“الأيام نيوز” تستطلعُ آراءَ نخبةٍ من الكُتَّاب العرب.. هل ما زالتْ القراءةُ وُقُود الكاتِبِ ومُحفِّزه على الكتابة؟

يتَجلّى أثَرُ القراءةِ في كتابات الكُتَّاب، لا سيما، في الجوانب المُتعلِّقةُ باللغة والأسلوب والتراكيب وعُمْق الأفكار ومدى الخيال.. وتكْشفُ كُتُب التَّراجم والسِّيَر أنَّ القدماءَ من أمثال: الجاحظ، والتَّوحيدي، وعبد الحميد الكاتب.. اشتهروا بالقراءة أكثر من اشتهارهم بالكتابة، ذلك أنَّ الواحد منهم كان يستأجرُ محلاَّت الوَرَّاقين وصُنَّاع الكتب فيقضي ليلَه مُنهمِكًا ومستغرقًا في القراءة.

الكُتَّابُ المعاصرون أيْضًا كانوا يقضُون السَّاعات الطِّوال مُبْحِرين في عوالِم الكُتب، حيث أنَّ القراءةَ كانت من عاداتهم وتقاليد حياتهم اليَّوميَّة، ونَعني قراءة الكُتب وليس غيرها من حوامِل المعلومات.. فماذا عن القراءةِ مع كُتَّابِ أيَّامنا هذه؟ كمْ يقرؤون، وماذا يقرؤون، وما علاقتهم بالمكتبات العمومية؟ وجَّهت جريدة “الأيَّام نيوز” هذه التَّساؤلات وغيرها إلى نُخبة من الكُتَّاب العرب، فكانت إجاباتهم في الورقات التّالية..

 

أحمد قائد بن سلام
أحمد قائد بن سلام (أديب وشاعر من اليمن)

اقرأْ لتكتب..

إذا أردتَ أن تكتبَ فعليك أولاً أنْ تقرأ، فالقراءةُ ركنُ أساسٍ ترتكزُ عليه الكتابة. فالعلاقة بين القراءة والكتابة كالعلاقة بين الماء والزَّرع.. القِراءةُ ثَراءٌ بالمعرفةِ والفكرِ واللُّغة والخُلُق والأدب والذَّوقِ والمشاعر والجَمال. القِراءةُ حِوارٌ مع الأفكار والآراء والتصوُّرات والأخِيِلة، والتقاءٌ مع أصحابها على صفحات الكتب.. فكلَّما قرأتَ أكثر، زادتْ ثروتك من المعلومات وزاد مخزونك الثقافي. وإذا لم تقرأْ ماذا عساك أنْ تكتبَ؟ ففاقِدُ الشيء لا يعطيه.

وتعمل القراءةُ على رفع مستوى وعي وإدراك الشخص للأمور من حوله، وتجعله قادرًا على التَّعامل مع المواقف التي تواجهه في حياته اليومية، وتجعل منه فردًا إيجابيًّا ذا مكانة في مجتمعه نافعًا لهم.. وعلى قدْر ثقافة الكاتبِ المكتسبة من قراءته يكون نتاجُه من الكتابة المفيدة المُؤثِّرة في مجتمعه ومحيطه.

واليوم أصبحت القراءة متاحة للجميع بفضل التطور العلمي الحاصل في عالمنا الذي جعل الحُصول على المعلومة أمرًا أكثر سهولة من أيّ وقت مضى. ولكنّي هنا أشدِّدُ على القراءة في الكتب المطبوعة، فالقراءة في الكتاب المطبوع تولِّدُ نوعًا من التفاعل بين القارئ والكتاب والمُحتوى، على عكس الكتب الإلكترونية التي تتخللها الكثير من مُشتِّتات الانتباه..

ومُؤخرًا نلاحظ قلَّة زُوَّار المكتبات العامة بسبب توفُّر الكتاب الإلكتروني والمواقع الإلكترونية التي توفِّر للقارئ ما يريد معرفته، واكتفاء القارئ بمكتبته الإلكترونية.

الكتاب هو الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لا يُغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق ولا يعاملك بالمكر ولا يخدعك بالنفاق ولا يحتال عليك بكذبٍ.

القِراءةُ عِشقٌ، عِشقٌ للكُتب، عِشقٌ لا يتركك تعيشُ إلاَّ والكتاب قرينك، في الحِلِّ والترحال، معك وأنتَ تأكل، وأنت تمشي، وأنت تشرب، وشريكك في الفِراش، الكتاب الجميل يُذهلك عن نفسك.. فلنجعل الكتاب جليسنا ومؤنسنا في حلنا وترحالنا.

وقد قال أبو الطيب المتنبي واصفًا الكتاب:

أَعَزُّ مَكانٍ في الدُّنى سَرجُ سابِحٍ — وَخَيـرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِـتابُ

ولا أرى وقتًا مُحدَّدا للقراءة أو عددًا مُعيَّنًا من الكتب، فكلما سنحتْ الفرصة اقرأْ، ومهما كنتَ تعتقد أنك مشغول، لا بدّ أنْ تجد وقتًا للقراءة، وإلاَّ سلِّمْ نفسَك للجهل الذي قضيتَ به على نفسك. ويجب على القارئ اختيار كتابه بعناية، فليس كل كتاب يستحقُّ القراءةَ.

والقارئ المحبُّ للثقافة العامة لا يحصرُ قراءته في مجالٍ محددٍ، بل يقرأُ في جميعِ المجالاتِ، العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية.. لتتولَّد لديه ثقافةٌ عامةٌ تجعله قادرًا على الإبحار في أيِّ مجال.

ومع تطور وتراكم المعرفة لدى الإنسان، أصبحتْ الكتابةُ عملاً إبداعيًّا هادفًا وعملية مُركَّبة تستمدُّ قِيمتَها من خلال امتزاج الإبداع مع الثقافة المكتسبة من القراءة المُسْبقة للقارئ. وكلما كان القارئ واسعَ ومُتنوِّع الثقافة، كانت كتاباته متميزة وغنيَّة في محتواها وتراكيبها، أَكانتْ أدبيةً: شعرًا أو نثرًا أو قصة أو رواية.. أو كانت علميةً: كالبحوث والدراسات والأطروحات والرسائل العلمية المختلفة..

 

إلهام بورابة (شاعرةٌ وروائيَّة من الجزائر)

إنَّنا نقرأ بأمْر الله.. “اقرأ” وكفى

في البدء كانت كلمة ” اقرأ”، أمرٌ سماويٌّ، لذلك فإنَّ فعل القراءة هو أسْبق من فعل الكتابة، كأسْبقيَّة الجنة على حياة الأرض لآدم.. إنّما الكتابة هي تحميل كل ما قرأناه في السطور، في كتاب.

الكِتابُ صديقٌ والقراءةُ أُمٌّ

إذا كان الكتاب هو الصديق الوفيُّ، فإنَّ القراءةَ أمٌّ. وهذه الصيغة المؤنثة تعلّمنا كيف نحيا في اطمئنان وبحنان. ولهذا السبب ترتبط القراءة بعادات حميمة مثل تناول ترويقة ونحن نقرأ، تُذكِّر بمرحلة اللذة الفمية التي يعيشها الطفل ليُشبِع رغباتَه حسب مراحل النمو النفسي، أو اتباع طقوس معيّنة متعلّقة بحسّ الأمومة كأنْ نضَع الكتابَ على الحِجْر تمثُّلاً لحِجْر الأم، وعلى الصدر، ووضعه بين اليدين احتضانًا، خاصة إذا كنا نقرأ ونحن في أشدِّ أوقاتنا وجعًا.. غالبًا، لا تحتاج القراءة كل هذه العادات والطقوس، إنَّما تحتاجُها نفسيَّتُنا الشعورية واللاشعورية، وما استغلال القراءة لها إلا تلبية لحاجاتنا النفسية ورغباتنا السوِيَّة بطبيعة الحال.

أثرُ القراءة كأثَرِ الفراشة..

للكتاب أثرُه المادي، بينما أثرُ القراءة كأثر الفراشة لا يُرى، لكنه مُستشعَرٌ في المشاعر، في الأخلاق، بل حتى في الخيال عندما نطلق العنان ساهمين في عوالم من الأحلام نتخيّر للقصص والروايات التي نقرأها معابر أخرى من مَحْض براءتنا، لا نريد لمَّا نقرأ أنْ يستحوذ على كيْنونتِنا، بل نحن من يسيطر ويوجِّه القراءةَ نحو آفاق أخرى، فـتُهيْمن الأسئلةُ والافتراضات والاحتمالات والتفكير في تغيير جُمَلٍ والذهاب بالمعاني وفق ما يروق لنا بما يحكم للمقروء أو يحكم عليه. فنصدِر انطباعَنا بلا غش ولا ظلم. وبهذه الطريقة نمنح القراءةَ صفة العدل، فيصفو الذهن ويستقبل أفضل في قراءاته الكلمات بصفتها المكتوبة وبآثارها في الدلالة، فيستوجب ذلك فهم ما نقرأ ومناقشته ومشاركته مع قرّاء مثلنا موهوبين أو عاديين لنرى فروق التلقِّي وتباين الفهم وأثر القراءة في بناء الشخصية أو العكس، كيف يتدخل بناء الشخصية لكل واحد منا في طريقة استيعاب ما نقرأ والعمل به وتطويره إلى فضاء تبادل وتجاذب النصوص المخفية، وكيف يمكن لكل قارئ أن يستشعر بطريقته الخاصة ما بين السطور، وهل فعلا النص الحقيقي ليس المكتوب وإنما المنطوق في المناقشات؟

القراءةُ فنٌّ وفِعْلٌ جميلٌ

إنَّ القراءةَ فنٌّ وفِعْلٌ جميل وتَعطُّرٌ برائحة الورق خاصة بالنسبة لنا كجيل متقدّم في السن، إلّا أنَّ تقدّم التكنولوجيا قد يعطّل حاسة الشم لدى الجيل الجديد، فالكتاب الإلكتروني طغى ومع هذا فالمهم هو فعل القراءة كيفما كان، أن يستمر هو المراد. وأيضا، لا خوف على الكتاب الورقي فضرورته من ضرورة الذكريات لنحيا، إننا نعود إلى كتابٍ بين صفحاته جفّـفنا الوردَ تجفيف الدموع، أو خبّأنا رسالةً، أو قُصاصات ورق دوّنا عليها ملاحظات لنصافح كاتبَه إذا كنّا نعرفه. وهكذا، فنحن نُسبِّل للقراءة ما استطعنا كي لا تكون لنا بها علاقة واحدة، بل علاقات وارتباطات. فإذا غمّ علينا سبيلٌ توجّهنا إلى آخر. وسواء ارتبطتْ القراءةُ بأمْكنة خاصة أو حرّة.. قد يقرأ الطُلاَّب في مكتبات الجامعات، والباحثون في المكتبات العمومية، لكن أين تقرأ ربّةُ الدار، والرجال العاطلون عن العمل، والمتقاعدون؟ للنساء القارئات بيوتهن، حتى لو كان الكتاب في فن الطبخ والخياطة والاعتناء بالزهور. ويمكن لواحدة مثلي أن تقرأ في الفضاء الحر، في الحدائق العامة.

كُتُبٌ لتدفئةِ العاطلين عن فعل القراءة

أجل، فقد صار بالإمكان منذ انتشرت المكتبات التطوعية الصغيرة. ففي حديقة الأمير عبد القادر بسطيف حيث أقيم، صارت عادة لي أن أتوجَّه مباشرة لأختار كتابًا من المكتبة التطوُّعيَّة التي وضعت هناك. فقد قرأت عناوين جميلة مثل “مجد الأمكنة” لجمال فوغالي، وقرأت للحبيب السايح “الموت في وهران”، وفي أدب الأطفال قرأت لنعيمة كراغل، وكتبًا لأغاثا غريستي. لكن ما يُؤسف له أنَّ بعض الكتب تختفي، فليت الفاعل يكون واقعًا في حب القراءة، وإلاَّ يصْدُق ما تناقله البعض، أنَّ الكُتبَ المُختفية استعمِلتْ في إشعال نار التدفئة للعاطلين عن فعل القراءة.

حكايتي مع الكُتُب والقراءة..

رأينا إذًا كيف تتهيّأ الأسباب للقراءة والأمْكنة حتى صار شعار القراءة في احتفال لا يخص فقط دولة مصر من عهد عقيلة السادات التي جعلت لكل بيت مكتبة أيضا. أتمنى أن تتحقق هذه الفكرة عندنا كذلك على شرط ألّا تُجهضها الأمهات.

أتذكّر هنا أمي حين كان أبي مهوسًا بالقراءة وجمع الكتب، وكان بيتنا يضيق عنّا فكيف تزاحمنا الكتب؟ جادلته أمي فيها حتى غلبته وزجّتْ بكل الكتب في قبْو البناية التي نقطها، وكان الجيران مثلنا يرمون بكل فضْلة هناك توسعةً للشُّقق الضيقة، ولفسح المكان غالبا للأواني والتحف. اكتفى أبي بالمصحف الشريف والجرائد اليومية، لكني كنتُ قد ألِفْتُ الكتبَ، فكنت ألحق بها في القبو، أنفض غبارها وأنخرط في القراءة على ضوء خافتٍ يتسرب من نافذة صغيرة حتى قلّ نظري واضطّر أبي أن يلبسني نظارة كي لا يحرمني متعةَ القراءة، وحسَّن من وضعية القبو، دهنه، وأوصله بالكهرباء، وفتحتْ إلهام (كاتبة هذه المقالة) موضعَها للقراءة، ودعتْ إليه الصديقات يقرأن قصص المكتبة الخضراء، ومؤلفات طه حسين، والعقاد، وجورجي زيدان، والمنفلوطي، ومعاجم اللغة، والمجلات بلغات مختلفة العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية. هكذا نشأ معي فعل القراءة ثمّ تطوّر مع مراحل التعليم، حتى صارت مطالعاتي في ميدان تخصصي بالجامعة في علم النفس وعلوم التربية. ربّما كان الانقطاع فيما بعد بسبب تربية الأبناء، لكني عدتُ معهم وهم يأخذون محاولاتهم الأولى لتهجِّي حروف قصصهم الصغيرة، وما لبثتُ أنْ عدتُ بقوة عندما انشغلوا هم بتكوينهم المعرفي فتفرّغت إلى القراءة كليًّا.. وصرتُ مكثرةً، أقرأ الروايات ودواوين الشعر وفي النقد وفي مجال تخصصي وفي التاريخ خاصة، تاريخ الجزائر على أشد الخصوص وأخرج بقراءات أخرى أدوّنها في بطاقات قراءة عن كلّ كتاب استفزّني لأكتب عنه.

القراءةُ فِعلٌ أخلاقيٌّ

لكن حتمًا ليس المطلوب هو الكثرة فقط، لكن النوع والتنوع كذلك. لنضيف بهارات للواقع الذي نعيشه فتكون صلتنا مرنة بأطياف متعددة، وتكون لنا علاقات اجتماعية طيبة، ويكون تعاملنا مع مختلف أشكال التفكير عقلاني، وبهذا تتناغم حصيلتنا المعرفية مع حصيلتنا العاطفية، فلا يكون هناك مجرّد كلام حين نتفوّه بل كلام عارف ومؤدّب، كلام يحترم الآخر لأنَّ فعل القراءة أخلاقي يعلّم الأدب (الأخلاق) ويمكّن من الكتابة بفضل أثره على تهذيب اللغة وصقل الأسلوب، إذ الكتابة هي جودة اللغة أوّلا وحسن التعبير.

هل القراءة وقود الكتابة؟

وهنا تطرح إشكالية أخرى، هل القراءة وقود الكتابة؟ لنجيب لا بد من الإقرار أنَّ القراءة هي وقود لمسافة قصيرة، إنما نحن نكتب للمسافات الطويلة، الخالدة. لذلك فإنَّ القراءة لا تكفي مهما أمّدتنا باللغة والأسلوب والأفكار، فنحن نستقي من الحياة خلال تجاربنا الخاصة وامتحانات القدر ومخزون ما كان قبلنا من التاريخ المطلق وثروات أخرى في الوجدان مثل قصصنا الخاصة وقصص من حولنا من الناس والشعوب، كلّ هذا نستكمل به في الكتابة حياتنا التي نعيشها بمنعزل عنهم، ليكون لنا حق التصرف في ثقافتنا، إذ التعبير عن هذا الكلّ المعقد نطلق عليه ” الثقافة”.

أظنُّ أنَّ الكاتب يكفيه بهذه الصفة القليل من القراءة حتى لا يقع فريسة تكرار تجارب الآخرين، عليه أن يبدع قصَّته الخاصة ولغته الخاصة إذا كان يحترم النص الذي سيقدّمه، فالكاتب هو الأسلوب، والأسلوب لا يتأتَّى إلاَّ من الحياة ذاتها، نمطها، التعاطي معها، ثمّ تأتي القراءة كحكم، كمعيار لفحص النص من حيث اللغة والمعنى والنفع والمتعة والاستشراف. علينا أن نتعلّم كيف نكتب منذ مراحل التعليم الابتدائية لنلتقي بالقارئ الذي نستحقه أو يستحقنا.

اللحظةُ أحقُّ بأنْ تُكتَب

ثمّ إيماني أنَّ اللحظة أحقُّ بأنْ تُكتب، ما نعيشه في أوانه هو الواجب تقييده، فالكتابة قيد. لا عتب على مفردة قيد، إذا كان المعنى هو الحفظ خوْفَ ضياع الفكرة أو انزياحها عن أثرها الأوّل حتى يكون ما نكتبه أقرب إلى الحقيقة، ويكون دليلاً على عبورنا بحِمْلنا الإنساني إلى الأجيال القادمة، فلا نريد مؤلفات عظيمة فالعظمة للأبطال، إنما نريد حياةً محفوظةً من النسيان.

مثل هذا ما نعيشه منذ شهر أكتوبر حتى الآن، والمتعلّق بقضية فلسطين ومحنة الشعب الفلسطيني الشقيق. إنَّ عددًا هائلاً من الأقلام سال حبرها مثلما سالت دماء المرابطين في غزة، إذ استعصى الجهاد بالبندقية وحدها، وخرجتْ نصوصٌ عديدة شعرًا ونثرًا، تجرّدتْ من لغة الكتب لتكتسب لهْجة الغزّاويين، قاموسها من عباراتهم العفوية ومن شجاعة أبطال المقاومة، وصار من أعلامها أبو عبيدة وطفل ” فش” وأم يوسف بشِعرها في شَعر ابنها يوسف، ومعطيات كثيرة جعلت اللغة تتجدد بتجدد الحياة كل يوم بعد كل قصف رهيب يريد أن يقضي على كل مظهر للحياة في غزة.

القراءةُ تزدهرُ في زمن الحرب

عُدنا إلى قراءة كتب المقاومة في الأدب الفلسطيني فعاد غسان كنفاني بكتابه “عائد إلى حيفا”، وعاد مريد البرغوثي في “رأيت رام الله”، وإدوارد سعيد ومحمود درويش وسميح القاسم وآخرون.. عادت القراءة في كتب التاريخ وفي كتب السياسة، كأن القراءة تزدهر أكثر من الكتابة في زمن الحرب.. وإننا نقرأ بأمر الله.. “اقرأ” وكفى.

 

خالد الباشق
خالد الباشق
(شاعر من العراق)

القراءةُ.. فاكهةُ المثقَّفِ

لا يمكن إطلاقًا اعتماد المثقّف على شيءٍ لبناء ثقافته وتطلُّعه مثل القراءة.. فحين ينتهج المثقّف بشكل عام، أديبًا كان أم شاعرًا وحتى عالِمًا، منْهجًا لإثراء ثقافته بالقراءة، فحتمًا سيكون ذا أساس قوي ومدعوم بقاعدة مَتينة من خلال ما قرأه سابقًا، وما سيمنحُه متانةً أكثر فيما سيقرأه لاحقًا.

لا سبيل إلى المعرفة غير سبيل القراءة.. فالإنسان بفطرته مجْبولٌ على حُبِّ الاطلاع والتعلّم والتطوّر، وهذا لم يأت من فراغ أو أحلام أو سحر، ولكنه أتى من القراءة العميقة في شتى المجالات العلمية والثقافية والمجتمعية.. ولمَّا بدأ الإنسانُ القديم التعلُّمَ والتَّأقلم في محيطه، كان لا بدَّ من إيجاد وسيلة للتواصل تجعل الحياةَ أكثر سهولة، فسارع هذا التعمّق إلى اختراع الكتابة ورسْم الحرف وتعلّم اللفظ والقراءة. ومنْ هنا انطلق الإنسانُ المُتطوِّر، الذي عاش في مجتمعات وتجمُّعات بشرية اعتمدت على القراءة والكتابة، إلى التوثيق والتطوّر وانطلاق الحياة المدنية.. من هنا نستنتج إنَّ القراءة هي مَنْ جعلتْ الأنسانَ يصل إلى ما هو عليه في كل المجالات.

لا صناعةَ ولا إبداعَ ولا تقدّم إلاَّ وجاء من القراءة، فلولاها لكانت الكهوف ما زالت ممتلئةً بالبشر القديم الجاهل..  ومُؤخرا بدأ الانسان بالتراجع، خاصة الانسان العربي، حين أهْمل القراءةَ وعزف عنها ببدائل يعتقد أنها تنفعه، ولا ننكر منفعتها كالأنترنت ووسائل التواصل الإلكترونية، لكن هذا جعله بعيدًا كل البعد عن القراءة من الكتاب الورقي الذي كان وما زال مصدرًا موثوقا للتعلُّم الحقيقي..

إنَّ مرَض الابتعاد عن الكتاب الورقي أخذ يستفحل في مجتمعنا وهذا هو السبب الأكبر لظهور جيلٍ “جاهلٍ” فقيرِ المعلومات، ولا علاج إلاَّ بالعودة إلى القراءة الورقية وإسنادها بالقراءة الإلكترونية دون الاستغناء عنها.. وإعادة تفعيل دور المكتبات العمومية التي كانت الملجأ الوحيدَ لنا سابقًا، حيث كان الحصول على كتاب مُعيَّنٍ، يُعَدُّ إنجازًا، وكنا نبذل جهدا في التوَغُّل بين رفوف المكتبات العمومية لنيل مرادنا من الكتب وما تحتويه من معلومات تُطفئ جوعَنا للمعرفة والتثقف.. وعليه فإنَّ قراءة كتابيْن كل شهر يكون علاجًا ناجعا لهذه الآفة..

 

غزوة الكيلاني
د. غزوة الكيلاني
(باحثة وكاتبة من سوريا)

نحن أمُّة اقرأ فكيف لا نقرأ؟

لعلَّ أجمل ذكريات طفولتي حصولي على كتاب من مكتبة أبي العامرة.  حرص أبي، رحمه الله وجزاه عنّي خير الجزاء، أنْ يعودّني على القراءة منذ طفولتي الأولى، فقد كانت القراءةُ شغفه الكبير، وقد جَمَعَ في مكتبته العامرة أمَّهات الكتب من التراث إلى التاريخ إلى السياسة والاجتماع، وكان لكتب الأطفال الهادفة حصَّة وافرة.

كان أبي يكافئني بكتاب ما، ثمَّ يرشدني إلى طريقة فتح الكتاب وإغلاقه دون تمزيقه أو إفساد تجليده الأنيق.. تعلَّمتُ منه أنَّ للقراءة آدابًا وطقوسًا. وعندما كبرتُ، فتحتْ لي القراءة أبوابًا واسعة..

عندما نقرأ روايةً عالمية ما، ينقلنا الكاتبُ إلى مجتمع جديد علينا، يصف لنا العادات والتقاليد وطريقة العيش وكسب الرزق والتعامل بين الناس. وفي كل رواية نكتشف شيئًا جديداً.. أمَّا كُتب التاريخ فتشرح لنا ما حدث في الماضي وتعطينا الخِبْرةَ.. في كل كتاب نقرؤه تتوسَّع مداركنا وينطلق خيالنا ونعيش عدة حيوات.. وإنَّ الكاتب أو الشاعر أكثر حاجة للقراءة من غيره، لأنَّ هناك حاجة ملحّة لإغناء مخزونه اللغوي وتجربته الشعرية أو الأدبية.

في البداية كنت أقرأ كلّ ما يقع تحت يدي، ومن حسن حظّي أني كنتُ أصْغرَ إخوتي وكلّ واحد منهم يجلب إلى البيت بعض الكتب الجيِّدة، فأحرص على قراءتها..

متعة القراءة لا تدانيها متعة، وأعترف أنّ رائحة الكتاب وأنت تتجوّل بين صفحاته تضاعف المتعة، فيسْرح القارئ بخياله في عوالم بعيدة، قد تكون في أقصى الشمال، وتغوص في مجتمع تولستوي والأخوات (برونتي) وإيفان تورجنيف، ثم تسافر بخيالك إلى الغرب والجنوب الغربي مع إيزابيل إللندي وغابرييل غارسيا ماركيز، وتعود ليَرسو مركبُك على شواطئ المنفلوطي والرافعي..

لي وقْفةٌ هنا عند وحْي القلم للرافعي، فقد قرأته مرّات عديدة، وكان له الفضل مع غيره في تشكيل ذائقتي الأدبية. ولا شكّ أنَّ بعض الكتب يجذبك بشدّة، فلا تستطيع تركه إلاَّ بعد إتمام القراءة.. وكلّ كِتابٍ نقرؤه، يرفعُ من مخزوننا اللغوي وتجربتنا في الحياة.. في النهاية، نحن أمُّة اقرأ فكيف لا نقرأ؟

 

علي الباز
علي الباز
(كاتب وشاعر من اليمن)

وتَزوَّدوا فإنَّ خيْرَ زادِ الكاتبِ القراءةُ

(وخَيرُ جَليسٍ في الزَّمانِ كِتَابُ) **   لَهُ في يَرَاعِيَ لِلأَنَامِ خِطَابُ

إِذَا غُصْـتُ فِيهِ سَـابِـرًا أَغْـوَارَهُ **  سَأَحظَى بِغُنْمٍ لَا يَفِيْهِ حِسَابُ

                                                       الشاعر: علي الباز

علاقتي بالقراءة

القراءةُ أنفاسي التي تلازمني باستمرار لا أنفكُّ عنها أو تنفك عني ولو لِلَحظات ما أستطيع إلى ذلك سبيلاً، بل وأراني مَيَّالاً إلى الانطواء المحمود حتى أزداد غَوْصًا بين قراءةٍ وكتابةٍ، بينما أَجِدُنِي اجتماعيًّا للضرورات ليس إِلَّا وأَخَالُنِي حُوتًا أزرقًا في محيطات القراءة والكتابة المترامية الأطراف أتنفس أكسجينها المُذَاب في أعماقها، كما أستنشقه تحت أمواجها المتلاطمة هنا وهناك، ولا يُشبعُ نهمي من مختلف كنوزها وشعابها المرجانية الساحرة وتشعباتها المتحاورة إِلَّا أَنْ أَقِفَ عند تفرُّعاتها العامرة، وأَلْقفَ كل ما تُلقيه أيديها الناثرة فِيَّ ما دمتُ فيها، رغم التناقض المُلفِت في اتساع كُلٍّ مِنَّا للآخر، فمساحتها المترامية الأطراف بين مشارقها ومغاربها مقابل صِغَر جعبتي داخل غواصتي الصغيرة أيضًا، إِلَّا أَنّ معجزة سِعتِيَّهما اللَّامتناهية تستطيع أن تلتهم كل ما تجود به تلك الأعماق السحيقة والآفاق الممتدة الأرجاء من أصدافٍ ولًآلِئ ودُرّ وسائر ما تمتلئ به أحشاؤها من الحُلِيّ الخام التي تختبئ في أدغالها المائية التي لا تعد ولا تحصى لَدَى مَنْ يعشقها باحترافية وشغف ومهنية عالية فإنها لا تقدر بثمن، وخلاصة ذلك أنني والقراءة كالحوت في الماء إذا خرج يقتله الظمأ.

فنُّ اصطيادِ الكُتب

أقرأ ما يعادل مائة كتاب متوسطة الأحجام في السنة تقريبا، وقد تنقص أو تزيد عن هذا المعدل في إحصاءاتها العددية نظرا للظروف الزمنية المواتية من حيث كثرة الانشغالات الحياتية من قلتها، ولا يهمُّني ذلك إنَّما الأهم بحسب رأيي أنَّ القراءة لا تقاس بالكم بقدر ما تقاس بالكيف، وَلَأنْ أقرأ عشرين أو خمسين كتابًا على أكثر تقدير خلال سنة كاملة بتؤُدَّةِ أتمكن فيها من مَلْءِ جعبتي بشتى قطوفها وجَنَى جنانها الدَّانِيَة الناضجة بأكثر حصيلةٍ معرفية سواء علمية أو ثقافية أو تخصصية بما فيها اصطياد أكبر قدر ممكن من مفردات ثروتها الضَّادية وذخيرتها اللغوية، فهذا بلا شك خَيرٌ لي من قراءة مائتيْ كتاب دون تأمُّل ولا تأنِّي ولا اقتناص كل مفيد وجديد من هذه القراءة العابرة لا أكثر.

رائحةُ الكتبِ المَطبوعة هي الأزْكى

المكتبات العامة تُمثِّل مُتَنَفَّسًا علميًا وثقافيًا وفكريًا منقطع النظير، ولا يختلف في ذلك اثنان حتى أنها بمثابة الملتقيات والمنتديات التعارُفيِّة التي تتشكل في منهجيتها تحت ظلال سقفها الواحد كوكبة وثلة روحية قلما تتشكل نظيراتها في أَيِّ مَجْمَعٍ ثقافي آخر بمختلف أطياف مرتاديها، والتي تجمع خلاصة المجتمعات في أنقى طبقاتها التوعويَّة، وذلك فضلاً عن الحصيلة المعرفيَّة التي هي بمثابة كعبة القرَّاء يطوف حولها حجيج العلم ورُوَّاد الكتاب.

وكانت وما تزال، المكتبات العامة، مُتَنَفَّسًا لي ولغيري، إِلَّا أَنَّ المكتبات الإلكترونية، وخصوصًا في ظل اتساع وتطوُّر الشبكة العنكبوتية وتحديثاتها بما في ذلك تسارع تحديثات الأجهزة الذكية اليوم، وبدورها أضعفتْ إقبالَ مرتادي المكتبات العامة عليها بشكل ملحوظ، ولكنها لا تقوم مقامها مُطلقًا مهما كانت سهولة التعامل معها، والبحث والوصول إليها، والتواصل دون بذل كثير وقتٍ وكبير جهدٍ في عملية الحصول على المعلومة، والتَّحقيق والتَّدقيق والجمْع والتوسُّع، ومع هذا كله تظل رائحة الكتب هي الأزْكى، والمُكث والتعامل معها حِسِّيًا ومعنويًا هو الأجْمل والأمْثل، لأنَّه يشعِرك بالحيويَّة والحركة والبركة.

كاتبٌ لا يقرأ…!

عموماً هو كاتبٌ ولكن تكون العلاقة بينه وبين الكتابة طرْدِيَةً تمامًا، إذْ تزيد كتاباته جمالاً وجذباً وتأثيراً وفائدةً للقارئ بازدياد مستوى معدل قراءته المتأنِّية المثمرة، مما يزيد قدراته العلمية والثقافية والتركيبية واللغوية والفنية على الكتابة ومواكبة كل ما يُستجدُّ في الأوساط المختلفة وفي كافة الجوانب وشتى الأصعدة. وبالمقابل، فكلما تقِلُّ قراءة الكاتب تتقهقر قدراته وتقل جاذبية كتاباته التي لا تفي بالغرض، ولا تلبي حاجات متابعيه القراء الذين قد يكون هو أمامهم بمثابة حامل فقه إلى مَنْ هو أفقه منه. فالقراءة زاد العقل، والتَّزوُّد منها يجعلك ذا أُفُقٍ بَعيدٍ وباعٍ طويل.. والقراءة كالمؤمن الذي يجب أن يتزوَّد من التقوى (وتزودوا فإنَّ خير الزاد التقوى) واقتباسًا منها أقول: وتَزوَّدوا فإنَّ خيْرَ زادِ الكاتبِ القراءةُ.

 

طيب فاروسي
الدكتورة طِيب فاروسي
(كاتبة وصيدلانية من الأردن)

أنا.. مَدِينةٌ للقراءةِ

شغَفي الكبير في الماضي للقراءة، خاصةً قبْل دخول الأنترنيت وأجهزة الاتصالات الحديثة والذكيَّة إلى حياتنا، كان له بالغ الأثر في إثراء لغتي العربية وإغْنائها بمفردات كثيرة كنت أستخدمها دائمًا في كتاباتي المتواضعة مثل كتابة مواضيع إنشائية (تعبير) أو قَطَع نثْريَّة قصيرة عن الحياة اليومية والحب والصداقة وما يصادفني منها من مواقف وأشخاص وأمْكنة.

كانت لي هذه التجارب البسيطة في مجال الكتابة فقط لأعبِّر عمّا يَجيش في صدري، وأنُفِّس عمَّا يعْتمل في روحي من متاعب حياتية تُتعب قلبي أحيانًا، ويعود الفضلُ بهذا البوح الكتابِي إلى كثرة قراءاتي وقتها.

الكثيرُ من الكتّاب بكتبهم أثَّروا على طريقة تفكيري، وكانوا خيْر زُوّادة لي عبر مسيرتي الحياتيَّة والمهنيَّة.

لم أعُدْ قارئةً نهِمَة، للأسف، للكُتب المطبوعة مع أنني أقرأ بين الفينة والأخرى لا يخلو الأمر طبعًا.. ولكنني أقرأ وباستمرار كُتبًا عن طريق مواقع أدبية عديدة عبر الانترنت، ما أفعله الآن بشكلٍ رئيسي حاليًا في هذا المجال هو التوجُّه الكبير إلى قراءة أيّ موضوع علمي طبّي صيدلاني دوائي لأبْقى على تَماسٍ يومي في هذه المجالات التي تهمّني جدًا وهي في تطور دائم وتمسّ مهنتي بشكل كبير.

برأيِي على الكاتب أن يكون قارئًا بالدرجة الأولى وبشكْل كبير، هذا إلى جانب امتلاكه لموهبة الكتابة طبعًا، فهذا يفيده جدًا في صياغة أفكاره وترتيبها وسكْبها في الموضوع الذي يكتبه والفكرة التي يريد من خلالها إيصال ما يريد إيصاله للناس.

القراءة والكتب عالمٌ آخر يوسِّع المداركَ ويزيد من ثقافة المرء.. للأسف، وبسبب قلّة المكتبات العمومية اليوم في بلدنا واتجّاه الناس – وأنا منهم – كما ذكرت إلى تحميل الكتب من مواقع مُختصّة على الأنترنت، لم أعد أزورها إلاَّ إذا كنتُ على سفرٍ في بلاد ثانية فلا أتردَّد بزيارة مكتبات المكان الذي أتواجدُ فيه.

العديدُ من المفردات اللغوية التي استخدمتها الآن وأستخدمها في كتابة مقالاتي العلمية والأدبية بشكل عام، والقليل من صوَري وانطباعاتي الواقعية والانتقاديَّة بشكل خاص، هي بسبب قراءاتي الكثيرة، والتي انطبعتْ في ذاكرتي منذ كنت في سن المراهقة حتى اليوم.

 

ڤينوس فائق
ڤينوس فائق
(كاتبة وروائية من كوردستان)

مشوارُ الكتابةِ يبدأ بالقراءة وينتهي بها

یقول الروائي الأمريكي جورج آر مارتن: “يعيش القارئُ ألفَ حياةٍ قبل أن يموت. أما الانسان الذي لا يقرأ أبدًا يعيشُ حياةً واحدة فقط”، هذا یعني أنَّ القراءة بقدر ما هي متعة فهي حاجةٌ أيضًا في الوقت نفسه، فأنا أحيانًا أحتاجُ أنْ أقرأ، کما الجسدُ یحتاجُ الغذاءَ، تحتاج الروح إلى القراءة، خصوصا عندما تصبح القراءة عادةً نمارسها باستمرار، نحتاجها لكي نسافر بين صفحات رواية ما رُفْقة أحد أبطال الرواية، فنكتشف عوالمَ أخرى.

نحتاج القراءةَ حين يُداهمنا الضجرُ بين حين وآخر. والقاص البريطاني، ومن منظور أهميَّة القراءة للإنسان، یقول: “أرجوكم ثم أرجوكم، القوا بجهاز تلفازكم في مكان آخر، ففي مكانه يُمكنكم تركيب أرْفف كُتُبٍ جميلةٍ على الحائط”. هكذا نتمكَّن من تسْييس عقولنا وفكرنا وأرواحنا بالقراءة، فلا ينضب مخزون معلوماتنا من أي جديد، خصوصًا إنْ كنَّا نسمِّي أنفسنَا كُتَّابًا فببساطة علينا أن ندمن القراءة.

حسب تجربتي الشخصية، بالنسبة للكاتب، مشوارُ الكتابةِ يبدأ بالقراءة وينتهي بالقراءة، لأنك ككاتب من غير الممكن أن تفلح في المِضِي في مشوار الكتابة إذا توقفتَ عن القراءة.

يجب أن تكون القراءة من عادات الكاتب اليومية. رغم أنني أؤمن بأن القراءة لا تصنع الكاتب، إنما تُنمِّي موهبة الكتابة لديه وتجعله مُلِمًّا بما يحدث حوله. عن نفسي علاقتي مع القراءة بخير بل وجيِّدة جدا. فالقراءة عندي هواية وعادة يومية. بخلاف الكتب، اقرأ كثيرًا على مواقع التواصل، أتابع الأخبارَ اليومية، وصفحات مُعيَّة بالأدب، وأتابع نتاجات الكُتّاب بدون استثناء.

حقيقة لا أدري بالضبط كم كتابًا أقرأ في السَّنة، عشرة كُتبٍ أو أكثر ربما، إلاَّ أنني أواظب على القراءة بشكل مُستمِرٍّ. هناك کتُبٌ أقرأها مرتيْن أو ثلاث مرات أحيانًا. أقرأ الروايات أكثر من أيّ شيء آخر، لكن أحبُّ أيْضًا القراءة عن الحضارات القديمة والتاريخ والقليل جدا في مجال السِّياسة.

سابقًا كنتُ ارْتادُ المكتبات العموميَّة لأستعير الكتب، وكنتُ أجد متعةً كبيرةً في قطْع مسافة طويلة من أجل الحصول على كتابٍ أريدُ قراءته. لكن الآن وبحُكم أنَّني أقيمُ في بلد أوروبي وأقرأ غالبًا الكتُبَ العربيَّةَ أو الكورديَّة، أبحثُ غالبًا عن الكتب الإلكترونية، أو أقتنيها أثناء زياراتي إلى بلدي أو البلدان العربية أو أستعيرها من أصدقائي.

رغم أنني أستمْتع أكثرَ بقراءة الكُتُب الورقيَّة أكثر من الكُتُب الإلكترونية، إلاَّ أنَّني أكون أحيانًا مُجبرةً على قراءة الكُتب الإلكترونية لصعوبة الورقية حيث أقيم.

لا أعتقد أنَّ هناك كاتب حقيقي يقرأ قليلاً، إذْ كيف سيتمكَّن من تطوير مهارة الكتابة، والمُحافظة على مستوى جيِّد أو مقبول على الأقل في الكتابة إنْ لم يقرأ كثيرًا؟

ببساطة شديدةٍ كلما نقرأ أكثر كلَّما تعلمنا أكثر وتوسَّعتْ دائرة ثقافتنا العامة، وتعرَّفنا على ثقافات أخرى، وتوسَّعتْ مساحة خيالاتنا ووعينا بكل شيء من حولنا واكتشاف أشياء لم نكن لنراها لولا القراءة. فالقراءة تعلِّمنا أنْ ننظر إلى الأشياء من زوايا مختلفة، لأنَّ التربية المنزلية والمدرسيَّة لن تُمكِّننا من أنْ تُعلِّمنا كل شيء. بالمواظبة على القراءة، يكاد أنْ يكتمل وعيُنا ونظرتنا إلى العالم من حولنا. فما نقرؤه في الكُتب أو ما نتعلَّمه من خلال قراءاتنا لكتابٍ مُعيَّن يُعدُّ بمثابة كنز ثمين نحصلُ عليه بثمن شراء الكتاب فقط.

لنابليون بونابرت مقولةٌ مشهورةٌ عن أهميَّة القراءة، فهو يقول: “أرِنِي عائلةً من القُرَّاء، وسأريك الأشخاصَ الذين يُحرِّكون العالم”. وعليه، ومن خلال متابعتي للجيل الجديد الذي قلَّما يقرأ كتابًا، فبإمكاني أنْ أتخیَّل مَنْ سيحكم العالمَ في المستقبل.

وردة أيوب عزيزي - كاتبة وشاعرة جزائرية

وردة أيوب عزيزي - كاتبة وشاعرة جزائرية

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
وزير الاتصال..الجزائر توسّع بثها الإعلامي دوليًا عبر الأقمار الصناعية سونلغاز تفتح أبوابها لنقل خبرتها إلى بوركينا فاسو قائد الجيش السوداني:"الخرطوم حرة" استنفار وطني لمواجهة أسراب الجراد ومنع انتشارها إلى ولايات جديدة رقمنة الخدمات التجارية.. "مرافق كوم" الحل الذكي لمتابعة مداومة التجار دوفيلبان يتصدر الشخصيات السياسية المفضلة في فرنسا بعد مواقفه من غزة والجزائر هذه أبرز الملفات التي ناقشها اجتماع الحكومة الجزائر في صدارة الدول المصدرة للغاز المسال بإفريقيا ليلة القدر في الجزائر.. نفحات إيمانية وعادات متجذرة الكاردينال فيسكو: "تصريحات روتايو مستفزة والجزائر لن تخضع للخطاب التهديدي"  غزة تشتعل.. تصعيد عسكري ونفير عام ورسائل تهز "إسرائيل" بوغالي يطالب إسبانيا بمراجعة موقفها من قضية الصحراء الغربية القضاء الفرنسي يرفض طلب تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري "دوالمن" بشراكة صينية.. نحو إعادة إطلاق مصنع الإسمنت بالجلفة سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر