في ظلّ الهجمة الشرسة التي يشنّها الاحتلال على الشعب الفلسطيني، تبقى قضية الأسرى عنوانًا للصمود والتحدي، حيث يخوض آلاف المعتقلين معركة يومية ضدّ آلة القمع الإسرائيلية، متسلحين بالإرادة التي لا تُهزم رغم محاولات السجانين الصهاينة كسرها بالتعذيب والتنكيل والحرمان.
تضع “الأيام نيوز” بين أيدي قرّائها هذا الملف الخاص، الذي أعدّه نادي الأسير الفلسطيني، ليكون شاهدًا على الجرائم الممنهجة التي تمارسها سلطات الاحتلال ضدّ الأسرى، ولتكشف للعالم الوجه الحقيقي للصهيونية كحركة استعمارية عنصرية لا تفرّق في قمعها بين شيخ وطفل، رجل وامرأة، مسلم ومسيحي، ما دام المستهدف فلسطينيًا متمسكًا بأرضه وحقّه في الحياة.
وعلى نهج الجزائر، التي خاضت ملحمة تحررها بثبات وتضحيات ولا تزال تخوض معركة الدفاع عن الشعوب المستضعفة، تواصل “الأيام نيوز” رفع صوتها دفاعًا عن الأسرى الفلسطينيين، أولئك الذين يدفعون بأرواحهم وأجسادهم ثمنًا للحرية، ويواجهون عتمة الزنازين بصبر وإرادة لا تلين، في معركة وجود تتجاوز الأسوار والجدران، لتُجسد روح النضال الفلسطيني.
هذا الملف ليس مجرد توثيق لجرائم الاحتلال، بل هو رسالة وفاء للأسرى، وإضاءة على نضالهم، وإعلانٌ بأن الاحتلال، مهما بلغ بطشه، لن يكسر إرادة الحرية التي تسري في عروق كل فلسطيني.

سلسلة 300 يوم حرب في جحيم السجون الصهيونية.. الحلقة (29) كيف عرفنا موعد رمضان وما هو سحورنا وفطورنا؟
بدأنا نترقب شهر رمضان 2024 في قسم 26 بـ سجن النقب الصحراوي، قبيل أيام، ونلح على كل أسير يخرج للمحكمة أو لزيارة محامٍ أو “بوسطة” أن يستفسر لنا حول الحسابات الفلكية، وإلى أي يوم تشير بأنه سيكون غُرَّة الشهر الكريم. الجميع يترقب بداية الشهر، ولكن كيف نعرف متى سيبدأ ونحن معزولون تمامًا عن العالم؟ لا راديو، لا هواتف، لا أخبار، لا شيء سوى أصوات السجَّانين وأقدامهم التي تجوب الممرات، تحمل معها المزيد من القمع، لا الأخبار.
كل أسير يخرج للمحكمة، أو للزيارة، أو حتى في “البوسطة”، كان يعود بقطرات شحيحة من المعلومات، وكأنها تهطل من سماء بعيدة. لأننا كنا معزولين عن العالم، حيث فقدنا آخر راديوفي القسم مطلع شهر يناير، وسبق ذلك قطع الاتصال الهاتفي بعد مصادرة كمية كبيرة من الهواتف والراديوهات. أصبحنا نتقصى أخبار الخارج عبر (المحاكم والمحامين و”البوسطات”)، وفي أحسن الأحوال، نصرخ نحو الأقسام الأخرى حتى يزودونا بما عندهم، غير أن غالبية أقسام النقب كانت آنذاك معزولة مثلنا تمامًا. حسب التوقعات وما يصلنا، فإن شهر رمضان لعام 2024 سيكون إما يوم الاثنين 11/3 أو الثلاثاء 12/3/2024، وأن مراقبة القمر ستكون بعد مساء الأحد.
عصر ذلك اليوم، اجتمعنا عند نوافذ الزنازين، وبدأنا نناقش: ماذا لو لم يصلنا تأكيد؟ هل نصوم احتياطًا؟ لكن ماذا لو لم يكن رمضان قد بدأ؟ من سيخرج غدًا للمحاكم أو الزيارات عليه أن يتحقق لنا من الخارج. قررنا: سنعلن صيامنا غدًا، ومن يخرج للمحاكم والزيارات، يتأكد لنا، وعند عودته، إن كان رمضان قد دخل، فنحن في السليم، وإذا لم يكن قد دخل، نفطر. بقي هذا النقاش دائرًا بيننا، رغم أن محاولات كثيرة من الشباب لمعرفة موعد شهر رمضان من خلال السجَّانين وضباط العدد والمناوبين منهم، قوبلت بالعزل التام، حيث كانوا ينكرون علينا أي معلومة، والرد كان صمتًا قاسيًا ووجوهًا متجهمة.
إلا أن بعض الشباب لم يتحمل هذا الإنكار للمعلومة ولم يتحمل الاجتهادات التي تطرح. كنا نعرف أن هناك راديو مخفي في قسم 27، الذي يقع خلف قسمنا، ويفصلنا عنه ساحة تبعدنا عنه ما يقارب 100 متر حسب تقديرنا، إضافة إلى الحواجز والموانع التي تحجب عنا الرؤية وسماع الصوت العادي.
بدأ أحد الشبان بعد صلاة المغرب بالصراخ على قسم 27، وتوحد خلفه بعض الشبان حتى يصلهم صوتنا، وفعلاً، بعد التكرار مرارًا، بدأنا نسمع أصواتهم وردَّهم علينا. وفجأة، وبصوت واحد، سأل الشبان بصوت عالٍ: “بكراااا صيام ولا لاااا؟”، فجاءنا الصوت مباشرة: “بكرااااا صيام! كل عام وأنتم بخير!”كان الخبر أشبه بانفجار ضوء وسط عتمة القيد. التفتنا لبعضنا البعض، فرحة خفية في العيون، وابتسامات رغم القيود. عرفنا أن رمضان قد حل!
لكن لحظات الفرحة لم تدم طويلًا، إذ دوى صوت اقتحام وحدة القمع. طرقات قوية على الأبواب، صراخ، تهديد، وعيد. لم يكن الأمر مفاجئًا، فقد كان الصراخ والتواصل بين الأقسام ممنوعًا. ومع ذلك، لم نكترث كثيرًا، فقد حصلنا على أهم معلومة كنا ننتظرها. رمضان كريم يا شباب، لكن انتظروا العقوبات غدًا”، قال أحد الأسرى مبتسمًا وهو يرفع حاجبيه بسخرية. في صباح اليوم التالي، بدأ “الانتقام”. عمليات تفتيش عنيفة، تبديل أسرى بين الغرف والأقسام، عقوبات جماعية، لكن رغم كل شيء، كنا نشعر بالسكينة. كان اليوم الأول من رمضان، وما عادت القيود تعني شيئًا أمام ذلك الشعور الإيماني الذي غمرنا جميعًا. حتى هذا اليوم، 10 مارس 2024، كان سجن النقب الصحراوي يُمنع فيه إقامة صلاة الجماعة، ومن يصليها يُعاقب بل ويُضرب، كما لا يوجد فيه أي مصحف، إذ تمت مصادرة جميع المصاحف خلال القمع المتواصل، الذي تزامن مع حرب الإبادة على غزة، وشمل أيضًا الأسرى الفلسطينيين في السجون. وتحديدًا، كان سجن النقب من أكثر السجون التي تعرضت للقمع، حيث مارست سلطات الاحتلال فيه كل أشكال العنف، وحرمت الأسرى من أبسط حقوقهم، من الطعام إلى العبادة. لكن رغم العزل، رغم القمع، رغم الحرمان، لم يتمكن السجن من حرماننا من رمضان. لقد حل الشهر الكريم، حتى خلف القضبان.
رمضان في سجن النقب.. بين قمع السجان ورحمة الشهر الكريم
كان شهر رمضان في سجن النقب شهر رحمة علينا، فبعد الترهيب والتهديد في ليلته الأولى، وتنفيذ الوعيد بالتنقلات والقمع، جاء نهار اليوم الأول حاملاً معه بعض التسهيلات التي لم نكن نتوقعها.
أعيدت لنا المياه على مدار الساعة بعد ثلاثة أشهر لم تكن تأتينا فيها إلا لمدة ساعة واحدة يوميًا، وتم توزيع مصحف واحد لكل غرفة في القسم، كما أعيدت إضاءة الكهرباء بعد انقطاع طويل، وأصبحت تعمل من الساعة الخامسة مساءً حتى العاشرة ليلًا.
ولكن أهم ما تغير كان السماح لنا بصلاة الجماعة، وخصوصًا الصلاة الجهرية، بشرط خفض صوت الإمام، وعدم سماع السجَّانين لآيات القرآن عند مرورهم في ساحة القسم.
رأينا في هذه التسهيلات إنجازًا عظيمًا، خفَّف عنا بعض التوتر، خاصة في الصلاة التي كنا نؤديها بسرعة خوفًا من العقاب. أما وجود مصحف في كل غرفة، فقد كان نعمة لا تُقدَّر بثمن، ليس فقط من الناحية الروحية، بل حتى على مستوى الذاكرة التي ترهّلت بسبب العزل وغياب أي معلومة جديدة. كنا محرومين من القراءة، وكأن عقولنا كانت في حالة سبات قسري.
ورغم أن مصحفًا واحدًا لم يكن يكفي عشرة أسرى في الغرفة الواحدة، إلا أننا وجدنا طريقة لتنظيم وقت قراءته. في غرفتي، كنا أحد عشر أسيرًا، وكان علينا أن نقتسم المصحف، بحيث يقرأ كل واحد منا ساعة أو أقل يوميًا، بين أوقات التفتيش، والعدّ، والنوم، خاصة أن الإنارة لم تكن متوفرة ليلًا.
أما عودة المياه على مدار الساعة، فقد كانت عيدًا حقيقيًا لنا. سأروي تفاصيل ذلك في مادة خاصة لاحقًا. قال أحد الأسرى وهو يمد يده ليتصفح المصحف: “على الأقل، هذا العام بدأ رمضان ونحن نعرف موعده”، ثم أضاف مبتسمًا: “ولكن السؤال الأهم… ما هو السحور والفطور غدًا؟”
انتظرونا في الحلقة (30): كيف كان طعامنا في رمضان؟
الشهيد الأسير خالد عبد الله.. انتظروا حريته فوصلهم نبأ استشهاده
تقرير: عبد الباسط خلف- جنين
كانت عائلة الأسير خالد محمود قاسم عبد الله (41 عامًا)، تنتظر بفارغ الصبر موعد حريته بالتزامن مع عيد الفطر، لكنها تلقت اتصالًا من محافظة جنين أبلغهم بنبأ استشهاده في معتقل مجدو.
وسرد شقيقه فادي اللحظات الصعبة التي عاشتها العائلة بعد المكالمة التي قلبت حياتهم رأسًا على عقب. قال بحزن وحرقة إن أطفال خالد الأربعة: البكر أدهم (15 عامًا)، وآدم، وتولين، ومنى (8 أعوام)، كانوا يستعدون بشوق لاحتضان والدهم، لكنهم علموا أنه لن يعود أبدًا، إذ استشهد في 23 شباط الماضي، ولم يعرفوا بذلك إلا منذ يومين.
أمنية تحوّلت إلى مأساة
وصف فادي حال العائلة بــ “المأساوي”، إذ انهارت رفيقة درب خالد بالبكاء، وأصبحت أمنيتها الوحيدة أن يُسلم الاحتلال جثمانه لتودّعه العائلة وتدفنه وتزوره في قبره.
أعاد فادي شريط الذكريات إلى مساء 9 تشرين الثاني 2023، حينما داهمت قوات الاحتلال منزل العائلة في حي حرش السعادة، واعتقلت خالد وإخوته شادي وفادي وعبد الله وإياد، لكنها أطلقت سراح اثنين لاحقًا، وأبقت على خالد وشادي وإياد.
يقول فادي إن شقيقه كان من المفترض أن يعانق الحرية يوم عيد الفطر، وفقًا لما أبلغهم به المحامي، وبدأ أطفاله يستعدون للعيد الأكبر بعودته، لكن الآية انقلبت رأسًا على عقب.
يحتل خالد الترتيب الثالث بين أشقائه، إذ يسبقه فادي ولبنى، ويليه إياد، وشادي، وعبد الله، ومنتصر. العائلة لا تزال تجهل تفاصيل استشهاده، ولم تتلقَّ أي معلومات رسمية عن ذلك، كما لم تحصل على إجابة واضحة بشأن ما إذا كان سيتم تسليم جثمانه أم لا، لكنها أكدت أن خالد لم يكن يعاني من أي أمراض قبل اعتقاله.
يصف فادي صدمة العائلة المزدوجة، إذ تلقوا اتصالًا ثانيًا من نادي الأسير، توقعوا أنه يحمل لهم خبر الإفراج عن خالد، لكنه كان لإبلاغهم بضرورة توكيل محامٍ لرفع دعوى ضد الاحتلال.
فاجعة متكررة.. دموع لا تجف
كشف فادي عن مأساة أخرى حلت بالعائلة، فوالده توفي قبل 8 سنوات في معبر الكرامة أثناء سفره لزيارة أقاربه، وعاد إليهم في تابوت. أما والدته منى، فقد توفيت في خريف 2023 بنفس الطريقة، حينما كانت متوجهة إلى مدينة إربد الأردنية لزيارة قريباتها، لكنها دفنت هناك، ولم تتمكن العائلة من وداعها أو استعادة جثمانها.
أما عن أخبار خالد وشادي وإياد، فقد انقطعت تمامًا منذ بداية العدوان في تشرين الأول 2023. ومع ذلك، وصلت للعائلة رسالة من أسير محرر قبل فترة، أدخلت بعض الطمأنينة إلى قلوبهم، إذ أبلغهم أن الأشقاء الثلاثة محتجزون في المعتقل نفسه، ولكن في أقسام مختلفة: خالد في قسم (2) إياد (المعتقل إداريًا) في قسم (10) شادي (الذي ينتظر المحاكمة) في قسم (10) لكن بعد فترة وجيزة، تلقت العائلة نبأ استشهاد خالد، إلى جانب خبر وفاة والدتهم.
تعلم القراءة خلف القضبان
يقول فادي إن خالد لم يُكمل تعليمه المدرسي، إذ ترك المدرسة في وقت مبكر، وبدأ العمل في مصنع للحديد منذ صباه، لكنه تعلم القراءة والكتابة داخل السجون.
كان الاحتلال قد حكم عليه بالاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر، ثم مددها لثلاثة أشهر إضافية، ثم أربع أخرى، ثم أربع مجددًا. وأخيرًا، ثبتوا إطلاق سراحه في 30 آذار الجاري، لكن بدلاً من ذلك، وصل نبأ استشهاده.
النجمة 298 في سجل شهداء الحركة الأسيرة
وفقًا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، فإن خالد هو الأسير الثالث الذي يُعلن عن استشهاده خلال أسبوع واحد، ليرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ بدء العدوان إلى (61)، وهو العدد الأعلى والأكثر دموية في تاريخ الأسرى الفلسطينيين منذ عام 1967.
كما أن خالد يحمل الرقم 298 بين شهداء الحركة الأسيرة المعلومة هوياتهم منذ نكسة 1967، بينما ارتفع عدد الأسرى الذين يحتجز الاحتلال جثامينهم إلى (70)، بينهم (59) استشهدوا منذ تشرين الأول 2023.
وصفت الهيئة والنادي استشهاده بأنه جريمة جديدة تضاف إلى سجل الجرائم الإسرائيلية المتوحشة، والتي بلغت ذروتها منذ بدء حرب الإبادة.

العرس الأبيض.. مجموعة قصصية للأسير المحرر هيثم جابر
العرس الأبيض مجموعة قصصية للكاتب والأسير المحرر هيثم جابر، وتقع المجموعة في 176 صفحة من القطع المتوسط، وهي من إصدارات مكتبة سمير منصور في غزة/فلسطين بطبعتها الثانية سنة 2022.
تتألف المجموعة من 21 قصة قصيرة تمتد على 176 صفحة، وهي مجموعة فلسطينية ووطنية بامتياز، فكما كان الكاتب مناضلًا على أرض الواقع، جاء قلمه ليعكس هذا النضال بأسلوب أدبي رائع وحس وطني عالٍ، ليكتمل المشهد بين المبدأ والمعتقد واقترانهما بالسلوك والطريق. تجسد المجموعة حكايات فلسطينية ذات مضمون وطني ونضالي متعدد المسارات، مما يؤكد تكاملية أساليب الفعل النضالي الفلسطيني، حيث يبرز النضال الفلسطيني كحدث إنساني فريد من نوعه، له امتداداته في مختلف الميادين.
تحفل المجموعة بمشاهد قصصية نابضة بالحياة، حيث يعيد الكاتب إحياء الأحداث وصياغتها أدبيًا، مقدّمًا إياها في قوالب قصصية تتماشى مع الصراع اليومي والطويل ضد الاحتلال.
كتبت المجموعة بلغة أدبية سلسة، ذات ديناميكية حركية، تتناسب مع طبيعة السرد القصصي وتخدم القيمة الوطنية والإنسانية للمحتوى. وقد اعتمد الكاتب أسلوب الراوي العليم، مما منحه القدرة على إدارة شخصيات قصصه بحرية مطلقة، وجعل كل قصة تحمل فكرته وتعكس رؤيته النضالية بوضوح.
تلعب هذه المجموعة دورًا مهمًا في تشكيل الوعي الجمعي الفلسطيني، إذ تسهم في التعبئة والتحريض، وخلق جيل وطني يحمل الأمانة ويدرك أبعاد قضيته، وهو ما يجعلها أداة لتنمية الوعي الجماعي الفلسطيني وترسيخه.
في هذه المجموعة، التي قدّم لها الأديب الراحل غريب عسقلاني، يكتب الكاتب من واقع الألم والمعاناة، مبدعًا في التقاط التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى قصص مؤثرة. تتناول قصصه أبعاد النضال الفلسطيني، بما في ذلك الواقع الأسري، والاجتماعي، والاقتصادي، حيث يدور كل شيء حول المناضل والفدائي والمقاوم، الذي يسخر حياته للدفاع عن قضيته حتى آخر رمق.
في المجموعة، يخوض بطل القصص معارك متواصلة مع واقعه، حيث نراه في إحدى القصص يناضل ويقاتل ويصاب، وفي أخرى يحب ويتزوج وينجب، وفي ثالثة يُطارد ويُعتقل ويُستشهد رفاقه، وفي رابعة يُذلّ ويُهان على الحواجز، وفي خامسة يبيع كل ما يملك لشراء بندقية يقارع بها الاحتلال.
تتنوع موضوعات القصص بين المقاومة، الحب، الألم، الصمود، والتضحية، ومن أبرزها: في ص 59 يتناول الكاتب الروح النضالية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء. في ص 63 يتحدث عن الحق التاريخي الفلسطيني. في ص 71 يناقش موضوع الحب الممنوع في ظل الاحتلال. في ص 87 يروي حكاية الإيثار داخل المعتقل في قصة “الموت الأحمر”.
في ص 92 يحكي قصة “اغتيال القمر”، حيث تمتزج التضحية بالحب والانتقام والمطاردة والاستشهاد. في ص 115 يسرد “طوق الكرامة”، حيث تبيع النساء مصاغهن الذهبي لشراء سلاح للمقاومة. في ص 124 يروي “اللقاء الأول والأخير”، متناولًا المآسي العائلية داخل المجتمع الفلسطيني، حيث يجتمع الأب والابن داخل الأسر.
أما قصة العرس الأبيض، التي أخذت المجموعة اسمها منها، فتدور في ص 49، وتحكي عن حكاية حب ووعد بالزواج، تزامنًا مع رفض البطلة للإذلال على الحواجز، فيقرر البطل تنفيذ عملية فدائية ضد جنود الاحتلال، ويُصاب بعدة طلقات نارية ويدخل في غيبوبة استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، ليصحو بعدها ويجد أن حكاية الحب لا تزال قائمة رغم كل شيء.
في ص 37، يسرد الكاتب معاناة الفلسطيني الذي يهرب من موت إلى موت، ليطاله الموت في النهاية. أما في ص 25، فيتناول في “ذاكرة جرح” كيف تولد الرغبة في المقاومة والانتقام حتى لدى الفتيات، من خلال شخصيات خلود، وشيماء، وفيحاء، وخالد.
وفي ص 20، تحكي “أعراس الدم” عن طفولة الفلسطينيين التي تُسلب منهم بفعل الاحتلال، حيث يسأل طفل أمه: “ماذا يعني أن يكون أبي شهيدًا؟”. أما في ص 9، فيروي الكاتب المواجهة الأولى للطفل الفلسطيني مع الموت، عندما تخبره إحدى زميلاته بابتسامة ساخرة بأن جدته قد توفيت. هذه المجموعة تذكرنا بأعمال روّاد القصة الفلسطينية، مثل نجاتي صدقي، ومحمد أديب العامري، سميرة عزام، غسان كنفاني، رشاد أبو شاور، توفيق فياض، يحيى يخلف، غريب عسقلاني، وغيرهم، الذين كان لهم السبق في إثراء السرد الفلسطيني بقصص ذات بعد وطني وإنساني.
عن الكاتب:
وُلد الكاتب والأسير المحرر هيثم جمال علي جابر بتاريخ 10-12-1974 في قرية حارس قضاء سلفيت. حصل على الثانوية العامة داخل سجون الاحتلال، ثم التحق بـجامعة النجاح الوطنية عام 1999 لدراسة الصحافة والإعلام، لكنه لم يتمكن من إكمال عامه الأخير بسبب الاعتقال، فأتمه داخل الأسر. أثناء اعتقاله، التحق بـجامعة الأقصى في غزة، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ ويتقن اللغة العبرية، وهو مختص في الشؤون الصهيونية.
اعتُقل ثلاث مرات:
الأولى: 17-3-1991، وأمضى عامين ونصف بتهمة إلقاء زجاجات حارقة على آليات الاحتلال، وتم الإفراج عنه في 7-9-1993.
الثانية: 20-2-1995، حيث حُكم عليه بالسجن 4 سنوات ونصف بتهمة محاولة تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وتم الإفراج عنه في 10-6-1999.
الثالثة: 23-7-2002، حيث حُكم عليه بالسجن 28 عامًا على خلفية تنفيذ عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال. تنقل بين عدة سجون، حتى تم الإفراج عنه ضمن الدفعة الثالثة بعد عملية السابع من أكتوبر (الطوفان).
له عدة مؤلفات، منها: ديوان “زفرات في الحب والحرب” (ثلاثة أجزاء).رواية “الأسير 1578″، التي تتناول حياة الأسرى داخل السجون.رواية “الشهيدة”، التي تعالج البعد العربي والإسلامي والفلسطيني للقضية.المجموعة القصصية “العرس الأبيض”.كتاب “رسائل إلى امرأة” (تحت النشر).كما نُشرت مقالاته في جريدة القدس والصحف الجزائرية.

ملح الأرض
ما من شيء يُسلّط الضوء على فكر النخبة من مسيحيي فلسطين بقدر ما قاله أمين عام الجبهة الشعبية سابقًا، جورج حبش، حين عرّف ذاته قائلًا: “أنا إسلاميّ التربية، مسيحيّ الديانة، اشتراكيّ الانتماء”.
ولعل ما من حادثة تجسّد التعايش الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين أكثر من حصار كنيسة المهد عام 2002، عندما احتمى المقاومون الفلسطينيون داخلها. وعلى الرغم من الأزمة التي تفجّرت عام 2017 بشأن تورّط الكنيسة الأرثوذكسية في بيوعات أراضٍ بالقدس، فإن موقف المسيحيين الفلسطينيين لم يتغير، بل كانوا في طليعة الرافضين والمندّدين بالحادثة. وقد تجلى ذلك في اعتراض مئات المصلّين على موكب بطريرك الروم الأرثوذكس كيريوس ثيوفيلوس، حيث قاموا بقذفه بالبيض، مما اضطر قوات الأمن الفلسطينية إلى تهريبه بسيارة.
ارتبط المسيحيون الفلسطينيون تاريخيًا بالهجرة إلى أميركا اللاتينية، حيث أسّسوا جاليات فلسطينية قوية، أوصلت بعض أفرادها إلى سدة الحكم، كما في هندوراس عندما حكم كارلو فقوسة، أوفي السلفادور عندما تولّى أنطونيو سقا منصب الرئاسة، بينما تشيلي تضمّ اليوم أكبر جالية فلسطينية مسيحية في العالم.
لم يكن مسيحيو فلسطين العمود الفقري للتشكيلات اليسارية فحسب، بل كانوا في طليعة النهضة التعليمية والمهنية والثقافية والاقتصادية، مستفيدين من الدعم الذي قدمته الكنيسة في مجالات التعليم والصحة، وهو دعم لم يقتصر على المسيحيين فقط، بل شمل المجتمع الفلسطيني والعربي ككل.
عندما اتهم اليمين اللبناني الحركة الوطنية الفلسطينية بإخلال المعادلة السكانية في لبنان خلال فترة وجود منظمة التحرير هناك، تصدّى المثقفون الفلسطينيون، وعلى رأسهم الدكتور عزالدين المناصرة، لهذا الادعاء، مؤكدين أن المعيار الديني لم يكن حاضرًا في تشكيلات المنظمة، وهو ما كان واضحًا في ذلك الوقت، حيث لم تكن الحركات الإسلامية قد ظهرت بعد، ولم تكن الثورة الإسلامية في إيران قد ألقت بظلالها على المنطقة.
وعندما تزوّج الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من سهى الطويل، المسيحية الفلسطينية، كان جورج حبش شاهدًا على عقد زواجه، رغم الخلافات الأيديولوجية والسياسية العميقة بينهما.
كل هذه المعطيات أسّست لحالة من التعايش الحقيقي بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، منذ ما قبل الاحتلال، وخلاله، وفي ظل الحركة الوطنية الفلسطينية. بل إن شخصيات بارزة مثل الدكتورة حنان عشراوي أصبحت الواجهة الإعلامية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الغرب.
وعندما سُئل جورج حبش في إحدى المقابلات عن المناضلات المنتسبات للجبهة الشعبية اللاتي يرتدين الحجاب، أجاب بأن مناقشة هذا الموضوع تُعدّ ترفًا فكريًا لا تحتمله ظروف الثورة. ولطالما كان حبش ورفيقه وديع حداد، المسيحيان، يتجاوزان الجدلية الدينية تمامًا، متمترسين خلف القومية العربية التي كانت بالنسبة لهما البديل عن أي نقاش ديني في ظل النضال الفلسطيني.
من بين المسيحيين الفلسطينيين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للقضية، الناطق الإعلامي الأشهر باسم منظمة التحرير، كمال ناصر، الذي اغتالته فرقة إسرائيلية في منزله في منطقة الفردان ببيروت، حيث أُفرغ في جسده وابل من الرصاص، قبل أن يُصلب، في مشهد وثّقته الكاميرات عند اكتشاف الجريمة.
لطالما ارتبط مسيحيو فلسطين بالطبقة المثقفة والمستنيرة، وقدّموا نتاجًا فكريًا عالميًا، كما هو الحال مع إدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني الذي انعكس تنوّعه الجغرافي بين القدس والقاهرة وأميركا على نتاجه الفكري، حيث ركّز على العلاقة بين الشرق والغرب. وقد كان لشقيقته روزماري سعيد حضورٌ بارزٌ في الصحافة العالمية.
أما خليل السكاكيني، فقد كان رمزًا في حقل التربية وتعليم اللغة العربية، إذ تعامل مع اللغة العربية بقدسية بالغة، حتى عندما نشر في مطبوعات أميركية.
وفي وقتٍ كان فيه العالم العربي غارقًا في عصور الظلام، كانت مي زيادة تتصدر المشهد الثقافي، حيث كان الأدباء والمفكرون يتوافدون على مجلسها من أنحاء العالم العربي. لقد أتقنت تسع لغات، وتركت بصمة ريادية في فلسطين والعالم العربي.
يحفل السجل الفلسطيني بأسماء كثيرة من المسيحيين الفلسطينيين الذين كرّسوا أنفسهم كمثقفين ومبدعين، ومنهم في مجالات مختلفة:
الأدب والصحافة: سميرة عزام، شيرين أبو عاقلة، هيام روحانا، فدوى روحانا، سهر روحانا.
الموسيقى والفنون: سيمون شاهين، الثلاثي جبران، أمل مرقص.
السينما: إيليا سليمان، آنماري جاسر، إيميلي جاسر.
الفنون التشكيلية: سليمان منصور.
إنهم ليسوا فقط ملح فلسطين، بل ملح الأرض…

فقط يحدث في غزة!
يبحث الناس بين أكوام الركام، وتحت تلال التراب وكثبان الرمال، عن أبنائهم الذين قضوا في المجازر، ولم يعرفوا بعد أماكن دفنهم، ليُطفئوا بمواراتهم النار التي ما زالت تضطرم في أفئدتهم، وتجعل النوم يُجافي عيونهم.
في كلّ يوم، ومع توفّر بعض الجرافات، يتم الإعلان عن انتشال أعداد جديدة من الشهداء، الذين يُعاد دفنهم بما يليق بهم، بينما يتجرّع ذووهم مرارة الغياب عن موائد الإفطار في رمضان.
على كتفها نعش ابنها، وهي تُسرع الخطى لمواراته الثرى، تختلط مشاعرها بين الفرح المشوب بالحسرة؛ سعيدةً للعثور عليه بعد ثلاثة أشهر من استشهاده، وموجوعةً لعدم تحقق أمنيتها في دفنه بجوار شقيقه، الذي سبقه إلى الثرى قبل أيام.
لقد أصبح دفن الأشقاء بجوار بعضهم البعض أقصى أماني الأمهات المكلومات بفقد الأزواج والأبناء والبنات… فقط… يحدث هذا في غزة!
شيطنة رمضان!
هي سياسة “إسرائيلية” ممنهجة، تقوم على الإرعاب والإرهاب والشيطنة، للتغطية على مخططات وجرائم مُعدّة مسبقًا، يتم إخراجها من الأدراج وتنفيذها خلال الشهر الكريم، حيث يُمارس المسلمون عباداتهم في أجواء الصفاء الروحي.
افتعال الأحداث، والتضييق على الناس، وتهجيرهم من بيوتهم في المخيمات، وإطلاق أيدي المستوطنين لمصادرة الأراضي وتدمير الممتلكات، كلها أساليب تهدف إلى استجلاب ردود فعل من الضحايا، الذين لا يملكون غير الصبر على البلاء، والبكاء على منازلهم التي يُطردون منها إلى المجهول، ويُمنعون من العودة إليها، بينما يُقتل أبناؤهم في متوالية الاستفزازات التي تسعى إلى جعل المكان غير صالح للحياة.
القتل بلا سبب، كما حدث مع الطفل أيمن الهيموني، الذي أُردي قتيلًا أمام والده في الخليل، أوكما جرى في سحل شابٍّ من ذوي الاحتياجات الخاصة في الفوار، أو إعدام آخر بعد إطلاق النار عليه في دورا، كلها أفعال هدفها استفزاز الضحايا الذين صادفَ وجودهم في المكان، لتبرير عمليات القتل والسحل والاعتقال.
رمضان بالنسبة للمؤمنين هو شهر الخير والبركات والعبادات، تُغسل فيه القلوب من أدران المعاصي والذنوب، وتُطوى فيه صفحات الماضي، وتنفتح أخرى بقلوب صافية، ونفوس مطمئنة راضية مرضية.
بالصوم نقاوم أهواء النفس، وبالصدقات نُطفئ السيئات، ونُطعم الطعام “على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا”، وبسلاح الحياة نُقاوم الاحتلال، ونعزز وجودنا على أرضنا، ونرابط في مقدساتنا التي نُسيّجها برموش عيوننا.
استشهاد علي البطش في سجون الاحتلال.. جريمة جديدة بحق الأسرى الفلسطينيين
أبلغت هيئة الشؤون المدنية هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، باستشهاد المعتقل علي عاشور علي البطش (62 عامًا) من غزة، يوم 21 فبراير 2025، في مستشفى سوروكا، بعد أيام من نقله من سجن النقب الصحراوي، ليضاف إلى قائمة الشهداء الذين ارتقوا نتيجة الجرائم الممنهجة التي تُمارسها إدارة السجون الإسرائيلية، منذ بدء حرب الإبادة، في مشهدٍ يُجسّد وجهًا آخر من أوجه الإبادة الجماعية بحق الأسرى.
وقالت الهيئة والنادي، إن الشهيد البطش، وهو متزوج وأب لستة أبناء، اعتُقل في 25 ديسمبر 2023. وأضافا أن الاحتلال لا يكتفي بقتل الأسرى، بل يتعمّد التلاعب بالمعلومات حول مصيرهم، مما يُفاقم آلام عائلاتهم. فقد درجت إدارة السجون على التأخير في الكشف عن مصير الشهداء، إذ لا يتم إبلاغ العائلات باستشهاد أبنائها إلا بعد أيام أو حتى أشهر، في محاولةٍ منه للتنصّل من أي مساءلة دولية.
وأكدت هيئة الأسرى ونادي الأسير، أن البطش هو المعتقل الرابع الذي يُعلن عن استشهاده خلال فترة وجيزة، ما يرفع عدد شهداء الأسرى منذ بدء الحرب إلى (62)، من بينهم على الأقل (40) من غزة. وهو العدد الأعلى تاريخيًا، ليجعل من هذه المرحلة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الأسيرة منذ عام 1967. كما ارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة المعلومة هوياتهم منذ عام 1967 إلى (299)، فيما بلغ عدد جثامين الأسرى المحتجزة لدى الاحتلال (71)، من بينهم (60) منذ بدء الحرب.
وأوضحت الهيئة والنادي، أن قضية استشهاد البطش تمثل جريمة جديدة تُضاف إلى سجل منظومة التوحش الإسرائيلي، التي وصلت إلى ذروتها منذ بدء حرب الإبادة. وحذّرا من أن وتيرة تصاعد استشهاد الأسرى ستأخذ منحى أكثر خطورة مع استمرار احتجاز الآلاف من المعتقلين في ظروفٍ كارثية، تشمل التعذيب، والتجويع، والحرمان، والاعتداءات الجسدية والجنسية، والإهمال الطبي المتعمد.
وحمّلت الهيئة والنادي الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهاد البطش، وجددتا مطالبتهما للمنظمات الحقوقية الدولية باتخاذ خطوات فعلية لمحاسبة قادة الاحتلال، وفرض عقوباتٍ دولية تعيد للمنظومة الحقوقية دورها الحقيقي، وتُنهي حالة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها “إسرائيل” بفضل الغطاء الاستعماري الذي يحميها.
9500 معتقل في سجون الاحتلال حتى بداية مارس
أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، بأن عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال تجاوز (9500) أسير حتى بداية مارس 2025.
وأوضحت الهيئة والنادي، أن من بين الأسرى:
أكثر من (350) طفلًا.
(21) أسيرة.
(3405) معتقلين إداريين.
(1555) أسيرًا من غزة، وهو رقم لا يشمل كافة معتقلي القطاع، لا سيما المحتجزين في معسكرات الاحتلال.
قبل بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023، كان عدد المعتقلين في سجون الاحتلال (5250)، موزعين على (40) معتقلًا، بينهم (170) طفلًا، ونحو (1320) معتقلًا إداريًا.