“عرفته يمنيا في تلفتهّ خوف.. وعيناه تاريخ من الرمد”.. هكذا قال الشاعر «البردوني» ذات قصيدة، لكننا لو أسقطنا مميزات شخصية الإنسان اليمني على عشق القهوة إلى حدّ التلبّس بها، لتراءى لنا على صورة القهوة فطرة اليمني الذي تلمع في عينيه حبات البُنّ ذات اللون الداكن.
ارتبط اليمني بالقهوة، وارتبطت القهوة باليمن في علاقة لا يمكن فصل أحدهما على الآخر، وهذا ـ بالضبط ـ ما تقوله اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تغريدة لها: “لم يحبّ القهوة أحد مثل اليمني، ففي الصباح يتناول مشروب حبوبها، وفي المساء يتناول مغلّي قشورها، ويخطّط لأفراحه فور موسم حصادها”، وأضافت اللجنة، في يوم القهوة العالمي يدين العالم بالشكر لليمني محب القهوة.
موطن القهوة
يظنّ البعض ـ حتى هذه اللحظة ـ أن الموطن الأول للقهوة هو أثيوبيا بينما الحقيقة تسرد عكس ذلك، إذ ورد في كتاب بريطاني «هينز» أنّ الموطن الأول للقهوة هو اليمن، ويذكر الكتاب أن بريطانيا نقلت زراعة البنّ من اليمن إلى بعض ممالك القرن الإفريقي لمنافسة السلطنة العثمانيّة في القرن الـ19.
وكانت القهوة تعرف باسم «المخا» (وهي منطقة تقع في أطراف محافظة تعز) ثم عرفت بعد إبرام عديد الصفقات للهولنديين باسمها المشهور حاليا «موكا».
الجدير بالذكر أن البُنّ اليمني يُزرع في محافظات عديدة، منها صنعاء، وعمران، والحديدة، وذمار، وإب، والمحويت، وريمة، وتعز، وصعدة، ويافع، وحجة، ولحج، وأبين.
ثورة البُنّ
استضافت صنعاء مهرجان «ثورة البُنّ» في الذكرى الأولى لها بالتزامن مع اليوم العالمي للقهوة، في خطوة تهدف إلى إنعاش إنتاج البُنّ من جديد، وتشجيع المزارع اليمني لاسيما في سنوات الحرب التي شهد إنتاج البُنّ فيه تراجعا ملحوظا.
المهرجان الذي تطلقه وحدة البُنّ في اللجنة الزراعية والسمكية العليا وبالتعاون مع وزارة الزراعة والري تحت شعار “تنمية وحماية البُنّ مسؤوليتنا جميعًا”، شمل العديد من رواد البُنّ اليمني وتجّاره المشهورين، بهدف استعادة مكانة البُنّ اليمني التاريخية والنهوض به ليكون رافداً أساسيا للاقتصاد اليمني، هكذا تحدّث الدكتور رضوان الرباعي نائب وزير الزراعة والري لـ«الأيام».
ويقول الرباعي: “نعمل بوزارة الزراعة وبالشراكة مع «اللجنة الزراعية والسمكية العليا»، وغيرها من جهات الاستثمار على إنعاش تجارة البُنّ، وتذكير العالم بمكانة اليمني، كم أصدرنا قرارا بمنع استيراد البُنّ الخارجي في خطوة لتشجيع المزارع اليمني، وتغطية السوق المحلي من البُنّ اليمني كونها أجود أنواع البُنّ، لإضافة لإعادة مكانته عن طريق التصدير وإقامة خطّة تسويقية له عالميا وليس على مستوى محلّي فقط”.
صحوة مجتمعية..
من جهته قال أحمد عثمان أحد ملاك الكافيهات بصنعاء لـ«الأيام»: “يتيح المهرجان الذي ينظم في صنعاء كل عام فرصة التسويق والمنافسة في السوق المحلية، وهو محطّة تشجيعية للمزار والتجار والمستثمرين وحلقة وصل بينهم وبين كافة أبناء الوطن”.
فيما تقول زمزم عبد الرحمن إحدى متذوقات البُنّ لـ«الأيام»: “مهرجان ثورة البُنّ الذي جمع المتذوقين والتجار والمستثمرين والجهات الحكومية في مكان واحد، ولمدة ثلاثة أيام لها إيجابيات كثيرة أهمها عودة اليمني لمجده وتاريخه، ومحطة تجعل اليمني أكثر تماسكا وإدراكا للتحديّات التي تواجه هذه الشجرة من حيث الانتشار الواسع لشجرة القات إضافة لضياع أصلها وتاريخها في الأوساط العالمية التي تجهل أصل حكاية البُنّ، وتتجاهل اليمني كتاريخ عريق”.
وتشير زمزم إلى “أهمية مكافحة مهربي البُنّ إلى اليمن، والعمل على تتبعهم إضافة إلى تذليل العقبات أمام زراعة وتسويق وتصدير البُنّ اليمني إلى مختلف المزارعين دفعا للاقتصاد اليمني والحفاظ على هذه الشجرة التي نسبت لليمنيين واليمن منذ عقود مضت”.
وفي ذات السياق، أقيم أول مهرجان فني للبُنّ الحمادي جنوبي مدينة تعز، إذ انتشرت صورا عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحقول البُنّ والمهرجان الذي أقيم وسط هذه الحقول شاسعة الامتداد، وهو ما يراه ناشطون صحوة مجتمعية في زمن الحرب، ودرسا يمني الانتماء يسطره أبناء الشعب بمختلف مشاربهم وتوجّهاتهم الفكرية والعسكرية.
الفعالية التي تتزامن مع اليوم العالمي للقهوة يهدف من خلالها نادي البُنّ إلى إعادة الاعتبار للبُنّ الحمادي، وتسليط الضوء على زراعة البُنّ في عُزلة بني حماد رغم التهديدات جراء نقص مياه الأمطار الموسمية وندرة المياه في المنطقة، حسب تصريح لهاشم النعماني مدير نادي البُنّ.