اكتفت نادية عكاشة، مديرة ديوان الرئيس التونسي قيس سعيد، في إعلان استقالتها من منصبها بتدوينة مقتضبة كتبتها على حسابها الشخصي بموقع “فيسبوك”، لكنها تركت علامات استفهام كثيرة بين الأوساط السياسية تبحث عن إجابات.
نص التدوينة التي نشرت مساء اليوم قالت فيه نادية عكاشة: “قررت اليوم تقديم استقالتي للسيد رئيس الجمهورية من منصب مديرة الديوان الرئاسي بعد سنتين من العمل”. وتابعت “لقد كان لي شرف العمل من أجل المصلحة العليا للوطن من موقعي بما توفر لدي من جهد إلى جانب السيد رئيس الجمهورية”.
واكتفت عكاشة في تبرير قرار استقالتها بوجود “اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بالمصلحة الفضلى للوطن” دون تحديد تلك الاختلافات.
غير أن وسائل إعلام نقلت عن مصادر قولها أن استقالة نادية عكاشة مديرة ديوان الرئيس التونسي قيس سعيّد جاءت بسبب صراع مع مؤسسة الجيش التي ضغطت باتجاه مغادرتها للقصر الرئاسي.
وبحسب المصادر، فإن رئيس أركان الجيش محمد الغول رفض طلب عكاشة باعتقال رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ما دفع لاحقا المؤسسة العسكرية إلى الضغط نحو استقالة عكاشة، رفضا للزج به في الصراعات السياسية.
كما طلب الغول من الرئيس سعيّد إيجاد حل للأزمة السياسية دون أن يكون هناك خاسر من العملية، داعيا إياه إلى الاستعانة برجال دولة سابقين.
وما زال الرئيس التونسي سعيّد – تضيف المصادر – يحاول إقناع مديرة ديوانه بالتراجع عن استقالتها، محاولا لعب دور الوساطة بينها وبين الجيش.
وتوصف نادية عكاشة (41 عاما) -التي تولت منصبها أواخر جانفي/كانون الثاني 2020- بأنها الصندوق الأسود للرئيس وكاتمة أسراره. كما يتجاوز دورها حسب مراقبين الجانب الإداري بالقصر إلى تحديد السياسات العريضة للدولة وعلاقاتها الخارجية.
وفي كسر لكل الأعراف والبروتوكولات التي تتعلق بخطة مدير الديوان الرئاسي في تونس، ترافق عكاشة الرئيس في كل أنشطته وحله وترحاله، حتى تلك المتعلقة بمقابلة الرؤساء وكبار الشخصيات، فضلا عن حضورها اجتماعات مجلس الأمن القومي.
تقلدت عكاشة عدة وظائف أكاديمية في مجال القانون العام والدولي، لتشغل عام 2011 منصب مساعدة الخبير القانوني لدى بعثة ملاحظة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي، ثم مستشارة التقرير الختامي للبعثة. كما لعبت دورا كبيرا في التعريف بالمفاهيم السياسية المتعلقة بمشروع سعيد ورؤيته للحكم في علاقة بشعاره الشهير “الشعب يريد”.
وسبق أن وُجهت لمديرة الديوان المستقيلة انتقادات لاذعة من زملائها بالفريق الرئاسي من مستشاري الرئيس السابقين، كما اتهمت بأنها وراء استقالة عدة شخصيات في القصر بسبب تعاظم نفوذها وارتباطها بجهات أجنبية.
ويقول كثير من خصوم الرئيس قيس سعيد ومعارضيه السياسيين إن مديرة ديوانه كان لها دور مفصلي في ما وصفوه بخطة الانقلاب التي قادها سعيد في 25 جويلية/تموز الماضي، وأقال بموجبها رئيس الحكومة وجمد عمل البرلمان وتولى جميع السلطات، وأطلق عليها كثيرون لقب “عرابة الانقلاب” على الدستور والديمقراطية.
وكان موقع “ميدل إيست آي” البريطاني قد سرب وثيقة قال إن مصدرها مكتب مديرة الديوان عكاشة يعود تاريخها إلى 13 ماي/أيار 2021، وتتحدث عن تدبير خطة لـ “دكتاتورية دستورية” في البلاد.
ولا يزال الغموض يكتنف حادثة “الظرف المسموم” وما تم إعلانه منذ أشهر من تعرض عكاشة لمحاولة تسمم وإغماء، إثر فتحها ظرفا مشبوها وصل لمكتبها، خصوصا بعد أن أظهرت نتائج التحاليل والاختبارات الفنية للظرف “خلوه من أي مواد سامة أو مخدرة أو متفجرة أو خطرة”.
وفيما لم تتضح الأسباب الحقيقية وراء استقالة مديرة ديوان سعيد، ولم يصدر حتى اللحظة بيان رسمي أو تعليق من مؤسسة الرئاسة، يرجح كثيرون أن تكون وراء ذلك “صراع نفوذ” داخل القصر بين شق عكاشة وشق وزير الداخلية توفيق شرف الدين.
وتأتي استقالة عكاشة ضمن موجة استقالات سابقة عصفت بالفريق الرئاسي، وشملت مدير الديوان السابق طارق بالطيب، ومستشار سعيد السياسي عبد الرؤوف بالطبيب، والمكلفتين بالإعلام ريم قاسم ورشيدة النيفر، ومستشار الأمن القومي الجنرال محمد الحامدي، وآخرين.