أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ الكيان الصهيوني ومنذ إنشائه وهو يتعمّد انتهاج ما يسمى بـ “سياسة الردع”، من مُنطلق أنه كيان دخيل عن المنطقة العربية وعن منطقة الشرق الأوسط، ومُحاط بشعوب ودول يصنفها في خانة “الأعداء”، فتجده دائما ما يعتمد على سياسة القوة العسكرية والردع والتخويف، وقد بقيت هذه السياسة صالحةً لعشرات السنين، بالنظر إلى القوة العسكرية التي يملكها خاصة في مجال الوسائل والآليات التي ظل الغرب يقدمها له على مرّ السنوات والعقود.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ هذه المعادلة أو ما يعرق بسياسة الردع التي ينتهجها الاحتلال، تضررت كثيرا خلال السنوات الأخيرة، وذلك باعتراف مسؤولين سياسيين وحتى عسكريين لدى الكيان، الأمر الذي أضحى يُشكّل خطرا حقيقيا يهدد وجود “إسرائيل”، فالمستوطنون الذي قدموا إلى هذا الكيان من مختلف دول العالم، واستولوا على أرضٍ ليست بأرضهم وقاموا بتهجير سكانها الأصليين بعد الاعتداء عليهم وسلبهم ممتلكاتهم بالقوة، لا يستطيعون اليوم أن يبقوا على هذه الأرض إلا إذا أحسوا بالأمان، وتضرر سياسة الردع تجعلهم يفقدون هذا الشعور الذي تحوّل إلى حالة من الخوف والترقب والتوجس، الأمر الذي عزّز ما يسمى بالهجرة العكسية أي الهجرة من الكيان إلى مختلف دول العالم التي جاء منها هؤلاء المستوطنون.
في السياق ذاته، أشار محدثنا، إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي وسعيا منه إلى الوصول إلى تحقيق الأمن والأمان لهؤلاء، تجده يعتمد على الدعاية وينفق في ذلك أموالا طائلة من خلال استخدام أكثر الوسائل التكنولوجية تطورا في هذا المجال، بدعم وإسناد منقطع النظير من حلفائه من دول الغرب الاستعمارية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، هؤلاء المتواطئون الذين لا يدخرون جهدا أو وقتا في إظهار هذا الكيان المستبد على أنه أقوى “دولة” في منطقة الشرق الأوسط وإظهاره جيشه بصورة أنه لا يُقهر ولا يُهزم.
على صعيدٍ متصل، أفاد الباحث في الشؤون الدولية، أنّ الاحتلال ومن أجل الحفاظ على أمنه واستقراره، انتهج أيضا أسلوب التطبيع مع العديد من دول المنطقة؛ ومنهم حتى دول في الجوار بُغية التحالف معه من الناحية العسكرية، حتى يستقووا به على دول أخرى، لكن ما فعلته المقاومة خلال السنوات الماضية وخاصة من خلال معركة طوفان الأقصى بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، أثبت للجميع وبما لا يدع ُ مجالا للشك أنّ هذا الكيان لا يستطيع حتى أن يحمي نفسه؛ فما بالك أن يحمي دول أخرى.
في سياق ذي صلة، أوضح الخبير في السياسة، أنّ الكيان الصهيوني يتعمّد إخفاء الخسائر الحقيقية التي يتكبدها سواءً في الأفراد أو العتاد، وذلك بتوجيهات من الرقابة العسكرية حيث لا تتحدث القنوات والصحف عن الخسائر في وقتها، وتصف ما يجري من اشتباكات في منطقة معينة بـ “الأحداث الصعبة”، وبعد مدة يبدأ تسريب بعض المعلومات عن الخسائر، لكن حجم الخسائر الحقيقي لا يتم الإعلان عنه إلا بعد مدة، خشية إضعاف معنويات “المجتمع الإسرائيلي”، وخوفاً من ارتفاع معدلات الهجرة العكسية، كما حدث مؤخرا فبعد نحو 40 عاما أقرت لجنة تحقيق إسرائيلية أنّ تفجير مقر الحاكم العسكري في مدينة صور جنوب لبنان عام 1982 كان عملية فدائية وليست نتاج تسريب غاز، كما حاولت المؤسسة الأمنية والعسكرية “الإسرائيلية ” ترويجه طيلة عقود.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ المقاومة الفلسطينية وبعد كل عملية تنفذها ضد الاحتلال، تصدر بيانات تتحدث من خلالها عن حجم الخسائر التي كبدتها للاحتلال الإسرائيلي على أرض الميدان، وفي كل مرة تثبت صحة الأرقام التي تتضمنها بيانات المقاومة، إلا أن الكيان الصهيوني وحرصا منه على معنويات “مواطنيه” وجنوده يتحفظ على نشر هذه الأرقام والإحصائيات، حتى يتمكن هؤلاء من مواصلة الحرب، خاصة في ظل وجود حكومة متطرفة على رأسها بنيامين نتنياهو الذي يريد أن يبقى في الحكم تفاديا للمحاكمات التي تلاحقه منذ سنوات بسبب قضايا فساد، وهو الذي يعلم أنه في حالة ما إذا أعلن عن الخسائر الحقيقية سوف يثور ضده الصهاينة، ومن ثم ستسقط حكومته والأكيد أنه إذا سقطت الحكومة الحالية فإنها لن تعود أبدا، كما يؤكد ذلك الكثير من المحللين المهتمين بهذا الشأن”.
هذا، وأشار الباحث في الشؤون الدولية، أنّه وبالإضافة إلى كل هذه المعطيات، فإنّ “جيش” الاحتلال الإسرائيلي، لا يتصدى وحده للمقاومة الفلسطينية الباسلة على أرض الميدان، إنما يعتمد في ذلك على الكثير من المرتزقة الدين جيء بهم من مختلف أنحاء العالم، وبالتالي فهو يتفادى الإعلان عن مقتلهم ويعلن فقط عن أسماء القتلى الذين يمكن لاحقا اكتشاف هويتهم عن طريق الإعلام، أما البقية فلا يتم الإعلان عن مقتلهم، وهذه السياسة هي سياسة قديمة ينتهجها الكيان الصهيوني الذي يعتمد على سياسة الردع والدعاية الزائفة التي تأثرت كثيرا خلال المدة الأخيرة.
خِتاماً، أبرز الأستاذ بوثلجة، أنّ الأيّام أثبتت أنّ كل ما يُصرح به الكيان الصهيوني ومسؤوليه هو مجرد كذب في كذب، حتى أنّ الكثير من الحقائق أصبحت تظهر وبشكل جلي وواضح رغم المحاولات الحثيثة الني يبذلها الاحتلال في سبيل طمس وتزييف هذه الوقائع والحقائق، بما في ذلك حالة التخبط والانقسام التي تحدث حاليا بين “الجيش” الذي عجز عن مواصلة الحرب في غزّة وبين حكومة نتنياهو التي تريد استمرار هذه الحرب، حتى أصبح “الجيش” يعلنها صراحة أن هذه الحرب هي حرب عبثية ولا يمكن القضاء على المقاومة وأنه بحاجة إلى دعم وإلى كتائب أخرى، أي أصبحت تظهر الكثير من الأمور التي كان تخفيها حكومة الكيان في وقتٍ سبق، ومع الوقت سوف تظهر أمور أخرى وتظهر الخسائر الحقيقية التي تكبدها الكيان الصهيوني في حربه الشعواء التي يشنها على القطاع منذ نحو تسعة أشهر على التوالي.