أفاد الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، بأنّ معركة “طوفان الأقصى” بتاريخ السابع من أكتوبر 2023، والعدوان الصهيوني السافر المتواصل للشهر السابع على التوالي ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة، أماط اللثام أخيراً وكشف زيف ادعاءات الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية التي لطالما صدعت رؤوسنا بأسطوانة الديمقراطية ودعم الحريات وحق الشعوب في تقرير مصيرها، حتى استيقظ اليوم كل من كان يؤمن بالحلم الأمريكي المزعوم على أصوات الطلبة الأمريكيين الذين يتعرضون للقمع والإقصاء، فقط لأنهم يؤيدون الحق الفلسطيني ويدعون إلى إنهاء حرب الإبادة الجماعية الجارية على نطاقٍ واسع في القطاع.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريحٍ لـ “الأيام نيوز”، أنّ الأحداث الجارية في غزّة وجرائم الحرب مكتملة الأركان التي يتمادى الاحتلال في ارتكابها بحق الآمنين في بيوتهم في القطاع، جعلنا ندركُ يقيناً بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة تؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير وحق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن حينما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني فقط، كما أنّ حرية الإعلام في أمريكا تنتهي عندما يصل الأمر إلى “إسرائيل” ويتحوّل إلى إعلامٍ مضلّل وموجه ونفس الأمر بالنسبة إلى القضاء الذي يفقد نزاهته وشفافيته ويضعها على الرّف ويتحول إلى قضاء منحاز ومتسلط ومتعسف عندما يرتبط الأمر بالكيان الصهيوني.
في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى إعلان 13 قاضيًا أمريكيا فيدراليًا محافظًا، أنهم لن يوظّفوا خريجي جامعة كولومبيا، من طلاب القانون أو سواهم، على خلفية تعامل إدارة الجامعة “بصورة متساهلة مع الاحتجاجات الطلابية الأخيرة المؤيدة للفلسطينيين في حرمها الجامعي”، على حدّ قولهم، وقد جاء ذلك كعقابٍ وإقصاء للطلبة بسبب موقفهم الرافض للحرب الصهيونية ضد قطاع غزّة.
على صعيدٍ متصل، أبرز الباحث في الشؤون الدولية، أنّ الحركات الطلابية في الجامعات الأمريكية المطالبة بوقف حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الأبرياء والعزل في القطاع، شكّلت حرجا كبيرا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال الرئيس جو بايدن: “إنّ
ما يحدث في الجامعات الأمريكية يدخل في إطار خطاب الكراهية ومعاداة السامية”، وهذا الأمر لا يمت للحقيقة بصلة، لأنّ طلبة الجامعات الأمريكية لا يتظاهرون ضد اليهود ولا حتى ضد “إسرائيل” نفسها، إنما هم يحتجون وينددون بالجرائم والمجازر المروعة التي ترتكبها آلة الحرب الصهيونية في قطاع غزّة، كما أنّ هذه الاحتجاجات الطلابية انتشرت عبر مختلف الجامعات الأمريكية وامتدت إلى دول غربية أخرى على غرار فرنسا وكندا، وهذه الاحتجاجات لم تكن من قبل الطلبة فقط، بل شملت أيضا هيئة التدريس.
إلى جانب ذلك، أفاد الأستاذ بوثلجة أنّ هؤلاء القضاة المحافظين ينتمون إلى التيار الجمهوري باعتبار أنّه الأكثر دعما وانحيازا للوبي الصهيوني أو بعبارة أخرى هو أكثر من يؤثر عليه اللوبي الصهيوني في أمريكا، كما لاحظنا قبل ذلك أنه كان هناك مشرعين أمريكيين ينتمون إلى الحزب الجمهوري كانوا قد طالبوا حتى بمنع الدعم ومنع الإنفاق عن الجامعات التي تشهد احتجاجات طلابية وهذا في حقيقة الأمر غريب جدا حيث كنا نسمع به في دول ما يسمى بالعالم الثالث ولم نكن نتصور أنّ ذلك قد يصل إلى دولة تتبجح بحرية التعبير وحق الشعوب في الاحتجاج والتظاهر كأمريكا.
في سياقٍ ذي صلة، أوضح الخبير في السياسة، أنّ الانتماءات السياسية تلعبُ دوراً كبيراً في مختلف المواقف التي تدلي بها أمريكا ومختلف الهيئات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، لكن حينما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني قد لا نجد فرقا كبيرا في المواقف ما بين الجمهوريين والديمقراطيين حيث أنهم يدعمون “إسرائيل” وبصفة عمياء ومُطلقة، وهنا نتحدث خاصةً عن مراكز القرار أو المؤسسات التي تتولى اتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية.
وأردف محدث “الأيام نيوز”، قائلا: “بالرغم من كل ما يقال حول وجود خلاف في وجهات النظر بين أمريكا و”إسرائيل”، وخصوصا بين الرئيس جو بايدن وبين رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على غرار عملية اجتياح رفح، إلاّ أنّ بايدن عبّر مجددا عن دعمه لـ “إسرائيل” وأن تحالفه مع الكيان أمر غير قابل للنقاش، كما أكّد وزير الدفاع الأمريكي مؤخرا بأنّ بلاده أرسلت منذ السابع من أكتوبر الماضي إلى “إسرائيل” أسلحة وذخائر تقدر بعشرات المليارات”.
رحلة جديدة في تاريخ العالم..
هذا، وأفاد المتحدث، بأنّ اللعبة الانتخابية تلعب دورا كبيرا في هذا الأمر حيث أن المترشحين سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري يعوّلون كثيرا على اللوبي الصهيوني في تمويل حملاتهم الانتخابية، على اعتبار أنّ اللوبي الصهيوني في أمريكا وفي العالم ككل، هو من يملك مراكز المال والإعلام ويتحكم بها، حتى أننا لاحظنا خلال الأيام القليلة الماضية طريقة استدعاء رؤساء الجامعات الأمريكية واستجوابهم في الكونغرس بطريقة شبه مهينة فيما يتعلق بالحركات الطلابية المناهضة للعدوان الصهيوني على غزّة، كما لاحظنا أن هناك عددا من رؤساء الجامعات ممّن اضطروا إلى تغيير مواقفهم بسبب ضغط النواب، خاصة النواب الجمهوريين بما فيهم رئيس مجلس النواب الجمهوري، إلاّ أنّ كل هذا لا ينفي وجود سوء فهم لدى المواطن الأمريكي البسيط لما يجري في العالم، ففي غالب الأحيان نجد أنّ المواطنين الأمريكيين لا يهتمون كثيرا بالسياسة الخارجية لبلادهم بل يهتمون أكثر بالسياسة الداخلية وبالاقتصاد وما إلى ذلك، أي بكل ما يمس حياتهم اليومية بصفة خاصة.
في سياق ذي صلة، أبرز الأستاذ بوثلجة، أنّنا خلال السنوات القليلة الماضية، كنا نسمع في كلّ مرة عن هذا الكم الهائل من البيانات الصادرة عن الخارجية الأمريكية التي تطالب هذه الدولة أو تلك بضمان حق المواطنين في التظاهر، وعلى النقيض تماماً نراها اليوم تمنع هذا الحق عن طلابها وبطريقة تعسفية بعيدة كل البعد عن المبادئ والقيم التي لطالما تغنت بها أمريكا، وعليه فإنّ ما يحدث حاليا يمكن أن نعتبره بدايةً لمرحلة جديدة في تاريخ العالم، فلا يمكن أن نتصور أن يقبل هذا العالم مستقبلا ما تقوله أمريكا أو يؤمن بالمفاهيم التي تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وتستخدمها في كل مرة كعصا أو كوسيلة ضغط لتحقيق مصالحها في العالم، ومن هنا سنكون أمام بدايةٍ لعالم جديد.
وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أكّد الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ قيام طلبة من جنسية أمريكية ومن أصل أمريكي بالاحتجاج ضد الكيان الصهيوني يعتبر حدثا فريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نجد اليوم آلاف الطلبة الذين يحتجون بسبب قضية خارجية وضد “إسرائيل” نفسها بالرغم من كل ما قام به اللوبي الصهيوني على مدار سنوات عديدة من محاولات حثيثة لطمس الحقيقة ونشر رواية غير حقيقية عن الشرق الأوسط وعن المسلمين وعن الفلسطينيين، إلاّ أنّ كل ما يحدث لا يعفي العرب والمسلمين وداعمي القضية الفلسطينية من دورهم في محاولة التواصل مع المواطن الأمريكي بمختلف الطرق ومحاولات توضيح حقيقة ما يجري أكثر فأكثر، وبالتالي قد نشهد في قادم الأيام وخلال وقت قصير حدوث انقلاب في الرأي العام الأمريكي على السياسات الحكومية الأمريكية في دعمها المطلق للكيان الصهيوني وللإبادة الجماعية التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة.