الاحتلال يطبق مقولة: “اكذب ثم اكذب حتّى تصدّق نفسك”!

إنّ معرفة التّاريخ وسير الأحداث هو الذي يمنحنا القدرة على فهم الحقيقة. ومهما طال الزّمن أو قصر ستظهر الحقيقة ويظهر الخداع، وهذا حال “إسرائيل” طيلة تاريخ اغتصاب فلسطين ومحاولات ما تبذله لتزوير الحقائق؛ وفي هذا تعتمد مقولة “اكذب ثمّ اكذب حتّى يصدقك النّاس”، الكثير منكم سمعوا هذه المقولة الشّهيرة وهي لجوزيف غوبلز، بوق الإعلام النّازي، ووزراء هتلر القمعية ضدّ حرية الفكر والتّعبير، ومع مرور الزّمن طوّر البعض هذه المقولة لتصبح “اكذب ثم اكذب حتّى تصدّق نفسك!”.

كيف لمستوطن أن يقتنع بأنّ فلسطين أرضه؟

والسّؤال كيف وصل المستوطن لقناعة أنّ الأرض الفلسطينية بأنّها أرضه؟ كيف اعتبر حاله نازح؟ والكلّ يعرف أنّ مصطلح النّزوح يعود للفلسطينيين والعرب الذين هُجِروا من أراضيهم بعدما طالتها الاعتداءات “الإسرائيلية” من عشرات السّنين.

والأكثر من هذا هو التّعاطف الغربي مع هذا المحتل “الإسرائيلي” أو “الأمريكي” بالأصح؟.

والأكاذيب على مستوى الأفراد يقتصر ضررها على فرد أو جماعة ما، لكن لا يتصوّر أحد أنّ كذبة كبرى قد تضرب مصالح وليس فقط مجتمعًا واحدًا، ولكن أيضاً بمصالح دولة، أو مجموعة من الدّول، وذلك ما يحدث بالفعل على المستوى الجيوسياسي الذي يبحث في علاقات المناطق أو الدّول بعضها بالآخر، حين يحترف القائمون على الأمور صناعة خلق الأكاذيب المحبوكة لتحقيق غايات بعينها، كما في حال الشّخص الكاذب، ولكن على نحو موسّع، ويعدّ هذا ضربًا من ضروب الدّعاية النّاجحة الفاعلة.

الارتقاء بالكذب إلى مستوى “وهم الحقيقة”

طوّر جوبلز  (وزير دعاية هتلر) نظريته الدّعائية الشّهيرة “وهم الحقيقة” التي أصبحت ركيزته الأساسية في الدّعاية السّياسية والحرب النّفسية، وهو بذلك من أوائل من أرسى ودعّم نظرية الكذب الممنهج. وتعدّ نظرية جوبلز إحدى ركائز الأساليب الدّعائية، وتدرس حتّى الآن ضمن المقرّرات الدّراسية في المدارس، وكليات الإعلام، وأقسام الصّحافة في أوروبا والعالم، وتتردّد أصداؤها في عالمنا الحديث بقوّة، بل إنّ تلك النّظرية تعدّ أهم المدارس الإعلامية التي انبثقت منها نظريات عدّة بدّلت ليس فقط مسار السّياسة الإعلامية في العالم، بل أيضاً، المناخ الجيوسياسي للعالم أجمع، وكذلك أساليب الحرب الحديثة.

ونظرية جوبلز فيها جملته المتواترة “واصل الكذب إلى أن تتحوّل كذبتك حقيقة”. ولكي ترقى أيّ كذبة إلى مستوى “وهم الحقيقة” المنشود، يجب أن تنطوي الكذبة على ملامح من الحقيقة حتّى يصدّقها النّاس، بعبارة أخرى، يجب أن تسرد الكذبة كأنها أمر واقعي، ولكن بشكل مشوّه.

أضف إلى ذلك، يجب ألّا يتزعزع الكاذب عند ترديد كذبته، ويجب أيضاً الثّبات عليها بغضّ النّظر ما إذا كان يبدو للآخرين ضعيف الرّواية، أو حتّى ضعيف العقل لإصراره على رواية قد لا يصدّقها عاقل، لكن بمرور الوقت وبسبب ذلك الإصرار الملح، يبدأ الآخرون في تصديق الرّواية الكاذبة، ومعاملتها على أساس أنّها واقع، ومن هنا يتمّ خلق ما يسمّى بوهم الحقيقة، وهو الحالة التي يبدأ فيها الآخرون معاملة الأكاذيب والشّائعات على أنّها واقع محتوم.

السردية “الإسرائيلية” والتّلاعب في الأرقام

وفي الحرب الحالية على غزّة تعدّ الأرقام إحدى أكثر المفارقات التي سعى الاحتلال الإسرائيلي للتّلاعب بها، كما يقول المراقبون.

ومن أبرز علميات التّلاعب بالأرقام في معركة “طوفان الأقصى” التي تصبّ في مصلحة تفنيد “سردية المظلومية” التي أبدعت فيها “إسرائيل”، حين اضطرّ جيش الاحتلال إلى أن يقرّ بوقوع أخطاء في إحصاء عدد القتلى “الإسرائيليين”، عندما قلّص عددهم من 1400 إلى 1200، بعد أن زعم أنّه اكتشف أنّ 200 جثّة متفحّمة تعود لفلسطينيين.

السردية “الإسرائيلية” والتّلاعب في الأرقام أخذ مدى أكبر خلال الحرب عند حديث جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إنجازاته والحديث عن خسائره.

فقد زعم جيش الاحتلال -عند الحديث عن المقاومة- أنّه قتل أكثر من 10 آلاف من عناصر كتائب عز الدّين القسّام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غاراته الجوية وعملياته. وفي 19 فيفري، نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن الجيش قوله إنّ 12 ألف عنصر من حماس قتلوا خلال الحرب.

منتصف شهر جانفي، ادّعى رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو أنّ جيشه “دمّر” ثلثي كتائب حماس المقاتلة في غزّة، لكنّه لم يحدّد رقمًا لعدد القتلى من حماس، إلّا أنّ ذلك أثبت تزييفه للوقائع إذ ما زالت المقاومة تكبّد جيش الاحتلال خسائر في المناطق التي زعم أنّه “طهّرها”.

والمثير أنّ التّشكيك بهذه الأرقام جاء من داخل “إسرائيل” نفسها، حيث كتب عاموس هارئيل بصحيفة هآرتس : “علينا أن نأخذ بحذر مناسب عدد القتلى من الإرهابيين الذين تصرّ “إسرائيل” على أنّها جمعته من أجل توضيح نجاحاتها العسكرية”.

وأضاف هارئيل على ذلك بالإشارة إلى أنّه “من المحتمل أنّ الجيش أيضًا وقع في فخ الإحصاء المبالغ فيه الذي ألحق الضّرر بالقوّات الأميركية في حرب فيتنام (1955-1975).

وعلى الجانب الآخر، عمد جيش الاحتلال والمتحدّث باسمه دانيال هاغاري لإخفاء ما يتعرّض له الجيش من خسائر في عدد القوّات والآليات المدمّرة.

والدّليل على ذلك جاء أيضًا من داخل “إسرائيل” حين كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت – في 9 ديسمبر الماضي- أنّ ثمّة فجوة كبيرة بين عدد الجنود الجرحى الذي يعلنه الجيش “الإسرائيلي”، مؤكّدًا أنّ المستشفيات “الإسرائيلية” استقبلت 4591 جريح، في حين أعلن الجيش عن 1600 مصاب فقط خلال الفترة نفسها.  وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أنّ قسم إعادة التّأهيل بوزارة الدّفاع يستقبل يوميًا 60 جريحًا معظم إصاباتهم خطيرة.

ونقلت عن رئيسة قسم إعادة التّأهيل بوزارة الدّفاع قولها “إنّ أكثر من 58 بالمائة من الجرحى الذين نستقبلهم يعانون من إصابات خطيرة في اليدين والقدمين” بما فيها تلك التي تتطلّب عمليات بتر، وهو ما يشير إلى أنّ هؤلاء الجنود لن يعودوا للخدمة.

لكنّ اللّافت أنّ الصّحيفة ما لبثت أن سحبت تقريرها، ونشرت أعدادًا أقلّ من ذلك بكثير. ووفقًا لوسائل إعلام الاحتلال فإنّه ومنذ بدء الحرب على غزّة حدثت قفزة بمقدار 4 إلى 5 أضعاف في عدد المنشورات التي تخضع للرّقابة العسكرية، وقد أشرف الرّقيب العسكري على مئات الآلاف من المنشورات المتعلّقة بالحرب.

كما كشف تقرير لموقع العين السّابعة “الإسرائيلي” أنّه في الـ 50 يومًا الأولى من الحرب على غزّة، خضع نحو 6715 محتوى إخباري للرّقابة العسكرية.

الرّقابة العسكرية “الإسرائيلية” على وسائل الإعلام

وفي ديسمبر الماضي، أصدرت الرّقابة العسكرية “الإسرائيلية” تعليمات بشأن التّغطية الإعلامية للحرب على غزّة حظرت فيها على وسائل الإعلام تناول 8 قضايا من دون الحصول على موافقة مسبقة من الرّقيب العسكري.

ورغم ذلك فإنّ “إسرائيل” تعلن أحيانًا عن بعض خسائرها حيث يرى العديد من المتابعين والمحلّلين أنّ “سياسة إخفاء الخسائر لم تعد تجدي نفعًا”، حيث عمدت المقاومة للتغلّب على تلك السّياسة بتصوير وتوثيق عملياتها وإظهار خسائر الاحتلال.

وللتّدليل على سياسة الكذب والتّضليل، كشفت وثائق “إسرائيلية” سرية – للمرّة الأولى منذ 42 عامًا- فشل “إسرائيل” في معركة الكرامة يوم 21 مارس 1969، ومنحت المقاومة الفلسطينية قوّة معنوية للانطلاق. وقد تمّ الكشف عن تلك الوثائق بعد صدور كتاب حول معركة الكرامة كتبه آشر بورات الذي شارك بالمعركة وفقد فيها ذراعه.

وبعد ذلك الكشف ذكر يوسي ميلمان المحرّر العسكري لصحيفة هآرتس “الإسرائيلية” أنّ الوثائق تظهر محاولات المسؤولين التّغطية على الفشل.

وبعد ما يقارب أربعين عاماً من الكذب والتّضليل ومحاولة تلفيق رواية مغايرة، أقرّت لجنة تحقيق “إسرائيلية” أنّ تفجير مقر الحاكم العسكري في مدينة صور جنوب لبنان كان “عملية عسكرية” وليست نتاج تسريب غاز كما حاولت المؤسّسة الأمنية والعسكرية التّرويج له طوال عقود.

الكذب والتّضليل والخداع حفاظًا على معنويات الجنود

وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أنّ لجنة التّحقيق في القضية تتّجه نحو الإعلان عن أنّ انفجارًا دمّر مقر الحاكم العسكري الذي كانت تتمركز فيه قوّات الاحتلال خلال احتلالها مدينة صور اللّبنانية، عقب الاجتياح صيف 1982 كان عملية للمقاومة.

وأدّت هذه العملية التّفجيرية إلى مقتل أكثر من 80 عسكريًا بين ضابط وجندي من قوّات الجيش وحرس الحدود، وإبادة وحدة كاملة من جهاز الأمن الدّاخلي (الشاباك).

فقد عملت المؤسّسات الأمنية “الإسرائيلية” على التّرويج وفق نظرية غوبلز بالكذب والتّضليل والخداع أنّ هذه العملية التّفجيرية آنذاك كانت بسبب تسرّب غاز وليست هجومًا للمقاومة، وقد تواطّأت لجنة التّحقيق مع توجّه المؤسّسة الأمنية وأكّدت أنّ الانفجار وقع بسبب تسرّب للغاز. ووفقا للمحلّلين فإنّ كشف هذه المعطيات يؤكّد أنّ الاحتلال الإسرائيلي ومؤسّساته الأمنية “يكذبون” في أعداد قتلاهم في عمليات الحرب على غزّة.

ووفقًا لعاموس هارئيل في صحيفة هآرتس، يشكّل الرّأي العام “الإسرائيلي” عاملًا ذا أهمية كبرى في الإعلان عن الخسائر بصفوف الجيش. إذ يرى الصّحفي “الإسرائيلي” أنّ جزءًا من الجمهور “يتأثّر سلبًا بالعدد المتزايد من الخسائر ويحصل تدريجيًا على دفعة أقل من الإنجازات التي يتمّ تحقيقها”، وهو ما يؤكّده الباحث والمحلّل السّياسي أسامه خالد، حيث يعمد الاحتلال إلى إخفاء خسائره لمنع تدهور الحالة المعنوية لدى الجنود والضبّاط بالجيش وعائلاتهم بشكل خاص، والمجتمع “الإسرائيلي” بشكل عام، وعدم شعورهم بقدرة الخصم على تنفيذ مثل هذه العمليات.

هذا الأسلوب المضلّل بالكذب والتّضليل والخداع يسعى لحرمان الخصم من نشوة النّصر أو الشّعور بالإنجاز، وبالتّالي التّأثير السّلبي على الرّوح المعنوية لديه.

وقد نجحت المقاومة في كشف الكذب “الإسرائيلي” وتعرية إعلامه حيث عمدت للتّوثيق، ويضرب على ذلك أنّه وعقب العمليات التي توثّقها المقاومة، يتمّ الإعلان عن قتلى من الجيش في حوادث مرورية دون إبداء مزيد من التّفاصيل.

إقرار الكيان الإسرائيلي وبعد أربعين عامًا عن واقعة تفجير مقر الحاكم العسكري في صور تثبت أنّه ومهما حاولت “إسرائيل” من سياسة الكذب والتّضليل من خداع “الإسرائيليين” وخداع العالم كما حصل في معركة طوفان الأقصى وتضليل العالم بأكاذيب وفبركات وتضليل عن قتل الأطفال واغتصاب النّساء إلّا أنّ الحقيقة كشفتها وسائل الإعلام “الإسرائيلية”، واستسلمت الصحافة الأمريكية عن المقولة “الإسرائيلية” لتسقط بذلك “إسرائيل” في حبائل الكذب والتّضليل وقد بات العالم اليوم أكثر انفتاحًا وأكثر علمًا، وقد سقطت بالفعل نظرية الكذب “الإسرائيلية” بهذا التحرّك الشّعبي الأوروبي والأمريكي والمندّد بجرائم بعد أن سقط القناع وباتت حقيقة “إسرائيل” وتحالفها مع أمريكا والغرب ولتسقط عنهما جميعًا عمليات الكذب وتكشف الحقيقة ووعي الشّعوب لها وارتداد الكذب والتّضليل على المجتمع “الإسرائيلي” الذي بات يشكّك في رواية حكومته، وقد سقطت كلّ ادّعاءاتها بتكشّف الحقيقة وزيف ادّعاءات هذا وانكاره للحقوق الوطنية والتّاريخية للشّعب الفلسطيني في فلسطين وكلّ فلسطين.

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
حينما تكون الغَلبة لمنطق اللون.. إرث العبودية في أمريكا.. علامة مُسجلة بالتقادم السنوار ينسفُ حسابات نتنياهو بجرّة قلم.. رسائل مشفّرة من غزة إلى اليمن غزة تحت النار.. كيف يساير الصمت الروسي والصيني التوحش الصهيوني؟ الدفع برمز الاستجابة السريعة ابتداء من أكتوبر.. بنوك جزائرية تتبنى تقنية QR وفق نظرية "الضفدع المغلي".. اليمن السعيد يرسم مستقبلا غير سعيد للكيان الصهيوني هل تعرّض دونالد ترامب لمحاولة اغتيال ثانية؟ ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 41226 شهيدا قسنطينة.. وفاة شخصين في حادث انهيار تربة حوادث المرور.. وفاة 12 شخصا خلال الـ 24 ساعة الأخيرة بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية.. ميلوني تهنئ الرئيس تبون أمطار رعدية غزيرة عبر 17 ولاية الرئيس تبون يتلقى تهنئة من أمير قطر السابق ‏عطاف يستقبل سفير جنوب إفريقيا وممثل الصليب الأحمر في الجزائر مباحثات جديدة لمشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف وزير اقتصاد المعرفة يدعو الشركات الناشئة إلى المشاركة بقوة في المؤتمر الإفريقي أبو الغيط يهنئ الرئيس تبون الرئيس تبون يدعو قادة العالم إلى إنهاء ٱخر مظاهر الهيمنة والاحتلال والاستعمار هكذا يتم تغيير التوجيه البيداغوجي لحاملي البكالوريا وزارة التربية تكشف عن موعد الدخول المدرسي أمطار رعدية غزيرة عبر 11 ولاية