استراحة محارب وليس جفاف طوفان.. صفقة المقاومة.. بين سلام الشجعان و”شالوم” الجبان!

أكثر من أيّ وقت مضى، تسعى إدارة البيت الأبيض ومن ورائها حِلف “المؤامرة” المعولمة على مختلف دولها الأوربية والعربية، إلى مسارعة الوقت لتوثيق “سلام” مع غزة، كانت هي الطوفان الذي جرف أوهام أنّ حرب غزة مجرّد “رحلة” صيد بسيطة في بقعة معزولة ليصطدم حلف الشيطان بعرين من أسود، قلبت المصيدة على شباك عجولها وثعالبها، فكانت النهاية، أن زحفت أمريكا ومعها “إسرائيل” وكل دول الغرب، للبحث عن مخرج من مستنقع برّه غزة وبحره صنعاء، غيّرا معادلة الصيد من رحلة عجول وثعالب وخنازير إلى معركة مخالبها، أسود الرجال..

أمريكا ومن خلال جولات وزير خارجيتها أنتوني بلينكن المتوالية إلى الشرق الأوسط بحثا عن سلام يحفظ للشالوم الصهيوني بقية من ماء وجهه، انتهت بعد أربعة أشهر من مغامرة نتنياهو وزمرته الصهيونية، إلى أنه لا مناص من صفقة “شالوم” تنقذ “إسرائيل” من مأزق الأفول بل الانهيار كمشروع أمريكي غربي، لاحت بوادر تبدّده، ليس فقط على مستوى غزة وفلسطين، ولكن على مستوى المجتمع الدولي، وما تمخّض عن محرقة نتنياهو من نتائج عكسية، عزلت “إسرائيل” عالميا وعرّت الوجود اليهودي وامتداداته في حد ذاتهما..

أمريكا، والأصح والأوضح، إدارة جو بايدن بالبيت الأبيض، استفاقت مؤخرا من سُكرتها، ومن كانت بالأمس القريب درع نتنياهو وسلاحه و”فيتوه” المرفوع في وجه العالم بالمحافل الأممية، تحوّلت إلى حِمْلٍ وديع، يحتضن ويرافع ويدافع وحتى يضغط على حكومة نتنياهو، من أجل السلام، سلام، يريده البيت الأبيض أن يرقّع عذرية الانتخابات الأمريكية القادمة، كما يلملم الهزيمة التي منيت بها، ليست “إسرائيل” فقط، ولكن أمريكا نفسها في ساحة عنوانها، أنّ غزة، أطاحت بإستراتيجية الغاب التي كانت لسان حال الإدارة الأمريكية في ترتيب دول العالم وفق عقلية راعي البقر الأمريكي وما توارثه من سطو وقرصنة على مزارع العالم..

صفقة المقاومة.. بين صفعة “الشجعان” و”شالوم” الجبان !

المؤكّد في “جدّية” أمريكا لتجسيد وقف للحرب والدخول في “سلام” يوقف تداعيات المحرقة على المصالح الأمريكية ذاتها، أنّ الأمر لا يتعلّق بهدية إنسانية من البيت الأبيض، لما تبقّى من عائلات بغزة الجريحة، ولكنها الهزيمة التي مني بها الكيان الصهيوني على مستوى الأرض، من غيّرت معادلة الصراع من جذوره، فلولا يقين البيت الأبيض، أنّ العملية برمتها تحوّلت إلى انتحار حقيقي لكافة المخططات الغربية والأمريكية، بعد أن رست المذبحة على صمود عنوانه ثلاثين ألف شهيد ورغم ذلك لم تنكسر غزة، قلنا، لولا ذلك، ما تحرّكت أسطوانة الإنسانية، لتبحث عن سلام  يرسّخ للمقاومة وجودها ويوثّق لها حقّها كرقم عِصِّي في الثبات، كما يحفظ لآل الشالوم، بقية من خروج محتشم من إبادة، أصبح لها ملف إدانة عالمية أمام محكمة لاهاي، ناهيك عن إدانة مجتمعية في كل عواصم العالم..

ما يثبت حجم الهزيمة والانكسار والتيه الذين انتهت إليهم دويلة “الكيان” الصهيوني، أنه رغم الخطوات التي قطعتها أمريكا تحت عباءة إمارة قطر للوصول إلى اتفاق سلام مع المقاومة كممثل شرعي للطوفان والأقصى، إلا أنّ نتنياهو، لا زال لم يهضم  انكساره ووعده بإزالة حماس من الوجود، لذلك، فإنّ الساعات الأخيرة للعبة “الشالوم” القادمة، تحوّلت إلى سياسة “أرض محروقة”، وذلك كخاتمة يريد جيش الكيان الصهيوني من خلالها، أن ينهي كل حياة في غزة، قبل أن يوقّع على وثيقة “شالومه” واستسلامه، وهو ما يعني أنّ لحظات نتنياهو الأخيرة ما هي إلا حرب انتقام بليدة، يُراد لها أن تستر آثار هزيمة ثابتة بشواهد صمود غزة وعظمة تضحياتها..

الشروط التي اعتمدتها المقاومة لوقف إطلاق النار والدخول في صفقات تبادل الأسرى، شروط  سلام شجعان ضدّ “شالوم” لكيان جبان، لا عهد ولا عهود له، شروط واضحة، تحفظ للمقاومة ديمومتها ووجودها وحقّها كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني، كما تزيل آخر الأقنعة من على وجه الوحشية الصهيونية أمام العالم، وذلك ليقين المقاومة المطلق، أنّ سلام “شجعانها”، سينتهي بشالوم سيتم نقضه إن عاجلا أو آجلا من طرف آل العجل أنفسهم، فعادة اليهود، أن لا أمان لهم، لذلك، فإنّ سلام المقاومة في نهاية الأمر، ليس إلا “استراحة محارب”، لإعادة ترتيب الأوراق وخاصة مع ما تعرّى من خيانات وطعنات خلفية، كانت هي الخناجر التي قضمت ظهر المقاومة، من طرف الأقربين قبل الأغربين..

الكيان الصهيوني بين “شالوم” الهزيمة وقادم “الشتات”!

في عرف وقوانين الحروب، فإنّ الهزائم لا تقاس بحجم الخسائر، ولكن بمستوى التضحيات، وبعيدا على أنّ ضريبة غزة بتعدادها الحسابي تجاوزت الثلاثين ألف شهيد، خلال ثلاثة أشهر من جنون ووحشية صهيونية تجاوزت كلّ عقل ومنطق، إلا أنّ ما جنته غزة من طوفان رجالها ودمائها، أنّها افتكت نصرا على “العالم”، وليس على اليهود فقط، نصر لم يسبقها إليه أحد من الغابرين..

نصر، كشف للعالم الوجه الحقيقي لمزاعم الحضارة الغربية بشقّيها الأمريكي والأوروبي، كما أعادت لفلسطين، كقضية شعب محتلّ، قدسيتها وجغرافيتها التاريخية والدينية، ناهيك، وذلك أهم انتصار حقّقته المقاومة، أنّها رسّخت في الوعي العربي على مختلف دول وممالك تطبيعه وخنوعه، أنّ المشكلة الحقيقية للقدس كعقيدة وكقضية تحرّر، تكمن في حكام “سايكس بيكو” من “عربان” وعمائم القوم، فالشمعة للأسف يحرقها خطيها الذي تضمه داخلها، ومعضلة القدس الراسخة، اتضح أنها في ممالك ودول التطبيع والخيانة، قبل أن تكون في الوجود الصهيوني المزروع في قلب فلسطين، وأكبر دليل تمخّضت عنه ملحمة غزة ضدّ جلاديها، تلك الحقيقة التي كشفها الرئيس الأمريكي جو بايدن، حين أشار علنا إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أنّه “الفرعون” الذي من حاصر الهاربين من المحرقة، حين منع فتح معبر رفح لمرور المساعدات الإنسانية، ولولا تدخل الرئيس الأمريكي شخصيا، لظلّ المعبر مغلقا بأمر من السيسي “المكسيكي”، كما وصفه بايدن..

نعم، “إسرائيل” خسرت حربها “الوجودية” بفلسطين، وأنهت 75 سنة من تلاعبها بالتاريخ وبالمجتمع الدولي، والسبب ليس فقط طوفان أقصى أنهى أسطورة جيشها وقوتها، ولكنها أسطورة صمود تلت طوفان الأقصى، لتثبت للعالم، من هم أصحاب الأرض ومن هُم غزاتها ووحوشها بالإضافة إلى من هُم خونتها من بني قومها ممن يسمونهم حكام وملوك العربان..

مجمل القول ومنتهاه، الصهيونية على لسان المؤرّخ اليهودي البروفيسور “إيلان بابيه”، انتهت كما وكيفا، واعترافه، أنه لا يمكن التعايش مع الصهيونية كونها “شرّ يجب استئصاله” وتفكيكه،  كما لا يمكن الوصول إلى سلام معه، ذلك، الاعتراف نموذج بسيط وصورة واضحة على انتصار عميق، كونه جاء من آل “الشالوم” أنفسهم، لذلك، فإنّ خسارة “إسرائيل”، ليست فقط خسارة مادية وبشرية، ولكنها انهزام وانكسار داخل “الذات” اليهودية في حدّ ذاتها، ومنه، فإنّ صفقة “السلام” المعروضة وفق شروط الشجعان التي أقرّتها المقاومة، ليست إلا وثيقة “استسلام” صهيونية، سينتج عنها تداعيات أهمّها، هجرة يهودية شاملة خارج حلم “إسرائيل” الكبرى، بعد أن تهاوى حُلم الهيكل، وكلّ ذلك، لأنّ الشرخ الصهيوني الحقيقي، مسّ هذه المرة عمق الذات اليهودية، مخلّفا حطاما حقيقيا عمره 75 سنة من النفخ في الوهم وفي حلم الهيكل الموعود، الذي لم يعد إلا خرافة حائط مبكى، انتهت صلاحية صلاته ودموعه ورواياته التلمودية..

مشكلة نتنياهو اليوم، أعمق من خلافات سياسية داخل منظومة الكيان، تهدّد سلطانه واستمرار حكومته، ولكنها مشكلة مع كابوس “العودة” إلى نقطة الصفر لمسمّى “الشعب والأمة اليهودية المزعومة”، والخطورة الحقيقية، أنّ يوم “الشتات” واقع لاحت مظاهره من بعيد، فالشرخ أعمق من أن يرمّمه أيّ “شالوم”، والقادم.. سلام على روح “هيكل” كان وعدا موهوما فاندثر.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا