ما عاشته الجزائر في العشرية الثانية من فترة حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، من ركود دبلوماسي بسبب اختفائه من المشهد، ينسحب على ما تعيشه المملكة المغربية خلال السنوات القليلة الأخيرة، التي طبعها غياب ملكها محمد السادس عن الواجهة، لأسباب تبدو أنها صحية، وفق تسريبات صحفية.
آخر مهمة رسمية قادت عاهل المملكة المغربية الى الخارج كانت في العام 2017، وهي الجولة التي شملت عددا من البلدان الأفريقية، مثل غانا ونيجيريا وجنوب إفريقيا وتنزانيا.. وقد جاءت بمناسبة عودة المملكة إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي، بعد نحو 36 سنة من مغادرة منظمة الوحدة الأفريقية، احتجاجا على قبول انضمام الجمهورية العربية الصحراوية، كعضو كامل الحقوق في هذه الهيئة القارية.
وبكلمات أكثر دقة، يعني هذا أن المسؤول الأول على الدبلوماسية في المملكة المغربية، لم يغادر بلاده لمهمة رسمية في الخارج، منذ نحو خمس سنوات، فيما أوكلت المهمة في الغالب إلى وزير الخارجية، ناصر بوريطة.
في الجهة المقابلة، منذ وصوله إلى قصر المرادية، زار الرئيس عبد المجيد تبون العديد من الدول، منها المملكة العربية السعودية وألمانيا وتونس ومصر وقطر، ومؤخرا كلا من تركيا وإيطاليا، فيما تنتظره أجندة مكتظة خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، حيث سيستقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قبل أن ينتقل إلى موسكو لمقابلة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليعود بعدها ويستقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في جويلية المقبل، وفق الأجندة المرسومة.
فترة مرض الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، تسببت في أضرار كبيرة للدبلوماسية الجزائرية، ميزها تراجع حضورها في المحافل الدولية، وخسرت الكثير من مواقعها التقليدية ولاسيما في القارة السمراء، إذ كانت الجزائر عادة ما تمثل في المهمات الخارجية، بمستويات دنيا، إمّا بالوزير الأول أو وزير الشؤون الخارجية أو غيره من مسؤولي القطاعات الوزارية الأخرى.
وقد كان لذلك تداعيات حتى على المستوى الرمزي، إذا كان ممثلو الجزائر يلتزمون الصفوف الخلفية وراء الرؤساء ورؤساء الحكومات، وفق ما تقتضيه الأعراف البروتوكولية، عندما ينزل التمثيل إلى مستوى وزير الخارجية..
عندما تكون الدولة ممثلة بمسؤولها الأول، في شخص رئيس الجمهورية يحضر الزخم الدبلوماسي، وتتعزز آفاق التعاون وتتوثق عرى التقارب، وبدا هذا جليا خلال الزيارات التي قادت الرئيس تبون مؤخرا إلى عدد من الدول، كما حصل في زيارته إلى تركيا ومن بعدها إيطاليا، حيث تم التعاطي معها إعلاميا بخصوصية لافتة، نظرا لما يعيشه العالم من أحداث كبرى.
هذه الزيارات ساهمت في إعادة الجزائر إلى الواجهة الدولية بعد مدة ليست بالقصيرة، كما كانت حاضرة في وسائل الإعلام العالمية بشكل غطّى على حضور المملكة المغربية في بعض الملفات، بل وساهم في خفض ضجيجها الإعلامي في المحافل الدولية، وإن حاول وزير خارجيتها ناصر بوريطة، من حين إلى آخر لفت الانتباه بتصريحات غلب عليها طابع الإستهلاك الداخلي.
الحركية التي تطبع الأجندة الخارجية لرئيس الجمهورية، ستستمر في صناعة الزخم الدبلوماسي للجزائر وتكرس حضورها في المشهد الدولي، وهو معطى يساهم في بناء وبلورة رؤية تخدم سمعة الجزائر ومشروعها الرامي إلى استعادة مكانتها الدولية المفقودة.