بصوتٍ موحِّد، يرفع طلاب الجامعات المغربية صرختهم المدوية في وجه سلطة المخزن، مهددين بزيادة الضغط وتصعيد الاحتجاجات بدايةً من الفصل الدراسي القادم، وكلهم إصرار على مواصلة مسيرتهم النضالية حتى يتم التراجع عن سياسة التطبيع الأكاديمي مع الجامعات الصهيونية.
لكن الطلبة ليسوا وحدهم، فهذه نقابة أساتذة التعليم العالي بالمملكة تصر على ضرورة فك الارتباط مع جامعات الكيان المحتل، واعتماد حس المقاومة ضد كل المبادرات التطبيعية التي تهدف إلى اختراق وتدنيس مؤسسات التعليم العالي وتشويه سمعتها.
ونقلت وسائل إعلام محلية تصريحات لطلبة جامعيين مغاربة تحدثوا خلالها عن الحراك الطلابي في المملكة مؤكدين “مواصلة النضال إلى غاية إسقاط التطبيع الأكاديمي”، خاصة وأن الجامعات الصهيونية -التي طبعت معها جامعات المملكة- تربطها علاقات بالجيش الصهيوني الذي يمعن في حرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين.
وشددوا في السياق على أن “إدارة الجامعات مطالبة بإعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، لأنها اتفاقيات باطلة من أساسها ولن تفيد التعليم الأكاديمي المغربي”. كما شددوا على أن “الطلبة واعون بحقيقة هذا الكيان وما تقترفه يده في حق الشعب الفلسطيني ولا يمكن أن تحجبه مثل هذه الاتفاقيات الفاشلة”.
وأوضح أحد الطلبة أن “الموسم الجامعي نسبيا في عطلة صيفية وعودة الدراسة بعد شهرين سيشعل المدرجات والحرم الجامعي إلى حين التراجع عن ذلك”، مؤكدا أن “هذه الاتفاقيات من الأساس لا أخلاقية وإصلاح هذه الجريمة هو الإعلان بصوت عالٍ عن إلغائها”.
وحسب ذات المصادر، يتواصل الغليان داخل جامعة “عبد المالك السعدي” لثني الجامعة عن اتفاقية كانت قد أبرمتها مع جامعة صهيونية، في حراك امتد من الأكاديميين إلى الطلبة وتعهدت إدارة الجامعة بالتفاعل معه.
وقال أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد الملك السعدي، نور الدين المطيلي، وهو منسق عريضة تطالب هذه الجامعة بوقف التطبيع مع جامعة صهيونية، في تصريحات صحفية، أن “العريضة التي قدمت للإدارة قبل أكثر من شهر، تجاوز عدد الأكاديميين الموقعين عليها الـ700 أكاديمي وتفاعل معها الطلاب، والذين وقعوا بالمئات على عريضة مماثلة وقدموها لإدارة الجامعة”.
وأضاف المتحدث أن “إدارة الجامعة تعهدت بإحالة مطلب التراجع عن الاتفاقية التطبيعية على مجلس الجامعة والذي من المتوقع أن ينعقد في الأيام المقبلة”، معبرا عن أمله في أن يتفاعل المجلس مع مطلب المئات من الأكاديميين والطلبة ويتراجع عن الاتفاقية.
ونبه المطيلي إلى أن جامعة عبد الملك السعدي هي الجامعة المغربية العمومية الوحيدة التي وقعت وبشكل علني عن اتفاقية شراكة مع جامعة صهيونية، معتبرا أن المستجدات الأخيرة تثبت ضرورة تراجعها عن هذا المنحى “نظرا للفظاعة التي نتابعها في حق الأطفال والنساء والأطفال (..)”.
جدير بالذكر أنه وبعد تطبيع العلاقات بين المغرب والكيان الصهيوني نهاية 2020، انخرطت العديد من القطاعات الحكومية بالمملكة في مسلسل التطبيع، ومن بينها قطاع التعليم العالي، وسط رفض واسع تصاعد بشكل لافت مع العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي.
وكانت النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي قد استنكرت، في وقت سابق، إقدام وزارة التعليم العالي على “الزج بمؤسسات التعليم العالي في محافل التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت مسميات الشراكة الأكاديمية والبحثية”.
وطالبت جامعات المملكة في العديد من المناسبات بوقف التطبيع الأكاديمي ونظمت العديد من الاحتجاجات. والشهر الماضي، وجه نحو 1200 طالب وخريج من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، عريضة لرئاسة الجامعة تطالبها فيها بوقف علاقاتها مع الكيان الصهيوني، لتتوالى المبادرات المطالبة بإسقاط “التطبيع الأكاديمي”.
وجدير بالذكر أن جامعة محمد السادس أبرمت اتفاقيات تطبيعية مع ثماني جامعات ومؤسسات تعليمية صهيونية، وهي مؤسسات متورطة في برامج عسكرية وتكوين قوات الاحتلال الصهيوني.
وتفاعلا مع الحراك الذي تعرفه “جامعة محمد السادس” لإسقاط التطبيع الأكاديمي، أصدرت حركة المقاطعة “بي دي إس” المغرب والحملة المغربية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية للكيان الصهيوني بيانا تدين فيه أي تعاون يجمع العالم الأكاديمي المغربي والكيان المحتل وكل الاتفاقيات المشتركة وأشكالها من برامج التبادل الطلابية والأكاديمية وأي مشاركات في مسابقات ومحافل تطبيعية.
مسيرة شعبية حاشدة
خرج آلاف المغاربة مجددا مساء الأحد 7 جويلية في مسيرة حاشدة بمدينة طنجة، احتجاجا على إمعان المخزن في التطبيع مع الكيان الصهيوني ورفضا وتنديدا برسو سفينة حربية تابعة للكيان الصهيوني محملة بالأسلحة بميناء طنجة، محذرين من مخاطر الاختراق الصهيوني للمملكة.
وشارك في المسيرة الاحتجاجية، التي دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، عشرات الهيئات والأحزاب والمنظمات وشخصيات سياسية وحقوقية ونقابية مغربية من مختلف القطاعات، بما يعبر عن مدى تغلغل القضية الفلسطينية في أوساط الشعب المغربي ورفضهم للتطبيع المخزني-الصهيوني الذي فُرض عليهم بالقوة نهاية عام 2020.
وندد المتظاهرون باستمرار جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، كما أدانوا واستنكروا سماح السلطات المغربية برسو سفينة تابعة للكيان الصهيوني محملة بالأسلحة والعتاد العسكري كانت متجهة إلى فلسطين المحتلة، وذلك للتزود بالوقود والأغذية، معتبرين هذا الحدث “سابقة في مسلسل التطبيع”، ومؤكدين أنه دليل واضح على عدم اهتمام المخزن بالجرائم الشنيعة التي يذهب ضحيتها الأطفال والنساء والعزل في فلسطين.
وحمل المحتجون الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بإسقاط التطبيع وبمقاطعة منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني وبإنهاء العلاقات السياسية واتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم، مرددين شعارات قوية تطالب بوقف العدوان على غزة وبمحاكمة المسؤولين الصهاينة على أفعالهم الإرهابية، معبرين عن دعمهم الكامل للقضية الفلسطينية. كما طالبوا الدولة المخزنية بإطلاق سراح كل معتقلي الرأي الذين يحاكمون على خلفية التدوين رفضا للتطبيع ودعما للشعب الفلسطيني.
وفي كلمة له خلال المسيرة، ندد القيادي في الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، محمد الصروخ، برسو السفينة المحملة بالأسلحة دون علم المغاربة بذلك، مشددا على أن هذا الأمر يمثل “خرقا للقيم والمبادئ الوطنية ولا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال بل يجب محاسبة المسؤولين عن هذا القرار”.
تصاعد التحذيرات
من جهته، أكد منسق فرع الجبهة بمدينة طنجة، حكيم نكتار، في مداخلته أن “توافد حشود المغاربة للمشاركة في هذه المسيرة الوطنية هو رد فعل طبيعي على رسو السفينة الصهيونية العسكرية في الميناء المتوسطي”، مؤكدا أن ما حدث هو مظهر من مظاهر التطبيع العسكري، داعيا إلى “الاستمرار في مقاطعة المنتوجات التي تدعم الكيان الصهيوني اقتصاديا وعسكريا”.
وبالمناسبة، أدى مشاركون في المسيرة الاحتجاجية مشاهد تمثيلية توضح خطر التطبيع الاقتصادي على الشعب الفلسطيني، مبرزين أهمية مقاطعة الشركات والعلامات والمنتوجات الداعمة ماديا ومعنويا وبشكل مباشر للكيان المحتل.
بدوره، شدد رئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، عبد الصمد فتحي، في كلمته، على أن هذه المسيرة هي جزء من الجهود المجتمعية لإظهار الرفض الشعبي للتطبيع بكل مظاهره مع الكيان السرطاني وللتأكيد على الانتماء القوي للشعب المغربي إلى قضية فلسطين وأن أهل المغرب عموما وطنجة خاصة أوفياء لفلسطين وللمقاومة.
وتابع يقول: “نقول للمطبعين الذين سمحوا للسفينة الصهيونية بالرسو في ميناء بلدنا، إنكم دنستم أرض الشرفاء والشهداء والمجاهدين، ونقول إن المغرب لا يمكن أن يرضخ للمطبعين وأن المغاربة شجعان لا يقبلون بالدونية، ومن أراد أن يستضيف القتلة والمطبعين عليه أن يستضيفهم في ضيعته، لأن أرض المغرب للمغاربة”.
وأضاف: “هؤلاء المتظاهرون هم أبناء المقاومين من أمثال محمد بن عبد الكريم الخطابي لا يقبلون بالمطبعين، ولا يمكن للصهاينة أن ترسو سفينتهم لكي يدنسوا بها هذه الأرض المباركة التي رفضت التطبيع”.
وختم السيد عبد الصمد فتحي مداخلته بالقول: “في الأخير، لدينا كلمتين. الأولى: نحن ننبه ونحذر خاصة من التطبيع العسكري (..)، والأمر الثاني أننا نعتبر أن الشعب الفلسطيني منتصر بعد تسعة أشهر من المقاومة وكلنا على يقين بأن فلسطين ومعها أوطاننا سوف تتحرر وتنتصر وبيننا وبينهم الأيام”.
هذا وأجمعت العديد من القيادات الحزبية والحقوقية والنقابية في مداخلاتها وتصريحاتها الصحفية، على ضرورة مواصلة الدعم السلمي والضغط الشعبي والإعلامي إلى غاية وقف العدوان الصهيوني على غزة وإسقاط التطبيع وطرد الصهاينة من المملكة.