استعدادا لسيناريوهات الدفن الجماعي في الشمال.. “إسرائيل” تجهّز الأكفان

تشير الحقائق والوقائع يوما بعد يوم إلى أنّ “إسرائيل” لم تعد قادرة على حسم الحرب مع المقاومة الفلسطينية في غزة، بل أصبحت عاجزة عن تجنّب الهزيمة هناك. وفي الوقت ذاته، تواجه تصعيدا تدريجيا على الجبهة الشمالية، حيث تتوقّع سيناريوهات دفن طارئة -في حال نشوب حرب شاملة مع حزب الله اللبناني – وفقا لتصريحات وزير الشؤون الدينية الإسرائيلي ميخائيل ملكيئيلي التي أطلقها فجأة دون أن يقدّم أيّ توضيحات للجمهور الإسرائيلي الغارق في حالة من الفزع في ظل وضع هو الأسوأ على الإطلاق منذ زرع الكيان بالمنطقة: عزلة دولية تامة وانقسام داخلي عميق وصراع محتدم بين مؤسسة الجيش الإسرائيلية المثقلة بالهزائم الميدانية ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المحاصر داخل شبكة سياسية مهترئة ومهتزة.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

نقلت وسائل إعلام عبرية تصريحات مسؤولين إسرائيليين بشأن تطورات القتال في جبهة الشمال، والتشكيك في قدرة الاحتلال الصهيوني على مواجهة قوة حزب الله وصواريخه، وقال اللواء في الاحتياط لدى الاحتلال، إسحاق بريك، إنّه لا يمكن الفصل بين ما يحدث في غزة وما يحدث في لبنان، مضيفاً أنّ “حزب الله يطلق علينا يومياً عشرات الصواريخ والمسيرات، ونحن لا ننجح في وقف ذلك”.

وأضاف بريك أنّ “إسرائيل” لم تحقق أهدافها في غزة، في وقتٍ لم تنجح في وقف صواريخ حزب الله، لا عبر طائرات، ولا من خلال القبة الحديدية، ولم تستعد للتعامل مع المسيرات”. ومن جانبه، قال وزير “الأمن” السابق، موشيه يعلون، إن “إسرائيل” لم تكن في أزمة كهذه منذ نشوئها، وهي في الواقع بلا قيادة”، وأضاف أنّ هناك من أعلن انتصاراً مطلقاً، متسائلاً: ماذا يعني هذا؟ هذا شعار جميل من أجل الشعبوية، لكنه ليس شيئاً عملياً”.

أمّا رئيس حزب العمل، يائير غولان، فقال إنّ “فرصة التوصل إلى وقف إطلاق نار في الشمال هي عبر وقف القتال في الجنوب، وفي ظل هذه الحكومة ممنوع الدخول في قتال في الشمال، ببساطة لأن هذا غير مشروع”. وتابع أنّ “هذه الحكومة فقدت شرعيتها في الـ7 من أكتوبر، وهي غير قادرة على اتخاذ قرارات لمصلحة “إسرائيل”، وكل استطلاعات الرأي تظهر ذلك”.

وأكد رئيس “الموساد” السابق، تامير باردو، للقناة الـ”12″ الإسرائيلية، أنّ “نتنياهو لا يسمع ولا يرى، وهو يفكر فقط في نفسه، ويقود “إسرائيل” إلى كارثة”. وتابع أنّه “من ناحية نتنياهو ليس لديه إستراتيجية ولا رؤية في أي موضوع”، قائلاً: “إلى حد ما، أنا أصدق نصر الله أكثر مما أصدق نتنياهو”.

كل هذه التصريحات تعطي تفسيرا لتصريح وزير الشؤون الدينية الصهيوني ميخائيل ملكيئيلي الذي قال إن وزارته تستعد لعمليات دفن كبرى بسبب حرب محتملة مع لبنان. وأضاف في تصريح تلفزيون مساء الأربعاء: “وزارة الشؤون الدينية المسؤولة عن نظام الدفن تجهز نفسها لسيناريوهات دفن جماعي في الشمال”. وتابع: “لا يمكن قول كل شيء في الأستوديوهات، لكننا نعقد اجتماعات في المكتب للتحضير لأشياء أكبر في الشمال”، في إشارة لما يحدث من مواجهات شهدت تصعيدا كبيرا الأسابيع الماضية بين الجيش الصهيوني و”حزب الله” المتمركز في جنوب لبنان.

وعندما سُئل الوزير عما إذا كانت الوزارة تجهز نفسها لاحتمال حدوث حالات دفن جماعي بسبب حرب محتملة على الجبهة الشمالية، أجاب بالإيجاب، دون تفاصيل. مع العلم أنه في الأسابيع الأخيرة، شهد “الخط الأزرق” الفاصل بين “إسرائيل” ولبنان تصعيدا لافتا، ودعت الولايات المتحدة مرارا إلى احتوائه.

وتصاعدت الاتهامات التي يواجهها نتنياهو، وسط حديث عن بلوغ التوتر بينه ومؤسسة الجيش ذروته على خلفية التطورات الأخيرة. ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن رئيس حزب العمل الصهيوني، يائير غولان، قوله إنه لن يجلس مع نتنياهو، لأنه يدمر الكيان كما أنه لن يجلس مع القوميين المتطرفين، على حد تعبيره. وأكد غولان أنه من المستحيل تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإطلاق سراح المحتجزين في الوقت ذاته.

وقد نقلت وول ستريت جورنال عن الجنرال الصهيوني المتقاعد يسرائيل زيف قوله إن التوترات بين الجيش ونتنياهو بلغت أعلى مستوياتها، وإن الجيش لديه شعور بأن “إسرائيل” استنفدت الغرض من الحرب. وأضاف أن الجيش يقترب من إنهاء المهمة التي حددتها الحكومة، وأنه سيصل لنقطة نخوض فيها حرب عصابات.

ويبدو أن التوتر والخوف في قبرص من تحذيرات حزب الله بأنها قد تنجر إلى الصراع، إذا سمحت للكيان باستخدام قواعدها العسكرية في توجيه ضربة للبنان، لم يقتصر على المسؤولين القبارصة، فقد كشف تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية أن دبلوماسيين غربيين يعملون في قبرص أعربوا عن فزعهم من شبح انجرار قبرص للصراع المحتدم في الشرق الأوسط، إذا اندلعت حرب شاملة بين لبنان الاحتلال الصهيوني.

ونقلت الصحيفة عن أحد مبعوثي الاتحاد الأوروبي العاملين في نيقوسيا قوله إن “لدى حزب الله تاريخ في التصرف بناءً على تهديداته”، وهو تعليق يشي بأن المسؤول الأوروبي يأخذ تهديد حزب الله على محمل الجد. وأوضح المسؤول الأوروبي – الذي لم تذكر الصحيفة اسمه – أن “حزب الله يعلم أن قبرص لا تملك القدرة العسكرية للرد، ولذلك فهي هدف سهل”.

وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قال في خطاب يوم الأربعاء، إن قبرص قد تصبح هدفا للحزب لو سمحت للكيان باستخدام منشآتها العسكرية لمهاجمة لبنان. ووجه نصر الله التحذير إلى حكومة قبرص بناء على ما قال إنها معلومات تلقاها الحزب تفيد بأن “إسرائيل” – التي تجري سنويا مناورات بهذه الجزيرة الصغيرة الواقعة في البحر المتوسط والعضو بالاتحاد الأوروبي والقريبة جغرافيا من لبنان وأراضي فلسطين التاريخية – قد تستخدم المطارات والقواعد القبرصية لمهاجمة لبنان، في حال استهداف حزب الله للمطارات الصهيونية.

وقال “لدينا معلومات أن العدو “إسرائيل” يجري مناورات في مناطق ومطارات قبرصية، وهو يعتبر أنه في حال استهداف مطاراته سيستخدم المطارات والمرافق القبرصية”. ومضى نصر الله محذرا “لذلك يجب أن تعلم الحكومة القبرصية أنه حال فتح المطارات والقواعد القبرصية للحرب على لبنان، سنتعامل مع قبرص كأنها جزء من الحرب”.

وفوجئت قبرص – التي لا تبعد سوى 40 دقيقة بالطائرة عن تل أبيب – بتصريحات نصر الله، وجاء ردها متحفظا، إذ قال الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إن “جمهورية قبرص ليست متورطة بحال في الصراع”، ووصف تصريحات نصر الله بأنها “غير مستساغة”.

وأكد خريستودوليدس أن بلاده لا تشارك بأي شكل من الأشكال في الحرب التي تشنها “إسرائيل” على غزة وجنوب لبنان، وأكد أن “قبرص جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة”. كما دخل الاتحاد الأوروبي على الخط، وقال متحدث باسمه “أي تهديد لدولنا الأعضاء هو تهديد للاتحاد الأوروبي”. وأوضح مسؤولون في نيقوسيا أنهم لا يريدون مزيدا من التطور في الأمر.

وقال المتحدث باسم حكومة قبرص كونستانتينوس ليتيمبيوتيس إن بلاده “يُعتمد عليها في تحقيق الاستقرار، ومركز إقليمي محل تقدير للعمليات الإنسانية، وذلك استنادا إلى علاقاتها الممتازة مع جميع دول المنطقة”.

لكن هذا يأتي أيضا على خلفية تحسّن العلاقات مع “إسرائيل”، واستخدام قواعد بريطانية في قبرص في عمليات عسكرية بسوريا وفي اليمن خلال الآونة الأخيرة. ومن المعروف أيضا أن القوات الجوية الصهيونية تجري مناورات في المجال الجوي لقبرص، وفي السنوات القليلة الماضية شاركت الدولتان في تدريبات عسكرية.

وقال قبارصة في العاصمة المقسمة نيقوسيا “إنهم لا يزالون يعانون تبعات الغزو التركي لشمال قبرص عام 1974، بعد انقلاب قصير الأمد بإيعاز من اليونان، ولا يريدون بالتالي مواجهة مشكلات أخرى”.

حان الوقت “ليُهلك النظام الصهيوني نفسه”

وعلى صعيد آخر، نقلت القناة 14 الإسرائيلية عن تقرير لمراقب الدولة أن الحكومة فشلت في الاهتمام بالجبهة الداخلية بداية الحرب بدون مبرر. كما اتهم الوزير السابق بمجلس الحرب الصهيوني بيني غانتس، نتنياهو بالتخلي عن سكان مناطق الشمال قرب الحدود مع لبنان، واعتبر أنه لا يمكن شن حرب على حزب الله بهذه الطريقة.

وأكدت بعثة إيران في الأمم المتحدة يوم الجمعة أن حزب الله اللبناني لديه القدرة على الدفاع عن نفسه وعن لبنان في مواجهة “إسرائيل”، في حين حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن يصبح لبنان غزة أخرى.

ووسط تواصل التصعيد على الحدود اللبنانية الفلسطينية حذرت بعثة إيران – عبر منصة إكس – من أن أي قرار وصفته بـ”المتهور” من النظام الصهيوني المحتل لإنقاذ نفسه يمكن أن يغرق المنطقة في حرب جديدة تدمر البنية التحتية في لبنان والأراضي المحتلة. وتابعت البعثة أن الخاسر الأساسي في اندلاع حرب على الحدود اللبنانية الفلسطينية سيكون النظام الصهيوني، مضيفة أن الوقت حان “ليُهلك النظام الصهيوني نفسه”.

من جانبه، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن شعوب المنطقة والعالم لا تستطيع تحمّل أن يصبح لبنان غزة أخرى، مشددا على أنه لا يوجد حل عسكري للأوضاع المتوترة على الحدود اللبنانية الفلسطينية.

وطالب غوتيريش جميع الأطراف بالالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701 الخاص بلبنان، مضيفا أن “خطوة متهورة واحدة أو تقديرا خاطئا واحدا يمكن أن يؤدي إلى كارثة تتجاوز الحدود بما يفوق الخيال”، مؤكدا ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار فوري في غزة لتهدئة الأوضاع بالمنطقة.

وقالت حماس، يوم الجمعة، إن “إسرائيل” تريد الوصول إلى صفقة تبادل للأسرى كهدف وحيد، بينما تسعى الحركة إلى “صفقة شاملة لا تنحصر في هذا الأمر فقط”، وأوضح المسؤول الإعلامي لحركة حماس في لبنان وليد الكيلاني، في حديثه مع “سكاي نيوز عربية”، أن “إسرائيل” أمامها خياران فقط، إما الذهاب إلى صفقة مع المقاومة والتنازل عن أهداف الحرب، أو الاستمرار بالقتال والمضي نحو حرب استنزاف غير متناهية”.

وأشار إلى أن حماس نظرت إلى خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن بإيجابية، الذي تحدث فيه عن خارطة طريق من 3 مراحل لإنهاء الحرب في غزة، لكن “عندما عُرض المقترح كتابيا كان مختلفا عما ورد في الخطاب”. وأضاف: “المقاومة عندما وجدت النص الكتابي مختلفا كليا عن خطاب بايدن طلبت تعديلات على المقترحات المقدمة لها وأرسلتها للوسطاء، والكرة في ملعب “إسرائيل”.

وأشار الكيلاني إلى أن مجرم الحرب بينيامين نتنياهو “ارتكب مجزرة في رفح” بعد موافقة حركة حماس على إتمام صفقة مع الكيان في 6 ماي الماضي، معتبرا أنه “يعرقل المفاوضات لتحقيق أهداف شخصية ولا يريد التوصل إلى حل أو هدنة، وليست لديه إرادة سياسية”.

وشدد على أن “شروط حماس لعقد صفقة مع “إسرائيل” واضحة، وتشمل وقف إطلاق النار وانسحاب “إسرائيل” من قطاع غزة كليا، وعودة النازحين إلى شمال غزة، ثم تكون هذه الخطوات مدخلا للمسار الرابع وهو الأسرى، وأي اتفاق لا يضمن هذه الشروط لا يعني الحركة”.

وفيما يتعلق بالقضاء على حركة حماس، قال الكيلاني: “الجيش الصهيوني ومجلس الحرب الذي شكله نتنياهو كانت وظيفتهما تفكيك قدرات حماس والقضاء على الحركة واغتيال قياداتها، لقد سمعنا أن نتنياهو فكك مجلس الحرب وبقيت حماس، ثم قال إن النصر في القضاء على كتائب حماس الأربع في رفح، واليوم يجري الحديث عن إنهاء العملية خلال أسبوعين، وقد خرج نتنياهو مهزوما من خان يونس وسيخرج مهزوما من رفح بذات الطريقة”.

أما عن موقف الحركة في قطر، فقال: “لا توجد ضغوط على الحركة أو قياداتها، فجناح حماس العسكري في قطاع غزة ووجودها بالخارج هو إعلامي وسياسي فقط، وهناك علاقات وثيقة مع الوسطاء المصريين والقطريين، ولم تتم ممارسة أي ضغوط على الحرك واقعيا، حيث يتخذ المكتب السياسي لها القرار بالتشاور مع الفصائل ويبلغ به الوسطاء ووسائل الإعلام وكل العالم”.

حزب الله لا يخشى جنون الكلب المسعور

في خضم التهديدات الصهيونية المتزايدة للبنان، غالبا ما يخرج محللون وسياسيون يحذّرون من مغبة إثارة “جنون الصهيوني”، ويبدي كثيرون قلقهم مما يسمونه عدم قدرة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على الاستمرار في ضبط “ردة الفعل الصهيونية” تجاه الهجمات المتزايدة لحزب الله، وفي ضبط “جنون نتنياهو”.

وفي هذا الصدد، كان إعلاميون وسياسيون في الغرب قد قاموا، في وقت سابق، بتبرير ردة الفعل الصهيونية الانتقامية، والتي وصلت إلى حد ارتكاب الإبادة في غزة، وادّعى هؤلاء أن “الإسرائيليين أُصيبوا بالجنون مما حدث لهم من صدمة في السابع من أكتوبر”، وأن هذا الجنون تجلّى في القصف التدميري غير المسبوق لقطاع غزة وللمدنيين والمستشفيات وسوى ذلك.

واقعياً – تقول ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية – إن هذه التبريرات الغربية بشأن الإصابة الصهيونية بـ”الجنون” ليست جديدة، وتمّ استخدامها في معظم الحروب الصهيونية على قطاع غزة، لأنها في الواقع هي عقيدة صهيونية يتم استخدامها صهيونياً منذ خمسينيات القرن العشرين، لتبرير الفظائع التي يتم ارتكابها بحق الفلسطينيين والعرب، والتي لا تتسم بالتناسب مع الخطر الفعلي، الذي يشكلّه هؤلاء للأمن الصهيوني.

وأوضحت نقولا – في مقال لها على موقع قناة الميادين – أنه على مدى عقود، طوّر الإسرائيليون، بصورة كبيرة، ما يسمى عقيدة “ادّعاء الجنون”، وهي سياسة ابتدعها الجنرال الصهيوني السابق ووزير الأمن، موشيه ديان، ذات يوم، حين قال إنه “يجب أن يُنظَر إلى “إسرائيل” على أنها كلب مسعور، وأنها خطيرة للغاية، بحيث لا يتجرأ أحد على إزعاجها”.

وسرعان ما اعتنق الإسرائيليون سياسة الادعاء أو الإصابة بالجنون، بعد أن تبيّن أن التظاهر بـ”عدم العقلانية/ الجنون” يعطي الصهيوني فوائد عسكرية ونفسية، بحيث يخلق الرهبة في نفوس الأعداء، وفق ما جاء في المقال.

واستعادت أستاذة العلاقات الدولية ما قاله نعوم تشومسكي، في مقال له بشأن هذه العقيدة، إن “هذا التهديد بـ(الجنون) أو nishtagea، أي قيام الإسرائيليين برد فعلٍ صادم عنيف، هو مبدأ متجذر بعمق في الفكر الصهيوني، ويعود إلى حكومات حزب العمال في الخمسينيات، جنباً إلى جنب مع “عقدة شمشون” ذات الصلة، والتي تفيد: “إذا حاول أحد تجاوزنا فسوف نهدم الهيكل على مَن فيه”.

ويقول تشومسكي – تضيف ليلى نقولا – إن عقيدة “الإصابة بالجنون” تهدف فعلياً إلى إنزال أشدّ الألم بالمدنيين، لأنّ الإسرائيليين “يتبنّون ضمناً المنظور التقليدي للذين يحتكرون عملياً وسائل العنف: يمكن لقبضتنا المدرّعة أن تسحق أيّ معارضة، وإذا سقط نتيجة هجومنا المسعور كثير من الضحايا المدنيين فيكون ذلك أفضل، لأنه بذلك يتمّ تلقين من بقي درساً ملائماً”.

وفي كتاب “غزة في أزمة”، الذي كتبه المفكران اليهوديان المعاديان للصهيونية، نعوم تشومسكي وإيلان بابي، عام 2010، ذكرت ليلى نقولا أن بابي قال بأن “إلحاق الألم بالمدنيين هو مبدأ سياسي قديم للإرهاب الحكومي الصهيوني، بل إنه المبدأ التوجيهي لهذا السلوك”.

وفي تحليل الحربين الإسرائيليتين على قطاع غزة في عامي 2008 و2009، والقتل والدمار المتعمدَين والمنهجيَّين، واللذين قامت بهما “إسرائيل” خلالهما عبر استهدافها المدنيين عمداً، يقول بابي “لقد عدّت “إسرائيل” أن من المفيد أن تظهر كأنها “مجنونة”، الأمر الذي يتسبب بإرهاب غير متلائم إلى حد كبير”. واستشهد بابي بالمحلل العسكري زئيف شيف، الذي قال “لقد كان الجيش الصهيوني يضرب السكان المدنيين دائماً، عمداً وبوعي”، حسب ما جاء في المقال.

وجاء في المقال أيضا: “في التطبيق العملي، يمكن النظر إلى الحروب الصهيونية مع لبنان وقطاع غزة لنجد أن الصهيوني لطالما طبّق تلك السياسة، وحتى قبل ذلك، أي خلال فترة العصابات اليهودية، بحيث استخدم قادة هذه العصابات المجازر والفظائع سياسةً منهجية لترهيب الفلسطينيين في القرى، والذين فرّوا من الجحيم القادم إليهم بعد حدوث فظائع يندى لها الجبين.

ويكتب المحلل العسكري الإسرائيلي، يوروم بيري، مشمئزاً من تلك السياسات، قائلاً إن مهمة الجيش الصهيوني، على ما يبدو، لم تكن الدفاع عن “إسرائيل”، بل “هدم حقوق الأبرياء لمجرد أنهم عربوشيم (لقب عنصري قاسٍ) يعيشون في الأراضي التي وعدنا الله بها”.

وبقيامه بالتصعيد المتدرج في جبهة لبنان الجنوبية، واستمراره في إطلاق الصواريخ والمسيّرات على الرغم من كل التهديدات الصهيونية المتصاعدة، يرسل حزب الله رسالة إلى الإسرائيليين، مفادها أن الصراخ والتهديدات لا تخيف اللبنانيين، ولا يتعاملون معها بخوف، وإن حدث وأُصيب الإسرائيليون بالجنون أو ادّعوا بذلك، فإن لبنان مستعد لحفلة الجنون الصهيونية، وأعدّ العدّة الملائمة لمواجهة هذا الجنون، وإن “الكلب المسعور”، الذي يستخدمه الصهيوني للتخويف، لم يعد يُخيف أحداً”.

نتنياهو يهين واشنطن

اعتبر البيت الأبيض – يوم الخميس الماضي – أن تصريحات نتنياهو بشأن التأخر في تسليم شحنات الأسلحة الأمريكية لبلاده “مهينة”، في حين يعقد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون عددا من الاجتماعات في واشنطن، وسط هذه التوترات. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي للصحفيين إن “تلك التصريحات كانت مخيبة للآمال بشدة ومهينة لنا بالتأكيد، نظرا لحجم الدعم الذي نقدمه وسنواصل تقديمه”.

وكان نتنياهو نشر – الأسبوع الماضي – مقطع فيديو باللغة الإنكليزية قال فيه إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد له أن إدارة الرئيس جو بايدن تعمل على رفع القيود المفروضة على تسليم الأسلحة إلى “إسرائيل”، الأمر الذي رفض بلينكن تأكيده.

وفي كشف نادر عن محادثات دبلوماسية خاصة على مستوى رفيع، قال نتنياهو أيضا إنه أبلغ بلينكن أنه “من غير المعقول” أن واشنطن “حجبت أسلحة وذخائر” عن الكيان خلال الأشهر القليلة الماضية. وفي تصريح لاحق، قال نتنياهو إنه مستعد لتحمل الهجمات الشخصية شرط أن تحصل “إسرائيل” على السلاح الأمريكي الذي تحتاجه في الحرب على وجودها، على حد قوله.

وبدورها، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير – في إفادة صحفية الثلاثاء الماضي – “نحن بالفعل لا نعرف ما الذي يتحدث عنه، نحن فقط لا نعرف”. وقال بلينكن إن شحنات الأسلحة، باستثناء واحدة بها قنابل كبيرة، تتحرك كالمعتاد بالنظر إلى أن “إسرائيل” تواجه تهديدات أمنية أبعد من غزة، بما في ذلك من حزب الله وإيران، ولكنه رفض – خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء الماضي – التعليق على محادثاته الخاصة مع نتنياهو.

وعلقت الولايات المتحدة في ماي شحنة قنابل للكيان زنة ألفي رطل و500 رطل بسبب القلق بشأن التأثير الذي يمكن أن تحدثه في مناطق مكتظة بالسكان، لكن لا يزال من المقرر أن تحصل “إسرائيل” على أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات. وجاءت الخطوة الأمريكية بعد أن أدى العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى استشهاد نحو 37 ألفا، وتحويل القطاع إلى أراض قاحلة.

من جانبها، قالت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية إنّ “إسرائيل” رفضت الاجتماع مع دول الاتحاد الأوروبي لعقد قمة مخصصة لمناقشة امتثالها لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان بموجب اتفاق ثنائي مع الكتلة، بناء على طلب وزراء الاتحاد الأوروبي وكبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي.

ووفق الصحيفة، أرسلت “إسرائيل” ردها الرسمي إلى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي دعاها لحضور اجتماع مخصص لمجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والكيان. وأكدت المفوضية الأوروبية استلام الرسالة، وسيناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي رد الفعل الصهيوني في اجتماعهم المقبل غدا الاثنين.

وفي وقتٍ سابق، هدّد وزراء خارجية دول في الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الكيان الصهيوني في حال “مواصلتها انتهاك القانون الدولي والإنساني”. وقالت وزيرة خارجية سلوفينيا تانيا فايون: “إذا استمرت الانتهاكات الصهيونية، فعلينا كاتحاد أوروبي اتخاذ رد موحد حاسم، بما في ذلك فرض عقوبات”.

بدوره، أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه الأيرلندي والنرويجي، إنّه سيطلب من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي إصدار دعم رسمي لمحكمة العدل الدولية واتخاذ خطوات لضمان احترام “إسرائيل” لقراراتها.

كما دعت مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على الكيان وتعليق العلاقات الدبلوماسية معها حتى “تنصاع إلى قرار محكمة العدل الدولية”، ويأتي ذلك في ظلّ استمرار حكومات دول أوروبية عدة بتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية والدعم اللوجستي للاحتلال الصهيوني وقواته التي ترتكب الجرائم بحق الفلسطينيين في غزة والضفة.

بعد هزيمة الاحتلال في غزة..

ماذا يعني إشعال الجبهة اللبنانية؟

أفاد الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ المناطق الحدودية بين الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان حالياً لم تعد آمنةً للعيش بالنسبة للمستوطنين الصهاينة في ظل استمرارِ الضربات التي يوجهها حزب الله بمختلف أسلحته، بما في ذلك الأسلحة الموجهة أو الصواريخ وكذا المسيّرات، كما أنّ ما تقوم به المقاومة اللبنانية سمح بالتخفيف من حدّة الضغط عن قطاع غزّة ولو قليلاً، حيث أنّ ما يزيد عن ثلث جيش الاحتلال الإسرائيلي يتواجد حاليا على طول الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة ولا يمكن تحريكه من أجل الضغط أكثر على غزّة.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الكيان الصهيوني الذي يخوض حرب إبادة جماعية بحق كل ما هو فلسطيني في قطاع غزّة منذ نحو تسعة أشهر على التوالي، لم يتمكن إلى حدّ هذه اللحظة من تحقيق أيّ هدف من أهدافه المعلنة مع بداية حربه على القطاع، فلا هو نجح في تحرير أسراه، ولا هو تمكن من القضاء على المقاومة الفلسطينية التي نجحت في تكبيد هذا العدوّ المستبد خسائر بالجملة في العتاد والمعدات والأفراد ما بين قتيلٍ وجريح وأسير.

على صعيدٍ متصل، يرى الخبير في الشؤون الدولية، أنّ الكيان الصهيوني وبما أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أيّ إنجاز يُذكر في قطاع غزّة، ربما قد يفكر في إشعال الجبهة اللبنانية، إلاّ أنّ الأمر إن حدث فعلا على أرض الواقع سوف يكون مدمرا بالنسبة له، على اعتبار أن المقاومة اللبنانية الممثلة في “حزب الله” هي أكثر تنظيما وأكثر تسليحا من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، ولديه خبرة كبيرة في الحرب مع العدو الصهيوني لذلك فهو يتردد منذ بداية عدوانه على غزة في تصعيد المواجهة على الحدود مع لبنان.

وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ المقاومة اللبنانية هي الأكثر استعدادا لهذه الحرب، لأنها تؤمن بأن العدو الصهيوني لا يؤتمن ولا يمكن أن يُوثق به، لذلك هي تحضر نفسها ومنذ مدة طويلة لأيّ صراع أو أيّ مواجهة محتملة معه، إضافةً إلى ذلك فإنّ جبهة لبنان تحظى بدعم قوي من إيران سواء كان ذلك من حيث التسليح أو التدريب أو التمويل، ومن هنا نجد أنّ الإدارة الأمريكية ومنذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، وهي تسعى جاهدةً إلى  تجنب وتفادي توسع رقعة الحرب وتحديداً مع حزب الله لأنها تدركُ يقينا بأن إشعال جبهة لبنان ستكون أكثر تدميرا لـ “إسرائيل”.

وفي هذا الشأن، أوضح الخبير في السياسة، أنّه في حالة ما إذا أشعلت “إسرائيل” الحرب مع حزب الله فستكون حينها مجبرة على المواجهة مع جبهتين حقيقيتين، لذلك قامت أمريكا منذ بداية الحرب بتسيير أساطيلها وحاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط لإخافة حزب الله وإيران ومختلف أضلع المقاومة، فالولايات المتحدة الأمريكية، تخشى منذ البداية من أن تواجه “إسرائيل” جبهات متعددة، لأن حدوث ذلك يعني هزيمة حتمية للكيان الصهيوني.

وأضاف، إنّ “إسرائيل” تسعى دائما إلى تفريق الساحات حتى تستفرد بكل جبهة على حدا، لكن “لا أعتقد أنّ أمريكا سوف تسمح بذلك بالنظر إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحسب عدة أمور داخلية وخارجية، فإذا تحدثنا عن الأمور الخارجية نجد أنّ صورة “إسرائيل” اليوم في العالم تغيرت وأصبحت تعتبر سلطة منبوذة ومعزولة ويُتابع ساستها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يسبب ضغطا كبيرا على أمريكا باعتبارها الداعم رقم واحد للكيان الصهيوني، أما الأسباب الداخلية وهي الأهم  فتتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع تنظيمها شهر نوفمبر المقبل، فالجميع لاحظ بأنّ حملة بايدن خسرت الكثير خلال هذه المرحلة بسبب الدعم الأمريكي اللامحدود واللامشروط للكيان الصهيوني ومواصلة التغطية على جرائمه المروعة بحق الأبرياء والعزل في قطاع غزّة”.

وتابع الأستاذ بوثلجة قائلا: “من هنا نجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تهدئة الأمور في منطقة الشرق الأوسط، بداية بما يجري في قطاع غزّة، وصولا إلى سعيها لإيجاد صيغة تفاهم مع الجانب اللبناني فيما يتعلق بتواجد حزب الله على الحدود الإسرائيلية، لذلك فهي تسعى إلى التهدئة على كل الجبهات ولا أعتقد بأنها ستسمح باندلاع حرب شاملة ما بين “إسرائيل” وحزب الله”.

إلى جانب ذلك، أفاد المتحدث بأنّ حزب الله وإلى حدّ هذه اللحظة لم يستخدم كل طاقاته العسكرية فلم يستعمل أسلحته طويلة المدى والأكثر دقة بعد، هو فقط يستعمل جزءاً قليلا وبسيطا من قدراته القتالية، فحزب الله نجح في تطوير بعض الأسلحة غير الدقيقة إلى أسلحة أكثر دقة، وهذا بدعم قوي من إيران التي عرفت هي الأخرى تطورا كبيرا في صناعة الأسلحة صناعة محلية وذلك بسبب الحصار الذي يفرضه عليها الغرب بسبب دعمها لأضلع المقاومة، وكذلك بسبب برنامجها النووي.

هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ الكيان الصهيوني لا يمكنه وفي الوقت الراهن تحديداً، الزّج بنفسه في حرب شاملة مع لبنان، أولا بسبب أنّ جيش الاحتلال أصبح مرهقا بعد ثمان أشهر من القتال في غزة، خسر الآلاف من القتلى والجرحى على أيدي المقاومة الفلسطينية الباسلة، إضافةً إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدها الاحتلال بسبب حربه الشعواء على غزة، خاصةً فيما يتعلق بالنفقات العسكرية، وبالتالي فإنّ “إسرائيل” حاليا في موقف ضعف وفي حال غامرت بإشعال حرب كبيرة مع حزب الله سيكون ثمن ذلك باهظا، لأنها لا تمتلك القدرة على ذلك في الأساس.

التهديدات تتصاعد..

لحظة المواجهة الشاملة تقترب

بقلم: إيمان حنا – كاتبة وصحفية مصرية

يقف العالم مشدوهاً أمام الاندفاع الإسرائيلي غير المسبوق نحو شن الحروب، وتخضيب الأرض بدماء الأبرياء من أطفال وعجائز ونساء وشباب في عمر الزهور. فلم تفرغ مسامعنا بعد من أنباء المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، حتى تُفاجئنا أنباء متداولة بحرب أخرى وشيكة في بلاد الأرز، ما أثار الهلع من تكرار مأساة غزة.

وعلى الرغم من أن وتيرة الاشتباكات في الجنوب اللبناني بين حزب الله والجيش الإسرائيلي لا تزال تسير وفق وتيرة منضبطة تحت سقف “قواعد اشتباك” صعودا وهبوطا، تلك القواعد التي لم يتجاوزها أي من طرفي الصراع على مدى تسعة أشهر، إلا أنه لا يمكننا تجنب التحذيرات الدولية وما يقترن معها من تحركات دولية ومساعٍ لاحتواء التصعيد بالتزامن مع تهديدات الجيش الإسرائيلي، وإعلاناته التي تحمل تهديدات مباشرة بين حين وآخر، وآخرها الإعلان عن المصادقة على خطط عملياتية لهجوم في لبنان.

وقال الجيش، في بيان له، نقلته وكالة الصحافة الفرنسية الخميس الماضي، إن قائد القيادة الشمالية الميجور أوري جوردين، ورئيس مديرية العمليات الميجور أوديد باسيوك، أجريا تقييماً مشتركاً للوضع في القيادة الشمالية، وفي إطار تقديم الوضع، تمت الموافقة على خطط عملياتية لهجوم في لبنان، مضيفا أنه تم اتخاذ قرارات بخصوص مواصلة تسريع استعدادات القوات في الميدان.

وجاء إعلان الجيش الإسرائيلي بعدما توعد وزير الخارجية يسرائيل كاتس في وقت سابق بالقضاء على حزب الله في حال اندلاع حرب شاملة. كما كشفت صحيفة “إسرائيل هيوم”، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حذر المسؤولين في واشنطن من أن إعاقة إرسال الأسلحة لـ”إسرائيل” لن يؤدي إلا إلى تقريب الحرب الشاملة مع “حزب الله”، وأشارت الصحيفة إلى أن التحذير الخطير الذي أطلقه نتنياهو جاء في محادثات مغلقة مع كبار مسؤولي الإدارة بشأن حرب محتملة في لبنان.

في الوقت الذي حذرت فيه الإدارة الأمريكية عبر البيت الأبيض ووزارة الخارجية من النتائج الوخيمة لجميع الأطراف، حال نشوب حرب في لبنان وشددت واشنطن بشكل غير مباشر على أنها لن تسمح بانزلاق جبهة لبنان إلى حرب تداعياتها شاملة بمخاطرها. ما يجعل تساؤل: هل بدأ العد التنازلي لإشعال هذه الحرب؟ يلحُ على أذهان الكثيرين.

وبالتأكيد لا يمكن لأحد التنبؤ بإجابة حاسمة، خاصة في ظل مجريات بالمنطقة والعالم، أصبحت خارج التوقعات وأبعد ما يكون عن السيطرة، ولكن يمكننا طرح الجوانب المختلفة للمشهد في السطور التالية ..

تصاعد الاشتباكات

يخضع جنوب لبنان الذي يشهد توترًا متصاعدًا بين حزب الله والكيان الصهيوني، لبنود القرار الأممي 1701 الذي نص على وقف الأعمال القتالية وعلى الحدود إثر حرب “تموز 2006 ” التي شنتها “إسرائيل” على لبنان، إلا أن الوضع في الجنوب عاد للاشتعال مرة أخرى بالتزامن مع بداية العدوان الصهيوني على قطاع غز ة بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي.

ويغذى القلق من حرب وشيكة في لبنان عدة عوامل، في مقدمتها تصاعد الاشتباكات وتبادل إطلاق النار بين حزب الله والقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، وإعلان حزب الله تنفيذه هجوماً جوياً بسرب من ‏المسيرات استهدف موقع رأس الناقورة البحري حيث توجد أماكن للجنود الإسرائيليين، إضافة إلى تحذيرات دول لرعاياها بعدم السفر إلى لبنان، وحث مواطنيها المتواجدين هناك على العودة في أقرب وقت، تجنباً لأي احتمالات للتصعيد في تلك الأرض المسالمة.

غزة أخرى!

لم تأتِ تلك التحذيرات بمعزل عن الرؤية الأممية للوضع في المنطقة وتحديدًا في لبنان، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ إزاء تصاعد التوتر بين “إسرائيل” وحزب الله، مضيفاً أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تعمل على تهدئة الوضع ومنع التقديرات الخاطئة.

ووصف غوتيريش شن الحرب على لبنان بـ”الخطوة المتهورة”، وما يترتب عليها من تبعات خطيرة بـ”أنها كارثة تتجاوز الحدود بل وتفوق الخيال”. وتابع غوتيريش تصريحاته قائلاً: “إن شعوب المنطقة وشعوب العالم لا تستطيع تحمل أن يصبح لبنان غزة أخرى”.

اليونيفيل” تعزّز مواقعها

في خضم هذا المشهد المرتبك، وتزامناً مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية، بدأت تعزيزات قوات اليونيفيل (قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة جنوب لبنان) لبعض مواقعها في الجنوب اللبناني، كما وضعت تحصينات جديدة في عدد من مراكزها بتلك المنطقة. وكانت اليونيفيل حذرت، في وقت سابق، من تصعيد المواجهات بين الطرفين على الحدود، ونوهت بأن سوء التقدير قد يؤدي إلى صراع مفاجئ وأوسع.

حزب الله يكشف عن قدرات جديدة..

مسيّرة الهدهد ترسم ملامح الحرب المقبلة

بقلم: منير شفيق – مفكّر سياسي فلسطيني

لعل أهم ما يجب أن يقرأه القادة العسكريون والسياسيون في الكيان الصهيوني، وهم يشهدون ما أعلن عنه بنشر الصور التي التقطتها مسيّرة الهدهد، عالية التقنية، بأنهم أمام تطوّر تقني لم يتوقعوه من قبل، فضلا عن أن مجرد الكشف عنها من قِبَل حزب الله في لبنان يعني أن المخفي أعظم، مما يمثل إنذارا رادعا لا يجوز تجاهله.

إن ما تعنيه “زيارة” مسيّرة الهدهد إلى سماء حيفا وما حولها، وتجوّلها “الآمن” من دون أن تشعر بها مجسّات الرادار، أو كل ما يكشف دخول جسم غريب فوق المدينة الأهم، يوجب المزيد من ضرورة إعادة الحساب في شنّ حرب، أعلن الجيش الصهيوني إعداده العدّة لها.

لقد كثرت التهديدات الصهيونية بشنّ الحرب ردا على ما جرى من تصعيد خلال الأسبوعين الماضيين، وبالتحديد بعد اغتيال القائد العسكري في قوات المقاومة الشهيد طالب سامي عبد الله “الحاج أبو طالب”، وذلك بإطلاق 200 صاروخا ومسيّرة على مدى ثلاثة أيام متتالية، على الشمال الفلسطيني المحتل منذ 1949، الأمر الذي كان يوجب شنّ الحرب فورا، لو كان الجيش الصهيوني والكيان الصهيوني كما كانا أيام زمان، وقد فعلاها، لأقل من ذلك بكثير، حين شُنت حرب 2006 بسبب أو بحجة أسر جنديين وتفجير دبابة ميركافا.

يقف الوضع العسكري في الحرب المُسيطر على سقفها بين حزب الله والكيان الصهيوني، على شفا شنّ حرب شاملة من جانب العدو، وهو يتلقى الهزائم ضمن قواعد الاشتباك التي حوفظ على التصعيد المتبادل فيها لثمانية أشهر، مع دخولها في الشهر التاسع منذ بضعة أيام.

وصول الحرب إلى هذا المستوى، الذي اتسم بإمطار الكيان الصهيوني بمئات الصواريخ والمسيّرات في اليوم الواحد، يرجّح توقع شنّ حرب شاملة، أو عالية السقف بين لحظة وأخرى، علما أن شنّ حرب عدوانية من جانب الكيان الصهيوني ما زال على الطاولة بانتظار التنفيذ، منذ خمس أو سبع سنوات في الأقل.

وليس هنالك من تفسير للتردّد في تنفيذه إلاّ أحد مانعين: الأول عدم التأكد من الانتصار فيها، بل رجحان الخوف من فشلها من جهة، أو عدم القدرة على تحمل الخسائر في حيفا وتل أبيب، مثلا، في حالة اندلاع قصف متبادل في العمق، ما يُعتبر حربا شبه شاملة. فالسؤال هل التردد في شنّ الحرب، ردا على ما وصله الردع من جانب المقاومة في لبنان، يرجع إلى السببين إياهما أعلاه، وربما مع تدخل أمريكي أيضا لتجنّب مثل هذه الحرب، مع حرب دائرة في قطاع غزة؟

إذا كان الجواب باتجاه ترجيح إبقاء الرد ضمن السقف الذي تصاعد إليه الوضع الحالي، فهذا يوجب إبقاء الإصبع على الزناد تحسبا لوقوع الحرب، بسبب حماقة في تقدير الموقف، وهي حماقة أصبحت جزءا من سمات قرارات نتنياهو طوال الأشهر الثمانية الماضية، وإن كانت الحسابات مختلفة مع حزب الله. 

تحذيرات أمريكية من سيناريو مدمّر..

هل تنجر “إسرائيل” إلى حرب على جبهتين؟

بقلم: علي أبو حبله – محامي فلسطيني

على وقع الخلاف المتعمّق وتبادل التّصريحات الهجومية بين رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو، والمسؤولين في البيت الأبيض، وصل، الخميس، إلى واشنطن، فريق “إسرائيلي” على رأسه رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، ووزير الشّؤون الإستراتيجية رون ديرمر. وعلى الرّغم من إلغاء الإدارة الأمريكية اجتماعا إستراتيجيا كان مقرّرا مُسبقا، بحضور الفريق “الإسرائيلي”، لنقاش الوضع على الجبهة الشّمالية للكيان ومسألة إيران، إلا أنّ هنغبي وديرمر التقيا وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي، جيك سوليفان.

وبحسب الخارجية الأمريكية، فقد أكّدت واشنطن رغبتها في “حلّ دبلوماسي للصّراع الحالي، ولا نريد رؤية تصعيد على حدود “إسرائيل” ولبنان”. كما أشارت الوزارة في بيانها، إلى أنّ “التّوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النّار في غزّة سيسهم في خفض التّصعيد على الحدود اللّبنانية – الإسرائيلية”، مضيفة “(أنّنا) نواصل العمل مع “إسرائيل” وقطر ومصر من أجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النّار في غزّة”. كذلك، كشفت وسائل إعلام الاحتلال أنّ وزير الحرب، يوآف غالانت، سيزور الولايات المتّحدة الأسبوع المقبل.

مواجهة شاملة ومفتوحة

التّطوّرات باتت تلقي بظلالها على المنطقة برمّتها وهناك خشية حقيقية بتدحرج الحرب بين “إسرائيل” وحزب الله، خصوصًا مع تزايد العمليات العسكرية في الضفّة الغربية التي تصاعدت بشكل كبير، ناهيك عن الهجمات الصّاروخية والطّائرات المسيّرة على الجبهة الشّمالية مع لبنان التي تشهد اشتعالًا خلال السّاعات الماضية، حيث أطلق الحزب مئات الصّواريخ على “إسرائيل” ردًّا على الضّربات التي قامت بها القوّات “الإسرائيلية” للأراضي اللّبنانية، والتي أخذت سياقًا متدرّجًا في التّصعيد المقيّد ضمن قواعد اشتباك، ولكنّها تطوّرت الآن بشكل نوعي وغير مسبوق، ممّا ينذر بالذّهاب إلى مواجهة شاملة ومفتوحة.

وهذا التّصعيد يأتي مع الهجمات التي ينفّذها الحوثيين على السّفن التّابعة للكيان الصّهيوني في البحر الأحمر وبحر العرب، وكذلك الضّربات التي توجّهها الجماعات المسلّحة في العراق لأهداف في الدّاخل “الإسرائيلي”، وهنا تجدر الإشارة للضّربات التي وجهتها إيران في ليلة 13 و14 أفريل الماضي، الأمر الذي جعل “إسرائيل” تشعر بأنّها محاطة بأعداء وتهديدات خطيرة ومتعدّدة على المستويين: الأمني والعسكري.

وهذا يعني أنّ “إسرائيل” تواجه وحدة السّاحات ومجبرة للتّعامل مع عدّة جبهات متعدّدة وساخنة وفي توقيت واحد ممّا بات يشكّل خطرًا حقيقيًا وغير مسبوق على الأمن القومي “الإسرائيلي” أكثر من الجبهة الجنوبية في قطاع غزّة، وسيبقى السّؤال: هل تستطيع “إسرائيل” في ضوء التطوّرات الجارية الذّهاب إلى حرب مفتوحة وشاملة مع حزب الله، وهي عالقة في غزّة دون تحقيق الأهداف؟، وهل تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية والشّرعية القانونية لتوسيع دائرة النّار في هذه الجبهة؟، وهل “إسرائيل” بمستطاعها اجتياح لبنان وإبعاد مقاتلي حزب الله إلى خلف اللّيطاني.

“إسرائيل” باتت تدرك أنّ الحروب التي تخوضها بعد السّابع من أكتوبر 2023 لم تعد نزهة كما الحروب السّابقة وهناك تغيّر استراتيجي بعد الثّبات والصّمود لقوى المقاومة في غزّة منذ ما يقارب تسعة أشهر وأنّ نجاح الرّدع “الإسرائيلي” في إدارة الحروب النّظامية طوال الفترة الماضية لم يدم كثيرًا، خصوصًا أنّها كانت تدير حروبًا مع جيوش نظامية باستراتيجية مباشرة، والتي كان آخرها حرب أكتوبر عام 1973، والتي تعتبر آخر الحروب النّظامية للجيش “الإسرائيلي” في المنطقة، حيث ركّز جيش الاحتلال على تطوير إمكاناته وقدراته العسكرية والتّقنية والتّكنولوجية بشكل كبير، ومخيف لكلّ من يحاول التّفكير في مواجهة الكيان، وخاصّة تطوير القوّة الجوّية، ومنظومات الدّفاع الجوّي، ومنظومات التنصّت والمراقبة، والطّائرات المسيرة، ممّا جعل الاحتلال يتمتّع بمنظومة ردع قوية ومتكاملة.

ولكن هذا التفوّق العسكري الحاسم لم يستمر طويلًا مع تطوّر أجيال الحروب، وصولًا إلى الجيلَين: الرّابع والخامس، حيث ظهرت جماعات مسلّحة في بلدان متعدّدة تعمل على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بما تمتلك من قدرات بسيطة وبدائية، مثل: حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، حيث طوّرت هذه الجماعات المسلّحة قدراتها العسكرية بشكل يواكب التطوّر العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها الاعتماد على التّصنيع العسكري المحلّي، حيث بدأت المواجهات العسكرية تتّسع بين الجانبَين في حروب ومواجهات متعدّدة، وكان آخرها مع لبنان في عام 2006، ومع حماس في معركة “سيف القدس” في عام 2021، ومع سرايا القدس في معركة “الفجر الصّادق” عام 2022.

“طوفان الأقصى”.. نسخة لبنانية

لقد بدأت منظومة الرّدع “الإسرائيلية” تتآكل بعد أن كُسر حاجز الخوف، وسقطت نظرية الجيش الذي لا يقهر، حيث خاضت المقاومة الكثير من الحروب والمواجهات العسكرية المباشرة على السّاحتَين: اللّبنانية والفلسطينية، وآخرها ما يجري اليوم من حرب ضروس في قطاع غزّة، وعلى الجبهة اللّبنانية، بعد أن فشلت هذه المنظومة بما تمتلكه من قوّات وقدرات عسكرية هائلة وترسانة كبيرة تعدّ الأولى بين دول المنطقة في الدّفاع عن نفسها، فضلًا عن قدرتها على ردع خصومها.

لكنّ السّؤال المركزي هو هل تستطيع “إسرائيل” إحداث تحوّل استراتيجي في صراعها مع حزب الله؟ وهل الظّروف المحيطة بها في ظلّ التّهديدات واستمرار الحرب على غزّة يمكنها من فتح جبهة الشّمال مع حزب الله.

تؤكّد كلّ القيادات العسكرية والسّياسية بشكل مطلق أنّه يجب إزالة تهديد حزب الله، ولا سيما كتيبة “الرّضوان” عن الحدود الشّمالية، وإبعاده إلى شمال نهر اللّيطاني، من أجل عودة أكثر من 70 ألف نازح “إسرائيلي” إلى مستوطناتهم في المناطق القريبة من الحدود مع لبنان، بعد هروبهم منها على إثر القتال الدّائر مع الحزب منذ الثّامن من أكتوبر الفائت، والذين يخشون تكرار سيناريو عملية “طوفان الأقصى”، لكن بنسخة لبنانية.

المؤسّسة العسكرية تدعم توجيه ضربة عسكرية لحزب الله بهدف استعادة قوّة الرّدع واستعادة ثقة الشّارع “الإسرائيلي” والإثبات بقدرة الجيش على حمايته، لكن “جيش” الاحتلال لم يعد كما كان قبل 7 أكتوبر، حيث تراجعت قوّته في صنع قرارات الأمن القومي “الإسرائيلي”، وبالتّالي باتت تقديراته الاستراتيجية محلّ شكّ دائم، وعدم الثّقة بها من المستوى السّياسي هو السّمة الغالبة عليها، ولذلك نشهد هجوماً متكرّراً من قبل وزراء الحكومة في جلسات الكابينت على رئيس الأركان، هرتسي هليفي، خاصّة بعد تسريبات الجلسة التي تعالت فيها أصوات كلٍّ من الوزراء ميري ريغيف ودفيد امسالم وإيتمار بن غفير في وجه هليفي، من دون تدخّلٍ من نتنياهو.

هذا الأمر وصفه الكاتب “الإسرائيلي”، بن كسبيت، بأنّ “الكابينت السّياسي الأمني بات جبهة قتال ثامنة فتحت على الجيش”، ولكنّ الأخير يدرك أنّ معركة مع حزب الله في ظلّ حكومة نتنياهو وحلفائه لا توفّر الظّروف الموضوعية لتحقيق الانتصار، خاصّة مع إدراك قادته أنّ شراسة تلك الحرب وقوّتها ستكون أضعاف الحرب على غزّة، وأنّ تداعياتها الإقليمية والدّولية أكثر اتّساعاً، وتتطلّب قيادة سياسية واعية ومسؤولة تمتلك الرّؤية والاستراتيجية، وهذا الأمر مفقود لدى نتنياهو وحلفائه من “الصّهيونية الدّينية”.

الاستعداد لـ “سيناريوهات كبرى”

إضافة إلى احتياج الحرب إلى استعدادات ضخمة عسكرياً، في ظلّ استنزاف الحرب على غزّة الكثير من القدرات التسليحية والعسكرية، سيما أنّ جنود الاحتياط يدخلون شهرهم التّاسع بعيداً عن عوائلهم وأعمالهم وحياتهم المدنية، بكلّ ما يحمله ذلك من تداعيات على قدراتهم القتالية، ناهيك بالتّداعيات الاقتصادية لحرب غزّة التي عدّت الأكثر تكلفة في تاريخ الحروب “الإسرائيلية”، والتي بلغت تكلفتها حتّى الآن حسب التّقارير الاقتصادية “الإسرائيلية” 500 مليار شيكل، ولذلك فإنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يمكنه فتح حرب جديدة مع حزب الله من دون ضوء أخضر أميركي كامل، والتزام واضح وقاطع بأن يقدّم كلّ ما تحتاجه “إسرائيل” و”جيشها” سياسياً وأمنياً وعسكرياً ودبلوماسياً في سبيل تحقيق انتصار على حزب الله.

وهنا، من المهمّ تأكيد حقيقة سياسية أنّ “إسرائيل” رأس حربة مشروع استعماري غربي في المنطقة تقوده حالياً الولايات المتّحدة الأميركية، وأنّ الغرب هو من صنع “إسرائيل” ويرعاها، وأنّه لولا هذه الرّعاية والحماية والدّعم لما بقيت.

هذه الحقيقة السّياسية والتّاريخية مهمّة لمعرفة اتجاهات مسارات التّأثير ومقدار وزن اللّاعبين المركزيين في صنع قرارات القضايا الاستراتيجية المشتركة بين “إسرائيل” وأميركا بشكل خاص والغرب الأوروبي بشكل عام، ناهيك بحساسية التّوقيت لبايدن، الذي آخر ما يمكن أن يقبله هو أن تشتعل منطقة الشّرق الأوسط بحرب جديدة، بكلّ ما تحمله من تأثيرات استراتيجية على مصالح بلاده، وخاصّة الاقتصادية منها مع تحمل كلفة عالية من الخسائر البشرية وهو ما حذّر منه وزير الشّؤون الدّينية “الإسرائيلية” ويدخل في سياق تهيئة الجبهة الدّاخلية في “إسرائيل” وقد أخبر وزير الخدمات الدّينية “الإسرائيلية” مايكل مالكيلي في مقابلة جرت معه، حيث أخبرهم أنّهم يستعدّون لـ “سيناريوهات كبرى” في الشّمال، وأنّ “وزارة الخدمات الدّينية المكلّفة بالدّفن تستعدّ لهكذا سيناريو”.

وبعد أن ذكر بشكل عابر أنّهم يستعدون لـ “سيناريوهات كبرى”، سأله المضيفون عمّا يقصده بذلك. وأوضح مالكييلي أنّه يجب عليهم الاستعداد لمثل هذه الأحداث بشكل عام. ولم يقتنع المضيفون بالتّفسير، وسألوه عمّا إذا كانت هناك محادثات محدّدة حول التّصعيد في الشّمال، وأخبرهم مالكييلي أنّهم طلبوا المساعدة من الحكومة حتى قبل 7 أكتوبر في التّحضير لعمليات الدّفن الطّارئة، موضحًا أنّهم سيحتاجون إلى إبلاغهم حتّى يتمكّنوا من الاستعداد وأنّهم يعقدون مثل هذه الاجتماعات الآن.

وعندما سُئل الوزير عمّا إذا كانت الوزارة تجهز نفسها لاحتمال حدوث حالات دفن جماعي بسبب حرب محتملة على الجبهة الشّمالية، أجاب بالإيجاب، دون تفاصيل. والأربعاء حذّر الأمين العام لجماعة حزب الله اللّبنانية حسن نصر الله، من أنّ الحزب سيقاتل “بلا ضوابط وبلا قواعد وبلا سقف” في حالة اندلاع حرب أوسع مع الاحتلال، وأنّه لن يكون هناك مكان في “إسرائيل” آمن من هجمات حزب الله.

كما أشار الأمين العام لحزب الله اللّبناني إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يخشى اقتحام المقاومة للجليل، وهذا احتمال قائم إذا فُرضت الحرب على لبنان. ويأتي خطاب نصر الله بعد يوم من إعلان الجيش الإسرائيلي في بيان “الموافقة” على خطط عملياتية لهجوم في لبنان. وجاء إعلان جيش الاحتلال بعيد نشر حزب الله اللّبناني مقطعاً مصوّراً مدّته 9 دقائق و31 ثانية تحت عنوان “ما رجع به الهدهد” يتضمّن مسحاً دقيقاً لمناطق بشمال فلسطين “إسرائيل”، في حين وصفته مصادر “إسرائيلية” بالخطير.

وقال الحزب اللّبناني إنّ مقطع الفيديو صوّرته مسيّرات تابعة تمكّنت من “تجاوز وسائل الدّفاع الجوّي للعدو، وعادت من دون أن تتمكّن وسائله من كشفها”. ومنذ 8 أكتوبر الماضي تتبادل فصائل فلسطينية ولبنانية أبرزها “حزب الله” مع جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفاً يومياً أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللّبناني.

إنّ كابوس الحرب يلقي بظلاله على المكوّن المجتمعي “الإسرائيلي” ومستشار الأمن القومي “الإسرائيلي” السّابق، إيال هولاتا، ينقل عن مسؤولين أميركيين تحذيراتهم للمتحمّسين لحرب على جبهتين ضدّ حزب الله وحماس، في “إسرائيل”، من الضّغط الهائل الذي قد يفرضه “السّيناريو الكابوس” على موارد الكيان واقتصاده وخسائر بشرية.

ونقل موقع “بلومبرغ” عن مستشار “الأمن القومي” الإسرائيلي السّابق، إيال هولاتا، قوله إنّ أيّ حرب مع حزب الله ستكون أكثر فتكاً من الحرب الأخيرة في العام 2006، وأنّ عدد القتلى في “إسرائيل” قد يقترب من 15 ألفاً هذه المرّة.

وأشار هولاتا إلى أنّ المسؤولين الأميركيين حذّروا الجنرالات والوزراء “الإسرائيليين” المتحمّسين لحربٍ على جبهتين ضدّ حزب الله وحماس، من الضّغط الهائل الذي قد يفرضه مثل هذا السّيناريو على موارد “إسرائيل” واقتصادها، ووصفه البعض بأنّه “سيناريو كابوس لإسرائيل”.

ولفت هولاتا إلى أنّ الشّيكل “الإسرائيلي”، الذي ارتفع في شهري نوفمبر وديسمبر 2023، وسط إشارات إلى أنّ الحرب ستقتصر إلى حدّ كبير على غزّة، بدأ يضعف مرّة أخرى، معتبراً أنّه من العملات الأسوأ أداءً في العالم حتّى الآن هذا العام، حيث انخفض 3.5 بالمائة مقابل الدّولار.

وأكّد تقرير نُشِرَ في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في السّادس من الشّهر الحالي، أنّ “إسرائيل تنظر إلى حزب الله بشكل مختلف عن حماس، باعتباره جيشاً مع تدريب متطوّر وترسانة من حوالي 150.000 صاروخ، بينما يخشى العديد من “الإسرائيليين” أن تستخفّ حكومتهم، مرّة أخرى، بالتّهديد المميت.

التّحذير الأميركي المبطن لنتنياهو

لذلك، فإنّ كلّ الجهود الأميركية منصبّة حالياً على منع تدحرج القتال في الجبهة الشّمالية إلى حرب مفتوحة، وهذه الرّسالة الأميركية ترسلها كلّ القيادات الأميركية إلى “الإسرائيليين”، وخاصّة مجلس الحرب والقيادة العسكرية، وهذا يفسر التّحذير الأميركي المبطن لنتنياهو، رغم أنّ رغبة “إسرائيل” في الذّهاب إلى الحرب المفتوحة على حزب الله، تصطدم بالكثير من معوّقات القدرة السّياسية والعسكرية “الإسرائيلية” حالياً، ما يشكّل معضلة حقيقية أمام اتّخاذ قرار الحرب، فإنّه لا يمكن استبعاد ذلك السّيناريو بشكل جازم، كون نوعية القيادة “الإسرائيلية” الحالية يغلب عليها العقل الأيديولوجي الدّيني المتطرّف، ممزوجاً بالكثير من المصالح الشّخصية السّياسية، الذي يجعل قراراتها لا منطقية، ناهيك بأنّ المناخات الحالية السّياسية والعسكرية مشحونة جدّاً لدرجة أنّ أيّ خلل في الميدان يمكن أن يكون شرارة اندلاع الحرب المفتوحة.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا