استثمرت شخصيتها التاريخية وسياستها الرشيدة.. الجزائر الجديدة تستعيد هيبتها الدولية وبريقها الداخلي

تمتلك الجزائر خصوصيةً تجعل منها دولةً متفرّدةً ومُتميّزةً عن باقي دول حوض المتوسط، والبلدان الإفريقية والعربية. والتعامل أو بناء علاقات معها، يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة التي يُسلّم بها التاريخ عبر حقبه العميقة، وتُؤكّدها مسيرة السّيادة الجزائرية لأكثر من ستّة عقود خلال الاستقلال. و”الخصوصية الجزائرية، هو تعبيرٌ مُتجذرٌ في العالم الأكاديمي والسياسي”، كما أكدّ المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط، المُتخصّص في العلاقات الأوروبية المتوسطية. والأمر مُرتبطٌ بالشخصية التاريخية للدولة، وأيضا، بشخصية الإنسان الجزائري، والقدرة “الاستثنائية” على التحدّي والصّمود، وتجاوز الأزمات بثبات وثقة، وإنتاج الحلول في أصعب الظروف ضيقاً وقساوةً، إضافة إلى رسوخ الثوابت الأخلاقية والإنسانية في رؤية الجزائر إلى العالم ككلّ.

شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية

الغرب لا يُهمل البعد التاريخي في إقامته للعلاقات مع الجزائر، ومن المُجدي أن نستحضر، في هذا السياق، ما أثبته الديبلوماسي والكاتب الجزائري الأصيل “مولود قاسم نايت بلقاسم” في كتابه “شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830″، بأن سبعة دول هي: أمريكا والدانمارك وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وروسيا وهولاندا، تحالفوا عسكريا ضد الجزائر وأعلنوا حربا بحرية عليها سنة 1814. وذكر بأن فرنسا أقامت سبعين معاهدة مع الجزائر، وأمريكا أكثر من ثلاثة، وإنجلترا أقامت ثمانية عشرة، وهولندا إحدى عشرة معاهدة. ما يعني أن الغرب لا يرى في الجزائر دولة جوار متوسطي فحسب، بل منافسا للدول الأوروبية جنوب المتوسط على الأقل.

الشراكة في منظور الخبراء

يرى المُحلّل السياسي الألماني لـ “صندوق مارشال”، “إيان أو. ليسر” بأن الاتحاد الأوروبي كان يسعى دائما إلى سياسة “احتواء الجزائر” من خلال أَبعاد الشراكة التي أرادها. وقد أوضح الباحث “إيفان مارتين” بأن السبب هو الرؤية الأوروبية التي ترى في الدولة الجزائرية “خطرا”، لذلك اتسمت سياسة الاتحاد الأوروبية بنوع من الغموض اتجاه الجزائر. وهذه الرؤية تُؤكّد بأن الاتحاد الأوروبي لا يفصل السياسة والتاريخ والدين، فالجزائر من هذا المنظور تُشكّل “خطرا على الأطماع الغربية عموما”، وهو اعترافٌ ضمنيٌّ بأن استرداد الجزائر لمكانتها الدولية وتوجهها إلى تشييد الدولة الجديدة المرتكزة على مقوّمات الشخصية التاريخية و”الخصوصية الجزائرية” يُمثّل هاجسا ومصدر قلق للغرب عموما، ولأوروبا على الخصوص.

التعاون من أجل التنمية المُستدامة

في هذا السياق، أشار المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط، في معرض تحليله للعلاقات الجزائرية مع الاتحاد الأوروبي بأن “الجزائر هي الشريك المتوسطي الوحيد الذي قال علانية “لا” لسياسة الجوار الأوروبية”. وأوضح بأن “فكرة الجوار لا تخلو من الانتقاد: إنها مفهوم أحادي الاتجاه لا يعكس المسؤولية المشتركة، ولا المعاملة بالمثل. وفيما يتعلق بالمشهد الجديد للعلاقات الدولية، ترى الجزائر، في فلسفة هذه السياسة، منطقًا ضيقًا بعيد عن منطق للتنمية”. والواقع، أن الشراكة والتعاون، خاصة في المجال الاقتصادي، له هدفٌ أوليٌّ هو تحقيق التنمية المستدامة، وتحسين المستوى المعيشي في مختلف المجالات الحيوية، وهذا امرٌ يستدعي البحث والدراسة لمعرفة مدى تجسيده من خلال اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

استثمار “ديبلوماسية المبادئ” لسعادة الإنسانية

أشار أحد الخبراء الجزائريين إلى أن الجزائر ليست في حاجة إلى شراكة اقتصادية مع الغرب عموما، وتوجّهها إلى مجموعة “بريكس” يُمكن أن يُغنيها عن أيّ نوع من الشراكات التي لا تحفظ للجزائر “خصوصيتها”. بالتأكيد أن الأمر أكثر تعقيدا من هذه الرؤية، غير أن “التهافت” على زيارة الجزائر من طرف وزراء خارجية إسبانيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، والبرتغال، في خلال شهر واحد، عند بداية الحرب الروسية الأوكرانية، يُعتبر مؤشّرا على المكانة الجيوسياسية للجزائر في خارطة الديبلوماسية الدولية، ومدى القوة التي تمتلكها في خفض التوترات بين الدول الكبرى. كما يُعتبر دليلا على أن الغرب في حاجة إلى الجزائر، لا سيما في مجال الطاقة وما يرتبط به من مجالات في الصناعة والفلاحة. وفي سياق “ديبلوماسية المبادئ”، استثمرت الجزائر الظروف الضاغطة على كل الدول في المجالات: الطاقوية والغذائية والبيئية، لتعزّز مكانتها الدولية، وأيضا لتؤكّد على ثوابتها السياسية في خدمة السلام العالمي والخير لكل الشعوب.

مكانة دولية يشهد لها العالم

تحظى الديبلوماسية الجزائرية بمكانة دولية مرموقة، لأسباب تاريخية متعلّقة بدور الجزائر في العمل على حلّ النزاعات بين الدول، والاضطلاع بدور الوساطة في قضايا إنسانية، وحضورها الفاعل في الهيئات الدولية العاملة من أجل حماية البيئة وتحقيق العدالة الإنسانية ومحاربة الجوع وغيرها، وأيضا، لمواقفها الحيادية من التجاذبات الدولية وسعيها الدائم إلى خفض التوترات بين القوى الكبرى، والعمل على تغليب الحوار والتفاوض في معالجة القضايا العالمية الكبرى.

الجزائر الجديدة” نحو الآفاق

هذه المكانة الدولية، هي إحدى ثمار السياسة الرشيدة التي تنتهجها الجزائر الجديدة التي توجّهت منذ ثلاث سنوات إلى تركيز أولويتها على الإنسان الجزائري، وعصرنة الحياة العامة، وترقية بيئة العمل في مختلف القطاعات الحيوية. ويتجلّى هذا التوجه، في مجال الفلاحة الذي يعمل على إشراك البحث العلمي لتحقيق الأمن الغذائي، وفي مجال الصناعة الذي يعمل، مثلا، على توطين صناعات السيارات في الجزائر، وفي مجال الرقمة والتمكين للمجتمع المعلوماتي، بالإضافة إلى تطهير بيئات العمل من الفساد، ونشر الشفافية والنزاهة، وفتح المجال أمام المبادرات الشبابية الخلاّقة، ليكون كل الجزائريين شركاء في بناء الجزائر الجديدة.

2023 عامُ الازدهار

إن ما تحقّق خلال ثلاث سنوات هو مُقدّمة لتحوّلات جذرية كبرى قد تكون مفاجئة للتوقّعات التي لم تستوعب حقائق التاريخ وخصوصية الشخصية الجزائرية، ولكنها ستكون نتائج طبيعية للجزائر الجديدة التي عزمت على الرقيّ في مختلف مجالات الحياة، وتحقيق النهضة التي يرجوها كل جزائري، في بيئة من الأمن والاطمئنان والثقة في المُستقبل.

وحيد سيف الدين - الجزائر

وحيد سيف الدين - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
نفذها الاحتلال جنوب غزة.. 40 شهيدا وعشرات المصابين في مجزرة جديدة أمطار رعدية على 9 ولايات هل سيحسم عمالقة التكنولوجيا نتائج السباق نحو البيت الأبيض؟.. مستقبل أمريكا في متاهة "السيليكون فالي" فشل ثلاثي الأبعاد.. المخزن يتخبط في مستنقع الإخفاقات انتقادات واسعة.. أداء سلطة الانتخابات في مرمى المترشّحين الثلاثة جهود التدخّل والإغاثة مستمرة.. إجراءات فورية للتعامل مع أضرار فيضانات ولاية بشار عائلته تستقبل التعازي في "بيت فرح وتهنئة".. الشهيد "ماهر الجازي" هدية الأردن لفلسطين وغزة العهدة الثانية للرئيس تبون.. أمريكا تسعى إلى ترقية التعاون الثنائي اختتام الألعاب البارالمبية في باريس.. الجزائر الأولى عربيا وإفريقيا وزارة التعليم الفلسطينية.. فتح مدارس افتراضية لأول مرة في غزة تعليم عالي.. استلام 19 إقامة جامعية جديدة بتكليف من رئيس الجمهورية.. عطاف في القاهرة ولقاءات مرتقبة مع نظرائه العرب الرئيس الصحراوي يوجه رسالة تهنئة إلى الرئيس تبون بعد فوزه بالعهدة الثانية.. اليامين زروال يهنئ عبد المجيد تبون جبهة البوليساريو تدين السياسة الإجرامية للاحتلال المغربي ضد الصحراويين أكد تمسكه بالعلاقة الاستثنائية بين البلدين.. ماكرون يهنئ تبون على إعادة انتخابه إجراءات عاجلة للتكفل بمخلفات الأمطار بولاية بشار وزارة التربية.. هذا هو موعد فتح المنصة الرقمية للتعاقد أسعار النفط ترتفع بأكثر من 1%.. وخام برنت يتداول قرب 72 دولارًا مجزرة مرورية بالطريق السيار شرق غرب