجلة أن الأردن، الذي استضاف بالفعل أعدادًا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين لعقود، “لا يمكنه تحمل المزيد من اللاجئين” في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتوترات السياسية المتزايدة. وأضافت أن هذا الضغط قد يؤدي إلى زيادة الدعم لحركة حماس داخل الأردن، مما قد يؤثر على توازن القوى السياسية في البلاد.

وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة تايمز البريطانية أن تنفيذ خطة ترامب يبدو غير واقعي على الإطلاق، إذ رفضت دول مثل مصر والأردن الفكرة بشكل قاطع. كما أعادت السعودية تأكيد موقفها الرافض للتطبيع مع (إسرائيل) إلا بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة. ونقلت الصحيفة عن محللين دوليين أن مخطط ترامب من غير المرجح أن ينجح، خاصة في ظل المعارضة الدولية الواسعة والمخاوف من تأثيره السلبي على استقرار الدول العربية.

أما صحيفة واشنطن بوست، فقد أشارت إلى أن اقتراح ترامب بشأن غزة أثار موجة واسعة من الانتقادات، لم تقتصر على الفلسطينيين فحسب، بل شملت أيضًا نقادًا دوليين. كما لفتت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن إدارة ترامب تواجه بالفعل العديد من الدعاوى القضائية داخل الولايات المتحدة، تتعلق بصلاحيات الرئيس وقراراته السياسية.

وذكرت الصحيفة أن هذه الدعاوى تقودها جماعات قانونية ذات ميول ليبرالية، وتعارض مجموعة من القرارات السياسية التي اتخذها ترامب، مثل قراره بمنع تمويل العلاجات المتعلقة بالتحول الجنسي لموظفي الحكومة الفيدرالية، وتسريح مليوني موظف فدرالي. ووفقًا لمقال واشنطن بوست، فإن اقتراح ترامب بشأن غزة يمثل أحدث حلقة في سلسلة من قراراته المثيرة للجدل، ومن المرجح أن يواجه عواقب قانونية على المستوى الدولي.

موسى بن عبد الله

موسى بن عبد الله

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الجزائريون في رمضان.. حين يتحوّل العمل التطوعي إلى عادة مُتجذرة في المجتمع شراكة أمنية وتنموية بين الجزائر وتونس لخدمة المناطق الحدودية غزة تحت القصف الصهيوني.. عظّم الله أجركم فيما تبقّى من إنسانيتكم أيها...! في محاولة لتخفيف التوتر.. وزير الخارجية الفرنسي يتودد للجزائر رقم أعمال "جيتكس" للنسيج والجلود يرتفع بـ15 بالمائة في 2024 اليونيسف: المشاهد والتقارير القادمة من غزة تفوق حدود الرعب القضاء الفرنسي يرفض تسليم بوشوارب للجزائر.. هل تتصاعد الأزمة؟ وزير الداخلية التونسي يزور مديرية إنتاج السندات والوثائق المؤمنة بالحميز انتشار "الجراد الصحراوي" يُهدّد 14 ولاية.. وهذه المناطق المعنية الجزائر تُروّج لمنتجاتها الغذائية في صالون لندن الدولي من الهاغاناه إلى "الجيش الإسرائيلي".. قرنٌ من التآمر على فلسطين! تقييم جهود البحث والإنقاذ البحري.. نحو استجابة أكثر فاعلية الجزائر تُندّد بجرائم الاحتلال في غزة وتدين صمت مجلس الأمن تراجع طفيف في أسعار النفط وسط احتمالات إنهاء الحرب بأوكرانيا نضال دبلوماسي لكسر العزلة.. الحقيقة الصحراوية تتحدّى التزييف المغربي خطوة نحو الاكتفاء الذاتي.. قطع غيار جزائرية في قلب صناعة السيارات فرنسا تفقد صوابها.. الجزائر تُحطم شراهة النفوذ البائد! نحو إعداد مشروع لتعديل أو استكمال القانون الأساسي لموظفي قطاع التربية الجزائر تدحض الادعاءات الفرنسية بشأن ترحيل رعاياها وتكشف تجاوزات باريس الجزائر تستنكر بشدة خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة