بينما كان نظام المخزن المغربي يأمل في محاصرة المد الداعم لحقوق الشعب الصحراوي في القارة السمراء، جاءته الضربة من حيث لم يتوقع، من القارة الأوروبية التي كان يعتقد أنها متساهلة معه في هذه القضية.
عندما عاد نظام المخزن إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي في العام 2017، بعد أن غادرها مطلع ثمانينيات القرن الماضي بقرار انفعالي من العاهل المغربي السابق، الحسن الثاني، ردا على الاعتراف بالحكومة الصحراوية وقبولها عضوا في منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك، كان مدفوعا بأمل مشاركته في صناعة القرار وتجريد البوليساريو من عضويته.
غير أن النتيجة كانت عكسية، فالدول التي راهن عليها نظام المخزن المغربي، لقلب المعطيات في الهيئة الإفريقية، لم تتمكن من التأثير على صناعة القرار الداعم للقضية الصحراوية، وبقيت دار لقمان على حالها، فلاحت في الأفق سيناريوهات الماضي، واستحضر الجميع القرار الانفعالي للملك الراحل، الحسن الثاني، بالخروج من الهيئة الأفريقية.
اليوم متاعب النظام المغربي لم تعد مع الاتحاد الأفريقي فحسب، وإنما مع الاتحاد الأوروبي، وهو يرى رئيس الجمهورية العربية الصحراوية، إبراهيم غالي، ينتقل إلى العاصمة البلجيكية، بروكسل، ويجلس إلى جانب الرؤساء الأوروبيين والأفارقة معا، في القمة الأورو-أفريقية.
السعار اجتاح المسؤولين في نظام المخزن، وحوّل شبكات التواصل الاجتماعي المدعومة من الذباب المخزني، إلى “مندبة” كبيرة استعملت فيها كل ألوان وأشكال النباح والعويل والكذب والدعاء بالويل والثبور.
والغريب في الأمر هو أن ذباب المخزن -الذي من بينه مُدّعو الأكاديمية- الموجه من قبل المخابرات المغربية، استعمل كل أساليب التضليل من أجل إقناع الشعب المغربي، بأن مشاركة الرئيس الصحراوي في القمة الأوروبية الأفريقية، جاءت بدعوة مزورة من قبل الاتحاد الأفريقي، الذي هو عضو فيه، في مشهد بدا أكثر من مفلس ليس فقط للرأي العام العالمي، وإنما للرأي العام المغربي أساسا، وكأن الجميع غبيّ إلا منظري نظام المخزن الفاشلين.
ما يعيشه نظام المخزن المغربي هذه الأيام من ورطة أمام شعبه، كان منتظرا بسبب فشل إدارة الرباط للمعركة الإعلامية فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، فمن يستمع إلى القنوات الإعلامية الدائرة في فلك القصر الملكي، ومن يقرأ الصحف المغربية والمواقع الإلكترونية، وهي تتحدث عن انتصارات وهمية للدبلوماسية المغربية على نظيرتها الجزائرية، وعن تراجع الاعتراف الدولي بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، يعتقد أن المغرب كسب المعركة وأن القضية الصحراوية تم طيّها وفق ما يحلم به النظام المغربي، لكنّ الصدمة جاءت سريعة من أديس أبابا ثم من بروكسل أخيرا.
غياب الواقعية في الممارسة الدبلوماسية لنظام المخزن وحديثه عن انتصارات وهمية، كان من الطبيعي أن يقود إلى نكسات وانكسارات كتلك التي يعيشها نظام المخزن المغربي في الآونة الأخيرة، ليس فقط على صعيد القضية الصحراوية، وإنما على صعيد التوجهات العامة، وليس أدل على ذلك من خسارة رهان دعم الكيان الصهيوني في البقاء ضمن مؤسسات الإتحاد الأفريقي في القمة الأخيرة بأديس أبابا.
مشاركة الرئيس الصحراوي في قمة بروكسل، سوف لن تمر بردا وسلاما على نظام المخزن المغربي، وستدخله من دون شك في دوامة من الارتباك، وستضعه في مواجهة شعبه المخدر بحملات إعلامية تضليلية، قد تقوض استقراره، ولاسيما في ظل حالة من الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية والطاقوية.