أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ العلاقات القائمة بين روسيا والجزائر هي علاقات استراتيجية وطيدة تمتد جُذورها إلى زمن الاتحاد السوفياتي، فالجزائر ومنذ استقلالها كانت تربطها علاقات قوية بالمعسكر الشرقي، فحتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي حافظت الجزائر على علاقاتها بروسيا من خلال التعاون في الكثير من المجالات الاستراتيجية، وبشكلٍ خاص ميدان التسليح، حيث أن الجزء الأكبر من سلاح الجزائر هو سلاح روسي، وحتى فيما يخص التدريبات العسكرية، نجد أنّ الجزائر لها علاقات بالمؤسسات العسكرية الروسية حيث يُجري عدد من الضباط الجزائريين تكوينات في الأكاديميات الروسية، زد على ذلك التعاون في العديد من المجالات الأخرى على غرار سوق المحروقات.
في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنه خلال المدة الأخيرة طرأت الكثير من التقلبات والمتغيرات عبر العالم، ما شكّل مخاضاً لولادة عالم متعدد الأقطاب، ظهر مع بداية الأزمة الأوكرانية، أدى إلى وُجود اختلاف في وُجهات النظر حتى بين الأصدقاء والحلفاء، خاصةً بالنسبة إلى الجزائر التي لها مواقفها السيادية غير القابلة للتفاوض من جهة، ومن جهة أخرى أنّ روسيا تعتبر الجزائر حليفاً وليس تابعاً لها.
وفي هذا الشأن، ذكر الخبير في السياسة أنّ الكثير من المسؤولين الروس قد عبّروا وأكّدوا أن العلاقة التي تجمعهم بأصدقائهم هي علاقة حلفاء وليست علاقة تابعيين، إلا أنّ ذلك لم يمنع من ظهور بعض التباين في وجهات النظر والرُؤى مثلما حدث فيما يتعلق بالأزمة الليبية حيث ظهر جليّا أنّ الجزائر تُساند الحكومة الشرعية في ليبيا فيما تدعم بعض الجهات الروسية حفتر.
كذلك الشيء نفسه في منطقة الساحل حيث تنشط هناك مليشيات فاغنر الروسية التي تُموّل وتُدَعَم من الناحية المالية من طرف الإمارات، لذلك ترى الجزائر أنّ ما يحدث في الساحل يُشكّل خطراً على أمنها القومي وعلى مصالحها الاستراتيجية، وكانت قد عبّرت بكل صراحة عن مخاوفها بهذا الشأن للجانب الروسي الذي أعتقد أنه يدرس مثل هذه النقاط بكل جدية.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ ما يقوم به حفتر حاليا، ليس بالأمر الجديد، حيث سبق له أن قام بتهديد العاصمة الليبية طرابلس، وفي تصريح له عبر إحدى القنوات العربية، أكّد الرئيس تبون أنّ الجزائر لم تكن لتسمح بسقوط دولة عربية بين أيدي الميليشيات، وهو يقصد بها المليشيات التابعة لحفتر، والجزائر تتوجسُ من مثل هذه التصرفات خاصةً وأنها على دراية تامة بأنّ الإمارات هي من تقف وراء ذلك، ومن هنا نجد أنّ الجزائر في اتصال دائم مع الحكومة الليبية وتعتبر نفسها على المسافة نفسها مع كل الأطراف الليبية وهي تدعو إلى حل الأزمة الليبية بالتفاوض وبالحوار، لكنها لا تقبل لغة الخطاب التي يستعملها الطرف الآخر والذي يهدد بغزو العاصمة وبالتالي تهديد التراب الجزائري”.
على صعيدٍ متصل، أوضح الباحث في الشؤون الدولية، أنّ كل هذه التقلبات يمكن حلها مع الجانب الروسي، فعلاقة الجزائر بروسيا غير علاقتها بالإمارات، إذ أنّ روسيا دولة عظمى ودولة صناعية ومصدرة للكثير من السلع والمنتجات التي تحتاجها الجزائر، في الوقت نفسه الجزائر تدعم روسيا في الكثير من المجالات لاسيما فيما يخص التنسيق في المواقف الديبلوماسية في مجلس الأمن، حيث يطبع التقارب مواقف كل من الجزائر، روسيا والصين، وما يحدث أحيانا من بعض الاختلاف في وجهات النظر هو مجرد غيوم عابرة، فعلاقة الجزائر بروسيا أقوى من أن تتزعزع بوجود طرف ثالث مثل الإمارات.
خِتاماً، أبرز الأستاذ بوثلجة، أنّ روسيا لها مصالحها الخاصة مع الإمارات، التي انضمت إلى منظمة البريكس، ولروسيا مصلحة في ذلك، فيما لم يتم ضم الجزائر التي اعتبرت أنّ ما حدث حينها وكأنه خيانة من بعض الدول، لذلك الجزائر صرحت بأنها قد طوت ملف البريكس نهائيا، وروسيا تستخدم الإمارات في الكثير من الأمور لاسيما فيما يتعلق بمحاولات التحايل على العقوبات الدولية، حيث أنّ روسيا تجد أنّ الإمارات هي إحدى الدول التي يمكن أن تستعملها من أجل التخفيف من حدة هذه العقوبات، لكن تبقى دائما علاقة الجزائر بروسيا علاقة قوية وتتطور دائما ولا يمكن لروسيا ولا للجزائر الاستغناء عن هذه العلاقة، وكلا الطرفين يدركان ذلك.