تراهن الجزائر على انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون ـ كمراقب في الوقت الحالي ـ لتعميق عودتها المشهودة إلى واجهة الأحداث الإقليمية والدّولية ـ كفاعل هام ـ والتنويع في شراكاتها الاقتصادية، وتحالفاتها الاستراتيجية، وذلك بمواصلة مسيرة الانفتاح على تكتّلات جديدة، بما يضمن مصالحها الاستراتيجية مع دول آسيا، دون أن يكون هذا على حساب خياراتها المتعددة في سياستها مع حلفائها التقليديين في أوروبا، بعد عزلة دبلوماسية عاشتها خلال العشرية الأخيرة.
وتتمسّك الجزائر بمبدأ “إقامة نظام عالمي متعدّد الأقطاب”، وهو أحد المبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية لـ”منظمة شنغهاي”، وتُشكّل قاسماً مشتركاً بين الجانبين، إضافة إلى مبادئ الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومحاربة الإرهاب، وتبنّي مقاربة التنمية الاقتصادية كوسيلة لحلّ أزمة ظاهرة التطرف والتهديدات الأمنية.
وتسعى منظمة شنغهاي إلى تقوية الثّقة المشتركة بين الأعضاء، إلى جانب علاقات حسن الجوار، وتعزيز التعاون في مجالات السياسة، والتجارة، والاقتصاد، والعلوم، والتكنولوجيا، والثقافة، والتعليم.
وكان وزير الخارجية، أحمد عطاف، قد أكّد في تصريحات إعلامية سابقة أن “الجزائر قد طلبت بأن تصبح دولة مراقبة في إطار “منظمة شنغهاي”، مشيراً إلى أنه يتم عادة طلب الانضمام كعضو مراقب، قبل تقييم الوضع واتخاذ قرار الانضمام بشكل رسمي.
وذكر عطاف أن “الرئيس عبد المجيد تبون، يرى أن “هناك مركزاً اقتصادياً كبيراً يتشكل في آسيا الوسطى.. ومن أجل الحفاظ على مصالح البلاد، تتركز جهود الدبلوماسية الجزائرية بشكل كبير نحو هذه المنطقة من العالم”.
يذكر أن منظمة شنغهاي للتعاون، قد تأسست عام 2001 بين روسيا والصين وجمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا في منطقة وسط آسيا، قبل أن تتوسع لتضم الهند وباكستان عام 2017، إلى جانب إيران مؤخرا، ليصبح عدد دول المنظمة ثماني دول، بالإضافة إلى وجود عدد معتبر من طلبات الالتحاق بالمنظمة كعضو مراقب في المرحلة الأولى، على غرار الجزائر، مصر، أفغانستان، الكويت.. وغيرها.
وتبرز أهمية المنظّمة وثقلها السّياسي والاقتصادي، كونها تضمّ أحد أكبر الدّول سياسياً واقتصادياً على الصّعيد العالمي على غرار الصين وروسيا والهند وباكستان، إذ تشير الإحصائيات أن هذه المنظمة تمثل اليوم حوالي 22 بالمائة من الناتج المحلي الخام العالمي. وهذه النّسبة مرشحة للارتفاع في قادم الأعوام بفضل معدّلات النّمو الكبيرة والمتزايدة التي تسجلها الدّول الكبار في هذه المنظمة، بالإضافة إلى 40 بالمائة من نسبة النمو العالمي، كما أن سكان دول المنظمة يمثلون تقريبا نصف سكان العالم.
تنويع مصادر الدّخل والشّركاء الاقتصاديين
من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي، فارس هباش، بأن “الجزائر مؤهلة بشكل كبير للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، بالنظر إلى التحوّل الاقتصادي الذي تعرفه، واتجاهها إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتنويع شركائها الاقتصاديين على المستوى العالمي بعد هيمنة الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي في وقت سابق، هذا، مع التأكيد على الدّور الكبير الذي لعبته الجزائر في الوفاء بالتزاماتها الطاقوية في السوق العالمي، خاصة بعد جائحة كورونا والأزمة الجيوسياسية العالمية”.
إلى جانب “الأرقام الايجابية التي سجلها الاقتصاد الجزائري من ناتج خام فاق 172 مليار دولار ومعدل نمو تجاوز 4.5 بالمائة”، يضيف الخبير قائلا: “وتصنيف الجزائر ضمن أحسن الاقتصاديات الناشئة من قبل البنك العالمي، وذلك بالنظر إلى الخطوات الكبيرة التي خطتها ما سيتيح لها الانضمام إلى منظمة بريكس، بالإضافة إلى التّقارب الكبير بين الجزائر والصّين وروسيا أكبر دولتين فاعلتين في هذه المنظمة”.
وأوضح الخبير هباش في تصريح لـ«الأيام نيوز» بأن “انضمام الجزائر إلى هذه المنظمة سيعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني في عديد الجوانب، خاصة من ناحية تدفق رؤوس الأموال للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والمناجم أين تحوز الجزائر على ثروات منجمية هائلة كمّاً ونوعاً، يمكن استغلالها في تطوير القطاع الصناعي والفلاحي خاصة إذا ما تم تثمين هذه الثروات واستغلالها مخرجاتها النهائية”.
وحسبه فإن “الجزائر تحوز كذلك على عديد المعادن النادرة التي تدخل في الصناعات التكنولوجية عالية الدقة مثل صناعة الرقائق الإلكترونية وبطاريات الليثيوم.. إلخ، وهذا ما يسيل لعاب كبار رؤوس الأموال في هذه المنظمة لأهمية واستراتيجية هذه المعادن في الصناعة العالمية”.
تطوير شبكة النقل البري والبحري
وعلى صعيد آخر، أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف، إلى أن “من بين المكاسب التي تعود بالفائدة بالنسبة على الجزائر من انضمامها لهذه المنظمة هو تطوير شبكة النقل البحري من خلال الاستثمار في الموانئ وكذا شبكة النقل البري من خلال توسعة شبكة النّقل بالسّكك الحديدية خاصة، وربط مناطق الجنوب بالشمال وخلق حركية اقتصادية على مستوى المناطق الصحراوية والحدودية، بالإضافة إلى تسهيل تدفّق السّلع والمنتجات سواء على المستوى المحلي أو على مستوى الأسواق الإفريقية”.
وعلى صعيد آخر، يرى هباش بأن “دول المنظمة ستجني عديد المكاسب بانضمام الجزائر إليها باعتبارها بوابة إفريقيا من النّاحية الشّمالية وبوابة أوروبا من النّاحية الجنوبية، وبالتالي فإن توطين الصّناعات في الجزائر من شأنه أن يسهّل الوصول إلى هذه الأسواق والاستفادة من مزاياها، سواءً في إطار السوق الإفريقية الحرة ـ التي تعتبر الجزائر عضو فيها ـ أو في السّوق الأوروبية، كما أن انضمام الجزائر إلى مبادرة الطريق والحزام منذ سنة 2018، من شأنه أن يجعل الجزائر منطقة عبور هامة لعديد الأسواق العالمية”.
وأوضح المتحدث بأن “المؤشّرات تجعل الانضمام إلى هذه المنظمة مطمحاً لكافة الاقتصاديات الناشئة، كونها تمثّل أسواقاً ذات جاذبية كبيرة وفرص متميزة للاستثمار والتبادل التكنولوجي والخبراتي، خاصة في ظل الاستقطاب الجيوسياسي والإيديولوجي الذي يعرفه العالم اليوم”.
التموقع الدبلوماسي وتنويع التحالفات الاقتصادية
بدوره، يرى المستشار الدولي في التنمية الاقتصادية، عبد الرحمان هادف أن “طلب الجزائر الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، كعضو مراقب يتناسب مع طموحات الدبلوماسية الجزائرية في إعادة الانتشار والتّموقع على الساحة الدولية”.
وأوضح هادف بأن “منظمة شنغهاي للتعاون تعرف اليوم رواجاً واسعا بالنظر إلى الثّقل السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي الذي تمثّله سواء في آسيا الوسطى أو على الساحة الدولية”، مشيرا إلى أن “المنظمة تمثل اليوم 22 بالمائة من الناتج الخام العالمي وهذه النسبة مرشحة لبلوغ الـ30 بالمائة في غضون 2030، وقد أصبحت بالفعل تنافس مجموعة الدول الصناعية السبع وكذا منظمة حلف الأطلسي، باعتبارها تضم أربع دول نووية وهي روسيا والصين والهند وباكستان”.
وبخصوص المكتسبات التي يمكن أن تجنيها الجزائر من العضوية ضمن هذه المنظمة، أوضح عبد الرحمان هادف، في تصريح لـ«الإذاعة الجزائرية»، بأن “الجزائر لديها النيّة لتثمين المواد الأولية عن طريق بناء تحالفات وشراكات متنوعة بما فيها الاستعانة بخبرة الدول الأعضاء في كل من منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس”.
تدفق رؤوس الأموال الكفيلة بتمويل المشاريع
وضمن هذا السياق، أشار خبير التنمية الاقتصادية إلى أن “الجزائر تملك حاليا من الاحتياطات في القطاع المنجمي ما يجعل منها رقما فاعلا على الخارطة المنجمية في العالم”، وبناء على ذلك، توقع المتحدث بأن “يفتح التقارب المقبل مع منظمة شنغهاي الأبواب أمام إمكانية تدفق رؤوس الأموال الكفيلة بتمويل المشاريع الخاصة بتطوير المنشآت القاعدية وتحديدا في مجال النقل عبر السكك الحديدية وكذا المشاريع المتعلقة بتشييد وتوسيع الموانئ، باعتبار قطاع النقل من ركائز وأهداف هذه المنظمة الصاعدة والواعدة”.
وفي هذا الصدد، يعتقد الخبير الاقتصادي بأن “الانخراط ضمن منظمة شنغهاي من شأنه أن يعزز فرص نقل التكنولوجيا المتطورة بما فيها التقنيات الخاصة بالاستخراج وتثمين المواد الخام، مثلما يجري حاليا بالنسبة لاستغلال منجم غارا جبيلات في إطار الشراكة مع جمهورية الصين الشعبية، الدولة الفاعلة ضمن هذه المنظمة”.