أطفالنا هُم مُستقبلنا، وبقدْر ما يكتسبونه من حصانة روحية ومعرفة عقلية وقِيَم أخلاقية.. ستكون أمّتنا في مستقبلها حصينةً قويّةٌ مُتمسّكة بأصالتها وهويّتها وانتمائها. وكل العناصر التي ينشأ عليها الطفل اليومَ هي التي تُقرّر شكْل الغد وترسمُ ملامحه.. وإذا أردنا أن نُطلَّ على مستقبل أمّتنا، فإن أطفالنا هُم النوافذُ التي نستبْصر منها ذلك المُستقبل. وإذا كان التعليم والتربية والتنشئة الاجتماعية من العناصر التي تبني الأطفال، فإن الكتابة للطفل وأدب الأطفال من عناصر البناء أيضًا، بل إن أدب الطفل أهمّ آلية أوّلية وأساسية في تكوين القاموس اللغوي للطفل ومُخَيِّلته ومُيوله.. وأيضًا تشكيل فكره العلمي والأدبي.
قامت “الأيام نيوز” بتوجيه جُمْلة من الأسئلة حول “أدب الأطفال” إلى كُتّاب وشعراء من بعض أقطارنا العربية، منها: الطفولة مرحلةٌ عُمريةٌ، والكتابة لها تستدعي معرفة مراحلها ومميزات كل مرحلة. فهل يُمكن تحديد كل مرحلة عُمريًّا، وضبط الموضوعات التي تليق بها في الكتابة؟ وما جدوى الكتابة للطفل؟ وهل الهدف من الكتابة للأطفال: تربويٌّ أو تعليمي أو تثقيفي أو هو آلية لبناء شخصية الطّفل؟ وهل يتوجّبُ أن تتوافرَ شروط مُعيّنة في كاتب الأطفال والكتابة للأطفال؟ وهل الكتابة للطفل العربي مرتبطة بالبيئة الاجتماعية والثقافية لكل قُطْر عربي أم أنه يُمكن للكاتب العربي أن يكتب لكل الأطفال في مختلف الأقطار العربية؟ وفي عصر يتميّز بتحديّات تواجه اللغة العربية، وفي الوقت نفسه تحديّات لتكوين الفكر العلمي.. هل هناك تخصّصات في مجال الكتابة للطفل: أدبية، علمية…؟
ارتأت “الأيام نيوز” أن تكون الأسئلة مُجرّدَ اقتراحات وأفْسحت المجالَ أمام الكُتّاب والشّعراء العرب ليضيؤوا الزوايا التي يرونها مُناسبةً انطلاقّا من تجاربهم الخاصة ورُؤاهم لهذا الموضوع. وكانت هذه الكتابات التي تفتح الأبواب أمام القرّاء ليُسهموا هم أيضًا في قضيّة “أدب الطفل” في الوطن العربي..
نبيهة راشد جبارين
(أديبة وشاعرة وكاتبة أطفال من فلسطين)
في تجربتي اعتبرتُ الكتابة للأطفال مسؤوليّةً قبل كلّ اعتبار، لأن الطّفل في هذه المرحلة غضٌّ كالزّهرة، تتطلّب العناية به الدّقة، واللُّطف والملاءمة. فتكون المُرْسَلة التي تتضمّنها القصّة مثلَ قطرات النّدى للزّهرة، تأتي تُرَطِّبُ وتسقي دون أن تكسرها أو تجرف التُّربة من تحتها.
ومن المعروف أنَّ الطّفل في هذه المرحلة كالورقة البيضاء، وما يُكتَب عليها يساهم في تشكيل شخصيّته. فالتّربية تتمُّ في عهد الطُّفولة، ويؤكّد ذلك القرآن الكريم في آية: “ربِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغيرًا” (سورة الإسراء، من الآية 24). ولهذا توخَّيتُ في كتاباتي للطِّفل أن تتوفَّر فيها:
المُتعة أوّلًا، والتّعلُّم، والتّربية والتّوجيه، والتأمُّل، والاجتماعيّات، العلاقات العائليّة، التُّراث، والتعرّف إلى بعض المُدن والبلْدات والقرى العربيّة (ومنها المُهجَّرة)، أشجار بلادنا، الدّول العربيّة المجاورة والمَعْلَم الذي يُميّزها. أحلام الأطفال في المستقبل، تأثير التكنولوجيا السّلبيّ.
وبحُكم وظيفتي فقد كنتُ قريبةً من الأطفال، مربّية الصفّ البستان، ومُرشدة للّغة العربيّة، وأدب الأطفال، في الرَّوْضات والبساتين. كما عملت لبضع سنوات عضوًا في لجنة إعداد المناهج للطُّفولة المبكرة في جامعة حيفا.
هذه العوامل جميعُها، إضافةً إلى الطِّفلة في داخلي، وحُبّ الطّفولة والأطفال، والغيرة على مستقبل شعبي ووطني، جعلت كتاباتي قريبة ومحبّبة للأطفال، بشهاداتهم وشهادات المربّيات، والطّفل هو أصدق ناقد لأنّه لا يداري ولا يُماري.
ومن منطلق هذه المسؤوليّة وهذا الحُبّ وهذه الغيرة فأنا أجُوب مدارسنا من شمال بلادنا إلى جنوبها، واُقدِّم المحاضرات، والورشات الأدبيّة تطوُّعًا، وحُبًّا في العطاء لشعبي وأمّتي.
الحمد لله، كتابان من كتبي هما: “أُنشودة الصّباح” و”يا طير الطّاير”، دخلاَ مشروع “الفانوس للمطالعة” في المدارس العربيّة في الداخل الفلسطيني مرّتين تلبيةً لرغبة الأطفال، وهو ما لم يتمّ لأيّ كتاب آخر، كما تمّ اعتماد كتاب لصفوف الثّواني شاركتُ فيه وهو بعنوان “أشعار شقيّة”.
وأعتبرُ دعوتي بشكل مستمرّ إلى الحضور والمشاركة في الاحتفال بقصصي، وشهادات الأطفال بأنّهم يحبّونها ويتمتّعون بقراءتها، هي أعلى شهادة وأرقى تكريم أحظى به. والحمد لله “هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي”.
ضحى الخطيب
(فنّانة تشكيلية ورسّامة للأطفال من سوريا)
لطالما كان الرسم والألوان هما شعاري لأرْسُم الحياة كما أحبها.. لأرسم الموسيقى والسّكون.. لأرسم الخيال وليس الأكشن.. أشعر أن اللوحة حياةٌ تجْذب الحياة، وأن الألوان لغة نستطيع قراءتها والإحساس بعمق معناها.
لِذَا سحرَنِي بياضُ اللّوحة وادْهشني عالمُ رسُوم كتب الأطفال، فتوجهتُ إلى تطوير رسومي وأسلوبي، والعمل على لوحات وأعمال فنيّة مُوجّهة إلى الطفل، سواءٌ كلوْحات أو أعمال إعادة تدوير أو حتى تطريز.. حيث صار بإمكاني أن أَبني مَدينتي المُلوَّنة وكائناتي الفرِحَة.
يُقال “يمنح الله الفن إلى الأشخاص الذين لا يُجِيدون التّعامل مع الواقع”.. لكن لتَصِل هذه الأعمال إلى الأطفال، وفي ظروف صعبة لا تُمكّنُ من إقامة معارض مُتخصصه بهذه الأعمال.. توجَّهتُ إلى كُتُب الأطفال ومجلاّتهم، مُحافِظةً على أسلوبي ولغتي الخاصة شكْلاً ولَوْنًا..
تعاونتُ مع عدد من دور النشر والكُتَّاب.. لكل منهم أسلوبُه ورؤيتُه، منهم من هو مُمْتلئ بالخيال والرغبة في التّغيير والتّطوير.. ومنهم من هو نَمَطي وكلاسيكي ومباشر.. وطبعًا لكل نَصّ الطريقة الأنسب للتعبير عنه.. فأعملُ على إيجاد صِيَغ ومُقاربات لجعْل الخيال حقيقي والحقيقي خيال..
لكني أفضّل النَّصَّ الذي ابنيه بصريًّا بنفسي، فلا تكون رسُومي ترجمةً حرفيّةً للنص، بل هي نص بصري مُوازي غنيّ بتفاصيل صعبةٌ على الكلمة.. سهلةٌ على اللون والشّكل.
هناك كُتّاب وناشرون بيني وبينهم حبْلٌ سحري تمشي مشاهدُ القصة عليه بكثير من الفرح والتكامل والغِنَى.. وآخرون يجعلون الأفكارَ تصدأ والألوان تبْهت، لذا تبقى روحي ميّالة إلى البياض الذي عليه أصُوغ نصِّي الخاص، مؤمنةً أن العمل الفني الأجمل هو الذي يجعل القلب يبتسم، ويُشبه بطريقة ما تمرينًا ذهنيًا.
حورية خدير
(كاتبة وسيناريست من الجزائر)
لمَّا تكتبُ للطفل فأنت تخوض أصعب ميادين الأدب وتتحمّل مسؤولية رسالة نزيهة، تستند إلى علم وفن وثقافة غزيرة وإلْمام واسع بعالم البراءة، وتُساهم في بناء عقل الطفل وإعداده للحياة. لذلك يجب أن يكون الكاتب مُتمكِّنا واعيًا، له القدرة على التعامل مع خصائص الطفل العقلية الاجتماعية لنفسية والحسيّة ويوظفّها في عمل مُبتكر يكون قادرًا على التنمية المستدامة في مجال الطفل.
الكتابة الأدبية أو التربوية وجهان لعملة واحدة، تربطها المعايير نفسها. والضّوابط التي يجب أن تتوفّر في العمل المُقدّم للطفل، حبكةٌ متماسكةٌ بعيدة عن الأسلوب الوعظي المباشر الذي لا يلبّي رغباته، مع مراعاة عنصر التشويق وتوظيف الشخصيات والمكان والزمان بطريقة مناسبة ويكون الأسلوب يتناسب مع الفئة العُمرية المُستهدفة، مُغذِّيا ومقويا لحاجات الطفل السيكولوجية والسوسيولوجية، مُثريًا لرصيده اللغوي بمفردات جديدة.
يجب الاهتمام أكثر بالكتابة التربوية التي فقدت الحِسّ الجمالي، فمن حقّ الطفل التعلّمَ والاستمتاع في آن واحد. وعلى ضوء نظرية “الذكاءات المُتعددة” يجب ألاَّ نعتمد على تقييم الطفل بناء على امتلاكه لنوع واحد من الذكاء، لأننا ندرك أنّ نمط الذكاء ليس متساويًا لدى الجميع، وكل طفل له ميوله الخاصة.
لو يتم التركيز على نظرية “الذكاءات المُتعددة”: الذكاء اللغوي (اللفظي)، الذكاء البصري، الذكاء الموسيقي، الذكاء الرياضي، الذكاء الشخصي(الذاتي)، الذكاء الطبيعي، الذكاء الحركي، الذكاء التفاعلي (الاجتماعي)..
سيتم عمل برنامج تربوي مُتكامل يُنمِّي كل طفل في مجال موهبته ليكون هو مجال عمله المستقبلي. هكذا يكون لدينا جيلٌ مُحِبٌّ مُستمتعٌ بالدراسة، يُقدم إضافة إلى وطنه.
الطيب أديب
(روائي وكاتب للأطفال من مصر)
أدب الأطفال هو الأدب الموَجّه إلى الصغار في سنّ ما قبل المدرسة إلى سنّ المراهقة. ويشمل قصة الطفل والرواية والمسرحية والشعر والكتابات النثرية التاريخية والعلمية وغير ذلك..
الكتابة للأطفال هدفُها تربوي وتعليمي وتثقيفي وبناء شخصية الطفل وإمتاعه، وإكسابه مهارات لغوية وتنمية حسِّه الجَمالي والمعرفي.
وكاتب أدب الطفل ينبغي أن يكون تربويًّا وواسع المعارف، ودارسًا لـ “علم نفس النّمو” ليعرف كيف يخاطب المرحلة العُمرية التي يكتب لها. وأن يُجيد اللغة وينتقي مفرداتها التي لا تُحيّر الطفل ليُكسبه ثروةً لغوية، ويتجنّب المباشرة في الحَكْي، ويعتمد على الإيحاء والخيال ما أمكن. كما ينبغي أن يكون كاتب أدب الأطفال مُلِمًّا بالتكنولوجيا الحديثة.
جميلة ميهوبي
(إعلامية وكاتبة من الجزائر)
حول تجربتي في الكتابة للطفل
يصعبُ على كاتب الأطفال أن يُقيِّم تجربته الإبداعية، ذلك أن عليه أن يعرضها على مرآة ناقدة تُحدِّد مَكامِن الضعف والقوة فيها كي يتمكّن من تقديم الأفضل وهو يسعى لسقاية غرس البراءة بماء أدب يُنبِتُ ثمرًا هو مستقبل الأمة وكيانها، فما أطفال اليوم إلاّ رجال الغد، ولهذا كان الحرص على تقديم أدب نافع لهذه الشريحة الحساسة يستوجب تبصُّرًا ورَوِيَّة ووعْيًا بخطورة المُهمّة التي يُقْدِم عليها كاتب الأطفال، لأنه يكتب على ورقة بيضاء ستتشّرب كل ما يخطُّه عليها وتؤثر في بناء شخصيته التي سيعيش بها مدى الحياة.
وانطلاقا من ذلك، فقد رأيتُ بأن الجمع بين التّعليم والتّشويق في أدب الطفل هو أكثر من ضرورة ملحة تُمَكِّنُنا من إعادة الأطفال إلى احتضان الكتاب فنصير أمة اقرأ التي تقرأ، كما تمنحنا فرصة سحْب صغارنا برِفْق من عوالم افتراضية صنَعت منهم هياكل بشرية أُفْرِغت من أرواحها، بسبب إدمانهم لألعاب إلكترونية يغلب عليها العنفُ وتصْطبغ بلباس غريب عن معتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا.
ولهذا فقد سعيْتُ إلى تقديم أدب بديل يُضاهي الأدب الغربي في حكاياته التي تجمع بين الإثارة والدهشة المثيرة للغرابة والانبهار لدى الأطفال من خلال تأليف روايات خيالية وقصص مغامرات مشحونة بقيم إنسانية عُليا كالتسامح وحبِّ الخير للآخرين وغيرها، كما في رواية “في بحيرة الأعاجيب” بجزأيها، وسلاسل “سامي ورامي” و” ريمة تكشف علم الفلك” و”سارة تعلّمك الكثير”.. كلّها تعُجُّ بالحركة والأحداث المدهشة، والهدف الذي أرجو بلوغه من خلال ما أقدمه لعالم البراءة، هو الوصول إلى إنتاج أدب يتوافق وأعرافنا وأخلاقنا كونها تشكِّل درع حماية لبراعمنا الصغيرة من خلال مبدأ “استمتع وتعلّم”، والتعلم هنا يعني إثراء قاموس الطفل اللغوي والارتقاء بذائقته الجمالية فتنشأ لديه مناعة تُمكِّنُه من التّفريق بين ما هو جميل وما هو قبيح، كما يعني التعلُّم أيضًا اكتساب معارف حول محيطه الذي يحيا فيه وكل ما له علاقة بحياته اليومية.
ويشكِّلُ التاريخ أهمية كبرى في إرساء أسس قويمة لشخصية طفل مُتوازن يعتز بتاريخه ويسعى لاستكمال بناء وطنه من خلال ربْطه بماضيه المشرف عن طريق قصص لأطفال شاركوا في ثورتنا المجيدة كما في سلسلة” أبطال صغار”، وتعرض سلسلة “أسود الجزائر” سِيَر عدد من الشهداء والأبطال الذين يُشكّلون قُدوة لبراعمنا ينشأون على ضوئها ويسعون لتقليدها، كما وسعيت لبذْر بذور الحكمة في نفوسهم بتحويل تراثنا الشفوي إلى قصص جميلة تنْضح بحكمة الآباء والأجداد من خلال سلسلة “قصص من التراث”. ويعايش أطفال الروضة في سلسلة “مغامرات نونو”، أحداثا شيقة رفقة عدد من الحيوانات الجميلة، كما يمرح الأطفال وهم يغنون مع الفراشات والعصافير في كتاب “هيا لنغنّ”.
وتبقى الكتابة للطفل من أصعب المهمّات التي يجب أن يُحسب لها ألف حساب، لخطورة تأثيرها على أجيال الغد لأنهم أمانة وما علينا سوى حفظ هذه الأمانة.
أيمن دراوشة
(كاتب من الأردن)
قضايا شائكة
لم يعد خطاب الطفل في فترة السبعينيات والثمانينيات حتى العصر الحالي صالحًا للنشء، فعالم الطفل آنذاك ليس كالآن، بعد غزو التقنية الحديثة والعولمة في كل جزء من حياتنا، وفي عصر مواقع الإنترنت، حيث تحوّلت المادة المكتوبة إلى مادة مرئية مسموعة، وانتهت الرقابة المشددة، واستطاع الطفل اقتحام عوالم لم يقتحمها الكبار أنفسهم، فلم يعد ذلك الطفل البريء المُستمع لحكايات الجدّات قبل النوم، ولم يعد ذلك الطفل الذي يتقبّل أن الفيل يطير وأنَّ البطة تبيض ذهبًا، وأنَّ الأميرةَ مسحورةٌ وغيرها من القصص القديمة التي أكل عليها الزمان وشرب.
ومع ذلك، يُصِرُّ الكثيرون من الأدباء على التطرق إلى تلك المواضيع، وطباعة كتب الأطفال التي لا يقرؤها أحدٌ تحت مُسمَّى عصْرنة قصص التراث، مع وجود السذاجة نفسها.
لا أعتقد أنَّ طفل اليوم بحاجة إلى مواد مكتوبة وبيده الموبايل أو اللاّب أو البلاي ستيشن ساعات طويلة حيث الخيال المرئي المدهش وليس المكتوب.
إذًا طفل اليوم ليس كطفل البارحة في ظل غزو ثقافي خطير ومؤلم في الوقت نفسه، وكما نعلم أنَّ كل شيء ممنوعٌ مرغوبٌ، فالطفل بطبيعته فضوليٌّ والمواد الممنوعة أصبحت كالنار في الهشيم.
ومن القضايا التي طواها الزمن تحديد عمر الطفل سواء بالمسابقات أو مواد الطفل المطبوعة، وسذاجة الموضوع أنَّ تحديد العمر مثل من 4-9 سنوات لا يفيد الطفل بشيء، ولا علاقة للعمر بميول الطفل حتى أُحدِّد عمره، كما أنَّ هذا التّحديد لا يمنع بقية الأعمار من القراءة حتى لو كان عمر القارئ ثمانين عاما، واحتمال عدم قراءتها للأعمار المذكورة واردٌ أيضًا.
ولو كان تحديد عمر الطفل على المطبوعات مهمًّا، لرأيناه في مئات البرامج والمسلسلات والأفلام الخاصة بالطفل.
ومن قضايا أدب الطفل المُقيتة، توجّهُ الكُتّاب صغارًا وكبارًا إلى الكتابة للطفل، ظنًّا منهم أن الكتابة في هذا الجنس الأدبي هو الأسهل للشهرة والربح المادي، ونسي هؤلاء أنَّ الكتابة للطفل تتطلب مهارات خاصة مثل الموهبة والاطلاع على كل مُستجدات أدب الطفل، والأهم من ذلك كلّه تطوُّرات الطفل نفسه في عالم متسارع مجنون، فليس كل من كتَب: النملة المتكلمة أو الفيل الطائر.. أصبح كاتبًا للأطفال.
وأخيرًا وليس آخرًا، فطفل اليوم مطلع على أفلام الرعب والخيال والرومنسية، وأصبح يَعِي الخطأ من الصواب، وما هو حقيقي وما هو ساذج من مواد قِيل إنها مناسبة للطفل.
د. إيمان بقاعي
(دكتوراه في أدب الأطفال والشَّباب، وقاصة وروائية من لبنان)
أيّها التربويّون كُفّوا عن التدّخل في شؤون الأدباء
في علاقة التربويين بأدب الأطفال، يتربَّصُ التربويون بأدباء الأطفال، ويرفعُون عُصِيَّ القيمِ الإيجابيةِ أو السّلبيةِ مُلوِّحين بها لكلِّ مَن تسوِّلُ له نفسُهُ ممَّن يكتشفُ في نفسِهِ موهبةَ الكتابةِ للصّغارِ خارجَ خطوطِهم الحمراءَ، قارعينَ هذه العُصِيِّ، منبِّهينَ إيَّاه بديكتاتوريةٍ لا تقلُّ خطورةً عن الدِّكتاتورياتِ المنتشرةِ بسخاءٍ حولَنا، إلى وجوبِ الالتزامِ بالقوانينِ الصَّارمةِ التي وضعَ أُسُسَها جهابذةُ التّربيةِ، والتي يجبُ ألاَّ تُخرَقَ من قِبَلِ صُعْلوكِ أدبٍ بحجةِ “الإبداعِ”.
فإن إن طغَتْ مواقِفُ أديب الأطفال التّربويَّةُ على مواهبهم؛ فلن يصفِّقَ لهم الجمهورُ بعدُ. وسيكونُون مثلَ بقيةِ التّربويينَ الذينَ سرقوا أدبَ الأَطْفال واعتبروهُ ابنَهم، بينما هو ابنُ الأدبِ، يحشونَهُ بالقِيَمِ أولًا وثانيًا وثالثًا، واضعينَ الموهبةَ في المرتبةِ الرّابعةِ، أو قد لا يعنيهم وجودُها.
نعم، من المهم أن يُحقّق أدب الأطفال والناشئة شرطًا مهمًّا هو شرطُ اعتراف قرّائِه أنفسِهم بهذا الأَدَب، فهم- أولًا وأخيرًا- الذين يُحدّدون أدبهم المُفضّل، المُسلّي، السّار، ما يعني: أن “لا وجود لأدب طِفْلي (سابق)، بل (لاحق)” كما تقول “سيسيليا ميرايل”، في كتابها “مشكلات الأدب الطِّفْلي”، وأوافقها الرأي، إنصافًا لذائقة الأطفال والناشئة التي “يسطو” – وأصر على الكلمة – عليها اختصاصيو التَّربية والتعليم، أو مُوَظّفون في دُور نشْر ارتأتْ أن تُدلي بدلوها في هذه التُّجّارة الرابحة، بحجة أنهم أكثر قدرة على صَوْغ الجِدِّي والمَعْقول، غافلين عن الأدب المرح المكتوب من قبل “أديب”، لا “أستاذ”، أو “مدير” ، أو حامل شهادة دكتوراه، أو ما يُسميه ناقد أدب الطّفل وأشهر من عرّبَه “عبد الرزاق جعفر” – وأيضًا أوافِقُه الرأي والتَّسمية – بـ “الكتاب الطُّعْم” الذي يتمسّك الطفل به ويختاره من بين عشرات الكُتُب الجِدّية، المَعْقولة، التَّعْلِيمية، الجافة؛ مُحقِّقًا أهدافًا يعجز الكتابُ المختار من قبل الرَّاشِدين عن تحقيقه.
فلنترك الأدباء يكتبون للأطفال والشباب، وليكُفّ التّربويون عن التّدخل في شؤون غيرِهم، فالتّشويقُ هو الذي يجذب القارئ.
د. سعاد جابر
(طبيبة أطفال وكاتبة من السعودية)
طبيبةُ أطفال تكتب للأطفال
بصفتي طبيبة أطفال وكاتبة، أعمل من خلال ثلاثة محاور مرتبطة ببعضها البعض أثناء الكتابة للطفل.
المحور الأول: المرض وما يتعلّق به علميًّا وبحثيًّا من أسبابه وعلاجه والوقاية منه.
المحور الثاني: الأهل وأهميّتهم كحلقة الوصْل بيني وبين الطفل المريض سواء مشاركتهم باتخاذ القرار أو تحمّل مسؤولية الإشراف على العلاج والمتابعة.. وهنا المواجهة والصعوبة، في هذه الفترة من الزمن مع تزاحم الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بهذا الكمّ الهائل من معلومات مغلوطة لا تعتمد على الأدلة والبراهين، بل إن الساحة مفتوحة على مصراعيها أمام الجميع للحديث في كل العلوم وبالأخص الطب. بل تعدّى ذلك إلى بثّ أفكار لا تتوافق مع ديننا ومجتمعنا وعاداتنا.. والفئة الأولى المُستهدفة هي الأطفال، لذلك كان لا بد من إرسال معلومات مَقروءة لهم لأن القراءة هي أعظم ثروة مُمكن أن يمتلكها الإنسان ويُعلمها لأطفاله..
المحور الثالث: هو الطفل المريض الذي غالبًا ما يُهمَّش، بالأخصّ لو كان دون سن المدرسة..
في سلسلة كتب (أنا وطبيبتي) الطبيّة للأطفال، والتي صدر منها 6 أجزاء: (عيادتي، المستشفى، الطوارئ، فقر الدم، الثلاسيميا، الربو)، اعتمدتُ في الكتابة على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: احتياج الطفل إلى الصُّورة، فاستخدمت الصورة البسيطة الملونة المألوفة للأطفال التي تملأ معظم صفحات الكتاب.
الأمر الثاني: اللغة، فاستخدمت الكلمات العربية الفصحى القليلة العدد المفهومة المعنى للأطفال مع أسماء الشّخصيات الموجودة في كل مجتمع.
الأمر ثالثا: الخيال والفكرة البسيطة الشائقة، فتكون من خلال إصابة الطفل بمرض ما أو شخص من معارفه وتتمُّ المعالجة من خلال سلسلة من الأحداث البسيطة والطريفة أحيانًا يُفهَم منها كيف يحصل المرض وكيف يعالج.
هذه الأمور الثلاثة تتناسب مع فئات عمريّة مُختلفة، فالكلام يكثر والصُّوَر تقِلُّ مع ازدياد عمر الطفل، وحتى تكون المعلومة واضحة للأهل، وحتى يشاركوا في إيصال المعلومة الصحيحة إلى الطّفل. ولكل كِتُاب مُقدمةٌ تتضمّنُ مادةً علميةً بالكامل عن المرض والعلاج بطريقة مبسطة مُوجّهة إلى الأهل.
الحمد لله كان الإقبال جيدًّا على كُتُبي، خاصه مع قلّة الكتب باللغة العربية التي تناقش أمراض الأطفال من قبل طبيب مُتخصص في الفترة الزمنية لصدور مجموعة “أنا وطبيبتي”.
لم يكن الهدف تحقيق الربح المادي بقدر أن يكون الهدف نشر المعلومة وتشجيع الأطباء الشباب على الكتابة في هذا المجال. والحمد لله تم توزيع الجزء الأكبر منها على المستشفيات ومدارس الأطفال ومراكز العلاج بالمجان..
ولأن المحتوى طبي وللأمانة الطبية، يحتاج بعضها الآن، وقد مضى عليها، عشر سنوات بعضَ الإضافات بما يتواكب مع التقدم العلمي الحالي في وسائل التّشخيص والعلاج.
أحمد سويلم
(باحث وشاعر من مصر)
خريطة شعر الأطفال في مصر
يقول الشّاعر الإسلاميّ حِطَّان بن المُعلّى مُجَسِّدًا حبَّه لأولاده:
أنْزَلني الدّهرُ على حُكمِه — من شامـخٍ عـــالٍ إلى خَفـــضِ
وغالني الدّهرُ بِوَفرِ الغِنى — فليس لي مـالٌ سـوى عِرضـي
أبكانيَ الدّهرُ، ويا طالمـــا — أضحكـني الدّهــرُ بمـــا يُرضي
لولا بُنَيَّاتٍ كَزُغبِ القَطــــا — رُدِدْنَ مـن بـعــضٍ إلى بـعــضِ
لكان لي مُضْطَرَبٌ واسـعٌ — في الأرض ذاتِ الطّولِ والعَرضِ
وإنّما أولادُنا بيننا — أكبادُنا تمشي على الأرضِ
لو هَبَّتِ الرّيحُ على بعضِهم — لامتنعتْ عيني من الغَمْضِ
ومن المآثرِ القديمة: قيل لأعرابي: صِفْ ابنَكَ… قال: وَلَد النّاسُ أبناءً وولدْتُه أبًا يُحسنُ ما أُحْسِنُ.. ولا أُحْسِنُ ما يُحْسِنُ.
هكذا نظر أجدادُنا إلى أبنائهم نظرةَ تقدير ومَحبّة، بل نظرة تجعلهم مشاركين في صنع الحياة.. يعملون.. ويحاربون.. ويصاحبون القوافل.. وأحيانًا يُشاركون الكبار في الرَّأي والتفكير..
ولن أخوض كثيرًا في تقدير هذه النظرة، ولكنّني سأحاول الآن أن التقطَ زاويةً خاصّة في ثقافة الطّفل، وأعني بها تقديم الشِّعر للأطفال، فليس من المعقول أن يكون الشِّعر ديوانَ العرب ونُعْرِضَ أو نُهْمِلَ تقديمَه لأطفالنا.
في البدء كانت المُناغاة
ودعونا نبدأ بتأكيد مُهمّ – دون تحيّز – وهو أنَّ الشِّعر أسبق الفنون إلى وجدان الصّغير، فالطّفل يولَدُ مُزَوَّدًا بحاسَّة سادسة يدرك فيها ما في الأعمال الفنيّة من سحر وجمال.. كما أنَّ النَّغمَ وموسيقى الكلام يسبقان إدراكه لمعاني هذا الكلام وألفاظه المفردة..
وأول صوت يدركه الطّفل ويتَبيَّنُه هو صوت الأمّ، خاصّة حينما يبكي وتندفع إليه أمّه لتهزّه أو تهزّ مَهْده الصّغير في رقّة مصحوبة بموسيقى صادرة من قلبها تنسجمُ مع إيقاعات هذا المهد الصغير.. وتسمّى هذه الأنغام العذبة الّتي تُهدهدُ بها الأمُّ طفلَها “المناغاة”..
الشّعر مِنَ المَهد إلى اللَّحد
لقد أدرك الشِّعراء – منذ بدأ الشِّعر – تأثير هذا اللَّون من الأدب على الأطفال، فالشِّعر يكاد يترجم حركات الطّفل التّلقائية ولغته الأولى وأجهزة وعْيه وشعوره.
وتؤكّد الدّراسات أنَّ الصّياغة الشِّعرية المُغَنَّاة تَبقى في وجدان الطّفل إلى أزمان طويلة، ومن ثم فكلّما نجحنا في صياغة كثير من القيم في مقطوعات شعريّة يسهلُ حفظها وترديدها، كلما أنشأنا طفلًا متذوّقًا للجمال..
إنّ الشِّعر يمكن أن يُقدَّم مِنَ المَهد إلى اللَّحد.. وعلى الشاعر أن يفهم سيكولوجية الطّفل وأن يُقدِّم له الشِّعر بلغةٍ سليمة سلسة وإيقاعات بسيطة في مجزوءات البحور التي تَتَّسِمُ بِعَدَمِ التّعقيد..
ملامح وأشْكال شعر الأطفال
ومن الضَّروري هنا أن نشير إلى بعض الملامح العامّة لشعر الأطفال منها:
– استخدام مفردات اللُّغة لمرحلة العمر وللمستوى الإدراكي للطّفل.
– تجانس اللّفظ مع المعنى بعيدًا عن الحشو والغموض، ونحن هنا نقدّر معجم الطّفل اللُّغويّ والمعرفي.
– الإيقاع الموسيقيّ الظاهر الَّذي يصلح للغناء، خاصّة على مستوى القصيدة القصيرة.
– تقديم الأفكار والقِيَم التي تمدُّ الطّفلَ بالتّجارب والخبرات وتجعله أكثر إحساسًا بالحياة.
– أن يتَّسم الشِّعر بالخيال المُلائم لإدراك الطّفل.
– أن تكون اللُّغة فصحى شاعريّة بسيطة تُلائم الإيقاع البسيط.
وأرى أنَّ الشِّعر يمكن تقديمه في أشكال مختلفة مثل:
– القصيدة أو المقطوعة سواء كُتبت بالشكل العمودي أو الشّكل الحديث.
– القصّة الشِّعرية القصيرة التي تحكي مواقف مُمتعة شائقة.
– المسرحيّة الشِّعريّة المُركّبة وقد تكون قصيرة أو طويلة.
وقد برع شعراءُ الأطفال شرقًا وغربًا في تقديم أفكارهم؛ ومنهم: لافونتين في الغرب، ومحمد عثمان، وأحمد شوقي، ومحمد الهواري، ثم جيلنا الحديث في الشَّرق..
“عثمان جلال” رائدُ القصّة الشعرية للأطفال
وما يعنينا هنا أن نرصدَ خطوات هذا الفن الجميل – شعر الأطفال – وكيف بدأ واستقرَّ في الشرق.
والحقّ يقال إن أحدًا لم ينتبه إلى هذا الفن قبل منتصف القرن التاسع عشر حين كتب “محمد عثمان جلال” كتابه (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ) الَّذي يتضمّن مائتي قصّة شعريّة تتراوح لغتها بين العامية والفصحى.
وكان “عثمان جلال” يُجيد الفرنسية، ومن ثم بدأ يترجم عن هذه اللُّغة مسرحيّات “موليير” وبعض الروايات، وعندما وقع في يده كتاب (خرافات لافونتين) عكف عليه أو على حدّ قوله: “أخذتُ أترجم في الأوقات الخالية كتاب العلّامة الفرنسي الكبير لافونتين، وهو من أعظم كتب الآداب الفرنسية المنظومة على لسان الحيوان.. على نسق كتب: (الصّادح والباغم) و(فاكهة الخلفاء)، وسمّيتها: (العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ)، وتعاقدتُ مع رجل فرنسي يدير مطبعة من الحجر ولكنه أخْلف وعْده لي، فجهّزتُ مطبعةً أخرى وأنفقت عليها ما عندي، فلما تمّ طبْعها، عرضْتها على العزيز “عباس باشا الأول” وكان واسطتي إليه المغفور له “مصطفى فاضل”، رمى الكتابَ في وجه حامله، فعاد بخُفَّيْ حُنَيْن.. فبعتُ حِماري وبقيّةَ ما أملك، وقد ركبني الهم والغم.. الخ.
وقد طُبع هذا الديوان ثلاث مرات: الأولى ما بين 1848 – 1854، في أثناء حياة مؤلِّفه، والثانية بعد وفاته بعشر سنوات، سنة 1908، والثالثة عام 1987 بتحقيق الشاعر “عامر بحيري”، وقد أجمع النُقّاد – ومنهم العقّاد وغنيمي هلال – أن ترجمة الكتاب كانت حرّة بحيث اختفت فيها معالم الروح الفرنسية وظهرت بوضوح شديد الروحُ المصرية..
يقول “عثمان جلال” في إحدى قصائده:
كان البخيلُ عنده دجاجة — تكفيه طول الشّهر شرَّ الحاجة
في كلِّ يومٍ مرَّ تُعطيه العجَب — وهي تبيضُ بيضةً من ذهب
فظنَّ يومًا أن فيها كنزا — وأنه يزدادُ منه.. عِزَّا
فقبضَ الدّجاجةَ المسكينُ — وكان في يمينه سكّين
وشَقَّها نِصفَينِ من غفلته — إذ هي كالدّجاج في حضرتِه
ولم يجدْ كَنزًا ولا لَقيّة — بل رمّةً في حِجْرِه مَرميّة
فقال لا شكَّ بأنّ الطَّمَعَا — ضيَّعَ للإنسان ما قد جَمعا
لقد كان “محمد عثمان جلال” رائدَ هذا الفنّ بحقّ من خلال هذا الديوان الذي وضع إرهاصات شعر الأطفال العربي..
مجلّة “روْضة المدارس”
وربما نستطيع بشيء من الموضوعية أن نذكر “رفاعة رافع الطَّهطاوي” في كتابه (المرشد الأمين للبنات والبنين) الذي أصدره عام 1875، وواضح من عنوان الكتاب أنَّه جاء في صورة إرشادات للتلاميذ في مدارس وزارة المعارف وجاءت موضوعات الكتاب لتشمل: بيان عربية الأطفال، العقيدة الدينية، التعليم والتَّعلّم، الوطن والوطنيّة..
لكن الإنصافَ يقول إن ما بين عامي 1870 و1877 نشرت مجلة (روضة المدارس) نتاجًا أدبيًّا للأطفال بأقلام عدد من الكتاب المرموقين ومنهم الطّهطاوي، ومحمد عثمان جلال، وإسماعيل صبري، وحسين الشباسي الذي يقول في إحدى منظوماته:
البرّ بالآباء فرضٌ لازمُ — مَنْ بَرَّهُمْ فهو النَّجِيُّ الحازمُ
فأَطِعْ أباكَ وكُنْ لأمّك تحترق — مُسترْضِيًا لهما لِئلّا تحترق
واحذر عقوقَهما الّذي قد حُرِّما — ويحلّ صاحبه الجحيم جهنما
أول دعوة لنشْر الأدب التهذيبي
ويشهد منتصف عام 1893 ظهور أول دعوة عربية من مصر لنشر الأدب التهذيبي، وقرَأنا للزعيم “مصطفى كامل” تلك الأبيات:
هلمّوا يا بني الأوطان طرّا — لنرجع مجدنا ونعزّ مصرا
هلموا أدركوا العلياء حتى — تنال بلادنا عزًّا وفخرا
نسينا البرّ للنّيل المُفَدَّى — وخلنا أننا جئناه برَّا
وعار أن نسمّي الذّل عزًّا — وعار أن نسمّي الشّح بِرَّا
فقوموا واطلبوا للنيل عزًّا — ولا تبقوا بذلٍّ كي يسرّا
وما بين عامي (1892 — 1893) كتب “أحمد شوقي” بابَيْن في ديوانه هما: الحكايات، وديوان الأطفال، ونشرا في الطبعة الأولى لديوانه عام 1898. ونلاحظ أن “محمد عثمان جلال” – كما رأينا – قد سبق “أحمد شوقي” إلى هذا الفن حين نشر ديوانه (العيون اليواقظ) ما بين عامي 1848 -1854، أي قبل مولد “أحمد شوقي” بنحو خمس عشرة سنة (ميلاد شوقي 16 أكتوبر 1870).
أمير الشّعراء يكتبُ للأطفال
وكما حكى لنا “محمد عثمان جلال” تجربته مع هذه الأشعار، حكى شوقي أيضًا تجربته حين قال في مقدمته (وجرّبتُ خاطري في نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشّهير)، ثم يذكر شوقي بالثّناء صديقه الشاعر “خليل مطران” – صاحب المنن على الأدب – دون أن يذكر كلمة عرفان أو اعتراف بتأثِّره بأعمال “عثمان جلال” الذي سبَقه إلى هذا المجال.
وبالرّغم من ذلك، فقد قدَّم “شوقي” إضافة ملموسة في هذا المجال حيّرت النّقّاد وأضافها بعضهم إلى (الشِّعر الرمزي)، وبعضهم (إلى الشِّعر التَّحريضي السياسي). لكننا لا نميلُ إلى هذه الآراء، ومن يقرأ أشعار “شوقي” للأطفال يشعر بمذاق آخر وبقدرة مختلفة على توصيل المعنى.. ومن ذلك قوله:
سَقَطَ الحِمارُ مِنَ السَفينَةِ في الدُجى — فَبَكى الرِفاقُ لِفَقدِهِ وَتَرَحَّموا
حَتّى إِذا طَلَعَ النَهارُ أَتَت بِهِ — نَحوَ السَفينَةِ مَوجَةٌ تَتَقَدَمُ
قالَت خُذُوهُ كَما أَتاني سالِمًا — لَم أَبتَلِعهُ لِأَنَّهُ لا يُهضَمُ
نَظْمُ الجُمَان في أمثال لُقْمان
وهذا ناظمٌ أصدر عام 1893 كتاب (نَظْم الجمان في أمثال لقمان)، وقد ضمنه مؤلفه “عبد الله فريج” خمسين مثلاً وضعها في صورة أراجيز تحكي عن الحيوان أو الإنسان أو النبات ثم يُنهي الأرجوزة بمثل من أمثال لقمان.
وإذا كان النّظم قد جاء متكلفا إلى حد كبير.. فإنه مع ذلك يُضَمُّ إلى هذه الإرهاصات الأولى لفن شعر الأطفال. وإذا كان “عثمان جلال” قد كتب قصة الدجاجة التي تبيض الذهب.. فقد صاغها أيضا “عبد الله فريج” في هذه الأرجوزة.
قيل بأن امرأة مُحتاجة — كانت لها في بيتها دجاجة
لها تبيض بيضةً في اليوم — من فضّة سادَت بها في القوْم
فافْتكرَتْ من غَيِّها الغبيّة — أن تُكثِر الطّعامَ للشَّقِيّة
لعلّها تبيض بيْضتين — أعني بِذَا في اليوم مرتين
وإذْ لها زوَّدَتْ الغذاء — وأوْسَعتْ أحشاءَها امْتلاء
انفجرتْ حوْصَلة المسكينة — وأصبحتْ مَوْلاتُها حزينة
وصَحَّت الأمثالُ أنّ بالطّمع — يُفرّقُ الإنسان كلَّ ما جَمَع
آداب العرب.. وتَطْريب العندليب
ولا بد أن نذكر هنا أن الشّعراء الثلاثة السابقين لم يكتفوا بالكتابة على لسان الحيوان، لكنهم طَرَقوا موضوعات أخرى أبطالُها بشر.. ومن ثم اكتملت لديهم الصّورة حيث جمعتْ بين هذه الاهتمامات التي تَصوَّرُوها مُفِيدة للقارئ الصغير.
وفي عام 1911 أصدر “إبراهيم العرب” ديوانَه (آداب العرب) وجَارى به السّابقين من كُتّاب العرب وأدباء الغرب، فجعل حِكَم تلك العِظات دائرةً على ألْسِنة بعض الحيوانات المعروفة.. وبالرغم من ذلك أيضًا، كتب “إبراهيم العرب” قصائد أخرى تنأى عن الحيوان.. وقد شمل هذا الديوان تسعًا وتسعين قصة شعرية. وفى عام 1940 أصدر “جبران النحاس” ديوانه (تَطْريب العندليب) وتضمّن سبعًا وتسعين قصة شعرية مأخوذة أيضا من “لافونتين”.
عدَدٌ كبيرٌ من الشعراء أشهموا في هذا المجال منهم: “كامل الكيلاني” الذي اعتاد أن يُذَيِّل بعض حكاياته بقصيدة شعرية يُلخِّص فيها هذه الحكاية.. ومنهم: “الصاوي شعلان”، بركة محمد، على عبد العظيم، محمود غنيم.. و”عادل الغضبان” الذي أصدر ديوانه (الوتر الناعم) عام 1962، و”محمود أبو الوفا” الذي كتب أناشيد دينية ووطنية.. وكتب بعض القصائد على ألسنة الحيوانات أيضا.
محمد الهواري شاعرُ الأطفال
أمَّا “محمد الهواري” (1885 ـ 1939) فيُعَدُّ من أوائل الذين انصرفوا بجد وإخلاص إلى شعر الأطفال. بدأ “الهوارى” تجربته على مستويات الأطفال المختلفة من الإدراك والاستيعاب تحت عناوين: سمير الطفل، أغاني الأطفال، السمير الصغير، الطفل الجديد.. كما كتب أوّل شكْل للمسرح الشعري للأطفال وأطلق عليه (تمثيليّة شعرية).. ومن أشعاره:
هل تعلمون تَحِيَّتي — عند الحضور إليكم
أنا إن رأيتُ جماعةً — قلتُ السلام عليكم
ويقول:
أنا في الصُّبْح تلميذٌ — وبعْد الظُّهْر نَجَّار
ولي قلمٌ وقِرْطاس — وإزميل ومنشار
وعلمي إنْ يكُن شرَفًا — فما في صنْعتي عار
وللعلماء مَرْتبة — وللصناع مِقْدار
ولقد قمتُ بتحقيق أشعار “محمد الهراوي” في كتاب ضّمَّ كل ما كتبه للأطفال والذي يبلغ ما يقرب من خمسة وعشرين ديوانًا.
شعراءُ الأناشيدِ المدرسية
وهناك شعراء آخرون لهم إسهامات قليلة في شعر الأطفال، ربما كتبوها في شكل أناشيد يردِّدُها التلاميذ في المدارس، ومنهم على سبيل المثال الشاعر “علي أحمد باكثير” الذي كتب عان 1958 نشيد الأم الشهير:
عيدُك يا أمِّي — أبْهجُ أعيادي
لولاك يا أمي — ما كان ميلادي
ومنهم “مصطفى صادق الرافعي” (1880 -1937) الذي اهتمَّ بكتاب الأناشيد التي يُمكن أن يرقص عليها الأطفال. وقد صدر له ديوان (أغاريد الرافعي) في بغداد عام 1979.
أطفالنا في عيون الشعراء
ويمكننا الآن أن نقفز إلى حاضرنا.. إلى العشرين سنة الأخيرة حيث بدأت الدّعوة إلى كتابة شعر الأطفال تسْري بين الشعراء، بعد صدور دراستي (أطفالنا في عيون الشعراء) في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وفيها دعوةٌ مُخلِصة إلى أصدقائنا الشعراء بخَوْض هذا المجال.. واستجاب الكثير منهم.
نحن الآن أمام جيلين من شعراء الأطفال.. جيلٌ رسَخ في فنّه وأصْدر أعمالاً شعريةً في شكل قصائد، ودواوين، ومسرحيات شعرية، وقصص شعرية.. وجيلٌ شاب تحمَّس لهذا الاتجاه وبدأ يضيف تجربته الخاصة..
قصائد من حديقة الحيوان
نحن أمام أسماء كثيرة في مصر تزدحم بها الساحة، منهم من الجيل الراسخ: “عبد العليم القباني” من شعراء الإسكندرية الذي تميّز بخفّة الظل سواء في أشعاره التي كتبها للكبار أو الصغار، ومن أعماله الشعرية في مجال الطفولة ديوانه (قصائد من حديقة الحيوان).. يقول في قصيدته (العصفور والحيّة):
على الأغصان عصفور — صغير السّن مغرور
رأى في الحيّة الرَّقْطا — ء حُسْنًا فهو مسرور
وما يدري بأن السم — تحت النّاب مستور
وأقبل نحوها يسعى — فنادتْه العصافير
تُحذِّره من الأفعى — فإن حنانها زُور
فلم يعبأ بما نصحت — وللأوهام تأثير
وغنَّى حوْلها طرَبًا — فأمْسى وهو مقبور
فمن يغْتَرَّ بالأوها — م تُهلِكه المقادير
الفيل والنّملة
أمَّا “محمد السنهوتي” فهو من شعراء محافظة الشرقية وله عدة دواوين شعرية للأطفال، وقد ركّز على الحكاية الشعرية المُمتلئة بالقيم الإسلامية والإنسانية سواءٌ كتبها على لسان الحيوان أو على لسان البشر.. من ذلك ما يقوله في قصيدته (الفيل والنّملة):
الفيل قال: سأقتل النملة — يا ويْل من عاديت يا ويْلهْ
ستدوسها قدمي فتسحقها — سحقًا وتلك مهمّة سهلهْ
إن لم تجِئْني وهي صاغرةٌ — وتُقدِّم القربانَ في ذلّهْ
وجري رسول الفيل ينبئها — بِوَعيد هذا الأحمق الأبلهْ
ردّتْ عليه وهي ساخرةٌ — إنِّي حزنْتُ لفقْدِه عقلهْ
أناشيدُ المَرَح واللّعب
وهذا “أحمد نجيب” كاتبُ الأطفال الذي تعدّدت أعماله، كتب ديوانًا للأطفال والناشئة، ويضمُّ عددًا من الأناشيد البسيطة التي تتناول عالمه وألعابه وأدواته. ومن ذلك مثلاً:
هيا نجري نحو الملعب — صفِّقْ معنا وامرحْ والْعب
هذي كُرَتي مثل الأرنب — تجري معنا حتى نتعب
نجلس حينًا عند النهر — وسط الظل وقت الظُّهر
وترى الورد رمز الحسن — مَالَ جمالاً فوق الغصن
جيلٌ جديدٌ يكتب الشِّعرَ للأطفال
ويبدأ جيلٌ آخر في مصر يضُمُّ كوْكبةً من الشعراء منهم: إبراهيم شعراوي ـ أنس داود ـ أحمد الحوتي ـ أحمد سويلم ـ سمير عبد الباقي ـ عبد المنعم عواد يوسف ـ نشأت المصري ـ أحمد زرزور ـ درويش الأسيوطي ـ محجوب موسي ـ فؤاد بدوي ـ أحمد فضل شبلول ـ فوزي خضر ـ أحمد مبارك ـ حسين على محمد. ولن نستطيع أن نحيط بتجربة كل شاعر على حدة.. لكني سأحاول اختيار بعض النماذج المتاحة لهؤلاء الشعراء..
يقول “إبراهيم شعراوي” في أوبريت (الوسام) على لسان الزارع:
أنا الزارع فلتنظر — إلى عالمنا الأخضر
وعندي البيض في حقلي — عندي عسل النحل
وعندي الفول والعدس — مع الملفوف والخس
وعندي اللحم والسمن — وعندي الزبد والجبن
وهذا “أنس داود” الذي كتب عدّة مسرحيات شعرية للأطفال إلى جانب عدد من الدواوين.. وهذه قصيدة (وجه غاب) يقول فيها:
كان اسمه مراد
وكان وجهه الوَضِيء في الصباح
طلعة الأفراح
وكان صوته الودود للأولاد
بهجة الأولاد
رفاقه في الدرس والطريق والألعاب
لكنه ذات صباح.. غاب
وانتظر الصحاب
وعندما تساءلوا: متى يعود
لم يعرفوا الجواب
أمّا “أحمد الحوتي” فله عدة أعمال شعرية للأطفال، وهو مثل “أنس داود” يكتب القصة الشعرية بشعر التفعيلة ـ وله حكاية بعنوان (الورد والشجرة) يقول فيها:
حكى لي شيخ قريتنا
بأن الورد والشجرة
تماما مثلنا أطفال
وأن الورد يفرح حين نسقيه
ونرعاه ويبكي لو قطفناه
وفى مرة
دخلت حديقة الحيوان
أنا وجميع أصحابي
وكنا نلعب الألعاب
بعيدًا عن مكان الورد والأشجار
رآنا الشيخ حيّانِي وحيّاهم
وتنتهي هكذا الحكاية بحكمة بالغة تعتمد على ذكاء الطفل.
وليسمح لي القارئ أن أعرفه على أعمالي الشعرية للأطفال.. فهي تتراوح بين المقطوعة القصيرة والقصيدة والقصة الشعرية والمسرحية الشعرية. ومن ذلك مثلا (أنا والقطة):
لي قطة صغيرة
لكنها شقية.. عنيدة
لاعبتُها بالأمس بالكرة
أقذفها بعيدة.. بعيدة
فتسرع القطة خلفها رشيقة سعيدة
ومرة ومرة.. قذفتها بعيدا
سابَقْتُ قطتي لها
لكنها شقية عنيدة
أثارتْ الغبارَ في طريقي
وأسرعت تلقفها قبلي
صرختُ فيها غاضبًا
ضربُتها.. ضربا شديدا مُؤلما
قالت: لماذا ثُرْت يا صديقي
أليس ما نفعله مسابقة
أليس هذا لعبا
فيه الذي يفوز
وفيه من يخسر في السباق
قلت لها: إنك فزت بالخديعة
أثرت في وجهي الغبار
قالت: ظلمتني.. فالأرض يا صديقي مُتْربة
وسرعتي تثير ذلك التراب
ما حيلتي.. ما حيلتي
أدركت أنني ظلمت قطتي
ضممتُها.. قبّلتها
قلت لها: في المرة التي تجيء في الغد
سوف أفوز في السّباق
قالت: وكيف؟
قلت: سوف ألبس النظارة الشمسية
ولن أخاف ذلك الغبار!
وهذا “سمير عبد الباقي” الذي أعطى الكثير من إبداعه للأطفال بالفصحى، إلى جانب أنه شاعر مُبْدِع في العاميّة.. يقول في قصيدته (على الأرجوحة):
على أرجوحتي أعْلو
تدُور برأسي الأفكار
أرى نفسي أطِير.. أدُور
كأني طائرُ الوَرْوار
أسابِقُ نحلةَ العسل
أزُور الوردَ والأزهار
وأعْلو مرّة أخرى
كأني طائرٌ جبّار
أمَّا “عبد المنعم عواد يوسف” فله عدة دواوين ومسرحيات شعرية كتبها للأطفال وفى قصيدته (عيون الفجر) يقول:
لِعُيون الفجر تَغنَّيْنا — وملأنا بالورد يَديْنا
وبدرب الأفراح مضينا — ولنيل الأهداف سعينا
من نبع الحب تساقينا — أشواقا تملأ عينيْنا
نحن الأطفال — أصل الأجيال
زهر الآمال — لعيون الفجر
وهذا “نَشْأتْ المصري” الذي مدَّ الأطفال بعدد من الأعمال الشعرية والنثرية، ومن قصائده (قصة الحجر) يقول فيها:
الزائرُ الغريب قال:
لو أنّنا نسمع ما تقوله الأشياء
ندرك أن غاية الوجود.. عبادة المعبود
الله لا سواه.. الله لا سواه
وهكذا أراك يا سيّدة البحار
عابدة لله.. كثيرة الأفْضال
طويلة النّضال
ليسْتمرّ الكون والحياة
قلت: أنا كما ترى ذبولٌ واصفرار
قال الغريب: بل أراك قطعة من الجمال
تاريخك العطاء والكرم
ولا يهم الشكل لا يهم
….
وذات يوم رأيت طفلاً كالقمر
في يده حجر
أراد أن يقذفني فطار في الهواء
ثم أطلق الحجر
أصابني فقلت: آه.. يا لقسوة القمر
فالحجر المُرْتَدُّ قد أصاب رأس الطفل بالضَّرَر
وبعد لحظة ضحكتُ
وهذا “أحمد زرزور” الذي رأس تحرير مجلة “قطْر النّدى” فأخلص في عطائه للطفل في سنّي عمره المختلفة، ومن أعماله (الولد الذي صار طبيبا) يقول فيها:
سمعتُ ذات ليلة من جدّتي الحنون
حكاية غريبة عن ولد شقيّ
تعوَّد الكذب
تعوَّد الخداع والدهاء
وكان يومه يمرُّ في تدبير ألف مقلب ومقلب
مُستهزئا من طيبة الصحاب
وذات يوم يا أحبتي
ـ تقول جدتي ـ
وكان هذا الولد الشقيُّ يسْتَحِم
والموج عند الشاطئ البديع
هادئ رقيق
وساكن وديع
فصاح: يا صِحَاب أسرعوا
فإنني أضيع
أنقذوا أخاكم الذي يحيطه الخطر
ويكمل الشاعر حكاية الولد الشقيّ الذي كان يسخر من أصحابه في كل مرة يمثل فيها الغرق.. حتى كاد التيّار يبتلعه بعد ما انصرف عنه الأصحاب لكذبه وخداعه..
لولا اقتراب زورق يمُرُّ صدفة
فأسرع البحَّار
وأنقذ الصبي من براثن الأخطار
وهذا “درويش الأسيوطي”، الذي يعيش في صعيد مصر، يُعطي جانبًا من إبداعه للطفل، ويصدر ديوان (أغنيات للصباح) يقول:
حَيُّوا الصباح الجميلاَ
وهلِّلوا تهْليلاَ
واستقبلوا فيْض ربِّي
بالشكر شكرًا جزيلاَ
الشمس قرْصٌ من ذَهَبْ
والعشب فرش سُنْدُسِي
سبحان ربِّي من وهَبْ
هذا الجمال القُدسِي
وهذا “محجوب موسى” الذي يعيش في الإسكندرية، وقد كتب عدة مسرحيات شعرية للأطفال، يقول عن (الحرية):
لماذا كَلْبتي يا عضمُّ لا تنْبح
ولا تمْزح
ولا تلهو معي كالأمس
تقول: لأنها في الحبس
وأين الحبس
إن حديقة الدار
بها بيت لكلبتنا نُزيِّنه بأزهار
تقول: انظر لسلسلة تُقيّدها
أنا أدركت يا عمى
سأُسْعِدها بفك القيْد
فما في الكون من فرح عظيم
مثل “حرية”
أمَّا الشاعر “فؤاد بدوي” فله عدة دواوين للأطفال وتتميّز بالسهولة والسلاسة، يقول في إحدى قصائده:
الأطفالُ ربيعُ الدنيا
بسمة نور
نسمة سحر
تسري.. تجري
يا ربي.. يا واهب عمري
اجعل أيامي أزهارا
تنمو بحديقة أطفال
وهذا الشاعر “أحمد فضل شبلول” الذي اهتم بشعر الأطفال دراسةً وتحقيقًا وإبداعًا، يقول في قصيدته (كرة):
تدُورُ العيْنُ في الملعب
على الأقدام والجبهة
وتجري السّاق
وفوق العشب عند قوائم المرمى
يدور سباق
وألعابٌ لها فنّ
وتخطيط له علْم
وساحرةٌ على الأعناق
هتافات ترُجُّ مقاعِدَ الإسْتاد
وتصفيق وتهليل
إذا اهتزت شباك الخصم
ونال فريقنا القومي
كؤوس النصر
وتشرق شمس نهضتنا الرياضية
وتسبح في بحار الفخر
وهذا “فوزي خضر” الذي تّعدّد عطاؤه بين الشعر والكتابة للإذاعة وثقافة الأطفال، يقول في قصيدته عن أبنائه الثلاثة:
كل قلوب الناس
أقسام أربعة
فأُذُيْن أيمن
وأذين أيسر
وبُطَيْن أيمن
وبطين أيسر
لكن قلبي قُسِّم لثلاثة أقسام
قسم لمحمد
قسم لمحمود
قسم لشروق
كل صباح أسعى من أجلهم
أعطي كُلًا منهم قسمتَه
من نور القلب
وهذا “أحمد مبارك” الذي أبْدع بعض الدواوين والمسرحيات الشعرية للأطفال، يقول في إحدى مسرحياته:
بعد اللعب سأرجع لاسْتِذْكاري
أما الآن سأمرح وسأقطف بعض الأزهار
وأصِيد فراشات
وسأصعد فوق الأشجار
وسأفعل ما يحلو لي
أما الشاعر “حسين علي محمد” فقد كتب عدة أعمال شعرية للأطفال، يقول في إحداها:
تعرفُني كلُّ المُدُن
وتعشق مصْنوعاتي
في أثناء الأسفار
أجدُ الأطفالَ عرايا
يفترشون ترابَ الأرض
فأحزن
أتمنى أن يجد الأطفال بيوتًا
تحميهم من حرّ الشمس
وتقِيهم شرِّ الأمطار
وهناك أجيال من الشباب الذين وضعوا أقدامهم فوق هذا الطريق لكنهم لم تكتمل تجربتهم، برغم من أنهم يحاولون بمذاق مختلف، وأسلوب يؤكد استمرار هذا الفن النبيل..
روافد شعر الأطفال
وبعد.. فهذه خريطة شعر الأطفال في مصر، والتي توضح ريادة هذا اللون من الإبداع.. والذي انتقل إلى كل بلد عربي، فأخرج عددًا من الشعراء هنا وهناك يضيفون تجاربهم وأفكارهم، ويسهمون في رسم بقية ملامح الصورة..
بَقِيَ أن نقول: إن مجال شعر الأطفال يمكن أن يكون له روافد كثيرة إلى جانب رافد القصيدة.. فهناك الحكاية الشعرية، والموقف الشعري، والملحمة الشعرية، والمسرحية الشعرية.. وبهذا نُثري ساحة الطفل بالإبداعات التي تجعله طفلاً عربيًا له هوية عربية ورؤية خاصة للعالم..
أهم المراجع
1- التربية والتعليم في مصر القديمة، د. عبد العزيز صالح، الدار القومية، 1966
2- الحكم والأمثال عند المصريين القدماء، محرم كمال، المكتبة الثقافية، 1962
3- إيسوب، ترجمة مختار الوكيل، ألف كتاب، 1956
4- الحكاية على لسان الحيوان، د. سعد ظلام، دار التراث العربي، 1982
5- حكايات لقمان، تعريب عبده حسن الزيات، لجنة التأليف والترجمة، 1948
6- أطفالنا في عيون الشعراء، أحمد سويلم، دار المعارف، 1982
7- التربية الثقافية للطفل العربي، أحمد سويلم، مركز الكتاب للنشر، 1990
8- الفكر الإسلامي وثقافة الطفل العربي، أحمد سويلم، 1997
9- أدب الأطفال، هاني نعمان الهيتي، وزارة الإعلام، العراق، 1977
10- أدب الأطفال.. على الحديدي، الأنجلو 1980
11- النص الأدبي للأطفال، د. مسعد أبو الرّضا، منشأة المعارف، 1998
12- معجم شعراء الطفولة، أحمد فضل شبلول، دار المعراج الدولية، 1998