بينما يُواصلُ الاحتلال الصهيوني حربه الشعواء ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، يستمرُ بعض المُتواطئين من العرب وفي مقدمتهم النظام المغربي، في دعم هذا الكيان المُستبد كلما اشتد عليه الخناق عسكرياً وإعلامياً، فهو لم يكتف بالتطبيع، بل انتقل إلى الدعم المباشر والمفضوح، رغم تعالي الأصوات الحرة التي تطالب بلا هوادة بإسقاط التطبيع المشؤوم مع هذا الكيان المجرم الذي يبث الموت ويصنع الخراب أينما حل.
وفي هذا السياق، سمحت سلطات المخزن برسو سفينة أمريكية بميناء طنجة مساء الجمعة 8 نوفمبر الجاري، يُشتبه في حملها أسلحة متوجهة إلى “إسرائيل”، وذلك بالتزامن مع استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أزيد من عام.
إسبانيا ترفض… والمخزن يسمح برسو سفينة الكيان المحملة بالأسلحة
والجدل حول السفينة بدأ عندما صدرت تصريحات إسبانية، الخميس 7 نوفمبر 2024، تُفيد بأن سفينتين تحمل إحداهما اسم “ميرسك دنفر” غادرت نيويورك بتاريخ 31 أكتوبر الماضي، بينما تحمل الثانية اسم “ميرسك سيلتار” والتي غادرت المدينة ذاتها الثلاثاء 5 نوفمبر الجاري أنهما “لن تتوقفا في إسبانيا”، وهو ما جعل هيئات المجتمع المدني تتوقع تحويل مسارهما إلى مدينة طنجة، خاصة مع اقتراب إحداهما من مضيق جبل طارق في اليوم الموالي.
وكانت الحكومة الإسبانية قد رفضت السماح لسفينتي شحن قادمتين من الولايات المتحدة، ومشتبه في نقلهما أسلحة إلى “إسرائيل”، بالرسو في موانئها.
وكان النائب الإسباني إنريكي سانتياغو قد طالب المدعي العام باتخاذ إجراءات لمنع دخول السفينتين، اللتين كان من المتوقع وصولهما إلى ميناء الجزيرة الخضراء في 9 و14 من الشهر الجاري، محذراً من أن دخولهما يشكل انتهاكاً للقانون الجنائي الإسباني.
منظمات وجمعيات تندد وتحذر
فور إعلان إسبانيا قرار منع السفينتين المذكورتين، أصدرت حركة:” مقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليه (BDS)” بياناً تدعو فيه السلطات المغربية إلى أن “تحذو حذو نظيرتها الإسبانية التي منعت السفينتين من الرسو في موانئها”، ورفض استقبالهما في أي ميناء مغربي للاشتباه في “حملهما شحنة عسكرية غير قانونية إلى “إسرائيل” أثناء الإبادة الجماعية المستمرة والاحتلال غير القانوني”.
وقالت الحركة في بيان لها: “إن سفينة ميرسك دنفر، التي رست في طنجة مساء الجمعة 8 نوفمبر الجاري، تعدّ جزءاً من أسطول ميرسك الذي يحمل إمدادات عسكرية إلى إسرائيل”، مشيرة إلى أنه “يشتبه بشكل معقول في أنها تحمل شحنة عسكرية أمريكية غير قانونية متجهة إلى إسرائيل”.
ودعت إلى التحقيق الفوري في قضية السفينة وحمولتها الحالية “والكشف عن نتائج التحقيق علناً مع اتخاذ كافة التدابير المتاحة لضمان عدم وصول أي إمدادات عسكرية أو مواد ذات استخدام مزدوج إلى إسرائيل”، بينما طلب حزب العدالة والتنمية من السلطات تقديم التوضيحات اللازمة للرأي العام بخصوص الموضوع.
من جانبها، أدانت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين ما اعتبرته دعما مغربيا رسميا للإرهاب الصهيوني بتمكين سفينة الاحتلال الحربية من التزود بالإمدادات في ميناء طنجة المتوسط.
وأكدت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع في بلاغ لها السبت 9 نوفمبر الجاري، أن السفينة الأمريكية “مارسك دنفر”، التي يشتبه في نقلها أسلحة موجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي رست في ساعات متأخرة من ليلة الجمعة 8 نوفمبر الجاري بميناء طنجة المتوسط، استنادا إلى معطيات يوفرها موقع “مارين ترافيك” (Marinetraffic) الخاص بتتبع حركة السفن.
وتابعت الجبهة في بيانها: “على عكس السلطات الإسبانية، تجاهلت السلطات المغربية جميع النداءات من مختلف الجهات وتحذير جبهتنا المغربية القوي لها بعدم استقبال السفينة “مارسك دنفر” والسماح لها بالرسو في ميناء طنجة الذي وصلته منتصف ليلة 9 نوفمبر 2024، هذه السفينة المحملة بشحنات من الأسلحة، ستفرغ حمولتها في سفينة أخرى ستواصل الرحلة نحو ميناء مدينة حيفا المحتلة”.
ورأت الجبهة أن “السلطات المغربية بهذا السماح تكون قد تواطأت مع الولايات المتحدة الأمريكية مصدر هذه الأسلحة ومع “جيش” العدو الصهيوني منفذ حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والعدوان الوحشي على لبنان”.
وأضافت: “لقد أكدت السلطات المغربية من خلال هذا القرار اختيارها الوقوف إلى جانب العدو وقد اتضح زيف الخطاب الرسمي الذي يدعي أن التطبيع مع كيان الاحتلال والأبارتهايد لا يتناقض مع دعم الشعب الفلسطيني”.
واعتبرت الجبهة أن “هذا الإجراء وصمة عار على النظام المغربي لكونه تشجيعا لكيان الاحتلال على المزيد من الإبادة والعدوان واستخفافا بموقف الشعب المغربي وانتهاكا صارخا لقرارات هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، والمشاركة في جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني”.
وكانت الجبهة قد وجهت نداء للعمال وكافة المستخدمين بالميناء برفض تفريغ وشحن هذه الأسلحة، ودعت للاحتجاج على هذه الجريمة النكراء التي تساهم في إبادة الشعب الفلسطيني.
إلى ذلك، استنكرت “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، موقف السلطات المغربية الذي يأتي “ضداً على إرادة الشعب المغربي” المساند دوماً للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في مواجهة الاحتلال الصهيوني الوحشي وشركائه وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية، ودعت المسؤولين المغاربة لتحمل مسؤوليتهم بعدم السماح لسفينة العدو بالرسو في موانئ البلاد انسجاماً مع المواقف التاريخية للشعب المغربي الذي شارك مجاهدوه وأبطاله في البر والبحر من أجل تحرير القدس والأقصى، والمستمر في إسناده للمقاومة الفلسطينية في معركتها ضد الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني.
واعتبر البلاغ أن التمادي في مثل هذه المواقف المتخاذلة بمثابة تشجيع للكيان الغاصب على الاستمرار في عدوانه وإجرامه في حق الشعبين الفلسطيني واللبناني، وتحد مستفز لإرادة الشعب المغربي المساند لنضال الشعب الفلسطيني والذي ما فتئ يعبر عنه في المسيرات الوطنية والوقفات الاحتجاجية والفعاليات المتواصلة في مختلف مناطق البلاد.
كما أدانت “المبادرة المغربية للدعم والنصرة”، بأشد العبارات كل من يتحمل المسؤولية في السماح لهذه السفينة بأن ترسو بميناء طنجة المتوسطي، واعتبرت هذه الواقعة خذلاناً ووصمة عار، خاصة في ظل المجازر المروعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة ولبنان واستمراره في قتل الأطفال والنساء هناك.
وطالبت ” المبادرة المغربية” السلطات المعنية بتوضيح موقفها من هذه الجريمة النكراء والتحقيق في قضية السفينة “ميرسك دنفر” وحمولتها، والعمل على اتخاذ كافة التدابير لعدم وصول أي إمدادات عسكرية أو مواد ذات استخدام مزدوج إلى كيان الاحتلال، ومحاسبة كل المتورطين في الإساءة إلى صورة الشعب المغربي المساند دوماً لفلسطين والمنخرط في دعم معركة طوفان الأقصى منذ 7 أكتوبر 2023.
ليست الحادثة الأولى من نوعها.
تجدر الإشارة، إلى أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في المغرب، فقد عرف ميناء طنجة المتوسط هذه السنة رسو سفن إسرائيلية في فترات متفرقة، في ظل الحرب الإجرامية التي يشنها الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، حيث كشف تقرير سابق لصحيفة “غلوبس” (Globes) الإسرائيلية عن وصول سفينة الإنزال الجديدة التابعة للبحرية الإسرائيلية “INS Komemiyut”، إلى طنجة للحصول على الإمدادات، أثناء إبحارها بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”.
وأكد التقرير أن سفينة الإنزال الجديدة التابعة للبحرية الإسرائيلية، “INS Komemiyut”، التي وصلت إلى “إسرائيل” في جوان الماضي قادمة من الولايات المتحدة، وقفت في طنجة بعد الاتصال بالسلطات المغربية لتلقي الإمدادات، وفقا للمعلومات التي تلقتها “Globes” من مصادر مطلعة، ومدعومة من خلال سجلات السفينة على موقع “Vessel Finder”.
وأثناء توقف السفينة بميناء طنجة، على الطريق الطويل من باسكاجولا في المسيسيبي إلى القاعدة البحرية في حيفا، قام الطاقم بتخزين الوقود والطعام لبقية الرحلة إلى “إسرائيل”، والتي اكتملت يوم الأحد 16 جوان 2024 .
وأوضح المصدر ذاته، أنه “تم نقل الإمدادات والمعدات على متن السفينة في طنجة، وفي هذه المرحلة من الرحلة، أوقفت السفينة جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بموقعها”.
وخلص التقرير إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتوقف فيها سفن حربية إسرائيلية في موانئ مغربية، حيث يشير إلى أن أول سفينة إنزال اشترتها “إسرائيل”، والتي وصلت إلى حيفا في سبتمبر الماضي، “آي إن إس نحشون”، رست أيضًا في طريقها بالمغرب.
وفد إعلامي مغربي يزور “إسرائيل”
قبل ذلك، وفي ظل استمراره المفضوح في دعم العدو الصهيوني، قام وفد إعلامي مغربي بتاريخ 4 نوفمبر الجاري بزيارة إلى مستوطنة تل أبيب أين التقى مع أفيخاي أدرعي، الناطق الرسمي باسم “جيش” الاحتلال، الأمر الذي اعتبره كثيرون تحكما من الموساد في إعلام المخزن، فيما أشار آخرون إلى إشراف الموساد على تدريب شلة من صحفيي نظام المخزن المغربي على فنون الدعاية ونشر السموم في منطقة شمال إفريقيا لشيطنة المقاومة.
وقد أثارت هذه الزيارة التي استمرت لأيام عدة، جدلا واسعا على الساحة الإعلامية والسياسية، خاصةً وأنها تزامنت مع استمرار التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة وفي كل الأراضي المحتلة أيضاً.
جاء هذا في الوقت الذي بدأ فيه “يوسي بن دافيد” شغل منصب رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في العاصمة المغربية الرباط، حيث يعمل المكتب على تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتعاون بين المغرب والكيان الصهيوني في مجالات متعددة، بما في ذلك الإعلام والثقافة والاقتصاد.
محاولة لتغيير موقف الشعب المغربي والإعلاميين من القضية الفلسطينية
في هذا السياق، أصدرت مجموعة “إعلاميون مغاربة من أجل فلسطين وضد التطبيع” بيانا شديد اللهجة نددت فيه بهذه الزيارة، معتبرة إياها خطوة تعبّر عن “تدهور القيم الإنسانية” لدى المشاركين، وتجردهم من المبادئ النبيلة التي يجب أن تتسم بها مهنة الصحافة، وقد وصف البيان الزيارة بأنها تأتي في إطار مساعي إسرائيلية لإحداث “اختراق” في موقف الإعلاميين المغاربة من القضية الفلسطينية.
وأكدت المجموعة في بيانها على موقفها “الثابت والمبدئي” الرافض للتطبيع، مُشيرةً إلى أنه موقف يعبر عن “الأغلبية الساحقة” من الصحفيين المغاربة والعديد من الهيئات الحقوقية والنقابية والقوى الشعبية في المغرب، كما أعربت المجموعة عن دعمها المتواصل للقضية الفلسطينية التي تعتبرها قضية وطنية بامتياز.
ورأت المجموعة أن هذه الزيارة تمثل محاولة لتغيير موقف الشعب المغربي والإعلاميين من القضية الفلسطينية، وهو الموقف الذي تم التعبير عنه في العديد من المسيرات والوقفات التضامنية في المدن المغربية.
وأكدت “إعلاميون مغاربة من أجل فلسطين وضد التطبيع”، في ختام البيان، أن المشاركين في هذه الزيارة لا يمثلون الشعب المغربي أو الصحافيين المغاربة، معتبرين أن موقفهم يمثل “خذلانا” لتضحيات المغاربة الذين ناضلوا في مختلف الجبهات، بما في ذلك ساحات سيناء والجولان، دعمًا لقضايا التحرر العربي.
من جهته، كتب موقع “بديل أنفو” المغربي في مقال: “عكس التيار الشعبي العام في المغرب الذي يناصر القضية الفلسطينية ويقاطع كل ما له علاقة بالكيان الصهيوني، على خلفية حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني في غزة وامتدادها للشعب اللبناني الذي يعيش على إيقاع الإرهاب” الممارس من قبل السفاح “نتنياهو”، حل وفد من الصحافيين المغاربة لدى الكيان الصهيوني “تلبية لدعوة من اليمين المتطرف”.
كما تطرق موقع “كود” الإلكتروني إلى زيارة الوفد الإعلامي المغربي التي دامت أربعة أيام والذي يضم مجموعة من الصحافيين من القطاعين العام والخاص وعددهم ثمانية.
وامتدت نار الغضب إزاء هذه الزيارة، إلى منصات التواصل الاجتماعي من خلال تدوينات ساخطة ومنتقدة لمسار “التطبيع الإعلامي” الذي يسير فيه بعض المهنيين المحليين.
وفي هذا السياق، هاجم السياسي والناشط الحقوقي المغربي يوسف بوستة، الوفد الإعلامي، عبر تدوينة قال فيها: “وفد من الصفحجية المخاربة يتوجهون (إلى الكيان الصهيوني) من أجل التزود بـ(ما يسمى) “الشيكل”، لأن الحشيش لم يعد يعطي أي مفعول”.
ويقصد يوسف بوستة من خلال استعمال مصطلح “الصفحجية” وأيضا “المخاربة” بأن هؤلاء الصحفيين المطبعين “يمارسون التخريب، وليسوا مغاربة بمعنى الدفاع عن المبادئ التي يصونها الشعب المغربي”.
بدوره، وصف الناشط المغربي حسين مجدوبي في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، زيارة وفد صحفي مغربي إلى الكيان المحتل “بدعوة من السفاح نتنياهو الذي أغلق غزة إعلاميا وقتل” أكثر من 185 صحافي فلسطيني، بأنها “جريمة بكل المقاييس”.
المغاربة ينددون بخيانة المخزن ويطالبون بوقف مسلسل التطبيع
وأمام هذه الخرجات المُشينة التي دأب عليها المخزن، خرج الشعب المغربي، في مسيرات احتجاجية، تنديدا بالخيانة المخزنية الجديدة للشعب الفلسطيني الحر ولقضيته العادلة، خاصةً وأن الحادثتين جاءتا بالتزامن مع تصاعد الأصوات المعارضة والمنددة بتطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني.
وفي هذا الشأن، نظمت المبادرة المغربية للدعم والنصرة، وقفة احتجاجية حاشدة أمام ميناء طنجة الدولي، اعتراضًا على رسو السفينة الأمريكية “مارسك دنفر” في الميناء، فيما اعتبر المشاركون في هذه الوقفة أن السماح للسفينة بالرسو يشكل خيانة لقضية فلسطين ويهين صورة المغرب .
ورفع المحتجون في الوقفة، التي شهدت حضورًا شعبيًا كبيرًا، أعلام فلسطين ولبنان، ورددوا شعارات تندد بهذه الخطوة مشينة، مؤكدين رفضهم دخول السفينة المشبوهة إلى المياه المغربية، كما أعلنوا تضامنهم الكامل مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في ظل الجرائم المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة ولبنان.
إلى جانب ذلك، أعرب مغاربة مساندون للقضية الفلسطينية عن استيائهم الشديد من الزيارة التي قام بها وفد إعلامي مغربي إلى مستوطنة تل أبيب، والتي جاءت في ظل استمرار العدو الصهيوني في استهداف وقصف الصحفيين في قطاع غزة، من أجل إسكات صوت الحق وتزييف الحقائق والوقائع، بعدما وقف العالم أجمع على وحشية ونازية هذا الكيان الذي لطالما صدع رؤوسنا بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ظهر أخيرا أنها مجرد شعارات رنانة للاستهلاك الإعلامي لا أكثر ولا أقل.
انفصام في المغرب بين الموقف الرسمي والشعبي إزاء التطبيع
بشكلٍ متواصل ومنذ أكثر من عام، تشهد العديد من المدن المغربية لا سيما العاصمة الرباط، مظاهرات تضامنية مع قطاع غزة، يطالب فيها المشاركون بوقف الإبادة الإسرائيلية ورفع الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية، وإنهاء اتفاقية التطبيع مع تل أبيب، في تباين واضح بين الموقف الرسمي والشعبي في المغرب تجاه التطبيع.
وفي هذا السياق، شهدت 58 مدينة مغربية 114 مظاهرة، الجمعة الماضي، دعما لغزة في مواجهة حرب إبادة إسرائيلية مستمرة على القطاع لأكثر من 400 يوم.
وقالت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، في بيان لها، إن “المغاربة خرجوا للأسبوع رقم 58 للتنديد بسياسة التجويع والتهجير والتقتيل التي لازال يتعرض لها سكان القطاع وخاصة الشمال”.
وأوضحت الهيئة (غير حكومية) خروج 114 مظاهرة في 58 مدينة “لتأكيد الدعم الشعبي المغربي الذي انطلق منذ السابع من أكتوبر 2023، واستمر في كل مدن المغرب نصرة لأهل فلسطين وتنديدا باستهداف المدنيين من النساء والأطفال”.
ولفت البيان إلى أن المشاركين أكدوا “استمرارهم في الخروج السلمي حتى وقف الحرب وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم العادلة والمشروع، وعلى رأسها الدولة الفلسطينية الموحدة وعاصمتها القدس الشريف”.
ومن بين المدن التي شهدت مظاهرات: القنيطرة، برشيد (غرب)، الحسيمة، قلعة مكونة، فاس، مكناس (شمال)، تاوريرت، أحفير، بركان (شرق)، والراشيدية (جنوب شرق)، وفق المصدر ذاته.
بتاريخ 10 جانفي 2024، أظهر استطلاع رأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إجماعاً في الشارع العربي على اعتبار القضية الفلسطينية “قضية جميع العرب وليست قضية الفلسطينيين وحدهم” بنسبة 92 بالمائة، وهي نسبة غير مسبوقة، إذ ارتفعت النسبة بمعدل 16 بالمائة، مقارنة بـ 76 بالمائة المسجلة نهاية عام 2022.
أما فيما يخص المغرب، فأوضحت استطلاعات الرأي إلى أن نسبة المغاربة الذين يقولون إن القضية الفلسطينية قضية عربية ارتفعت من 59 بالمائة عام 2022 إلى 95 بالمائة عام 2024، وتشير الاستطلاعات إلى أن المغرب شهد زيادة كبيرة في الرأي العام المعارض للاعتراف بـ”إسرائيل” من 67 بالمائة عام 2022 إلى 78 بالمائة مطلع جانفي 2024.
التطبيع المشؤوم لم ولن تصحبه إلا الكوارث والخسائر..
وأمام هذه الخرجات المقيتة، ويوماً بعد يوم، تتزايد الأصوات المحذرة من تداعيات استمرار تطبيع وتطوير المغرب لعلاقاته مع “إسرائيل”، وفي هذا الصدد أدان الكاتب المغربي، طارق ليساوي، في مقال له التطبيع المخزني مع الكيان الصهيوني، مؤكدا أن هذه “العلاقات لا نفع منها وأن هذا التطبيع المشؤوم لم ولن تصحبه إلا الكوارث والخسائر”.
وانتقد في السياق ما يروج له المخزن من “مكاسب هامشية وانتصارات زائفة جلبها التطبيع، لأن ما تم الترويج له لم يتحقق عمليا على الأرض، بل على العكس تماما هذا الاتفاق المشؤوم أضر كثيرا بصورة المغرب في العالم العربي والإسلامي ككل”.
واعتبر طارق ليساوي التطبيع مع الكيان الغاصب، “خذلانا للشعب المغربي الذي لا يعتبر القضية الفلسطينية قضية ثانية أو ثانوية يتضامن معها، وإنما هي قضية كل مغربي حر”، مُستدلا في هذا الإطار بالمظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن المغربية طيلة العقدين الأخيرين، تنديدا بالانتهاكات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وضد المقدسات الإسلامية في القدس الشريف.
خِتاماً، بدا واضحا وبعد أكثر من ثلاث سنوات على توقيع اتفاقيّة التطبيع، أن المغرب فشل في الوصول إلى تحقيق أهداف هذه الصفقة المُخزية، على النحو الذي استهدفته عام 2020، وبتاريخ السابع من أكتوبر 2023، جاءت عملية “طوفان الأقصى” لتقلب الطاولة على الجميع وتوقف قطار التطبيع الذي كاد أن يأخذ معظم الدول العربية والإسلامية، هذه العملية التاريخية حشرت الدول المطبعة مع “إسرائيل” في الزاوية، ففي المغرب مثلا ازداد الاحتقان داخل المملكة مع التراكمات الخطيرة التي تسبب فيها نظام المخزن داخليا وخارجيا، ومن بينها ضربه في الصميم للقضية الفلسطينية التي تعد إحدى واجهات الصراع بين الشعب المغربي والنظام المخزني الاستبدادي الذي يُواصل انغماسه في مستنقع الخيانة بمواقفه المخزية في عزّ العدوان الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

هكذا أعلن النظام المغربي عن شراكته في حرب الإبادة في غزة
محمد الحمامي (ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)
أفاد محمد الحمامي ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن ما قامت به السلطات المغربية مؤخراً، هو بمثابة طعنة الخنجر المسموم في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بعد السماح برسو سفينة حربية إسرائيلية في ميناء طنجة المغربي، وهو شراكةٌ حقيقية وواضحة لسلطة المغرب في العدوان الصهيوني الهمجي ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة ككل، هذا الكيان الذي لا هم له غير السيطرة على خيرات ومقدرات شعوب الأمة بدعمٍ لا مشروط من الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الغربي الذي يتغنى بمبادئ الديمقراطية والحرية وهو النظام ذاته الذي يرسل السفن المحملة بالأسلحة والصواريخ لقتل المدنيين والأبرياء العزل في غزة وفي الأراضي اللبنانية أيضا.
وفي هذا الصدد، أوضح الحمامي في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أن المغرب وبإقدامه على هذه الخطوة المقيتة والمُشينة يكون قد أعلن صراحةً عن مساهمته في حرب الإبادة الجماعية التي يتمادى الاحتلال في ارتكابها بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، ففي الوقت الذي تخلى فيه هذا النظام عن مسؤولياته اتجاه القضية الفلسطينية، هناك دول في أمريكا اللاتينية قطعت علاقاتها مع هذا الاحتلال المجرم، ودول أخرى انضمت إلى محكمة العدل الدولية إلى جانب جنوب إفريقيا في دعواها ضد “إسرائيل”، فيما لاتزال أنظمة عربية مُطبعة تحتفظ بعلاقاتها الاقتصادية، التجارية والأمنية مع هذا الكيان وتدعمه في السر والعلن.
في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنه وبعد ثلاثة عشر شهرا من حرب الإبادة والتطهير العرقي في غزة، باتت أهداف الاحتلال واضحة للعيان، فهؤلاء لا يريدون أي أمر يتعلق باسم ” فلسطين”، ومن هنا بات لِزاماً على أحرار الدول العربية والإسلامية أن تتبنى خطوات عملية وتفرض على المغرب وغير المغرب من الدول المطبعة وقف هذا التطبيع المخزي الذي يخرج عن إرادة شعوب الأمة وقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية مع هذا الاحتلال، تنديدا ورفضا لما يتعرض له الفلسطينيون من قتل مُمنهج وتدمير للبنى التحتية واستهداف كل شيء ينبض بالحياة في قطاع غزة، والاعتداء على سيادة لبنان أيضا تحت مبررات أمن الاحتلال الواهي الذي انفتحت شهيته في القتل بتواطؤ من الأنظمة المطبعة.
هذا، وأبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن النظام المغربي مُدان من الشعب المغربي وهو مدان أيضاً من الشعوب العربية، ومُدان بأشد العبارات من الشعب الفلسطيني وكل قواه الوطنية، فهذا النظام المطبع مُطالب بتغيير سياسته، وأن يعي جيدا أن لا مصلحة له بالعلاقة مع هذا الاحتلال المجرم الذي يبيع الوهم ولا يبيع الأمن لهذه الأنظمة، فما الذي استفادته الدول المطبعة مع الاحتلال غير السيطرة على مُقدراتها وخيراتها، بل على العكس تماما تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوب هذه المنطقة بشكل لافت ومقلق، بسبب تغلل هذا الكيان المجرم إلى داخل هذه الأنظمة التي تستجيب إلى سياساته التي تتجه نحو مزيد من قمع الشعوب والسيطرة عليها وتكميم أفواهها لصالح الاحتلال الفاشي المجرم الذي يريد السيطرة على كل شيء.
خِتامًا، أبرز محمد الحمامي ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، أنّ التاريخ سيسجل المواقف المخزية للدول المطبعة مع هذا الاحتلال بما في ذلك النظام المغربي، كما أن الشعب الفلسطيني الذي واجه هذا الاحتلال وغطرسته المنقطعة النظير على مدار عشرات السنين، استطاع أن يلقن الكيان الصهيوني درسا في الثبات والصمود خاصة في ظل ما يتعرض له من جرائم حرب مكتملة الأركان، كما استطاعت مقاومته الباسلة من أن تلقن جيشه المقهور دروسا في البسالة والرجولة، وفي النهاية سينهزم هذا الاحتلال المهزوز أساسا، لأننا نحن من نمتلك قوة الحق على أرضنا الفلسطينية في وجه هذه القوة والغطرسة المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية في ظل عجز العرب وتواطؤ الأنظمة المطبعة مع العدو الصهيوني الفاشي.

عندما تتعارض أهداف الحكومات المُطبعة مع شعوبها
عبد الرحمان بوثلجة (أستاذ وباحث في الشؤون الدولية – الجزائر)
يرى عبد الرحمان بوثلجة الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، أن سماح السلطات المغربية برسو السفينة الأمريكية المحملة بعتاد عسكري مُوجه للكيان الصهيوني، في ميناء طنجة رغم تصعيد العدوان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ورغم وصول عدد الشهداء إلى نحو 45 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح، يُعبر حقيقةً على أن الدول المطبعة لها أهداف أخرى غير التي تهم شعبها أو الشعب العربي بصفة عامة.
في هذا السياق، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أن كافة الشعوب العربية والإسلامية مُتعاطفة مع المدنيين في قطاع غزة ومع المقاومة ومع القضية الفلسطينية بشكلٍ عام، إلا أن حكام الأنظمة المطبعة لهم غايات أخرى تتعارض تماما مع شعوبهم، على الرغم من أنهم لا يُعبرون عن ذلك صراحةً، وتجدهم ينافقون من خلال بعض التصريحات في القمم التي تُعقد هنا أو هناك، حيث تجدهم يدعون وبكل وقاحة أنهم يقفون إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وهم في حقيقة الأمر لا هم لهم غير مصالحهم الضيقة.
على صعيدٍ متصل، أبرز الباحث في الشؤون الدولية، أن السلطات الإسبانية رفضت السماح برسو السفينة القادمة من الولايات المتحدة بموانئها لأنها تهتم بإرادة شعبها، عكس حكومة المخزن التي لها أهداف أخرى غير أهداف الشعب المغربي الذي يرفض التطبيع، فهذه الحكومة وقعت على اتفاقية “أبراهام” مقابل الحصول على اعتراف من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال عهدته الأولى بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وتابع قائلا: “إن حكومة المخزن وقبل معركة طوفان الأقصى وقبل التطبيع مع العدو الصهيوني كانت تدعي بأن ملك المغرب هو رئيس لجنة القدس وهو أمير المؤمنين وبعد التطبيع وسعت إمارة المؤمنين لتشمل المؤمنين اليهود، كما عبر عن ذلك وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حينما قال “إن المغرب لديها جالية يهودية تقدر بحوالي مليون يهودي وبالتالي فإن ملك المغرب هو ملك هؤلاء اليهود أيضا”، فهذا النظام يعتبر ارتباطه بالكيان الصهيوني ارتباطاً عضوياً ولا يعتبر اتفاقه مع هذا الكيان تطبيعا من أجل السلام كما يروج له في إطار ما اصطلح عليه بالسلام بين العرب و”إسرائيل”، وإنما يعتبر أن علاقته بالكيان الصهيوني هي علاقة خاصة، والمسؤولون في نظام المخزن يعبرون عن ذلك بكل صراحة”.
هذا، وفي تعليقه على زيارة وفد إعلامي مغربي إلى مستوطنة تل أبيب في عزّ العدوان على قطاع غزة، أفاد الأستاذ بوثلجة أن ما حدث يأتي في إطار طبيعة العلاقة التي أصبحت تربط حكومة المخزن بالكيان الصهيوني والتي توطدت من أجل تمكين المغرب ودعمه في احتلال الصحراء الغربية، لكن لا يخفى على أحد أن حكومة الكيان تبتز دائما الدول المطبعة بما في ذلك المغرب، فالجميع رأى ما فعله رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو عندما أظهر في إحدى خرجاته خارطة المغرب بدون الصحراء وهو ما نعتبره نوعا من التحذير الموجه إلى المغرب حتى لا يقوم بأي خطوات تدعم الفلسطينيين، فهذا النظام المخزني أصبح تابعا للكيان الصهيوني وللصهيونية العالمية ككل.
تحجيم دور المقاومة في المنطقة العربية..
وفي هذا الصدد، يرى محدث “الأيام نيوز”، أن هذه الزيارة تأتي تنفيذا لأوامر من الكيان الصهيوني سواء من الموساد أو من غيره، وأغلب الظن أنها جاءت من أجل التحضير لتسويق رواية أو خطة ما يتم التحضير لها من أجل بلورتها وتنفيذها بعد نهاية الحرب، وهذه الخطة أعتقد أن بعض المطبعين العرب على علم بها أو حتى مشاركين فيها والتي تهدف إلى تحجيم دور المقاومة في المنطقة العربية ونشر ما يسمى باتفاقية السلام وهي اتفاقية استسلام في الأصل.
وفي حديثه عن علاقة الموساد بالإعلام المغربي، أبرز الباحث في الشؤون الدولية أن الموساد وحكومة الكيان الصهيوني أصبحت تتحكم بصفة عامة في الأنظمة المطبعة سواء ارتبط ذلك بالجانب الإعلامي أو بجوانب أخرى، ومن هنا نجد أن ما نشر في كتاب الصحفي الاستقصائي الشهير الأمريكي بوب وودورد المسمى بـ”الحرب”، فيه جانب كبير من الحقيقة حيث أظهر كيف تتآمر بعض الأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني من أجل التخلص من المقاومة، والأكيد مادام أنهم صرحوا بهذا الأمر فالأكيد أنهم يعملون في الواقع من أجل تنفيذ ذلك، وبطبيعة الحال هم لا يستطيعون قول ذلك علنا على الأقل حاليا، بالنظر إلى أن عاطفة أغلب الشعوب اليوم وقلوبها وعقولها كلها مع المقاومة، لذلك هم يخشون من ردة فعل شعوبهم.
في سياق متصل، أكد المتحدث أن العلاقة في الوضع الحالي، ما بين هذه الدول المطبعة وما بين الكيان الصهيوني ليست علاقة الند للند إنما هي علاقة الحاكم بالتابع، فهؤلاء مجرد دمى في خطة كبيرة يتم التحضير لها وتُعطى لهم أدوار معينة يقومون بها، والكيان الصهيوني ومن يدعمه في أمريكا لا يقيمون لهؤلاء وزنا، بدليل أن الاحتلال تجاوز الخطة التي كان متفقا عليها من قبل وهي القضاء على المقاومة وهو الأمر الذي لن يحدث، وأصبح الكيان الصهيوني الآن يتكلم عن قيام “إسرائيل الكبرى” من النهر إلى البحر ولا وجود لدولة فلسطينية، وضم الضفة الغربية كما أعلن عن ذلك وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش، وكما أعلنت عن ذلك أيضا هيئة البث الإسرائيلية وهي مؤسسة إعلامية حكومية، حيث تحدثت عن التحضير لضم الضفة الغربية مع بداية عهدة ترامب الثانية.
خِتاماً، أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أن الصهاينة ومن يدعمهم في أمريكا والغرب لا يقيمون للعرب ولا للاتفاقات المبرمة بينهم وزنا، وكل ما يريدونه حاليا أو مستقبلا هو الترويج والتسويق أن المقاومة هي من تسببت في تدمير غزة وتسببت في تهييج الكيان الصهيوني، وكل ذلك يحدث بدعم وتواطؤ مفضوح من حكام الأنظمة المطبعة، الذين لاهم لهم غير البقاء في مناصبهم والحفاظ على مصالحهم الضيقة، حتى ولو كان ذلك على حساب إرادة شعوبهم.

جريمة لا تغتفر… إن مرت اليوم فلن تمر غدا
مأمون أبو عامر (محلّل سياسي فلسطيني)
أبرز مأمون أبو عامر المحلّل السياسي الفلسطيني، أن ما تقوم به بعض الأنظمة العربية من تقديمِ تسهيلاتٍ للعدو الصهيوني بحجة القانون أو بحجة العلاقات التجارية والاتفاقيات الموقعة معه، وكأن الدماء التي تُسفك في فلسطين ليست دماءً عربية، وأن الأمور تسير بشكلٍ عادي وما يجري في القطاع لا حدث، يجعلنا ندرك يقيناً أن حُكام هذه الدول أصلا لا علاقة لهم بواقع الأمة ولا بآلامها وآمالها، فهؤلاء جاؤوا بالقوة وفرضهم الاستعمار على هذه الأرض وبالتالي هم معزولين عن هويتنا، وما حدث مؤخرا في المغرب هو جزء من هذا العبث وجريمة لا تغتفر للنظام المغربي الذي لا يعبر عن شعبه وأمته.
وفي هذا الشأن، أشار الأستاذ أبو عامر في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، إلى أن الجريمة الكبرى هي انضمام المغرب إلى مسار التطبيع، فقط من أجل تحقيق مصالح ضيقة، من خلال الاستقواء بعدو هو غير قادر حتى على ضمان أمنه واستقراره، وهذا الأمر مثيرٌ للاشمئزاز، فمن المحزن أن يكون هذا حال أمتنا العربية والإسلامية، فالاستقواء والانصياع لهذا العدو المجرم الذي يقتل أبناء أمتنا في غزة والضفة الغربية ولبنان، ويدنس مقدساتنا ومسجدنا الأقصى، قمة الخضوع والخنوع، فهذا المحتل المستبد لا يقيم وزنا لأي حاكم عربي أو مسلم كان، هو فقط ينظر إلى تحقيق مصالحه ومآربه المشبوهة.
في سياق ذي صلة، قال محدثنا: “إن الملك المغربي لم نسمع له صوتاً يُندد بما يرتكبه الكيان الصهيوني من إجرام مُمنهج في قطاع غزة، وهذا الأمر مؤسف للغاية، خاصةً وأننا نعيش لحظةً تاريخية حاسمة وفارقة في مسار القضية الفلسطينية، أعتقد أن ساعة الزمن تمر وهؤلاء مُنشغلون بمواقفهم الباهتة وتحقيق مكاسب وهمية، فلا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال الاعتماد على الأعداء في مواجهة الأشقاء، والتاريخ حافل بمثل هذه الأحداث والتجارب، والأصل أن يكون سكان المغرب العربي أكثر الناس تعلما ودروسا لما حدث في الأندلس قديماً”.
في الختام، أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني، أننا اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية، فمثل هذه السلوكيات وما فعله النظام المغربي من خلال سماحه برسو سفينة محملة بالأسلحة الموجهة لقتل الشعب الفلسطيني في غزة، وقبل ذلك إرسال وفد إعلامي مغربي إلى “إسرائيل” التي تُمعن في استهداف الصحفيين في القطاع، هو جريمة لا تغتفر إن مرت اليوم فلن تمر غدا، وسيكون الحساب عبر التاريخ قاسيا على هؤلاء الذين يتجاهلون هذه المعاناة وكأنها أمر لا يعنيهم، خِلافا لما فعله أجدادهم من الأحرار من مغاربة وجزائريين، هؤلاء الذين شكلوا جزءا كبيرا من جيش صلاح الدين الأيوبي وشكلوا حارة المغاربة على أبواب القدس الشريف.
وصمة عار أخرى تُطبعُ على جبين النظام المغربي
يحيى اليعقوبي (صحفي فلسطيني من قطاع غزة)
اعتبر الصحفي الفلسطيني من قطاع غزة، يحيى اليعقوبي، أن إرسال وفدٍ إعلامي مغربي إلى الكيان الصهيوني ولقائه المتحدث باسم “جيش” الاحتلال أفيخاي أدرعي في وقتٍ عصيب يمر به الشعب الفلسطيني هو طعنةٌ في ظهر الشعب الفلسطيني ومحاولة للتغلغل في التطبيع من جهة، وتحسين صورة الاحتلال وتجميله وجعله كياناً طبيعياً في المنطقة من جهة أخرى، من خلال التغطية على جريمة حرب الإبادة الجماعية والمجازر المروعة التي يرتكبها هذا الاحتلال المُفلس في القطاع، ويأتي ذلك تحت مظلة التطبيع بين الجانبين في إطار ما يسمى باتفاقيات “أبراهام” الملعونة.
وأوضح اليعقوبي في تصريح لصحيفة “الأيام نيوز”، أن هذه الزيارة أقلُ ما يمكن أن يُقال عنها، أنها زيارة مُخزية ووصمة عار أخرى تُطبعُ على جبين كل من شارك فيها، وعلى النظام الرسمي المغربي الذي يتواطأ مع الاحتلال في استقبال وفود إسرائيلية وتبادل لقاءات سواء كانت إعلامية، عسكرية، سياسية أو غيرها، أما وصمة العار الأكبر فهي اتفاقية التطبيع التي وقعها المغرب مع العدو الصهيوني في العاشر من ديسمبر 2020.
وأضاف “نحن شعب فلسطين ورغم خُبثِ النظام الرسمي في المغرب، إلا أننا نؤمن برفضِ قطاعاتٍ واسعة من الشعب المغربي لاتفاقية التطبيع وجولاته وصولاته التي تجري هنا وهناك، ومن ضمنها التطبيع الإعلامي بين الاحتلال وهذا النظام الخائن في مُحاولةٍ للسيطرة على الإعلام في المغرب وجعله أداة لقلب الحقائق وتضليل وغسل أدمغة شريحةٍ واسعة من الشعب المغربي”.
وفي هذا الشأن، أبرز الصحفي من غزة، أن هذه المحاولات ولّى زمانها وعهدها، فالسردية الصهيونية أصبحت مفضوحةً للعلن وأمام العالم أجمع، بما في ذلك في المغرب، أين تتعالى أصوات جماهير الوداد والرجاء في الملاعب المغربية مُعلنةً عن دعمها للحق الفلسطيني، هذا ما يعكس التوجه الحقيقي للشعب المغربي الرافض لاتفاقيات التطبيع المشؤومة، أما هذه القلة والشرذمة الضالة التي تاهت عن القيم والمبادئ وعن الإنسانية هي ترسل نفسها إلى سلة المهملات، فالتاريخ لن ينسى من مد يده للاحتلال الجائر الذي يرتكب جرائم حرب بالجملة وإبادة جماعية بحق الأطفال والنساء والأبرياء والعزل، ويقتل كل شيء ينبض بالحياة في قطاع غزة.
على صعيدٍ متصل، أكد محدثنا، أن هذا النظام هو خائن لنفسه وخائن للإنسانية وخائن للديانات السماوية وخائن للأعراف الدولية ولحقوق الإنسان ولكل شيء، لأنه وضع يده في يد شيطان العصر، هذا الكيان الفاشي النازي الذي فاقت وحشيته حدود المنطق.
نقطة مهمة أخرى تطرق إليها اليعقوبي، ألا وهي أنه وأمام إمعان آلة الحرب الصهيونية في استهداف رجال الإعلام في القطاع، كان من المُتوقع أن يُنصف الإعلام المغربي الصحفيين الفلسطينيين، فنحن اليوم نتحدث عن استشهاد أكثر من 185 صحفي فلسطيني وعشرات الجرحى، وبتاريخ الثاني من نوفمبر الجاري وبالتزامن مع إحياء اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، كنا ننتظر على الأقل أن ينشر هؤلاء تنديدا باستهداف الصحفيين في غزة، وتنظيم وقفة احتجاجية في هذا الإطار، إلا أن ما حدث كان إرسال وفدٍ إعلامي مغربي إلى الكيان المحتل، في سقطة مدوية أخرى تُضاف إلى سقطات هذا النظام المطبع الذي باع نفسه دون حتى أن يقبض الثمن.
خِتاماً، عرج الصحفي من غزة، إلى الإشادة بجهود الجمعيات المغربية الرافضة للتطبيع في مختلف القطاع، لاسيما قطاع الإعلام من خلال محاولات يائسة وبائسة لتجميل صورة هذا الاحتلال الذي بات معزولاً دولياً، داعيا في السياق ذاته الشعب المغربي والأحرار من الإعلاميين المغاربة إلى مقاطعة وسحب بطاقات الصحافة من المشاركين في هذه الزيارة المُخزية، وفضحهم شعبيا ونبذهم في كل مكان حتى يُدركوا جيّدا حجم الخطيئة التي ارتكبوها، بحق مهنة الصحافة النبيلة وبحق الإنسانية وبحق القومية العربية كذلك.

سقطة أخرى تُضاف إلى سقطات المخزن التي لا تنتهي
بقلم: قديري مصباح (رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين)
في الوقت الذي تستمر فيه الحرب الشعواء التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، يُواصل نظام المخزن صمته المُخزي حِيال ما يحدث من مجازر وتطهير عرقي بحق أبناء الشعب الفلسطيني على يد آلة الموت الصهيونية بعد انبطاح هذا النظام وإظهار عمالته المفضوحة للكيان الصهيوني، حتى وصل به الأمر إلى إرسال وفدٍ إعلامي مغربي إلى مستوطنة تل أبيب في سقطةٍ أخرى تُضاف إلى سقطات هذا النظام المطبع الذي تغافل عما يتعرض له الصحفيون في غزة من قتلٍ ممنهج وتصفية مباشرة، بهدف إسكات صوت الحق وتزييف الحقائق والوقائع التي كشفت مدى زيف وكذب السردية الصهيونية.
إن هؤلاء هم شركاء بطريقةٍ أو بأخرى في الجرائم والمجازر الدموية التي يتمايع ويتمادى جيش الاحتلال في ارتكابها في القطاع، وعليه، فإن هذه الدوّل السائرة في هذا المسار مُطالبة اليوم أكثر من أي وقتٍ قد مضى بأن تُهرولَ إلى إلغاء جميع اتفاقيات الذل والعار وطرد ممثلي الكيان الصهيوني لديها، على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، والتّطبيع مع الصهاينة خيانةٌ للشعوب العربية الحرّة الداعمة لعدالة القضية، والتي ظلت رافضةً للتطبيع ومناصرةً للحق الفلسطيني ومعاديةً للكيان الصهيوني العنصري المجرم، قبل أن تكون خِيانةً عُظمى للشعب الفلسطيني نفسه.
كما أن المهرولين، ممّن جرهم التطبيع للذهاب في سياحة أو في مهام إعلامية أو ثقافية أو رياضية أو تجارية أو غيرها للكيان المجرم، تنطبق عليهم قواعد المشاركة في الجرائم التي تطالُ الشعب الفلسطيني، وبالتالي، فعلى الدول المطبعة العمل بشكل مستعجل من أجل إسقاط اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني وسنّ قانون لتجريم كافة أنواع وأشكال التطبيع، مع انخراط لجميع الهيئات والشخصيات المدافعة عن حقوق الإنسان في مبادرات للتعبير عن الموقف الأصيل للشعوب العربية من التطبيع ومن الدعم الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني الثابت والمشروع في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
فالصفقات واتفاقيات التطبيع التي تم إبرامها مع الأيادي الملطخة بدماء الأطفال والعزّل في فلسطين وغيرها من الدول العربية كانت صدمةً للشعوب العربية والإسلامية الرافضة للتطبيع بكل أشكاله، فالاحتلال الصهيوني هو “الورم الخبيث” الذي إذا فتحت له الأبواب لن يكف عن تخريب المنطقة وزرع الفتن وزعزعة استقرارها، وبالتالي لابد من تكاتف جهود جميع القوى العربية وتوحيد كلمتها من أجل بناء درعٍ قوية غير قابلة للاختراق ضد التطبيع مع هذا الكيان المستبد”.
أما حكومات الدول المطبعة، التي تعتقد أن مثل هذه الاتفاقيات ربما ستُضعف من الروح المعنوية العالية لدى الشعب الفلسطيني الصامد وتدفعه إلى القبول بالأمر الواقع، هي مخطئة تماما وما هذه إلا أضغاث أحلام، لأن ذلك لا يزيد الفلسطينيين إلا تمسكًا بأرضهم وحقهم الذي لا يقبل القسمة على اثنين، كما يساهم ذلك في تعزيز وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة اتفاقيات التطبيع من جهة والاحتلال الصهيوني الجائر من جهة أخرى.

مواقف المخزن تضع الشارع المغربي ونُخبه في حرج كبير
بقلم: حمة المهدي (كاتب وإعلامي صحراوي)
يطرح تمادي النظام المغربي في تطبيعه مع الكيان الصهيوني بعدما وصل إلى مستويات التنسيق الأمني والعسكري الكثير من التساؤلات حول حجم المسؤولية التي يتحملها هذا النظام في حرب الإبادة الجماعية التي يتمادى الاحتلال الصهيوني في ارتكابها جِهاراً نهارًا بحق الأبرياء والعزل من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بعدما تجاوز عدد الضحايا 43 ألف شهيد و100 ألف جريح جُلهم من الأطفال والنساء.
إذ أن التنسيق الوثيق بين النظامين وتبادل الزيارات للمسؤولين بين الرباط وتل أبيب يكشف مستوى الخيانة والتوغل في الإجرام والغدر بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي لا تقبل القسمة على اثنين.
هذه الوضعية الخطيرة من التنسيق المحكم بين الجانبين، تضع الشارع المغربي ونخبه التي طالما تغنت بدعم القضية الفلسطينية واعتبارها قضية مركزية في إحراج كبير، فكل الخطوات التي قامت بها الفعاليات المجتمعية وحركة مناهضة التطبيع لم تخرج عن رفع الشعارات واستنكار الموقف الرسمي دون اتخاذ خطوات نضالية لغلق سفارة الكيان الصهيوني أو ما يسمى مكتب التنسيق الإسرائيلي بالرباط والذي يعمل بشكل يومي ويضع الخطط والبرامج لتسريع وتيرة التطبيع وشموليته لكل مجالات الحياة والتي كان آخرها الإشراف على تنظيم زيارة لوفد من الإعلاميين المغاربة إلى “إسرائيل” في عز التصعيد الصهيوني في قطاع غزة وجنوب لبنان وفي استهتارٍ مفضوح بأرواح الفلسطينيين والجرائم المستمرة بشكل يومي والتي أتت على الأخضر واليابس وتسببت في إحدى أكبر المآسي التي عرفتها البشرية خلال العصر الحديث.
فما يحدث في المغرب لا يمكن وصفه إلا بالشيء العجيب والمَقيت، تطبيعٌ في العلن وسفن شحن صهيونية محملة بالأسلحة والذخائر الموجهة لقتل الفلسطينيين ترسو بالموانئ المغربية للتزود بالمؤن والوقود لمواصلة طريقها إلى فلسطين المحتلة دون اعتراض من أحد في مغرب الخنوع والرضوخ لممارسات النظام الذي أسس عرشه على الجماجم وتصفية المعارضين لأي خطوة يخطوها في سبيل إحكام قبضته على أنفاس المغاربة.

التطبيع بين الاحتلال المخزني والصهيوني خيانة مزدوجة
بقلم: ماء العينين لكحل (دبلوماسي وكاتب صحراوي)
أعلن نظام الاحتلال في المغرب عن إفلاسه الكامل رسميا عندما وقعت حكومته “الإسلاموية” آنذاك، على صك الاستسلام والتطبيع الملكي مع الكيان الصهيوني الغاصب في ديسمبر 2020، راكعا بذلك للأجندة الاستعمارية الجديدة أو لما أسموه بـ”اتفاقيات آبراهام” التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن يقف وراءه من عرابي المتطرفين الإنجيليين في أمريكا والعالم في نهاية عهدته الأولى فارضا إياها على دول عربية خاضعة للسيطرة الغربية والمتورطة جميعها بشكل أو آخر حاليا في حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا المقاوم في فلسطين وفي غزة الإباء ولبنان الكرامة.
الخطوة المخزنية المخزية أثارت جدلًا واسعًا داخل المغرب نفسه، وخارجه طبعا، وقد أطلقت مسلسلا مغربيا مخزيا من التخلي عن القضية الفلسطينية وشعبها، حيث ورطته في خدمة الأجندة الأمنية وحتى العسكرية الصهيونية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، وطبعا ضد الشعب الصحراوي الذي يعاني منذ عقود من جرائم الاحتلال المغربي وجرائم صانعيه في فرنسا و”إسرائيل”.
لكن الأخطر من كل ذلك، هو أن هذا التطبيع المغربي قد فتح أبواب الرباط مُباحةً مُنتهكةً أمام الكيان الصهيوني الذي اخترق البلد المغاربي في كل المجالات، خاصة منها الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية والدينية، مما يشكل تهديدًا كبيرًا ليس فقط على المغرب، بل لكل المنطقة المغاربية، فمملكة “جلالته” قد أصبحت مجرد قاعدة عسكرية واستخبارية أمنية صهيونية متقدمة في قلب منطقتنا، بما يعنيه ذلك من تهديد لأمن واستقرار كل دول المنطقة وحتى دول أوروبا الجنوبية، وعلى رأسها إسبانيا التي تدعم القضية الفلسطينية بشكل أفضل من عدد كبير من الدول العربية.
التطبيع مقابل الاعتراف.. مقايضة على حساب الشعوب
غير أن المراقب النبيه للوضع في المغرب سيدرك أن هذا الارتماء المخزني في أحضان الصهيونية العالمية ليس عنصر قوة لنظام الاحتلال المغربي بتاتا، بل هو دليل أكيد على إفلاس هذا النظام الذي عجز ليس فقط أمام المقاومة الباسلة للشعب الصحراوي، التي تستنزفه عسكريا، وتكيل له الضربات الدبلوماسية والسياسية والقانونية يوميا، ولكن أيضا أمام رفض الشارع المغربي نفسه لهذا التساقط الملكي تحت أقدام الإهانة الاسرائيلية، وإحباطه من هذه الخيانة التاريخية للدم الفلسطيني والتي لن يمحوها الدهر.
ورغم أن الجميع يعلم أن الخيانة المغربية الرسمية (ولا نقول الشعبية) للقضية الفلسطينية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي وليست وليدة اليوم، إلا أن مستوى الخضوع الذي وصل إليه المخزن أمام المطالب والإملاءات الصهيونية اليوم بلغ درجاتٍ غير مسبوقة، شملت التنسيق الأمني، والتوقيع على اتفاقيات دفاع مشترك مع الكيان، وفتح المغرب لقواعد التجسس الصهيونية، مما يورط الجيش المغربي وقيادته السياسية في المجازر والإبادة الجارية الآن في غزة وجنوب لبنان.
وبالفعل استغل الكيان الصهيوني تطبيع العلاقات لاختراق الاقتصاد المغربي، حيث تعمل الشركات الإسرائيلية على السيطرة على قطاعات استراتيجية في المغرب مثل الزراعة، والطاقة، والتكنولوجيا، ما يسهم في زيادة تبعية محمية فرنسا في الشمال الإفريقي للإملاءات الصهيونية والاقتصادية الغربية، وهو ما يهدد السيادة الوطنية المزعومة على بلاد لم يعد يملك النظام منها إلا الاسم.
التهديد الإقليمي للتطبيع والتورط الفرنسي
الأكيد أن التطبيع المغربي لا يؤثر على نظام الاحتلال المغربي لوحده، بل يهدد جميع دول المنطقة المغاربية بدون استثناء ويدفعها نحو مزيد من الانقسام والتوتر وربما النزاعات مستقبلا، فبينما تواصل الجزائر الوفاء بالتزاماتها ومواقفها التاريخية المشرفة للقضية الفلسطينية، وتحافظ بقية دول المنطقة على دعمها ومساندتها للقضية الفلسطينية بدرجات متفاوتة ولكن أكيدة، يسعى النظام المغربي عبر تعميق انحيازه للأجندة الاستعمارية وتعزيز تحالفاته مع “إسرائيل” وفرنسا، إلى استعداء هذه القوى الدولية ضد الجزائر، ويستفيد من بعض امتيازات هذا الخضوع على حساب الجميع.
والغاية المخزنية من هذا الشذوذ عن مواقف دول المنطقة واضحة، حيث يشكل النموذج الجزائري عقدة تاريخية ليس فقط لنظام الاحتلال المغربي، بل ولعرابه الفرنسي الذي ما يزال عاجزا عن هضم حقيقة استقلال الجزائر التام عن التأثير الفرنسي، وتمتعها بكل مقومات الريادة للإقليم عكس المغرب الذي لا يستطيع لوحده لعب أي دور ريادي في المنطقة، ويورط نفسه في حروب أو صدامات ومناوشات مع كل دول المنطقة منذ الستينيات بحثا عن مكانة متوهمة للريادة.
ومن الواضح أيضا أن نظام المخزن، الذي لا ينبغي بتاتا أن ينسى القارئ أنه صنيعة كاملة للاستعمار الفرنسي منذ أن أقامه ومكنه الجنرال هوبير ليوطي من رقاب المغاربة، يلعب لعبة خطيرة عبر التطبيع، تتمثل في جلب الكيان الصهيوني للمنطقة، وتمكينه من مقاليد الحكم في المملكة، لحماية الأسرة المالكة وحاشيتها أساسا، ولكن أيضا لتمكين هذا الكيان من توجيه الضربات الأمنية إلى الجزائر خصوصا، وربما لزرع أذرعها الاقتصادية في الصحراء الغربية، التي بدأت رؤوس الأموال الأجنبية، الفرنسية والصهيونية، تتغلغل إليها عبر بوابة الرباط منذ أن أعلن ماكرون رسميا ومن داخل البرلمان المغربي أن باريس ستغوص عميقا في المستنقع الاستعماري المغربي بالصحراء الغربية.
من جهة أخرى، لاحظ المراقبون أيضا استمرار التوتر بين الرباط ومدريد رغم المساعي الكثيرة التي بذلها رئيس الوزراء الاسباني، بيدرو سانشيز، لاسترضاء المخزن عبر دعم أطروحته الاستعمارية في الصحراء الغربية، ويبدو أن أحد أسباب هذا التوتر يعود إلى الاختلاف الجذري بين الموقفين المغربي والاسباني فيما يتعلق بجرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي يقف المغرب بكل خزي مع “إسرائيل” وجيشها، ترفض مدريد هذه الجريمة المتواصلة، وتعلن عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، كما ترفض التعامل مع الكيان الصهيوني بأي شكلٍ قد يؤثر على الشعب الفلسطيني، عكس نظام ملك المغرب.
التطبيع المغربي سيؤثر أيضا على بقية دول المنطقة المغاربية من حيث اتخاذ الغرب موقف المملكة من التطبيع لممارسة الضغط على العواصم المغاربية ومحاولة فرض التطبيع عليها، وبالمقابل، تحاول الدول الغربية تعزيز التأثير المغربي في المنطقة وفي القارة الإفريقية عموما، لتعزيز الانطباع بصواب فكرة التطبيع وتعظيم فوائدها على من سيتساقط ويخضع للصهاينة.
غير أن كل هذه الدعاية المغربية والصهيونية قد فشلت في الإقناع ليس فقط بسبب فسادها رأيا ونهجا، بل للهزة الهائلة التي تعرضت لها صورة “إسرائيل” دولة وجيشا، حين وقفت عاجزة أمام جماعات مسلحة صغيرة، ومسلحة تسليحا تقليديا وضعيفا، وبالتالي أصبح نظاما الاحتلال المغربي والصهيوني غريقان في المستنقع نفسه، ولم يبق لهما إلا التشبث ببعضهما بعضا لعل وعسى.
لكن لا يمكن ترك الحبل على الغارب، ولا مناص للشعب المغربي من تحمل مسؤولياته التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، مادام قد عجز عن تحمل المسؤولية نفسها تجاه الشعب الصحراوي المقاوم، ولا بد للشعب المغربي من أن يرفض هذا التطبيع الذي يمثل خيانةً مزدوجة لفلسطين والصحراء الغربية، ولكن قبلهما خيانة للقيم الدينية والأخلاقية التي تحتم على كل شعوب الأمة الاسلامية تقديم ما تستطيع من الدعم للشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الصهيوني الجائر.
المسؤولية نفسها تقع على عاتق شعوب بقية الدول المغاربية التي لا يمكنها أن تواصل تجاهل التساقط المغربي الرسمي، لأنه لا يؤثر فقط على القضية الفلسطينية بل على مجمل القضايا الجهوية والقارية التي تهم الدول العربية والإسلامية والإفريقية.
وقد يتساءل البعض عن الطريقة التي يمكن بها لهذه الشعوب أن تدعم الشعب المغربي في رفضه للتطبيع، غير أن أبسط هذه الطرق تكمن في تعظيم صوت الشعب المغربي الرافض للتطبيع، والمناهض للملكية المغربية العميلة للأنظمة الصهيونية والفاشية-النازية، ودعم نضالات الشعب المغربي بكافة الأشكال المتاحة.
والأكيد أن السكوت عن جرائم الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية وفي فلسطين لا يشرف النظام المغربي ولا الشغب المغربي.