تتواصل الجولة الإفريقية لنائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريس، التي تقضي أسبوعا زارت فيه غانا ومن المنتظر أن تحل بتنزانيا وزامبيا حيث تعهّدت بتقديم مساعدات بقيمة 100 مليون دولار لدعم جهود مكافحة الجهاد في غرب إفريقيا، ومع لقاء هاريس بالرئيس الغاني نانا أكوفو أدو، والرئيسة التنزانية سامية سولو حسن، والرئيس الزامبي هاكيندي هيشيليما – الذين اجتمعت بهم في العاصمة واشنطن شهر ديسمبر الماضي خلال قمة القادة الأفارقة – تُطرح تساؤلات حول دوافع توجه البيت الأبيض إلى إفريقيا، وحول قدرة كامالا هاريس على طمأنة الأفارقة الذين تنتاب شريحة واسعة منهم الشكوك في نوايا الولايات المتحدة ورغبتها في التعاون الحقيقي.
في مقابلة مع “الأيام نيوز” يتحدث الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي الأمريكي من أصول عربية إدموند غريب، عن العلاقات الإفريقية الأمريكية، مدى نجاح كامالا هاريس في إقناع الأفارقة بما يسعى له البيت الأبيض، وحظوظ واشنطن في مواجهة التواجد الروسي والحضور الصيني في القارة السمراء، التي تعاظمت أهميتها بعد التغيرات الدولية التي عرفها العالم في الفترة الأخيرة.
الأيام نيوز: ما الذي تريده الولايات المتحدة من زيارة نائبة الرئيس إلى إفريقيا؟
إدموند غريب: بداية زيارة نائبة الرئيس كاملا هاريس، لديها دلالة ورمزية، لأن هاريس من أصول هندية وإفريقية كذلك، وهذا بعد يركّز عليه البيت الأبيض ويأخذه بعين الاعتبار للاقتراب أكثر من الأفارقة، وبالمناسبة هذه ليست المرة الأولى التي تعوّل فيها إدارة بايدن على مسؤولين أمريكيين من أصول إفريقية لتقريب وجهات النظر، فقد سبق تكليف ليندا توماس، السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة بزيارة إلى القارة، إضافة إلى زيارة وزيرة المالية جانيت يلين للمنطقة قبل أشهر والقمة الإفريقية الأمريكية التي انعقدت في واشنطن شهر ديسمبر الماضي.
يبدو من خلال هذه المساعي المتكررة أن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تظن أن روسيا لا تعدو كونها خزان بنزين للغرب ولا تتعدى قوتها الحدود الإقليمية، وتظن بأن الصين بعيدة عن منافستها، أجبرتها المتغيرات الدولية اليوم على الخروج من مرحلة النكران والإصرار على أنها القطب الأوحد، إلى مرحلة استيعاب التواجد الروسي في القارة السمراء، والاعتراف بأن الصين التي بدأت العمل خلال العقود الأربعة الماضية وبرزت خلال العقدين الماضيين، تمكنت من بناء علاقات وثيقة مع مختلف دول العالم، وعزّزت تواجدها إفريقيا.
الأيام نيوز: هل تنجح واشنطن في كسب ثقة الأفارقة ومنافسة التواجد الروسي والصيني بالقارة؟
إدموند غريب: في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن تحسين العلاقات، بدأت الصين ببناء علاقات ومساعدة الدول الإفريقية على بناء البنى التحتية، ورغم أنها تأخذ موارد طبيعية ومعادن نادرة، وهناك ديون على الدول الإفريقية، إلا أن الصين لعبت دورا كبيرا في بناء البنى التحتية من مطارات وطرقات وسكك حديدية، ومرافق وبنايات ومصانع، وهذا كله عزّز العلاقة بينها وبين الدول الإفريقية. وإذا نظرنا إلى ما فعلته كلا من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، سنجد أن واشنطن كانت تركّز على دول معينة فقط، مثل الدول المطلة على البحر والمحيط، كمصر وإثيوبيا والمغرب، وكانت لها محاولات متكررة لتعزيز العلاقات مع جنوب إفريقيا، في حين أن الصين أنفقت حوالي 240 مليار دولار في 22 دولة ما بين 2002 و2021، ولا ننسى مشروع خط الحرير والأهمية التي يكتسيها.
وإضافة للمعطيات السابقة، على الولايات المتحدة أن لا تنسى أن روسيا والصين لديهما علاقات تاريخية مع الدول الإفرقية، فالاتحاد السوفياتي سابقا والصين دعمتا حركات التحرّر في إفريقيا، والأفارقة لم ينسوا ذلك، فرأينا مثلا رد فعل دولة جنوب إفريقيا حين حاولت الولايات المتحدة الضغط عليها كي لا تكون هناك مناورات عسكرية بالقرب من شواطئها مع الصين وروسيا، بالقول بأنها هي من تحدّد ما يخدم مصلحتها وما لا يخدمها وبأنها لا تقبل بأي ضغوط خارجية، وهذا يُفهم من دعوة جنوب إفريقيا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارتها بعد قرار المحكمة الجنائية بشأن الحرب الروسية الأكرانية، وهي خطوة تعدّ ردا جنوب إفرقي واضح بعدم الالتزام بالقرارات التي تتناغم مع مصالحها.
الأيام نيوز: ما مدى أهمية الجزائر بالنسبة لنجاح مساعي أمريكا في إفريقيا خاصة وأنها ترفض أي إملاءات عليها أو على جيرانها الأفارقة؟
إدموند غريب: أولا، لم تظهر نتائج محاولات واشنطن تعزيز التعاون مع إفريقيا على أرض الواقع لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تضع شروطا على الدول التي تنوي مساعدتها والاستثمار فيها، تتمثل في حتمية تبني سياسات تنادي بها كالتركيز على الديموقراطية ومسألة المثلية الجنسية والتحوّل الجنسي وغيرها من الأفكار التي تنظر إليها الدول الإفريقية بسلبية.
ثانيا، الجزائر بوابة القارة الإفريقية ودولة عربية إفريقية متوسطية، لديها علاقات مع العديد من دول العالم، لديها علاقات مع روسيا، علاقات مع فرنسا وإن كانت تشوبها الشوائب من فترة لأخرى، والكثير من دول العالم لا تزال تنظر للثورة الجزائرية كمثال على التحرّر من الاستعمار، ولكن الجزائر بدأت أيضا تتجه إلى الولايات المتحدة، فاللغة الإنكليزية يتم التركيز على تعليمها بشكل أكبر، ولا ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر تجمعهما علاقات جيدة، أما من ناحية غنى الجزائر بالموارد الطبيعية، فأمريكا لا تحتاج إلى موارد الجزائر ولكن حلفاؤها يحتجاون إليها، وهنا تكمن أهمية الدور الأمريكي فيها.
ولكن أكبر عائق لتقدّم العلاقات الجزائرية الأمريكية والإفريقية الأمريكية بشكل عام، يكمن في ازدواجية معايير الإدارة الأمريكية التي تجرّم التدخل الروسي في أوكرانيا وتعتبره انتهاكا للسيادة الأوكرانية، في حين تتدخل هي في سوريا وتنهب ثرواتها، كما أنها تفرض عقوبات على دول بدعوى إنتهاكها لحقوق الإنسان ولا تفعل شيئا حيال الكيان الإسرائيلي الذي ينتهك حقوق الشعب الفلسطيني.
في النهاية، وإن كانت الجزائر والدول الإفريقية غير راضية بسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، فجزء – على الأقل – من إفريقيا بحاجة إلى دعمها في مجالات معيّنة، كصناعة الأدوية واستخراج النفط والغاز والاستثمار في الطاقات النظيفة بحكم تقدّمها في المجال، لكن يبقى السؤال مطروحا حول مدى قدرتها على منافسة الصين خاصة فيما يتعلق بالبنى التحتية.