مع اقتراب الانتخابات الفرنسية، يبدو أنَّ فرص الرئيس إيمانويل ماكرون للفوز بفترة ثانية ليست ضعيفة، لكن هناك تحدٍّ رئيسي يواجهه وقد يكون حاسماً في بقاء الرئيس أو مغادرته.
وكان ماكرون قد أعلن رسمياً، مساء الخميس 3 مارس/آذار، ترشحه بالانتخابات الرئاسية التي تقام جولتها الأولى في 10 أفريل/نيسان المقبل، والجولة الثانية في الـ24 من الشهر نفسه، وفي حالة فوزه سيكون الرئيسَ الفرنسي الأول الذي يفوز بفترة رئاسية ثانية منذ الرئيس الأسبق جاك شيراك قبل أكثر من 15 عاماً.
ويواجه ماكرون منافسة من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التي حقق فوزاً كاسحاً عليها في الدورة الثانية للاقتراع الرئاسي عام 2017، فضلاً عن اليميني المتطرف أيضاً إيريك زمور. إلا أن غالبية المحللين يتوقعون أن تكون فاليري بيكريس، مرشحة اليمين، المنافسَ الأكبر له في حالة وصولها إلى الجولة الثانية من الانتخابات، فيما فشل اليسار حتى الآن في توحيد صفوفه وراء مرشح واحد، بحسب تحليل لموقع فرانس24.
أي إنجاز يحتمي خلفه ماكرون؟
صحيفة “الغارديان” البريطانية نشرت تقريراً عنوانه “هل بإمكان ماكرون أن يُظهِر أنه حَكَمَ فرنسا من أجل الجميع؟”، رصد التحدي الأبرز الذي يواجه الرئيس الفرنسي للفوز بفترة ثانية، وهو بالأساس اهتزاز القاعدة الانتخابية التي أوصلته إلى الإليزيه في انتخابات 2017 كأصغر رئيس بتاريخ البلاد منذ نابليون بونابرت.
وعلى حافة أحد أفقر المجمعات السكنية بمنطقة بريتاني الفرنسية، تجلس فتاة تبلغ من العمر ست سنوات بالفصل، وتجتهد في الكتابة بخط اليد. تشجعها معلمتها، لوسيل، حيث يجلس 11 طفلاً آخرين حول طاولات مُرتبة في زوايا مريحة.
قالت لوسيل لـ”الغارديان”: “في كل يوم أستمع إلى كل طفل يقرأ لي، لم أستطع تحقيق ذلك مطلقاً عندما كان لدي 25 في الفصل”. وأضافت: “أتعرف على كل طفل على حدة”.
في مثل هذه الفصول الدراسية، بأكثر الأحياء حرماناً في فرنسا، يريد الرئيس إيمانويل ماكرون أن يؤخذ في الاعتبار سجله في منصبه. عندما تولى السلطة قبل خمس سنوات -وهو مصرفيٌّ سابق عمِل وزيراً للاقتصاد في ظلِّ حكومة اليسار- وَعَدَ باختيارٍ “عملي” للأفكار من اليسار واليمين على حد سواء، من شأنه تحرير الاقتصاد وإنهاء عدم المساواة المستمر الذي قال إنه “يسجن” الناس بحسب أصولهم الاجتماعية.
الآن، وهو يواجه معركة إعادة انتخابه، تهيمن مخاوف بشأن تكلفة المعيشة والحماية الاجتماعية وكيفية تغطية النفقات على المعركة، وأصبحت سياسات ماكرون المتمثِّلة في تقليص أحجام الفصول الدراسية لمساعدة الأطفال المحرومين، عاملاً رئيسياً في إظهار أنه لم يحكم من أجل النخبة فقط.
بما وعد ماكرون الفرنسيين قبل 5 سنوات؟
عندما تولى ماكرون منصبه في عام 2017، وعد بإجراء أكبر إصلاح للنموذج الاجتماعي ونظام الرعاية الاجتماعية الفرنسي في التاريخ الحديث، وسرعان ما خفف من قوانين العمل الصارمة في البلاد. لكن مثل هذه السياسات المؤيدة للأعمال التجارية، جنباً إلى جنب مع تحويله ضريبة الثروة إلى ضريبة على الممتلكات، جعلته يوصَف بأنه “رئيس الأثرياء”.
ثم جاءت أزمتان هائلتان: الأولى انتفاضة السترات الصفراء المناهضة للحكومة، والثانية الجائحة التي أودت بحياة أكثر من 130 ألف شخص في فرنسا، وسرعان ما تحوَّلَ ماكرون إلى تدخُّل الدولة والإنفاق العام الهائل بينما تفاخَرَ بـ”تأميم الأجور” لإبقاء البلاد واقفةً على قدميها.
بدأ الاقتصاد الفرنسي في الانتعاش من جائحة كوفيد بشكل أسرع من المتوقَّع. انخفضت معدلات البطالة، وقد وصف الخبير الاقتصادي الأمريكي بول كروغمان فرنسا بأنها “نجم الأداء” للاقتصادات المتقدمة الرئيسية في عصر الجائحة. لكن في وسط التضخُّم وارتفاع أسعار الوقود وانعدام الثقة القياسي بالطبقة السياسية وانقسامات المجتمع وتصاعد سياسات الهوية في أقصى اليمين، لا يزال ماكرون يتعرَّض لضغوط لإثبات أن السنوات الخمس التي قضاها في المنصب، كما يدَّعي، “تحمي” الناس من جميع الخلفيات.
ما التحدي الأبرز أمام ماكرون؟
انتُخب ماكرون على حساب مارين لوبان اليمينية المتطرفة في عام 2017، قائلاً في خطاب النصر الذي ألقاه، إنه سيضمن “عدم وجود سبب آخر للتصويت لصالح التطرُّف”.
ولكن بعد مرور خمس سنوات، تحوَّلت المنافسة اليمينية المتطرِّفة وازدادت. والآن، يواجه ماكرون اثنين من هؤلاء المرشَّحين: لوبان والوافد الجديد، المحلِّل التلفزيوني إريك زمور، الذي أُدين بالتحريض على الكراهية العنصرية.
ومع تحول ماكرون إلى مغازلة اليمين المتطرف، فيما يصفه منتقدوه بالرقص على الحبال بين اليمين واليسار، فقد الرئيس الفرنسي كثيراً من قاعدته الانتخابية من اليسار ويسار الوسط وحتى يمين الوسط، وبالتالي فإن التحدي الأبرز الذي يواجهه للفوز بفترة رئاسية ثانية هو تعويض ما فقده من أصوات اليسار بأصوات أكثر من اليمين، وهذا يتوقف بالأساس على الطرف الثاني الذي قد يواجهه ماكرون في الجولة الثانية.
يرى كثير من المحللين أن فرص ماكرون في الفوز بفترة ثانية ستكون أفضل في حال واجه أحد مرشحي اليمين المتطرف سواء كانت لوبان أو زمور، أما في حالة وصول مرشحة اليمين بيكريس، فسيواجه الرئيس الفرنسي منافسة أكثر حدة وقد لا يكون فوزه بفترة رئاسية مضموناً.