تطل وهران «الباهية» التي ستكون بعد أيام ـ عاصمة للألعاب المتوسطية ـ بوجهها الثقافي المبهج، إذ ستحتضن ثلاثة مهرجانات فنية (محلية ووطنية ودولية)، كما ستشهد ساحاتها العمومية أجواء ركحية من خلال الأيام الوطنية الأولى لمسرح الشارع من 25 إلى 28 يونيو الجاري، وكل هذا في إطار عمل دؤوب ونشاط مكثف قائم على روح التناغم والتناسق لإنجاح هذا الموعد الرياضي الذي جاء بعد تعاقب 12 بلدا، بمدن مختلفة على تنظيم فعاليات الألعاب المتوسطية منذ النسخة الأولى عام 1951 التي احتضنتها مدينة الإسكندرية المصرية إلى غاية النسخة الـ19 المقررة من 25 يونيو إلى 6 يوليو بعاصمة الغرب الجزائري وهران.
وتتزامن المهرجانات الفنية الثلاثة ـ وفق ما صرح به مسؤولون بالمدينة ـ مع الطبعة 19 لتظاهرة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي ستحتضنها ـ خلال الفترة الممتدة من 25 يونيو الجاري إلى 6 يوليو المقبل ـ مدينة وهران التي تٌعد ثاني أكبر مدن الجزائر بعد العاصمة (تبعد 432 كيلومترا) كما أنها واحدة من أهم المدن المغاربية، ما أهلها لتكون قبلة سياحية داخلياً وخارجياً، فهي المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في أقصى غرب البلاد.
وقررت وزارة الثقافة الجزائرية في هذا الإطار، نقل تنظيم مهرجانين فنيين كانا ينظمان بولاية سيدي بلعباس نحو وهران وهما المهرجان الدولي للرقص الشعبي الذي سينظم خلال الفترة الممتدة من 30 يونيو إلى 5 يوليو بمشاركة فرق فنية من عدة بلدان وكذلك الطبعة 13 للمهرجان الوطني لأغنية الراي التي انطلقت من شوارع مدن الغرب الجزائري ليكتسح عواصم العالم إلى اليوم.
وسيحتضن المسرح الجهوي «عبد القادر علولة» بمدينة وهران خلال الفترة الممتدة من 26 إلى 28 يونيو الجاري، الطبعة 13 للمهرجان المحلي للأغنية الوهرانية بمشاركة عدد من وجوه الأغنية الوهرانية والطرب البدوي وحضور عدد من نجوم أغنية الراي مثل الفنان ذائع الصيت هواري بن شنات.
وكانت وزارة الثقافة الجزائرية قد أعلنت بداية العام الجاري عن إعداد برنامج ثقافي جواري مكثف ومتنوع خاص لمرافقة الطبعة الـ19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران بالإضافة إلى تنظيم مهرجانات ثقافية وفنية وتدابير خاصة لتثمين التراث الثقافي والحضاري لمدينة وهران وتسخير وتعبئة عديد الهياكل والمنشآت الثقافية لمواكبة هذا الحدث الرياضي الهام.
واعتبرت الوزارة الوصية أن “هذه التظاهرة الرياضية الهامة هي بمثابة فرصة للترويج والتعريف بالثقافة الجزائرية ومناسبة لتسليط الضوء على مدينة وهران وتاريخها وتراثها الثقافي المادي واللامادي ومساهمتها الكبيرة في إثراء ثقافة البحر الأبيض المتوسط”.
أيام لمسرح الشارع
كما ستقام ـ بوهران ـ الأيام الوطنية الأولى لمسرح الشارع من 25 إلى 28 يونيو الجاري، وهي التظاهرة التي تشرف عليها لجنة تنظيم مراسم حفلي افتتاح واختتام الطبعة الـ19 من الألعاب المتوسطية بالتعاون مع وزارة الثقافة فيما يقوم المسرح الجهوي «عبد القادر علولة» بتنفيذ البرنامج، وسيتم خلال الأيام الوطنية الأولى لمسرح الشارع التي تدوم أربعة أيام تقديم 30 عرضا، تمّ برمجة ستة منها خلال اليوم الأول من هذه التظاهرة وثمانية عروض أخرى في كل يوم من الأيام الثلاث الأخيرة.
وتخص العروض ثلاثة أنواع من النشاطات وهي المسرح ومسرح العرائس والتنشيط المتنوع حيث يشارك في مسرح الشارع فرقة من وهران تم تكوينها مؤخرا في هذا المجال على مستوى المسرح الجهوي بالمدينة لعرض عملها الذي يحمل عنوان «أورتيلو الغيار» وفرقتان من سيدي بلعباس وواحدة من عين الصفراء (النعامة) وأخرى تتشكل من عناصر من الجزائر العاصمة ومستغانم.
وستقدم ثلاث جمعيات ثقافية عروضا في فن التهريج وسيعرض كل من الحكواتي قادة بن شميسة وصديق ماحي من سيدي بلعباس وأمين مسيوم من وهران أعمالا في فن الحكاية فيما برمجت ثلاثة عروض أخرى في مسرح العرائس من توقيع قادة بن شميسة وسعيد ميسوم وهواري عبد الخالق.
وسيكون تقديم هذه العروض خارج الستار الأحمر للمسرح وبالضبط في مقهيين يقعان وسط مدينة وهران وبالفضاء الذي تم تهيئته مؤخرا من طرف المسرح الجهوي وفي عديد من الفضاءات الأخرى بمختلف أحياء المدينة التي يتعاون سكانها ـ بحماس كبير ـ لإنجاح هذا التحدي وتأكيد تلك القناعة الراسخة بأن وهران تستحق لقب عروس المتوسط.
تحضير استثنائي
وكان 12 فرعا تابعا للجنة تنظيم الألعاب قد قام أفراده بعمل دؤوب ونشاط مكثف في تناغم وتناسق كبيرين لإنجاح الموعد المتوسطي، وذلك مباشرة بعد إعلان اللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط عن فوز مدينة وهران باحتضان الدورة 19 لهذه التظاهرة الرياضية في أغسطس 2015 على هامش انعقاد الجمعة العامّة في مقاطعة بيسكارا الإيطالية، حيث أخذت الجزائر على عاتقها التحضير المحكم لهذا الموعد المتوسطي الهام والذي يعكس المكانة التي تُحظى بها في منطقة حوض المتوسط.
وخلال شهر أكتوبر 2018، تم تعيين مدير عام لألعاب البحر الأبيض المتوسط ليبدأ بذلك العد التنازلي لهذه التظاهرة الدولية التي تعود للجزائر بعد 47 عاما من تنظيم أول تظاهرة رياضية متوسطية لها بامتياز (1975 بالعاصمة).
وكأول خطوة قامت بها اللجنة المنظمة مباشرة بعد تنصيبها، إنشاء 12 لجنة تعنى بمختلف المجالات وتشمل كل القطاعات المعنية بتحضير الألعاب المتوسطية على غرار الصحة والنقل والإيواء والإطعام والسياحة والإعلام وغيرها، ومن بين تلك اللجان تبرز لجنة مراسم الافتتاح والاختتام وتنظيم الأنشطة الثقافية والتي تعمل برئاسة سليم دادة على التحضير لحفلي الافتتاح والاختتام لألعاب البحر الأبيض المتوسط باعتبارها الواجهة الفنية الأولى للتظاهرة والمؤشر الأولي لنجاحها وذلك بمشاركة 400 شاب وشابة.
ومن بين المشاركين 96 متربصا تم اختيارهم في مسابقة ثانية الذين سيؤدون الحركات الجماعية والرقص بإشراف من مختصون في الكوريغرافيا من داخل الجزائر وخارجها وراقصون محترفون، وقد أشار رئيس هذه اللجنة إلى أنه تم اختيار مكونين ذوي مستوى عالي لتأطير المتربصين بينهم المختصة الجزائرية مليكة زايدي التي تملك خبرة كبيرة في تنظيم حفلات افتتاح واختتام التظاهرات الرياضية والثقافية الكبرى داخل الوطن وخارجه ومصممة الأزياء العالمية جيلي فارجيس وكوريغرافيين آخرين ذوي مستوى عال.
وقد تلقى المشاركون في التربص بينهم راقصون أساسيون وأصحاب أدوار ثانوية تدريبا في الحركات الجماعية والرقص، ويتم في نهاية التدريب اختيار 400 منهم بشكل نهائي للمشاركة في حفل الافتتاح، وينتظر أن يتلقوا منتصف الشهر الجاري تدريبا ثانيا في الحركات الخاصة بحفل الاختتام.
سفينة الألعاب تواصل ترحالها
وبعد أن كانت الانطلاقة عام 1951 من مدينة الإسكندرية المصرية، ها هي سفينة ألعاب البحر الأبيض المتوسط تواصل ترحالها، لترسو هذه المرة بعاصمة الغرب الجزائري «الباهية» وهران، التي ستتوشح طيلة 12 يوما من المنافسة (من 25 يونيو إلى 6 يوليو)، بالألوان المتوهجة للحوض المتوسطي في فضاء رياضي تنافسي يبقى شعاره الدائم “لتبقى الرياضة عاملا للوحدة والسلم والترابط بين شعوب المنطقة”.
ودون شك، ستكون دورة الألعاب المتوسطية، التي ستحتفل بوهران بذكرى بعثها الـ71، فرصة مثالية لتقوية أواصر الوحدة والسلم والترابط بين شعوب المنطقة، مثل ما طمح إليه وتمناه صاحب الفكرة، المصري محمد طاهر باشا، رئيس اللجنة الأولمبية المصرية آنذاك الذي انتظر إلى غاية انتهاء الحرب العالمية الثانية لتجسيد حلمه القديم في إقامة ألعاب أولمبية «مار نوستروم» وتعني البحر المتوسط باللاتينية.
ومنذ الطبعة الأولى بالإسكندرية (1951)، التي عرفت مشاركة 10 بلدان، ما فتئ هذا الرقم يتجه للارتفاع مع مرور الدورات، ليصل في دورة الجزائر (وهران 2022) إلى 26 دولة مشاركة، ومعلوم أن فكرة إنشاء الألعاب المتوسطية قد ظهرت خلال جلسة للجنة الأولمبية الدولية عام 1948 بمدينة سانت موريس السويسرية، ببعد هذا التاريخ بثلاث سنوات، أي في 1951، أعطى الملك فاروق إشارة انطلاق الدورة الأولى التي تشرفت مدينة الإسكندرية المصرية باحتضانها بمشاركة 735 رياضيا كلهم ذكور، تنافسوا في 13 اختصاصا اقتسموا خلالها مجموع 268 ميدالية حازت فيها إيطاليا على حصة الأسد بمجموع 62 ميدالية (28 ذهبية و22 فضية و12 برونزية).
وبعد هذه التجربة الأولى، جاء دور برشلونة الاسبانية لاحتضان الدورة الثانية عام 1955 بمشاركة 900 رياضي حملوا ألوان تسع دول تنافست في 19 رياضة، والجديد في هذه الدورة تمثّل في منع اللجنة الدولية الأولمبية استعمال الشعلة الأولمبية حيث تم استبدالها بـ«أمفور» الذي يمثل إناءً يحتوي على ماء البحر الأبيض المتوسط الذي يوحد المشاركين في هذا العرس الرياضي.
وباحترام مبدأ التداول بين دول الضفتين، رست السفينة المتوسطية في خرجتها الثالثة بالعاصمة اللبنانية، بيروت عام 1959 بمشاركة 12 دولة منها دول التحقت بالركب لأول مرة، كتونس والمغرب المستقلتين حديثا، فيما شاركت مصر وسوريا في هذه الدورة تحت لواء الوحدة (الجمهورية العربية الموحدة).
وفي عام 1963، جاء دور مدينة نابولي الإيطالية لاحتضان الطبعة الرابعة بمشاركة 13 دولة، تنافست في 17 اختصاصا رياضيا، والمميز في هذه الدورة هو الاهتمام الكبير الذي أولته الشخصيات السياسية لهذا الحدث الرياضي بدليل أن حفل الافتتاح عرف حضور رئيس الجمهورية الإيطالية ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية آنذاك، إفيري برونداغ.
وعرفت الدورة الخامسة التي احتضنتها تونس عام 1967 دخول الرياضة الجزائرية لأول مرة المنافسة مثلها مثل ليبيا التي دشنت بدورها مشاركتها الأولى في هذه التظاهرة المتوسطية، وشكلت المشاركة النسوية في هذه الألعاب الحدث البارز، باعتبار أن المنافسة في دوراتها السابقة كانت حكرا على الذكور فقط، بالإضافة إلى تميزها بإجرائها لعملية مراقبة تعاطي المنشطات تطبيقا لتوصيات اللجنة الأولمبية الدولية.
من 1975 إلى 2022
أما الدورة السادسة التي نظمت بمدينة أزمير التركية عام 1971، فأقيمت بعد عام من رحيل مؤسسها طاهر باشا الذي وافته المنية عن عمر ناهز الـ91 عام، وهناك تنافس ـ بروح رياضية عالية ـ أبطال جاؤوا من 14 بلدا في 17 اختصاصا من أجل الفوز بـ430 ميدالية منها 139 ذهبية.
وفي عام 1975، كانت الجزائر عاصمة الحوض المتوسطي لأول مرة في تاريخها بعد مدينة إزمير التركية، لتدشن حضورها دولة منظمة للألعاب، باحتضانها فعاليات النسخة السابعة عام 1975، وكانت هذه الطبعة بحق دورة الأرقام القياسية، بمشاركة حوالي 2000 رياضي في 18 لعبة منهم، النجمان الإيطاليان بيتور مينيا (200 متر) وصارة سيمينوي (القفز العالي).
وبعيدا عن المنافسة، تميزت دورة الجزائر بالإضافة إلى النجاح الرياضي بتنظيم محكم أشاد به كل المشاركين، وبلغ حصاد الجزائر في هذه الدورة 20 ميدالية منها أربع ذهبيات، وبرز وقتها العداء بوعلام رحوي في سباق 3000 متر موانع، بالإضافة إلى الانتصار التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم على نظيره الفرنسي في النهائي (3-2 بعد الوقت الإضافي).
أربع سنوات من بعد، عرفت الدورة التي أقيمت بمدينة سبليت اليوغوسلافية (سابقا) رقما قياسيا جديدا من حيث عدد المشاركين بحضور 2500 رياضي ورياضية تنافسوا في 25 اختصاصا بثماني مدن مختلفة.
تلتها مدينة الدار البيضاء المغربية التي أرست فيها سفينة الألعاب في دورتها التاسعة عام 1983 بمشاركة 16 بلدا، وكان أكبر إنجاز للجزائر في هذه الألعاب من نصيب العداء عثمان بلفاع (القفز العالي) الذي تفوق على أحسن الاختصاصيين الأوروبيين.
ومن الدار البيضاء المغربية تحولت الألعاب إلى دولة سوريا ومدينتها اللاذقية التي استضافت الدورة العاشرة في 1987 بمشاركة 18 دولة، وشاءت الصدف أن تحتفل الألعاب المتوسطية بعيدها الـ40 بعاصمة ومهد الألعاب الأولمبية، أثينا باليونان التي كانت في الفترة الممتدة من 28 يونيو إلى 12 يوليو 1991، مسرحا لتنافس 3000 رياضي ورياضية وضعوا نصب أعينهم الـ663 ميدالية المقترحة للتنافس عليها.
وخلافا لما كان جاريا في الدورات السابقة، أقيمت النسخة الموالية بعد عامين فقط من دورة أثينا وكان ذلك بمدينة لانغ دوك روسيون بفرنسا عام 1993، وجاء هذا التغيير في البرمجة لتمكين دورة الألعاب المتوسطية من أن تقام بعد عام واحد من إجراء الألعاب الأولمبية.
وفي عام 1997، عادت الألعاب المتوسطية لعهدها السابق (أربعة أعوام) بمناسبة تنظيم مدينة “باري” الإيطالية للطبعة الـ13 التي تجند لها حوالي 3000 رياضي من 15 دولة في منافسة عادت السيطرة فيها للدولة المضيفة بمجموع 73 ميدالية منها 28 ذهبية.
وبعد إيطاليا حطت قافلة الوفود مجددا بالمنطقة المغاربية وتحديدا (تونس9 عام 2001 التي استضافت الدورة الـ14، ما أتاح للجزائر خلال تحطيم رقم قياسي من حيث عدد الميداليات الذهبية في تاريخ مشاركاتها، إذا فازت بـ10 ذهبيات من مجموع 32 ميدالية، وكان بطلها بالنسبة للمشاركة الجزائرية السباح سليم إيلاس الذي توج بذهبيتين في الـ50 متر والـ100 متر سباحة حرة.
وفي عام 2005، عادت الألعاب لتحط رحالها للمرة الثانية بإسبانيا حيث احتضنت مدينة ألميريا الإسبانية النسخة الـ15 بمشاركة 3203 رياضيا من 21 بلدا، قبل أن ترسي السفينة المتوسطية للدورة الموالية، للمرة الثالثة بإيطاليا وتحديدا ببيسكارا (2009)، ثم مرسين التركية (2013)، وتاراغونا الاسبانية (2018).
وبعد دورة تارغونا الأخيرة، تسلمت الجزائر مشعل الألعاب التي ستستقبل خيرة رياضيي البحر الأبيض المتوسط للمرة الثانية في تاريخها منذ الطبعة الأولى (1975)، وتحديدا بعاصمة الغرب الجزائري وهران التي تفتح أبوابها لاحتضان العرس المتوسطي في دورته الـ19.