أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ هذا التصريح الذي أدلى به إيلون ماسك، مالك منصة “إكس”، يُشبه إلى حدّ بعيد ذلك التصريح الذي جاء في وقتٍ سابق على لسان المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، عندما قال: “إنّ هنالك من الزعماء والقادة الغربيين من انتقده وهدده عندما قدّم للقضاة في المحكمة الجنائية الدولية طلبًا يقضي بتوقيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه بتهمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريحه لـ “الأيام نيوز”، أنّ حديث إيلون ماسك عن أنّ هناك دولا أوروبية عرضت عليه صفقة سرية وغير قانونية تُمكنها من فرض رقابة على حرية التعبير، يبدو ذلك غريبًا، وهو يرتبط بعدة أسباب من بينها: أنّ إيلون ماسك لم يفرض قيودًا كبيرة كتلك التي فرضتها إدارة الفايسبوك، والأنستغرام وغيرها، حيث كان أكثر تسامحا على منصة “إكس” فيما يتعلق بالمنشورات الداعمة للحق الفلسطيني، لكن نحن نتذكر جيّدا أنه مع بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، عندما قال إيلون ماسك لرجال الأعمال الذين يُموّلون الإعلانات على منصة “إكس” إنه ليس بحاجة إليهم بعدما طالبوه بفرض قيود على المنصات الداعمة للفلسطينيين أو كل ما يعتبرون أنه ضد الكيان الصهيوني أو ما يرون أنه ضد السامية، إلا أنه وبعد ذلك مباشرةً قام بزيارة إلى “إسرائيل”، وكأنه نوع من الاعتذار على ما قاله في ذلك الوقت.
في السياق ذاته، تحدث الخبير في الشؤون الدولية، عن قيام الكيان الصهيوني بقطع الاتصالات عن قطاع غزّة، وحينها طالب المستخدمون في مختلف أنحاء العالم إيلون ماسك بتزويد القطاع بالإنترنت عن طريق الأقمار الصناعية التي يملكها، وكان قد وعد بتزويد المنظمات الإنسانية بذلك، لكنه في حقيقة الأمر لا يمكن ولا بأيّ حال من الأحوال الثقة فيما يصرح به الغرب، حيث إن هذه الحرب أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأنّ الغرب لا يمكن الوثوق بهم أبدا، هذا الغرب الذي سكت ودعم قتل الآلاف من المدنيين في غزة بدعوى حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه، هذا الغرب الذي يرى بعين واحدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يرى الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة ويتحدث عنهم في كل مرة، ولا يرى الطائرات والدبابات الإسرائيلية وهي تقصف خيم المدنيين والأبرياء العزل في رفح وفي خان يونس وفي شمال غزة.
على صعيدٍ متصل، أشار محدثنا إلى أنّ هذا الغرب دائما ما يعلن دعمه المفضوح لـ “إسرائيل” بالرغم من تماديها المفرط في ارتكاب المزيد من المجازر وحرب الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني الأعزل في غزّة، وهذا ما لاحظناه وبشكل جليّ وصريح خلال المناظرة التي جمعت كلّا من الرئيس الأمريكي جو بايدن وسلفه دونالد ترامب مع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكيف كانت هناك حالة من التسابق بينهما في دعم الكيان الصهيوني بكل ما يمكن، وفي الوقت ذاته لا أحد يرى ما يتعرض له الفلسطينيون من جرائم حرب مكتملة الأركان، ومجازر مروعة يندى لها جبين الإنسانية.
إلى جانب ذلك، أفاد المتحدث بأنّ هذه المنصات التي أُطلقت منذ زمن وأصبحت تُستخدم بشكلٍ واسع، أصبح الجميع اليوم وعبر مختلف أنحاء العالم يُدرك أنها لم تكن أبدا عملا خيريا، ولكن تم إنشاؤها بهدف تحقيق أهداف وخدمة مصالح جهات معينة، والدليل على ذلك هو أنه عندما تعلق الأمر بالكيان الصهيوني لم نعد نسمع عن حرية التعبير ولم نعد نسمع عن الاستخدام الحر لشبكات التواصل الاجتماعي، في حين يسمح بنشر كل الموبقات على هذه الشبكات، فيما لا يسمح بانتقاد “إسرائيل”.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ أوروبا التي قامت بحرق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية في أفران الغاز، لا ندري كيف ترى أن ما تفعله اليوم هو تكفير عن ذنبها، ولو أن الأمر لا علاقة له بما يحدث حاليا من حرب إبادة ومن جرائم ترتكب جهارا نهارا ضد الإنسانية في قطاع غزّة، فهذه الدول الأوروبية الاستعمارية -والغرب بصفة عامة- تثبت كل يوم ازدواجية المعايير التي تنتهجها في التعامل مع مختلف القضايا، فهي من جهة مثلا تدعم أوكرانيا وتعتبر أنه تم الاعتداء عليها من قِبل روسيا على حدّ زعمهم، فيما ترى أنّ الفلسطينيين لا يحق لهم الدفاع عن أنفسهم”.
في سياق ذي صلة، أبرز الأستاذ بوثلجة، أنّ أوروبا ومن خلال الهيئات التي تتحكم فيها، أصدرت في فترة قصيرة مذكرة توقيف دولية ضد الرئيس الروسي، لكن ولحدّ هذه اللحظة ورغم كل ما يقال عن إمكانية إصدار مذكرة توقيف ضد قادة الكيان الصهيوني، إلا أنه لم نَرَ شيئا على أرض الواقع، لافتًا إلى أنّ هناك من يتحدث عن وجود ضغوط أمريكية، بريطانية وأوروبية تمارس على المحكمة الدولية حتى لا تصدر هذه المذكرات، وبالتالي فإنّه لم يعد هناك ما ننتظره من الغرب الذي يدعم صراحةً الكيان الصهيوني بشكلٍ علني ومفضوح، ما عدا بعض الشرفاء الذين يبقى تأثيرهم محدودًا للأسف.
خِتاماً، أفاد الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، أنّ صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، أسهم وبشكلٍ لافت في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بل إنّ تداعيات الحرب على غزّة وتأثيرها امتد إلى الانتخابات في فرنسا حيث فاز اليسار الداعم للحق الفلسطيني، فيما كسب المحافظون في بريطانيا الرهان، وبالرغم من كل هذا إلا أنّ الغرب كمؤسسات لم يتغير رأيها إلى حدّ الآن وما زال يعامل الكيان الصهيوني كالطفل المدلل الذي لا يمكن إغضابه، وهو بدون أدنى شك يستخدم في ذلك كل قوانينه وسلطته من أجل دعم هذا الكيان الجائر، لذلك نجد مثل هذه التصريحات سواء الصادرة عن إيلون ماسك أو عن المدعي العام للجنائية الدولية وكأنها أصوات نادرة في الغرب تكشف من جهة خباياه، ومن جهة أخرى يُمكن أن تكون مقصودة ويُراد بها تحقيق مكاسب سياسية أو مكاسب اقتصادية في هذا المكان من العالم أو ذاك.