تواصل الصيرفة الإسلامية في الجزائر مسيرتها بثبات، محققةً توسعًا ملحوظًا ومستقطبةً فئات واسعة من العملاء الذين يتطلعون إلى حلول مالية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. ومنذ انطلاقتها عبر البنوك العمومية في عام 2020، شهدت هذه المنظومة تطورًا لافتًا في مجالات متعددة. رغم ذلك، لا تزال الصيرفة الإسلامية تواجه تحديات جوهرية تعرقل انتشارها، سواء من حيث التشريعات المنظمة أو محدودية تنوع المنتجات، بالإضافة إلى المنافسة القوية من البنوك التقليدية. في ضوء هذه المعوقات، يبقى التساؤل قائمًا حول قدرتها على التحول من خيار مكمل إلى قوة مصرفية أساسية في المشهد المالي الجزائري.
شهدت الصيرفة الإسلامية في الجزائر تطورًا متسارعًا منذ أن أُطلقت عبر البنوك العمومية في عام 2020، حيث بلغ حجم الودائع فيها 817 مليار دينار جزائري حتى نهاية سبتمبر 2024، وفقًا لما كشف عنه رئيس جمعية البنوك والمؤسسات المالية، محند بوراي. ومع توسع البنوك العمومية والخاصة في تقديم المنتجات المصرفية الإسلامية، ارتفع عدد الحسابات المصرفية وفق هذه الصيغة إلى أكثر من 745 ألف حساب بنكي، فيما بلغت قيمة التمويلات المقدمة عبر البنوك الإسلامية 437 مليار دينار للشركات و68 مليار دينار للخواص. هذه الأرقام تعكس إقبالًا متزايدًا على التمويل الإسلامي في الجزائر، في ظل جهود حكومية لتعزيز الشمول المالي وتوفير بدائل مصرفية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. ورغم هذا التطور، إلا أن هناك تحديات تنظيمية ومالية وتسويقية لا تزال تعيق انتشار البنوك الإسلامية مقارنة بالبنوك التقليدية، مما يجعلها في موقع تكميلي وليس رياديًا في المشهد المصرفي الجزائري.
البنوك الإسلامية في الجزائر.. نمو متسارع وانتشار جغرافي محدود
مرَّ قطاع الصيرفة الإسلامية في الجزائر بتوسع ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت 12 بنكًا، تضم 6 بنوك عمومية و6 بنوك خاصة، تقدم منتجات مالية إسلامية تتوافق مع متطلبات السوق، عبر شبكة تضم 861 وكالة ونافذة مصرفية منتشرة في مختلف مناطق البلاد. هذا الانتشار يعكس تحولًا تدريجيًا نحو التمويل الإسلامي، مدعومًا بسياسات حكومية تهدف إلى تعزيز الشمول المالي وتوفير خيارات مصرفية متنوعة للزبائن.
ورغم هذا النمو، لا تزال البنوك الإسلامية تواجه تحديات تتعلق بالتوزيع الجغرافي وانتشار الفروع، حيث تتركز معظم الوكالات المصرفية في المدن الكبرى، بينما تعاني بعض المناطق الداخلية والجنوبية من نقص في التغطية المصرفية. ولمعالجة هذه المشكلة، تعمل البنوك الإسلامية على توسيع شبكتها الميدانية، حيث أعلن بنك البركة الجزائر عن خطة لافتتاح أكثر من 10 فروع جديدة خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع التركيز على المناطق الأقل تطورًا، بما يتماشى مع توجهات الدولة في دعم التنمية المحلية.
وفي السياق ذاته، ارتفع عدد الوكالات المصرفية في الجزائر إلى 1735 وكالة بنكية حتى النصف الأول من عام 2024، مما يعكس جهود القطاع المصرفي في توسيع دائرة الخدمات المالية. لكن تبقى مسألة الانتشار الجغرافي عاملًا حاسمًا في تعزيز حضور البنوك الإسلامية، خاصة مع تزايد الطلب على هذا النوع من التمويل من قبل الأفراد والشركات على حد سواء.
المصرفية الإسلامية في الجزائر.. ابتكار وتوسع في الخدمات
مع تزايد الإقبال على التمويل الإسلامي، تعمل البنوك الجزائرية على تطوير منتجات وخدمات تتماشى مع متطلبات السوق، حيث تسوق حاليًا مجموعة واسعة من المنتجات المالية الإسلامية التي تشمل المرابحة، الإجارة، المشاركة، والمضاربة. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق منتجات جديدة مثل الصكوك الإسلامية، الاستثمار بالوكالة، وحزم مصرفية خاصة بالشباب، بهدف استقطاب فئات جديدة من العملاء وتعزيز تنافسية الصيرفة الإسلامية.
وبحسب تصريحات المدير العام لبنك البركة الجزائر، يسعى البنك إلى تعزيز الشمول المالي عبر إدخال حلول رقمية متطورة، تتيح للعملاء في مختلف الولايات الوصول إلى الخدمات المصرفية بسهولة دون الحاجة إلى زيارة الفروع التقليدية. في هذا السياق، أطلق البنك خدمات إلكترونية تشمل تطبيقات الهاتف المحمول، الدفع عبر الإنترنت، والتحويلات الرقمية، في خطوة تهدف إلى مواكبة التطورات التكنولوجية في القطاع المصرفي.
ورغم هذه الجهود، لا تزال بعض التحديات قائمة، حيث تتركز معظم التمويلات الإسلامية على منتج المرابحة، الذي يمثل نسبة كبيرة من إجمالي التمويلات المقدمة. كما أن تأخر إدخال أدوات مالية متطورة مثل الصكوك الإسلامية والتأمين التكافلي لا يزال يحدّ من قدرة البنوك الإسلامية على تقديم حلول استثمارية تنافسية. ومع ذلك، يتوقع المختصون أن تشهد السوق المالية خلال الفترة المقبلة توسعًا في المنتجات الإسلامية، خاصة بعد إدخال تعديلات قانونية تسمح بتطوير بدائل تمويلية جديدة تتماشى مع احتياجات المستثمرين والأفراد.
توسعات ميدانية وتحديات عملية
ورغم التوسع الملحوظ في الصيرفة الإسلامية خلال السنوات الأخيرة، لا تزال البنوك الإسلامية في الجزائر تواجه تحديات متعددة تعيق انتشارها وقدرتها على منافسة البنوك التقليدية. إحدى أبرز هذه التحديات تتعلق “بالتكلفة التمويلية”، حيث كانت البنوك الإسلامية سابقًا غير مستفيدة من تخفيضات الخزينة التي تُمنح للبنوك التقليدية، مما جعل منتجاتها أقل تنافسية من حيث الأسعار. ومع ذلك، ساهمت التعديلات القانونية الأخيرة في تقليل هذا الفارق، مما يسمح لهذه البنوك بتقديم تمويلات أكثر جاذبية للأفراد والشركات.
من ناحية أخرى، يظل ضعف التنوع في المنتجات المالية الإسلامية إحدى العقبات الرئيسية التي تحدّ من جاذبية البنوك الإسلامية. فرغم إدخال بعض المنتجات الجديدة، لا تزال معظم التمويلات تعتمد بشكل أساسي على المرابحة، مما يقلل من الخيارات المتاحة أمام العملاء الباحثين عن حلول تمويلية مرنة ومتنوعة. كما أن التأخر في إدخال أدوات استثمارية مثل الصكوك الإسلامية والتأمين التكافلي يحدّ من قدرة هذه البنوك على جذب الاستثمارات طويلة الأجل وتعزيز مكانتها في السوق.
إلى جانب ذلك، يشكل الانتشار الجغرافي المحدود عائقًا إضافيًا أمام توسع البنوك الإسلامية، حيث تتركز معظم فروعها في المدن الكبرى، بينما لا تزال بعض المناطق الداخلية تفتقر إلى خدمات مالية متخصصة. ولتجاوز هذا العائق، تسعى هذه البنوك إلى تعزيز رقمنة خدماتها، بحيث يتمكن العملاء من الوصول إلى المنتجات المصرفية بسهولة عبر التطبيقات الإلكترونية والخدمات الرقمية.
وبحسب رئيس جمعية البنوك والمؤسسات المالية، فإن الجهود المبذولة لتعزيز الصيرفة الإسلامية تأتي في إطار استراتيجية وطنية لتحقيق الشمول المالي، حيث بلغ إجمالي عدد الحسابات البنكية الإسلامية المفتوحة في الجزائر أكثر من 745 ألف حساب حتى سبتمبر 2024. ومع ذلك، لا يزال هناك تحدٍّ يتعلق بضعف الوعي المجتمعي حول التمويل الإسلامي، حيث يرى بعض العملاء أن الفرق بين المنتجات الإسلامية والتقليدية غير واضح بما يكفي، مما يستدعي تكثيف الحملات التوعوية لتعريف المواطنين بالمزايا الحقيقية للصيرفة الإسلامية.
وفي ظل هذه التحديات، يتطلب تحقيق انتشار أوسع للبنوك الإسلامية في الجزائر من خلال تحسين البيئة التشريعية وتعزيز الابتكار في المنتجات وتطوير استراتيجيات تسويقية أكثر فاعلية، بحيث تصبح هذه البنوك قادرة على المنافسة الفعلية مع نظيراتها التقليدية، بدلًا من أن تبقى خيارًا تكميليًا في السوق المصرفية الجزائرية.
الصيرفة الإسلامية في الجزائر هل ستصبح الخيار الأول لجيل المستقبل؟
ومع الإصلاحات التشريعية الجديدة والتوسع المستمر في الخدمات المصرفية الإسلامية، تبدو آفاق الصيرفة الإسلامية في الجزائر واعدة، خاصة مع تسجيل زيادة ملحوظة في حجم الودائع والتمويلات، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا بهذا القطاع.
كما تعمل البنوك الإسلامية في الجزائر على تعزيز رقمنة خدماتها وإطلاق منتجات جديدة لمواكبة احتياجات السوق المالية المتطورة. ويؤكد المدير العام لبنك البركة الجزائر أن البنك يضع ضمن أولوياته الاستثمار في التكنولوجيا المالية، بحيث يتمكن العملاء في مختلف الولايات من إجراء معاملاتهم المصرفية بسهولة عبر التطبيقات الذكية والخدمات الإلكترونية. إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يشهد السوق المالي الجزائري إدخال أدوات استثمارية جديدة مثل الصكوك الإسلامية والاستثمار بالوكالة، مما سيعزز من جاذبية هذا القطاع ويوفر خيارات أوسع للمستثمرين المحليين والأجانب.
ورغم هذه التطورات الإيجابية، فإن تحقيق انتشار أوسع للصيرفة الإسلامية يتطلب استمرار الإصلاحات التشريعية وتحسين البنية التحتية المالية وزيادة التوعية المجتمعية حول مزايا التمويل الإسلامي. كما أن المنافسة المتزايدة بين البنوك التقليدية والإسلامية ستدفع هذه الأخيرة إلى ابتكار خدمات جديدة وتقديم حلول تمويلية أكثر مرونة، مما سيساهم في تعزيز موقعها في المشهد المصرفي الجزائري.
وفي ظل هذه الديناميكية، يبقى مستقبل الصيرفة الإسلامية في الجزائر مرتبطًا بقدرتها على تحقيق التوازن بين الامتثال للمعايير الشرعية وتقديم خدمات تنافسية تتماشى مع متطلبات العصر. ومع استمرار النموفي حجم الودائع وزيادة عدد العملاء، يبدو أن البنوك الإسلامية أمام فرصة حقيقية لتعزيز مكانتها في السوق المصرفية الجزائرية خلال السنوات المقبلة.
بقلم: د. شروق حدوش – أستاذة محاضرة – جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان
من أبي اليقظان إلى قانون 23-09.. الصيرفة الإسلامية تحت المجهر
شهدت الصيرفة الإسلامية في الجزائر تطورًا ملحوظًا خلال العشر سنوات الأخيرة (2015-2025)، حيث تشير تقارير بنك الجزائر إلى النمو السريع لحجم الأصول المالية المجمعة وعدد المؤسسات والنوافذ المستحدثة من قبل المؤسسات المالية الإسلامية في الخمس سنوات الأخيرة. فمنذ إطلاق هذه التعاملات، بلغ إجمالي الودائع المحصلة من طرف البنوك الناشطة في مجال الصيرفة الإسلامية حاليًا 794 مليار دينار جزائري، بينما تجاوزت قيمة التمويلات المقدمة للشركات 493 مليار دينار. كما بلغ عدد النوافذ والوكالات المخصصة للصيرفة الإسلامية في الجزائر 861 موزعة عبر 12 بنكًا، منها 6 بنوك عمومية و6 بنوك خاصة.
ترجع أصول البنوك الإسلامية في الجزائر إلى المشروع الذي قدمه العالم الجزائري أبي اليقظان عام 1928، والذي دعا إلى إنشاء بنك أهلي يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية. لكن إرادة المستعمر حالت دون ذلك. بدأت تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر المستقلة بشكل محدود في التسعينيات مع بنك البركة وبنك السلام مطلع عام 2006، ثم اكتسبت زخمًا أكبر بداية من عام 2020، بفضل الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل تعزيز هذا القطاع كجزء من استراتيجيتها لتنويع مصادر التمويل ودعم الاقتصاد الوطني.
تفتقر البنوك الإسلامية في الجزائر إلى إطار تنظيمي كافٍ لممارسة نشاطها بأريحية، نظرًا لحداثة وجدية الإصلاحات التي عرفها الإطار القانوني للبنوك الإسلامية في الجزائر. وبالرجوع إلى المنظومة القانونية الجزائرية، نجد أن البنوك الإسلامية كانت تسير عقودها وفقًا لمقتضيات القانون المدني والقانون التجاري. فقانون النقد والقرض 10-90 الذي صدر سنة 1990 وعدل سنة 2003 بالأمر 11-03 لم يفرد البنوك الإسلامية بمعاملة خاصة، وفي نفس الوقت لم يعترف بها أو يمنعها.
ظهرت أولى بوادر الإصلاحات القانونية مع التأسيس القانوني للصيرفة التشاركية في الجزائر وفقًا لنظام بنك الجزائر رقم 18-02، وسرعان ما تم التخلي عن العمل به وإلغاؤه لعدم وضوحه وغموض المصطلحات التي اعتمد عليها في التأسيس لمنظومة قانونية تليق بالمنظومة المالية في الجزائر. فمصطلح “التشاركية” لا يعني “الإسلامية” ويتشابه إلى حد كبير مع المالية التشاركية المتعارف عليها لدى البنوك التقليدية والتعاونيات. لهذه الأسباب وأخرى، تم استبداله بالنظام 20-02 المؤرخ في 15 مارس 2020، والذي نص صراحة ولأول مرة على مصطلح “البنوك الإسلامية” وحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية. كما صدرت التعليمة 20-03 المؤرخة في 02 أبريل 2020، والتي عرّفت المنتجات المتعلقة بالصيرفة الإسلامية.
هذه الإصلاحات التي عرفتها الجزائر لدعم البنوك الإسلامية كانت بحاجة إلى إصلاحات أكثر قوة قانونية تؤسس لمصرفية إسلامية أكثر وضوحًا. وفي هذا الإطار، يعد قانون رقم 23-09 الذي يتضمن القانون النقدي والمصرفي الصادر في 2023 بمثابة البنية التحتية لنشاط البنوك الإسلامية في الجزائر. وتمثل هذه الخطوة نقلة نوعية في منح البنوك الإسلامية إطارًا قانونيًا واضحًا لعملياتها، حيث شملت تنظيم العقود الإسلامية مثل المرابحة والمشاركة والإجارة، وحددت الإطار التنظيمي لتسويق المنتجات المالية الإسلامية. كما ألزم البنوك بالحصول على اعتماد خاص من لجنة الفتوى على مستوى المجلس الإسلامي الأعلى قبل تقديم أي منتج إسلامي.
رغم التطورات التشريعية والنمو السريع في حجم الأصول وعدد المؤسسات والنوافذ التي شهدها قطاع الصيرفة الإسلامية في الجزائر، إلا أن هناك تحديات تتعلق بمدى توافق هذه القوانين مع طبيعة التمويل الإسلامي. ومن أبرز هذه الجوانب:
غياب قانون مستقل للبنوك الإسلامية: لا يزال القطاع يخضع لأحكام عامة للبنوك التقليدية، مما قد يحد من مرونة العمليات المالية الإسلامية.
ضرورة توفير بيئة تنظيمية أكثر تحفيزًا: تحتاج التشريعات إلى مراسيم تنفيذية ولوائح تنظيمية لرسم خارطة طريق للتطبيق وتعديلات تستوعب متطلبات السوق الحديثة، مثل التحول الرقمي والتمويل الإسلامي المبتكر.
عدم المساواة في المعاملة الضريبية: على الرغم من الإصلاحات الجبائية المتتالية التي أدرجت في قانون المالية بخصوص منتجات التمويل الإسلامي، فإن بعض المنتجات الإسلامية مثل المرابحة لا تزال تخضع لنظام ضريبي غير متناسب مقارنة بالتمويل التقليدي.
الإطار القانوني المحدود للمنتجات المالية الإسلامية: رغم أن بنك الجزائر أصدر تعليمات لتنظيم بعض المنتجات الإسلامية، إلا أن اللوائح ما زالت غير شاملة لجميع الأدوات المالية الإسلامية.
الرقابة الشرعية غير الموحدة: تختلف معايير الفتوى بين المؤسسات، مما قد يخلق تناقضات في تطبيق المعاملات الإسلامية.
محدودية الوصول إلى سيولة البنك المركزي: البنوك الإسلامية لا تستفيد من نفس أدوات إعادة التمويل التي تعتمد عليها البنوك التقليدية، مما يضعها في موقف غير متكافئ من حيث إدارة السيولة.
لمعالجة التحديات القائمة وتعزيز دور البنوك الإسلامية في الاقتصاد الجزائري، ينبغي تنفيذ مجموعة من الإصلاحات التشريعية، ومنها:
- إصدار قانون مستقل للصيرفة الإسلامية: يحدد طبيعة عمل البنوك الإسلامية بشكل أكثر دقة، ويفصلها عن الأحكام التقليدية.
- تحسين المعاملة الضريبية: مراجعة النظام الضريبي بحيث لا يكون التمويل الإسلامي في وضع غير تنافسي مقارنة بالبنوك التقليدية.
- إدخال أدوات مالية إسلامية جديدة: تعزيز إصدار الصكوك الإسلامية وتمكين البنوك الإسلامية من الاستفادة من التمويل طويل الأجل عبر هذه الأدوات.
- إنشاء هيئة شرعية مركزية أكثر استقلالية: لتوحيد المعايير الشرعية وضمان اتساق الفتاوى المتعلقة بالصيرفة الإسلامية.
- إتاحة الوصول إلى سيولة البنك المركزي: تطوير أدوات مالية متوافقة مع الشريعة تتيح للبنوك الإسلامية إدارة سيولتها بكفاءة أكبر.
- تعزيز التحول الرقمي في الصيرفة الإسلامية: تعديل القوانين بحيث تدعم الخدمات المصرفية الرقمية الإسلامية، مما يسهل تقديم الخدمات للعملاء بطرق أكثر كفاءة.

الصيرفة الإسلامية.. بديل مصرفي لم يكتسب الثقة بعد
يرى الدكتور رشيد شنيني، أستاذ الاقتصاد والمتخصص في التمويل الإسلامي، أن تجربة البنوك الإسلامية في الجزائر لا تزال في مرحلة التطور. ورغم تحقيقها نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لم تصل بعد إلى مستوى الثقة المطلوب لدى المواطنين. ويُرجع ذلك إلى عدة عوامل مترابطة، أبرزها الفجوة بين التوقعات الدينية للعملاء وطبيعة المنتجات المصرفية المقدمة، إضافة إلى غياب الوعي المجتمعي حول مفهوم الصيرفة الإسلامية وآلياتها، فضلًا عن التحديات القانونية والتنظيمية التي ما زالت تعيق نموها بالشكل الأمثل. ويرى الدكتور شنيني أن تعزيز مصداقية هذه البنوك يتطلب التزامًا حقيقيًا بمبادئ الشريعة، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وتطوير الخدمات الرقمية، وتحسين جودة التعاملات المصرفية، وهو ما سيمكنها من تحقيق قفزة نوعية وجذب المزيد من العملاء الباحثين عن بديل مصرفي إسلامي حقيقي.
الأيام نيوز: حسب رأيك، ما العوامل الأساسية التي تؤثر على ثقة الجزائريين في البنوك الإسلامية؟
رشيد شنيني: ثقة الجزائريين في البنوك الإسلامية تتأثر بعدة عوامل مترابطة، أولها مدى التزام هذه البنوك بمبادئ الشريعة الإسلامية، إذ يبحث العملاء عن تعاملات مالية تتوافق مع القيم الإسلامية دون أي تحايل أو التباس. كما تلعب الفتاوى الدينية الصادرة حول هذه البنوك دورًا مهمًا في تشكيل وجهات النظر، فكلما كانت الفتاوى واضحة ومدعومة بشرعية قوية، زادت ثقة المواطن في هذه المؤسسات.
وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لها أيضًا تأثير كبير، سواء في الترويج للصيرفة الإسلامية أو التشكيك في مصداقيتها، إذ إن أي حديث عن وجود شبهات في بعض المنتجات المالية يمكن أن يؤثر سلبًا على ثقة العملاء. أضف إلى ذلك أهمية استقلالية وشفافية هيئات الرقابة الشرعية، فحين يشعر المواطن بأن الفتوى والتسيير المصرفي منفصلان عن المصالح التجارية، يزداد اطمئنانه.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل مدى قدرة البنوك الإسلامية على تلبية احتياجات العملاء، سواء من حيث سرعة تقديم الخدمات، تنوعها، شفافيتها، أو مدى توفر الفروع وأجهزة الصراف الآلي في مختلف المناطق. كما أن تجربة العملاء السابقة تلعب دورًا حاسمًا، فإذا كانت هناك حالات سابقة من عدم الرضا، فإن ذلك قد يؤثر على سمعة هذه البنوك.
كما لا بد من الإشارة إلى عامل السمعة المصرفية، والتي تتجسد في مدى أمان أموال المودعين، سرية الحسابات، قوة نظم المعلومات البنكية، وخلو البنك من الفساد وسوء التسيير، فكلما كان الأداء المالي للبنك قويًا ومستقرًا، كلما ازدادت ثقة الجزائريين به.
الأيام نيوز: إلى أي مدى نجحت البنوك الإسلامية في الجزائر في كسب ثقة العملاء؟
رشيد شنيني: البنوك الإسلامية في الجزائر لا تزال في مرحلة التطور، ونجاحها في كسب ثقة العملاء يبقى نسبيًا مقارنة بالدول التي قطعت أشواطًا كبيرة في هذا المجال. يمكن القول إن الثقة تتزايد تدريجيًا، خصوصًا بعد إصدار تشريعات واضحة تنظم عملها، لكن التجربة لا تزال بحاجة إلى تعزيز الأطر القانونية والتوعوية حتى تصبح أكثر رسوخًا في السوق المصرفية الجزائرية.
التحولات القانونية التي عرفتها الجزائر منذ سنة 2018، بدءًا من إصدار نظام 18-02 للصيرفة التشاركية، ثم الانتقال رسميًا إلى الصيرفة الإسلامية عبر نظام 20-02 في 2020، شكلت نقطة انطلاق مهمة، لكنها لم تكن كافية وحدها لكسب ثقة العملاء بالشكل المطلوب. ففرض شهادة المطابقة الشرعية من الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية، والتي أصبحت إلزامية منذ أبريل 2020، ساهم في تنظيم السوق، لكنه جاء متأخرًا مقارنة بالدول التي سبقت الجزائر في هذا المجال. ورغم التطورات التنظيمية، لا يزال السوق محدودًا، إذ لا ينشط حاليًا سوى بنكين إسلاميين فقط هما بنك البركة الجزائري ومصرف السلام الجزائر، في حين أن البنوك التقليدية فتحت نوافذ للصيرفة الإسلامية لكنها لم تخلق المنافسة المطلوبة بعد.
الأيام نيوز: وكيف يمكن مقارنة ذلك بدول أخرى؟
شيد شنيني: عند مقارنة تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر مع الدول الرائدة في هذا المجال، نجد فروقات كبيرة من حيث الهيكلة والتشريعات، ونسبة الاعتماد المجتمعي. فالنموذج الماليزي يعد الأكثر تكاملًا، حيث تعد ماليزيا مركزًا عالميًا للمالية الإسلامية، إذ تمتلك بنية تحتية متطورة تشمل تشريعات قوية، هيئات رقابة شرعية مستقلة، أسواق مالية متخصصة، وتكنولوجيا مالية إسلامية حديثة. كما تتميز بتجربة متقدمة في إصدار الصكوك الإسلامية، التأمين التكافلي، والصناديق الاستثمارية الإسلامية، مما جعلها وجهة عالمية في هذا المجال.
كما تمتلك البنوك الإسلامية في دول الخليج (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين) رؤوس أموال ضخمة ومنتجات تمويلية متطورة، ما جعلها تسيطر على السوق المالي الإسلامي العالمي. في هذه الدول، الصيرفة الإسلامية منافس حقيقي للصيرفة التقليدية، بفضل دعم الحكومات، قوة الأطر التشريعية، والمرونة المالية في تطوير المنتجات المصرفية المتوافقة مع الشريعة.
بالمقارنة مع هذه التجارب، يمكن القول إن الجزائر لا تزال في بداياتها، وتحتاج إلى خطوات إضافية لترسيخ ثقة العملاء، سواء من خلال توسيع شبكة البنوك الإسلامية، تطوير المنتجات المالية، تحسين التشريعات، وتعزيز الشفافية في المعاملات المصرفية.
الأيام نيوز: هل هناك فجوة بين التوقعات الدينية للمواطنين وطبيعة المنتجات المصرفية الإسلامية؟
رشيد شنيني: نعم، هناك فجوة واضحة بين ما يتوقعه المواطن الجزائري من البنوك الإسلامية من حيث الالتزام الشرعي، وبين طبيعة المنتجات المصرفية التي تقدمها هذه البنوك. يتوقع المواطن أن تكون هذه المعاملات متوافقة تمامًا مع أحكام الشريعة، لكن الواقع يكشف عن وجود بعض المنتجات التي تبدو إسلامية من الناحية الشكلية فقط. فمثلًا، هناك معاملات لا تستوفي شرط الملكية الحقيقية، حيث يقوم البنك ببيع السيارات أو العقارات دون أن يتملكها أولًا، أو يبيعها دون نقل الملكية مباشرة إلى المستفيد من التمويل. كما أن بعض البنوك تفرض غرامات تأخير على سداد الأقساط، وهو ما يراه البعض مخالفًا لمبدأ تجنب الربا. كذلك، تثير بعض أشكال التمويل، مثل التمويل الإيجاري، جدلًا شرعيًا، إذ يعتبره البعض قريبًا من مفهوم “بيعتين في بيعة واحدة”، مما يجعله محل شك من حيث التوافق مع روح التمويل الإسلامي.
إلى جانب ذلك، هناك اختلاف في فهم المواطنين لمبادئ الصيرفة الإسلامية مقارنة بما تطبقه البنوك على أرض الواقع. يعتقد الكثيرون أن التمويل الإسلامي يقوم على المشاركة في الربح والخسارة، كما هو الحال في نظامي المضاربة والمشاركة، حيث يكون البنك شريكًا حقيقيًا في المشروع ويتحمل جزءًا من المخاطرة. لكن البنوك الإسلامية في الجزائر تعتمد بشكل أساسي على المرابحة، التي تقوم على بيع السلعة بهامش ربح ثابت، دون أن يتحمل البنك أي خسارة. هذا النموذج يجعل بعض العملاء يشعرون بأن البنوك الإسلامية لا تختلف جوهريًا عن البنوك التقليدية، وإنما تستخدم مصطلحات مختلفة لتقديم خدماتها، مما يولد حالة من الشك حول مدى التزامها بالمبادئ الإسلامية الحقيقية.
هذه الفجوة تؤثر بشكل مباشر على مستوى الثقة في البنوك الإسلامية، مما يستدعي اتخاذ خطوات جادة لتعزيز الشفافية، من خلال توضيح آليات العمل وتقديم منتجات أكثر توافقًا مع القيم الإسلامية، مثل المضاربة والمشاركة، بدلًا من التركيز على المرابحة فقط. كما أن توعية المواطنين بالمفاهيم المالية الإسلامية، وشرح كيفية تطبيقها عمليًا، من شأنه أن يقلل الشكوك ويساهم في تعزيز الثقة بهذه البنوك. فلا يكفي أن تسوق هذه المؤسسات نفسها كبديل عن البنوك التقليدية، بل يجب أن تقدم نموذجًا مصرفيًا عادلًا وشفافًا يجسد القيم الإسلامية بوضوح.
الأيام نيوز: كيف يمكن للبنوك الإسلامية تعزيز مصداقيتها وزيادة ثقة الجزائريين بها؟
رشيد شنيني: لتحقيق مصداقية أقوى وزيادة ثقة الجزائريين بالبنوك الإسلامية، يجب على هذه المؤسسات المالية معالجة عدة جوانب أساسية تعزز شفافيتها وفعاليتها في السوق المصرفية. وأولى هذه الخطوات، الالتزام التام بمبادئ الشريعة الإسلامية، إذ إن أي تناقض بين ما يُروَّج له على أنه “إسلامي” وبين طبيعة المعاملات الحقيقية قد يؤدي إلى فقدان ثقة العملاء. بعض الممارسات المصرفية الإسلامية في الجزائر تثير تساؤلات حول مدى توافقها مع الشريعة، مثل عقود المرابحة التي قد تُطبَّق دون أن يمتلك البنك السلعة قبل بيعها للعميل، مما يجعل البعض يرون أنها لا تختلف جوهريًا عن القروض التقليدية. لذا، ينبغي على البنوك الإسلامية أن تكون أكثر شفافية في تفسير طريقة عملها وتوضيح الفرق الحقيقي بينها وبين البنوك التقليدية.
إلى جانب الالتزام الشرعي، يُعد تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد وسوء التسيير داخل البنوك الإسلامية عاملًا رئيسيًا في بناء الثقة. فالبنك الذي يعاني ضعف الرقابة الداخلية أو يشهد تجاوزات في إدارة الأموال، حتى وإن حمل صفة “إسلامي”، سيواجه صعوبة في إقناع العملاء بأنه يوفر بديلًا مصرفيًا آمنًا وأخلاقيًا. لذا، من الضروري وضع آليات رقابة صارمة، سواء عبر الجهات التنظيمية أو من خلال لجان شرعية مستقلة تضمن امتثال المعاملات المصرفية للأحكام الإسلامية. وفي هذا السياق، تلعب استقلالية الهيئات الشرعية دورًا حاسمًا في زيادة المصداقية، فكلما شعر المواطن بأن الفتاوى التي تعتمدها البنوك الإسلامية تصدر عن جهات مستقلة ومحايدة، زادت ثقته بهذه المؤسسات.
ولا يمكن تجاهل دور الوعي المجتمعي في تعزيز هذه الثقة، إذ لا يزال كثير من الجزائريين غير مدركين تمامًا لكيفية عمل البنوك الإسلامية والفرق الجوهري بينها وبين التقليدية، مما يثير حالة من التشكيك والتردد في التعامل معها. لذلك، من المهم أن تطلق هذه البنوك حملات توعوية تثقيفية، لا لتعريف المواطنين بمنتجاتها فحسب، بل أيضًا لتوضيح الأسس الشرعية التي تستند إليها هذه المنتجات. وينبغي ألا يكون الترويج للصيرفة الإسلامية مجرد إعلان تجاري، بل يجب أن يكون مدعومًا بنقاشات علمية وشرعية شفافة تزيل أي التباس لدى العملاء المحتملين.
إضافةً إلى ذلك، يُعد تحسين جودة الخدمات المصرفية وسرعة تنفيذها عاملًا جوهريًا في بناء الثقة. فلا يكفي أن يكون البنك إسلاميًا نظريًا، بل يجب أن يكون قادرًا عمليًا على تقديم تجربة مصرفية كفؤة، تتسم بالسرعة في إنجاز العمليات المالية، وسهولة الوصول إلى الخدمات، وتوافر الفروع وأجهزة الصراف الآلي، بالإضافة إلى تقديم حلول إلكترونية متطورة تواكب التحول الرقمي. فالعملاء الذين يجدون أن البنوك الإسلامية تقدم خدمات أبطأ أو أكثر تعقيدًا من نظيراتها التقليدية قد يترددون في التعامل معها، حتى لو كانوا مقتنعين بمبدأ الصيرفة الإسلامية. لذا، يمكن أن يشكل الاستثمار في التكنولوجيا المالية الإسلامية والرقمنة نقطة تحول في زيادة الإقبال على هذه البنوك.
ومن الجوانب الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار، مسألة التواصل الفعّال مع العملاء والاستجابة السريعة لمشاكلهم وشكاواهم. فالبنك الذي يعتمد سياسة واضحة في حل النزاعات ومعالجة استفسارات العملاء سيكون أكثر قدرةً على بناء قاعدة زبائن وفية. ويرتبط ذلك أيضًا بالحفاظ على سمعة مالية قوية، وهو ما يتحقق عبر ضمان سلامة أموال المودعين، والحفاظ على سرية الحسابات المصرفية، وتأمين الأنظمة المعلوماتية ضد أي اختراقات، وضمان تحقيق أداء مالي مستقر يعزز استدامة البنك على المدى الطويل.
في النهاية، ثقة الجزائريين بالبنوك الإسلامية لن تتحقق بمجرد الترويج لمفهوم “التمويل الإسلامي”، بل ستكون نتيجة طبيعية لالتزام هذه البنوك بممارسات شفافة وعادلة، تتوافق فعليًا مع القيم الإسلامية، وتقدم تجربة مصرفية متطورة تضاهي أو تتفوق على البنوك التقليدية.

الرقمنة في البنوك الإسلامية.. فرصة للنمو أم عقبة شرعية؟
عدد الأستاذ عبد الرحمان نعجة العفيفي، أستاذ المالية والصيرفة الإسلامية ورئيس فرقة بحث الدراسات المالية الإسلامية في مخبر الدراسات المالية والمحاسبية بكلية العلوم الاقتصادية بجامعة سيدي بلعباس، في حوار مع “الأيام نيوز”، أبرز التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية في الجزائر في ظل التحول الرقمي. وأشار إلى أن هذا الانتقال يُمثل فرصة حقيقية لتعزيز كفاءة البنوك الإسلامية وزيادة جاذبيتها، لكنه في الوقت ذاته يفرض تحديات تقنية وتشريعية وشرعية تستوجب معالجتها بحذر لضمان الامتثال الكامل لمبادئ الصيرفة الإسلامية.
وأوضح أن نجاح هذه البنوك في التحول الرقمي يعتمد على تطوير البنية التحتية التكنولوجية، وتعزيز الأمان السيبراني، وتدريب الكوادر البشرية، بالإضافة إلى تكييف التشريعات المصرفية مع المتطلبات الرقمية الحديثة. كما أكد أن الوصول إلى نموذج متكامل للصيرفة الإسلامية الرقمية يتطلب استراتيجية شاملة، تتيح الاستفادة من التقنيات المتطورة مع الحفاظ على الهوية الشرعية لهذه المؤسسات المالية.
الأيام نيوز: بدايةً، أستاذ، ما مدى مساهمة التحول الرقمي في رفع كفاءة البنوك الإسلامية وتحسين خدماتها مقارنةً بالنظام التقليدي؟
عبد الرحمان نعجة العفيفي: لا شك أن التحول الرقمي أصبح عاملًا رئيسيًا في تعزيز كفاءة البنوك الإسلامية، حيث يساهم في تحسين تجربة العملاء، وزيادة الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الشفافية، وتوسيع نطاق الخدمات المالية. فالخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهاتف المحمول، أو ما يُعرف بـ”الأونلاين بانكينغ”، تتيح للزبائن إجراء معاملاتهم المالية في أي وقت ومن أي مكان، مما يوفر راحة ومرونة غير مسبوقة مقارنة بالنظام التقليدي. كما أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة يمكّن من تقديم خدمات مصرفية مخصصة تلبي احتياجات العملاء بدقة أكبر.
على مستوى التشغيل، تسهم الأتمتة في تقليل الأخطاء البشرية وتسريع العمليات، سواء في دراسة ملفات التمويل، أو الموافقات على القروض، أو حتى إدارة الحسابات. كذلك، يساعد التحول الرقمي في تقليل التكاليف التشغيلية، حيث يمكن للبنوك تقليص عدد الفروع المادية والاستعانة بالحلول الرقمية لتنفيذ العديد من المهام التي كانت تتطلب سابقًا تدخلًا بشريًا مباشرًا. في بعض البنوك الإسلامية، أصبح بإمكان موظف واحد تنفيذ مهام كانت تحتاج إلى عدة موظفين، مما خفّض التكاليف ورفع الكفاءة.
أما من ناحية الشفافية، فتُقدّم تقنية البلوكشين حلولًا مبتكرة لضمان تسجيل المعاملات المالية بطريقة غير قابلة للتلاعب، وهو أمر في غاية الأهمية للبنوك الإسلامية التي تعتمد على مبادئ الشريعة. كما أصبح الامتثال الآلي أداة مستخدمة في بعض المؤسسات المالية الإسلامية، حيث تعتمد بعض البنوك على روبوتات المحادثة (Chatbots) لتقديم استشارات فورية حول الأحكام الشرعية للمعاملات المالية مثل المرابحة، والمضاربة، والإجارة.
يفتح التحول الرقمي المجال أمام خدمات مالية جديدة مثل التمويل الجماعي الإسلامي (Crowdfunding)، الذي يمكن أن يكون مصدر تمويل بديلًا للمؤسسات الصغيرة والناشئة التي تبحث عن حلول تمويل متوافقة مع الشريعة. كما أن تطوير منتجات جديدة مثل التكافل الرقمي والتأمين الإسلامي الإلكتروني يوفر خيارات أوسع للعملاء الراغبين في التعامل وفق النظام المالي الإسلامي دون الحاجة إلى زيارة الفروع البنكية.
من ناحية الأمان، أصبحت التقنيات البيومترية مثل بصمات الأصابع والتعرف على الوجه وسيلة فعالة لحماية حسابات العملاء، إلى جانب أنظمة التشفير المتقدمة لضمان سرية المعلومات المالية. كما يساعد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إدارة المخاطر، حيث يمكن للبنوك الإسلامية التنبؤ بالمخاطر المستقبلية واتخاذ إجراءات استباقية لحماية أموال المودعين.
ورغم كل هذه المزايا، لا تزال هناك تحديات تواجه البنوك الإسلامية في هذا المجال، من بينها الحاجة إلى بنية تحتية رقمية متطورة، وتدريب الموظفين على التعامل مع التقنيات الحديثة، وضمان الامتثال الكامل لمبادئ الشريعة في البيئة الرقمية. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام واضح: مستقبل البنوك الإسلامية مرتبط بقدرتها على تبنّي الحلول الرقمية بكفاءة، وإلا ستجد نفسها خارج المنافسة في عالم يشهد تطورًا سريعًا في التكنولوجيا المالية.
الأيام نيوز: حسب رأيك، ما أبرز التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية في الجزائر عند تبني التكنولوجيا المالية (FinTech) والرقمنة؟
عبد الرحمان نعجة العفيفي: التحول الرقمي يمثل فرصة كبيرة للبنوك الإسلامية في الجزائر، لكنه في الوقت ذاته يواجه عدة تحديات جوهرية يجب التعامل معها لضمان نجاح هذه التجربة. من بين أبرز هذه التحديات مسألة البنية التحتية التكنولوجية، حيث يبقى السؤال المطروح: هل البيئة الرقمية الحالية في الجزائر قادرة على دعم تحول رقمي شامل في القطاع المصرفي؟ في هذا السياق، هناك نقطتان أساسيتان، الأولى تتعلق بضعف البنية التحتية، إذ لا تزال بعض الأنظمة التقنية وشبكات الاتصال غير متطورة بالشكل الكافي لدعم المعاملات المالية الرقمية المتقدمة. أما النقطة الثانية فتتعلق بتكاليف التحديث، حيث يتطلب التحول الرقمي استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والبرمجيات، وهو ما قد يشكل عبئًا ماليًا على البنوك الإسلامية التي لا تزال في مرحلة النمو.
التحدي الثاني يرتبط بالإطار القانوني والتنظيمي، حيث لا تزال التشريعات الحالية غير متكيفة بالكامل مع متطلبات التكنولوجيا المالية الحديثة. صحيح أن قانون النقد والقرض الأخير أشار إلى الرقمنة والبنوك الرقمية، لكن هذه الإشارة كانت عامة وغير تفصيلية، مما يستدعي تعديلات قانونية وتنظيمية أكثر دقة لضمان إطار واضح للصيرفة الإسلامية الرقمية. إضافة إلى ذلك، فإن الامتثال الشرعي يمثل تحديًا آخر، إذ يجب أن تتوافق جميع الحلول الرقمية مع مبادئ الشريعة الإسلامية، مما يضيف مزيدًا من التعقيد في عملية تطوير المنتجات المصرفية الرقمية.
من جهة أخرى، يمثل الأمن السيبراني أحد أكبر المخاطر التي تواجه البنوك الإسلامية عند تبني التكنولوجيا المالية. مع زيادة الاعتماد على الأنظمة الرقمية، تزداد احتمالية التعرض لهجمات إلكترونية، مما يجعل حماية بيانات العملاء والمعاملات المالية أولوية قصوى. ينبغي على البنوك الاستثمار في أنظمة متطورة للأمن السيبراني لضمان سرية بيانات العملاء ومعاملاتهم، خاصة أن فقدان الثقة في الأمان الرقمي قد يؤثر سلبًا على إقبال الجزائريين على الخدمات المصرفية الإسلامية عبر الإنترنت. كما أن اكتساب الثقة الرقمية أمر حاسم، إذ يحتاج العملاء إلى الشعور بالأمان عند استخدام التطبيقات المصرفية الرقمية، مما يستدعي بناء أنظمة حماية شفافة وقوية.
أما التحدي الرابع، فهو الكفاءة التقنية، حيث تواجه البنوك الإسلامية نقصًا في الكوادر المؤهلة لإدارة وتطوير الحلول الرقمية. فالتحول الرقمي يتطلب تدريبًا وتأهيلًا مستمرًا للموظفين لضمان قدرتهم على التعامل مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، وكذلك المستجدات الفقهية المرتبطة بالمعاملات المالية الإسلامية. لذلك، من الضروري أن تستثمر البنوك في برامج تدريب مستمرة لموظفيها لضمان تكيفهم مع التحولات الرقمية.
وأخيرًا، هناك تحدٍ آخر يتمثل في الوصول إلى التكنولوجيا والتعاون مع الشركات التكنولوجية. بعض التقنيات المالية المتقدمة قد تكون غير متوفرة محليًا أو يصعب الوصول إليها بسبب القيود الجغرافية أو التشريعية. لذلك، تحتاج البنوك الإسلامية إلى تعزيز التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية الناشئة (FinTech Startups)، سواء محليًا أو دوليًا، للاستفادة من الحلول المبتكرة التي يمكن أن تسهم في تطوير خدماتها الرقمية.
لمواجهة هذه التحديات، تحتاج البنوك الإسلامية في الجزائر إلى استراتيجية متكاملة تشمل الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية، وتطوير التشريعات المنظمة للتمويل الإسلامي الرقمي، وتعزيز الأمن السيبراني، وتدريب الكوادر البشرية، وزيادة وعي العملاء بأهمية التحول الرقمي في القطاع المصرفي الإسلامي. كما أن التعاون بين البنوك الإسلامية، الحكومة، وشركات التكنولوجيا يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تسهيل وتسريع هذه العملية، وجعل الصيرفة الإسلامية الرقمية خيارًا حقيقيًا وموثوقًا للعملاء الجزائريين.
الأيام نيوز: كيف يمكن توظيف التقنيات الحديثة لضمان الامتثال لأحكام الشريعة وتعزيز الشفافية في الصيرفة الإسلامية؟
عبد الرحمان نعجة العفيفي: لا شك أن توظيف التكنولوجيا الحديثة يمكن أن يسهم بشكل كبير في ضمان الامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية وتعزيز الشفافية في الصيرفة الإسلامية. هناك عدة تقنيات يمكن الاستفادة منها لتحقيق هذا الهدف، وأبرزها تقنية البلوكشين، التي توفر ميزة الشفافية المطلقة من خلال تسجيل جميع المعاملات المالية في سجل رقمي غير قابل للتغيير. هذه الميزة تقلل من فرص التلاعب أو التحايل في العمليات المصرفية، كما توفر إمكانية التتبع التاريخي للمعاملات، مما يسهل عمليات التدقيق الشرعي والتأكد من امتثالها للشريعة الإسلامية. إلى جانب ذلك، فإن العقود الذكية القائمة على البلوكشين يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في ضمان تنفيذ المعاملات المالية وفق الشروط الشرعية المحددة مسبقًا، حيث يتم برمجتها لتنفيذ العمليات تلقائيًا بمجرد استيفاء الشروط، مما يلغي الحاجة إلى التدخل البشري ويقلل من مخاطر الأخطاء أو التلاعب.
تقنية أخرى مهمة هي التعلم الآلي (Machine Learning) والذكاء الاصطناعي، حيث يمكن استخدامها في المراجعة الشرعية للمعاملات المالية، من خلال فحص عمليات التمويل والتأكد من توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية بشكل أسرع وأكثر دقة. كما يمكن لهذه التقنية أن تساعد في الكشف عن المخالفات الشرعية، إذ يتم تدريب الأنظمة الذكية على التعرف على الأنماط غير المتوافقة مع المعاملات الإسلامية، مما يسهل اكتشاف أي شبهات شرعية قد تنشأ أثناء تنفيذ العمليات المصرفية.
من جانب آخر، توفر الحوسبة السحابية (Cloud Computing) إمكانية الوصول الفوري إلى البيانات المالية، مما يسهم في تعزيز الشفافية ويسهل عمليات التدقيق والمراجعة الشرعية، خاصة مع تزايد حجم المعاملات المالية الإسلامية. إضافة إلى ذلك، تساعد الحوسبة السحابية على تقليل التكاليف التشغيلية، حيث تتيح للبنوك الإسلامية إدارة بياناتها بكفاءة دون الحاجة إلى بنية تحتية مكلفة.
أما تحليل البيانات الضخمة (Big Data Analysis)، فيمكن البنوك الإسلامية من دراسة أنماط المعاملات المالية والكشف عن أي مخالفات محتملة، مما يعزز من قدرتها على التكيف مع متطلبات الشريعة الإسلامية وتقديم خدمات أكثر تخصيصًا وفق احتياجات العملاء. فمن خلال هذه التقنية، يمكن التمييز بين العملاء الجادين في طلب التمويل الإسلامي وبين من يملؤون الاستمارات بشكل عشوائي، مما يعزز من كفاءة البنوك في تقديم خدمات تمويلية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وفيما يخص التطبيقات المصرفية الإسلامية، فإن تطوير تطبيقات متخصصة في التمويل الإسلامي يمكن أن يسهل وصول العملاء إلى الخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة، مثل التمويل الجماعي الإسلامي (Islamic Crowdfunding)، وحسابات التوفير الإسلامية، وخدمات تحويل الأموال وفق الأحكام الشرعية. كما يمكن لهذه التطبيقات أن تلعب دورًا في توعية العملاء وتعريفهم بكيفية استخدام المنتجات المالية الإسلامية بشكل صحيح، وذلك من خلال نشر مقاطع توعوية قصيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام.
من جهة أخرى، تسهم أنظمة إدارة المخاطر (Risk Management Systems) في ضمان تنفيذ المعاملات المصرفية وفق أحكام الشريعة، حيث تساعد في رصد أي مخالفات محتملة واتخاذ التدابير المناسبة لمعالجتها قبل أن تتفاقم. كما أن التحليلات التنبؤية يمكن أن تستخدم للتنبؤ بالمخاطر المستقبلية، مما يسمح للبنوك الإسلامية باتخاذ إجراءات وقائية في الوقت المناسب.
وأخيرًا، فإن التعاون مع الهيئات الشرعية المختصة مثل المجلس الإسلامي الأعلى وهيئات الفتوى يمكن أن يعزز من مصداقية الخدمات المصرفية الإسلامية، حيث يمكن إدماج استشارات شرعية مباشرة ضمن التطبيقات المصرفية، مما يسمح للعملاء بالحصول على إجابات فورية حول الأحكام الشرعية المرتبطة بالمعاملات المالية.
إجمالًا، فإن توظيف هذه التقنيات الحديثة يمكن أن يسهم في تعزيز قدرة البنوك الإسلامية على الامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية وتحقيق مستويات أعلى من الشفافية والثقة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المبادرات يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية التكنولوجية، وتدريب الموظفين، وتطوير تشريعات مصرفية تواكب هذه التطورات، لضمان تحول رقمي يتماشى مع مبادئ الصيرفة الإسلامية.
الأيام نيوز: ما الخطوات العملية التي يجب على البنوك الإسلامية اتخاذها لتحقيق تحول رقمي ناجح دون الإخلال بالمبادئ الشرعية؟
عبد الرحمان نعجة العفيفي: لتحقيق تحول رقمي ناجح دون الإخلال بالمبادئ الشرعية، يجب على البنوك الإسلامية اتباع نهج متكامل ومدروس يأخذ في الاعتبار الجوانب التكنولوجية والشرعية معًا. أولى الخطوات الأساسية في هذا المسار هي تقييم الوضع الحالي للبنك من حيث بنيته التكنولوجية، وتحديد نقاط القوة والضعف، بالإضافة إلى تحليل البيئة الداخلية والخارجية من خلال نموذج SWOT لتحديد الفرص المتاحة والتحديات المحتملة. يشمل هذا التقييم مراجعة العمليات المصرفية القائمة وتحليلها لمعرفة المجالات التي يمكن تحسينها باستخدام الحلول الرقمية.
بعد التقييم، تأتي مرحلة تطوير استراتيجية رقمية شاملة، والتي يجب أن ترتكز على تحديد أهداف واضحة مثل تحسين تجربة العملاء وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتطوير منتجات جديدة متوافقة مع الشريعة الإسلامية. هذه الاستراتيجية ينبغي أن تتضمن خطة زمنية واقعية تحدد مراحل التنفيذ، الأدوات المستخدمة، والفرق المكلفة بالإشراف على التحول الرقمي.
أما على المستوى التقني، فإن الخطوة التالية تتمثل في الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية، سواء من خلال تحديث الأنظمة الحالية أو استبدالها بمنصات أكثر تطورًا تدعم الخدمات المصرفية الرقمية. من الضروري أيضًا ضمان أن جميع الأنظمة الجديدة متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، سواء في آليات التشغيل أوفي المنتجات المالية التي تقدمها البنوك الإسلامية.
إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل أهمية تعزيز الأمان السيبراني، وهو أحد التحديات الكبرى التي تواجه البنوك الرقمية. حماية بيانات العملاء والمعاملات المصرفية تتطلب اعتماد أنظمة تشفير متقدمة، وتطوير بروتوكولات أمنية قوية لمنع عمليات القرصنة واختراق الحسابات. كما يجب تدريب الموظفين على أفضل الممارسات الأمنية لضمان التزامهم بمعايير الحماية الإلكترونية، مع توعيتهم بكيفية تحقيق التوازن بين التطور الرقمي والامتثال للمبادئ الشرعية.
ومن الخطوات العملية المهمة أيضًا توعية العملاء حول الخدمات الرقمية الإسلامية، فنجاح أي تحول رقمي يعتمد على مدى تفهم العملاء لاستخدام التكنولوجيا المصرفية الجديدة. يجب أن تقوم البنوك بحملات توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاتها الرقمية لتعريف العملاء بمزايا هذه الخدمات وكيفية استخدامها بأمان وكفاءة. كما ينبغي توفير دعم فني متكامل لمساعدة العملاء في حال واجهوا أي صعوبات أثناء التعامل مع التطبيقات المصرفية الرقمية.
وأخيرًا، لا بد من المراقبة المستمرة والتقييم الدوري لضمان نجاح عملية التحول الرقمي. يشمل ذلك قياس أداء الأنظمة الرقمية وتحديد المشكلات المحتملة، وإجراء تحديثات دورية للبرمجيات والتقنيات المستخدمة لضمان بقائها فعالة وآمنة. فالبنوك الإسلامية مطالبة ليس فقط بالتحول الرقمي، وإنما بالتأكد من أن هذا التحول يتم بطريقة تتماشى مع القيم الشرعية، وتحقق أعلى معايير الكفاءة والشفافية.
في المحصلة، تحقيق تحول رقمي ناجح في البنوك الإسلامية يتطلب استثمارات ذكية في تطوير البنية التحتية، وتحديث التشريعات، وتدريب الكوادر البشرية، وتعزيز ثقة العملاء، ليكون هذا التحول الرقمي أداة لتعزيز الشمول المالي الإسلامي وتحقيق الاستدامة المصرفية في الجزائر.

هل تحتاج البنوك الإسلامية إلى إصلاحات تشريعية ؟
يرى الأستاذ حابي عبد اللطيف، أستاذ الاقتصاد بجامعة تلمسان، في حوار مع “الأيام نيوز”، أن البنوك الإسلامية في الجزائر تواجه تحديات قانونية وتنظيمية تعيق تطورها، رغم صدور القانون النقدي والمصرفي الجديد. وأوضح أن غياب هيئة شرعية وطنية مستقلة، وازدواجية الضرائب على العقود الإسلامية، وعدم توفر أدوات مالية مثل الصكوك ونوافذ إعادة التمويل الإسلامي، كلها عوامل تحدّ من قدرة هذه البنوك على المنافسة مع البنوك التقليدية. كما أشار إلى أن ضعف الثقافة المصرفية الإسلامية ونقص الكفاءات المتخصصة يؤثران على جودة الخدمات المقدمة، مما يستدعي تطوير برامج تدريبية وتعزيز الوعي بالصيرفة الإسلامية. وعلى صعيد الرقمنة، شدد على أن البنوك الإسلامية بحاجة إلى استثمارات كبيرة في التكنولوجيا المالية لمواكبة التحول الرقمي دون الإخلال بأحكام الشريعة. وأكد أن تجاوز هذه العقبات يتطلب إصلاحات تشريعية، واستحداث منتجات مالية مبتكرة، وتحفيز الاستثمار في القطاع، لضمان استدامة ونمو الصيرفة الإسلامية في الجزائر.
الأيام نيوز: ما أبرز التحديات القانونية والتنظيمية التي تعيق تطور البنوك الإسلامية في الجزائر؟
حابي عبد اللطيف: رغم أن إصدار القانون رقم 23-09 المتعلق بالقانون النقدي والمصرفي في 21 يونيو 2023، والذي يهدف إلى تكييف النظام المصرفي مع التحولات الاقتصادية والمالية، وتوفير إطار قانوني وتنظيمي ملائم للبنوك الإسلامية، يمثل خطوة إيجابية نحو تنظيم ودعم الصيرفة الإسلامية، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى تفاصيل تطبيقية واضحة لضمان فعالية التنفيذ. كما أن تطوير بيئة مالية متكاملة تشمل البنوك الإسلامية، وإصدار الصكوك، وتفعيل الأسواق المالية الإسلامية، وإيجاد آليات لإعادة التمويل، يعدّ ضروريًا لضمان نجاح هذا القطاع وتوسّعه في الجزائر.
ومع ذلك، لا تزال البنوك الإسلامية تواجه تحديات قانونية وتنظيمية تعيق تطورها، رغم صدور القانون الجديد. من أبرز هذه التحديات غياب هيئة شرعية وطنية مستقلة تُشرف على تنظيم القطاع وتوحيد المعايير الشرعية، مما قد يؤدي إلى تباين الفتاوى بين البنوك، إضافةً إلى عدم وضوح اللوائح التفصيلية التي تحدد آليات الامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية.
كما تعاني البنوك الإسلامية من صعوبة الوصول إلى السيولة بسبب عدم توفر نوافذ إعادة تمويل متوافقة مع الشريعة، إلى جانب غياب سوق مالية إسلامية متكاملة تشمل أدوات مثل الصكوك وصناديق الاستثمار الإسلامية، مما يقلل من خيارات التمويل والاستثمار. إضافةً إلى ذلك، فإن ازدواجية الضرائب المفروضة على العقود الإسلامية تجعلها أقل تنافسية مقارنة بالقروض التقليدية، مما يحدّ من جاذبيتها لدى العملاء.
ومن بين التحديات الأخرى ضعف الثقافة المصرفية الإسلامية لدى الجمهور، ونقص الكفاءات البشرية المتخصصة في هذا المجال، مما يؤثر على جودة الخدمات المصرفية الإسلامية.
الأيام نيوز: حسب رأيك، كيف يمكن للجزائر تجاوز هذه العقبات؟
حابي عبد اللطيف: لتجاوز هذه العقبات، يجب إصدار لوائح تنظيمية تفصيلية، وتطوير أدوات مالية إسلامية جديدة، وتوفير تحفيزات جبائية تجعل المنتجات الإسلامية أكثر تنافسية، إلى جانب تعزيز الوعي بالصيرفة الإسلامية، وتطوير برامج تدريبية متخصصة، لضمان نجاح واستدامة هذا القطاع في الجزائر.
الأيام نيوز: هل تمتلك البنوك الإسلامية في الجزائر الأدوات المالية الكافية لتقديم منتجات تنافسية أمام البنوك التقليدية؟
حابي عبد اللطيف: حاليًا، لا تمتلك البنوك الإسلامية في الجزائر الأدوات المالية الكافية لتقديم منتجات تنافسية أمام البنوك التقليدية. من أبرز التحديات التي تواجهها غياب سوق مالية إسلامية متكاملة، حيث لا تتوفر أدوات استثمارية مثل الصكوك وصناديق الاستثمار الإسلامية، مما يحدّ من قدرتها على التمويل وإدارة السيولة. كما تعاني من غياب نوافذ إعادة التمويل الإسلامية في البنك المركزي، ما يجعلها أقل قدرة على مواجهة الأزمات المالية مقارنة بالبنوك التقليدية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ازدواجية الضرائب على العقود الإسلامية تجعل التمويلات الإسلامية أكثر كلفة وأقل جاذبية. كما أن محدودية المنتجات المصرفية الإسلامية، التي تقتصر غالبًا على المرابحة والإجارة، مع غياب التمويلات المبتكرة مثل السلم والاستصناع والتورق، تشكل عائقًا آخر أمام قدرتها على المنافسة. يضاف إلى ذلك ضعف الثقافة المصرفية الإسلامية ونقص الكفاءات المتخصصة، مما يؤثر على جودة الخدمات المقدمة.
ولتجاوز هذه العقبات، يجب إصدار صكوك إسلامية، وإنشاء نوافذ لإعادة التمويل، مع تعديل النظام الضريبي، وتطوير منتجات مالية جديدة، وتعزيز التوعية بالصيرفة الإسلامية لضمان قدرتها على المنافسة في السوق المصرفية الجزائرية.
الأيام نيوز: إلى أي مدى يؤثر غياب الوعي المالي حول الصيرفة الإسلامية على توسع هذا القطاع في الجزائر؟
حابي عبد اللطيف: يؤثر غياب الوعي المالي حول الصيرفة الإسلامية بشكل كبير على توسع هذا القطاع في الجزائر، حيث يؤدي إلى ضعف الإقبال على المنتجات الإسلامية بسبب عدم فهم العملاء لطبيعتها ومزاياها مقارنة بالقروض التقليدية. كما أن نقص الثقافة المصرفية الإسلامية يولد شكوكًا حول مدى التزام البنوك بأحكام الشريعة، مما يحدّ من ثقة المستثمرين والأفراد.
بالإضافة إلى ذلك، يعيق هذا الضعف تطوير المنتجات والخدمات المالية الإسلامية، ويجعل البنوك الإسلامية أقل قدرة على المنافسة مع المصارف التقليدية. كما أن غياب حملات التوعية الفعالة يؤثر على انتشار الصيرفة الإسلامية في السوق الجزائري.
ولتجاوز هذه العقبة، يجب تعزيز الثقافة المالية الإسلامية من خلال الإعلام، والمناهج الدراسية، وبرامج تدريبية متخصصة، لضمان توسيع هذا القطاع وزيادة إقبال العملاء عليه.
الأيام نيوز: ما التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية في الجزائر في مجال الرقمنة والتكنولوجيا المالية؟
حابي عبد اللطيف: تواجه البنوك الإسلامية في الجزائر تحديات كبيرة في مجال الرقمنة والتكنولوجيا المالية، مما يحدّ من قدرتها على تقديم خدمات رقمية تنافسية. من أبرز هذه التحديات ضعف البنية التحتية الرقمية، حيث لا تزال تفتقر إلى أنظمة إلكترونية متكاملة تتيح المعاملات عبر الإنترنت. كما تعاني من غياب حلول دفع إلكترونية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يجعلها أقل قدرة على تقديم خدمات مثل المحافظ الرقمية والتحويلات السريعة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في الكفاءات المتخصصة في التكنولوجيا المالية الإسلامية، ما يؤدي إلى بطء التحول الرقمي. كما يمثل الامتثال الشرعي للخدمات الرقمية تحديًا، حيث يجب تطوير حلول تكنولوجية دون مخالفة أحكام الشريعة. كذلك، فإن ضعف التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية (Fintech) يعيق الابتكار في هذا المجال.
ولتجاوز هذه العقبات، يجب تعزيز الاستثمار في التحول الرقمي، وتطوير حلول مالية إسلامية رقمية، مع تحسين التدريب المتخصص، وتحديث الإطار القانوني لدعم الابتكار في الصيرفة الإسلامية الرقمية.
الأيام نيوز: كسؤال أخير، كيف يمكن للبنوك الإسلامية في الجزائر تجاوز تحديات التمويل وجذب الاستثمارات لضمان استدامتها ونموها؟
حابي عبد اللطيف: لتجاوز تحديات التمويل وجذب الاستثمارات، تحتاج البنوك الإسلامية في الجزائر إلى تبني استراتيجيات فعالة لضمان استدامتها ونموها.
أولًا، ينبغي تطوير سوق الصكوك الإسلامية كبديل عن السندات التقليدية، مما يتيح جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. كما أن إنشاء نوافذ لإعادة التمويل الإسلامي عبر البنك المركزي سيمكّن البنوك الإسلامية من الحصول على السيولة دون اللجوء إلى الأدوات الربوية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تحسين البيئة الاستثمارية من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية وتقديم حوافز ضريبية سيعزز من جاذبية التمويل الإسلامي. ويمكن أيضًا استغلال التكنولوجيا المالية الإسلامية عبر تطوير منصات التمويل الجماعي الإسلامي والخدمات المصرفية الرقمية، ما يسهم في توسيع قاعدة المستثمرين.
علاوة على ذلك، فإن تعزيز الثقافة المالية الإسلامية من خلال حملات توعية واسعة النطاق سيزيد من ثقة العملاء والمستثمرين في هذا النموذج المصرفي. وأخيرًا، فإن تعزيز الشراكات مع الشركات الاستثمارية وصناديق التمويل الإسلامية سيفتح آفاقًا جديدة للتمويل ويوفر مصادر إضافية لرأس المال، مما يضمن استدامة ونمو البنوك الإسلامية في السوق الجزائري.

ازدواجية الضرائب ونقص السيولة.. أبرز معوقات الصيرفة الإسلامية
أكد الأستاذ عبد السلام هلال، المتخصص في الإحصاء والاقتصاد، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن الصيرفة الإسلامية في الجزائر تشهد نموًا مطردًا، مما يعكس تزايد ثقة المواطنين في هذا النموذج المصرفي. لكنه شدد على أن هذا التوسع يرافقه عدد من التحديات التي تستوجب المعالجة لضمان استدامة القطاع وتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن البيانات الإحصائية المتاحة تكشف عن تطور ملحوظ في البنوك الإسلامية، سواء من حيث حجم الودائع أو التمويلات الممنوحة، ما يؤكد فعالية هذا النموذج وقدرته على تلبية احتياجات شريحة واسعة من الجزائريين الباحثين عن حلول مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وأوضح هلال أن الأرقام المسجلة تعكس إقبالًا متزايدًا على المنتجات المصرفية الإسلامية، حيث بلغ إجمالي الودائع في البنوك الإسلامية بالجزائر أكثر من 817 مليار دينار جزائري منذ عام 2020 وحتى سبتمبر 2024، فيما تجاوزت قيمة التمويلات الممنوحة 437 مليار دينار للشركات و68 مليار دينار للخواص. كما أن عدد الحسابات المصرفية الإسلامية المفتوحة في البنوك تجاوز 745 ألف حساب، ما يعكس توسعًا ملحوظًا في قاعدة العملاء.
وأضاف أن هذه الأرقام تعكس نجاح السياسات الحكومية في دعم هذا القطاع، سواء من خلال استحداث نوافذ للصيرفة الإسلامية داخل البنوك التقليدية أو عبر تقديم حوافز تشجيعية لاستقطاب مزيد من العملاء. وأوضح أن عدد البنوك التي تقدم خدمات الصيرفة الإسلامية في الجزائر بلغ 12 بنكًا، منها 6 بنوك عمومية و6 بنوك خاصة، في حين وصل عدد النوافذ والوكالات المصرفية الإسلامية إلى 861 فرعًا، ما يؤكد أن هذا القطاع أصبح ركيزة أساسية في المنظومة المصرفية الوطنية.
الصيرفة الإسلامية… دور حيوي في تحقيق الشمول المالي
أشار هلال إلى أن الصيرفة الإسلامية تلعب دورًا حيويًا في تحقيق الشمول المالي، خاصة من خلال استقطاب فئات لم تكن تتعامل مع البنوك التقليدية، مما ينسجم مع التوجهات الاقتصادية للجزائر الهادفة إلى تعزيز التنمية المالية المستدامة.
وأكد أن التحليل الإحصائي يُظهر أن البنوك الإسلامية تسهم بشكل مباشر في رفع معدلات الادخار والاستثمار، وتعزيز إدماج الفئات غير المتعاملة مع النظام المصرفي. ويمكن قياس هذا التأثير من خلال مقارنة معدلات الادخار والتمويل بين البنوك الإسلامية والتقليدية، وتحليل أثر ذلك على حجم العمليات المصرفية الرسمية، مما يوفر رؤية أكثر دقة حول تأثير الصيرفة الإسلامية على الاقتصاد الكلي.
وشدد على أن تطوير أدوات تحليلية قائمة على البيانات الاقتصادية والإحصائية يمكن أن يوفر تصورًا أعمق حول فعالية الصيرفة الإسلامية، ويساعد في اقتراح سياسات مصرفية أكثر كفاءة لتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
التحديات القانونية والتشغيلية.. عوائق أمام المنافسة
ورغم هذا النجاح، أوضح هلال أن الصيرفة الإسلامية في الجزائر لا تزال تواجه بعض العقبات التي تعيق قدرتها على المنافسة مع البنوك التقليدية. ومن أبرز هذه التحديات غياب سوق مالية إسلامية متكاملة، مما يحدّ من قدرة البنوك الإسلامية على إيجاد خيارات تمويل واستثمار متوافقة مع الشريعة.
كما أشار إلى أن ازدواجية الضرائب المفروضة على العقود الإسلامية تجعل التمويلات الإسلامية أكثر كلفة وأقل جاذبية مقارنة بالقروض التقليدية، مما قد يحدّ من انتشار هذا النوع من الخدمات. وأضاف أن البنوك الإسلامية تواجه صعوبات في الوصول إلى السيولة بسبب عدم توفر نوافذ إعادة تمويل إسلامية عبر البنك المركزي، ما يجعلها أقل قدرة على مواجهة الأزمات المالية مقارنة بالبنوك التقليدية التي تستفيد من أدوات مالية متعددة.
وأشار إلى أن نقص الكفاءات البشرية المتخصصة في الصيرفة الإسلامية يشكل تحديًا إضافيًا أمام تطوير هذا القطاع، إذ يتطلب تدريبًا وتأهيلًا مستمرين لضمان تقديم خدمات مصرفية إسلامية ذات جودة عالية.
التكنولوجيا المالية… دور هام لتعزيز تنافسية الصيرفة الإسلامية
وفيما يتعلق بمستقبل الصيرفة الإسلامية في الجزائر، أكد هلال أن التكامل مع التكنولوجيا المالية يعدّ خطوة ضرورية لتعزيز كفاءة المعاملات المصرفية وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية الإسلامية. وأوضح أن البيانات تشير إلى ارتفاع كبير في استخدام الدفع الإلكتروني في الجزائر، حيث تم تسجيل أكثر من 4.5 مليون معاملة بقيمة تقارب 36 مليار دينار جزائري حتى منتصف 2024، فيما تجاوزت المدفوعات عبر الإنترنت 14.8 مليون معاملة بقيمة تقارب 39 مليار دينار حتى أكتوبر 2024.
وأكد أن هذه الأرقام تعكس الحاجة إلى إدماج الصيرفة الإسلامية بشكل أكبر في مجال التكنولوجيا المالية، من خلال تطوير تطبيقات مصرفية إسلامية وتوسيع نطاق حلول الدفع الرقمية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. كما أشار إلى أن تعزيز التعاون بين البنوك الإسلامية وشركات التكنولوجيا المالية (FinTech) يمكن أن يسهم في ابتكار منتجات مالية جديدة تزيد من جاذبية هذا القطاع، وتساعده على المنافسة مع البنوك التقليدية.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن الصيرفة الإسلامية في الجزائر تمتلك فرصًا كبيرة للنمو، لكنها تحتاج إلى استراتيجية أكثر تكاملًا تشمل تحديث التشريعات، وتطوير المنتجات المالية، وتعزيز الشراكات مع الشركات التكنولوجية لضمان استدامتها وتحقيق أقصى استفادة من إمكانياتها في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.