أفاد الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ المناطق الحدودية بين الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان حالياً لم تعد آمنةً للعيش بالنسبة للمستوطنين الصهاينة في ظل استمرارِ الضربات التي يوجهها حزب الله بمختلف أسلحته، بما في ذلك الأسلحة الموجهة أو الصواريخ وكذا المسيّرات، كما أنّ ما تقوم به المقاومة اللبنانية سمح بالتخفيف من حدّة الضغط عن قطاع غزّة ولو قليلاً، حيث أنّ ما يزيد عن ثلث جيش الاحتلال الإسرائيلي يتواجد حاليا على طول الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة ولا يمكن تحريكه من أجل الضغط أكثر على غزّة.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الكيان الصهيوني الذي يخوض حرب إبادة جماعية بحق كل ما هو فلسطيني في قطاع غزّة منذ نحو تسعة أشهر على التوالي، لم يتمكن إلى حدّ هذه اللحظة من تحقيق أيّ هدف من أهدافه المعلنة مع بداية حربه على القطاع، فلا هو نجح في تحرير أسراه، ولا هو تمكن من القضاء على المقاومة الفلسطينية التي نجحت في تكبيد هذا العدوّ المستبد خسائر بالجملة في العتاد والمعدات والأفراد ما بين قتيلٍ وجريح وأسير.
على صعيدٍ متصل، يرى الخبير في الشؤون الدولية، أنّ الكيان الصهيوني وبما أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أيّ إنجاز يُذكر في قطاع غزّة، ربما قد يفكر في إشعال الجبهة اللبنانية، إلاّ أنّ الأمر إن حدث فعلا على أرض الواقع سوف يكون مدمرا بالنسبة له، على اعتبار أن المقاومة اللبنانية الممثلة في “حزب الله” هي أكثر تنظيما وأكثر تسليحا من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، ولديه خبرة كبيرة في الحرب مع العدو الصهيوني لذلك فهو يتردد منذ بداية عدوانه على غزة في تصعيد المواجهة على الحدود مع لبنان.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ المقاومة اللبنانية هي الأكثر استعدادا لهذه الحرب، لأنها تؤمن بأن العدو الصهيوني لا يؤتمن ولا يمكن أن يُوثق به، لذلك هي تحضر نفسها ومنذ مدة طويلة لأيّ صراع أو أيّ مواجهة محتملة معه، إضافةً إلى ذلك فإنّ جبهة لبنان تحظى بدعم قوي من إيران سواء كان ذلك من حيث التسليح أو التدريب أو التمويل، ومن هنا نجد أنّ الإدارة الأمريكية ومنذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، وهي تسعى جاهدةً إلى تجنب وتفادي توسع رقعة الحرب وتحديداً مع حزب الله لأنها تدركُ يقينا بأن إشعال جبهة لبنان ستكون أكثر تدميرا لـ “إسرائيل”.
وفي هذا الشأن، أوضح الخبير في السياسة، أنّه في حالة ما إذا أشعلت “إسرائيل” الحرب مع حزب الله فستكون حينها مجبرة على المواجهة مع جبهتين حقيقيتين، لذلك قامت أمريكا منذ بداية الحرب بتسيير أساطيلها وحاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط لإخافة حزب الله وإيران ومختلف أضلع المقاومة، فالولايات المتحدة الأمريكية، تخشى منذ البداية من أن تواجه “إسرائيل” جبهات متعددة، لأن حدوث ذلك يعني هزيمة حتمية للكيان الصهيوني.
وأضاف، إنّ “إسرائيل” تسعى دائما إلى تفريق الساحات حتى تستفرد بكل جبهة على حدا، لكن “لا أعتقد أنّ أمريكا سوف تسمح بذلك بالنظر إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحسب عدة أمور داخلية وخارجية، فإذا تحدثنا عن الأمور الخارجية نجد أنّ صورة “إسرائيل” اليوم في العالم تغيرت وأصبحت تعتبر سلطة منبوذة ومعزولة ويُتابع ساستها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يسبب ضغطا كبيرا على أمريكا باعتبارها الداعم رقم واحد للكيان الصهيوني، أما الأسباب الداخلية وهي الأهم فتتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع تنظيمها شهر نوفمبر المقبل، فالجميع لاحظ بأنّ حملة بايدن خسرت الكثير خلال هذه المرحلة بسبب الدعم الأمريكي اللامحدود واللامشروط للكيان الصهيوني ومواصلة التغطية على جرائمه المروعة بحق الأبرياء والعزل في قطاع غزّة”.
وتابع الأستاذ بوثلجة قائلا: “من هنا نجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تهدئة الأمور في منطقة الشرق الأوسط، بداية بما يجري في قطاع غزّة، وصولا إلى سعيها لإيجاد صيغة تفاهم مع الجانب اللبناني فيما يتعلق بتواجد حزب الله على الحدود الإسرائيلية، لذلك فهي تسعى إلى التهدئة على كل الجبهات ولا أعتقد بأنها ستسمح باندلاع حرب شاملة ما بين “إسرائيل” وحزب الله”.
إلى جانب ذلك، أفاد المتحدث بأنّ حزب الله وإلى حدّ هذه اللحظة لم يستخدم كل طاقاته العسكرية فلم يستعمل أسلحته طويلة المدى والأكثر دقة بعد، هو فقط يستعمل جزءاً قليلا وبسيطا من قدراته القتالية، فحزب الله نجح في تطوير بعض الأسلحة غير الدقيقة إلى أسلحة أكثر دقة، وهذا بدعم قوي من إيران التي عرفت هي الأخرى تطورا كبيرا في صناعة الأسلحة صناعة محلية وذلك بسبب الحصار الذي يفرضه عليها الغرب بسبب دعمها لأضلع المقاومة، وكذلك بسبب برنامجها النووي.
هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ الكيان الصهيوني لا يمكنه وفي الوقت الراهن تحديداً، الزّج بنفسه في حرب شاملة مع لبنان، أولا بسبب أنّ جيش الاحتلال أصبح مرهقا بعد ثمان أشهر من القتال في غزة، خسر الآلاف من القتلى والجرحى على أيدي المقاومة الفلسطينية الباسلة، إضافةً إلى الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدها الاحتلال بسبب حربه الشعواء على غزة، خاصةً فيما يتعلق بالنفقات العسكرية، وبالتالي فإنّ “إسرائيل” حاليا في موقف ضعف وفي حال غامرت بإشعال حرب كبيرة مع حزب الله سيكون ثمن ذلك باهظا، لأنها لا تمتلك القدرة على ذلك في الأساس.