التصحيح الكبير.. كيف أدركت “بريكس” خطأها في حق الجزائر؟

بعد عام عن صدور قرار “إرجاء” منح الجزائر عضوية منظمة “بريكس”، تعلن البرازيلية “ديلما روساف” رئيسة بنك التنمية الجديد، الذراع المالي للمنظمة، عن منح الجزائر تفويضا بالانضمام إلى مجموعة مساهميها، وتلبية رغبتها السابقة في حيازة مقعد ضمن مجلس إدارتها. فما الذي حدث؟ وكيف جاء التحول؟ وما المنتظر من الجزائر؟ كلها أسئلة مشروعة أثارها التقلب المفاجئ في موقف هذه المنظمة الدولية الناشئة.

للتذكير، كان الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” قد نفض يديه صراحة وكلية من السعي وراء الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، مؤكدا على أن كرامة البلد وعزّته لا يمكن أن يسمحا له بطرق ذات الباب مرتين، مفضّلا ترك المسألة للأحداث والظروف، مبرزا حينذاك بأن الاقتصاد الجزائري يتعافى، ويحقّق تطورا ميدانيا لافتا في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي تعكسه الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الكبرى.

الرئيس “تبون” أوضح خلال جلسته الدورية في لقاء الصحافة، أن مجموعة “بريكس” في شكلها الحالي، لم تعد تهمّه، مبرزا بعبارة أكثر وضوحا بأن “ملف مجموعة بريكس مغلق نهائيًا”، في إشارة ضمنية إلى تعرّض الجزائر للخيانة من قبل بعض الأصدقاء في المجموعة، من دون أن يفصح عن ذلك صراحة.

في ظل تسارع الأحداث العالمية وتصاعد حدة الصراع بين القوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية الكبرى، وجدت الدول التي كانت تتحفظ في قبول انضمام الجزائر إلى تكتل “بريكس” نفسها مضطرة لإعادة النظر في مواقفها. رغم التحفظات السابقة، لم تتغير الجزائر ولم تتراجع عن مواقفها، إذ لم تطلب دعمًا أو تستجدي أصواتًا، بل بقيت ثابتة في مواقفها بكل سيادة والتزام.

ظلت الجزائر متمسكة بموقفها الثابت تجاه قضايا عدة، منها دعمها الراسخ لفلسطين ومعارضتها القوية للعدوان الصهيوني على غزة والضفة الغربية، بالإضافة إلى موقفها المبدئي من قضية الصحراء الغربية ورفضها للاحتلال المغربي. كما حافظت الجزائر على حيادها تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، ما يعكس التزامها بالحفاظ على مسافة متساوية من الطرفين.

من جهة أخرى، واصلت الجزائر جهودها في نشر خطاب الأمل والأمن، ودعوتها المستمرة لتغليب لغة الحوار والتفاوض كوسيلة لتسوية الصراعات العالمية. وبفضل هذه المواقف، نجحت الجزائر في فرض احترامها على الساحة الدولية، وأثبتت نفسها كقوة سلام ذات تأثير، مما أدى إلى دعم مبادراتها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

من هنا، وبناءً على هذه المواقف، استجابت منظمة “بريكس” على استحياء، ومدت يدها للجزائر عبر نافذة “بنك التنمية الجديد”، الذي يعدّ الذراع المالي للمنظمة العالمية حديثة النشأة، أو الحلف الاقتصادي الاستراتيجي البديل الذي يضمّ كلا من: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا.

وفقًا للاتفاقية المبرمة بين هذه الدول، يُعنى بنك التنمية الجديد بشكل أساسي بدعم المشاريع الاقتصادية المربحة، سواء تلك التابعة للقطاع الخاص أو ذات الصبغة العمومية، وذلك من خلال منح القروض، تقديم الضمانات، المشاركة في رأس المال، واستخدام كل الأدوات المالية المتاحة والمحتملة. كما يسعى البنك إلى ربط علاقات تعاونية متينة مع المنظمات الدولية، الكيانات المالية، والمؤسسات الاقتصادية الأخرى، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الفنية للمشاريع التي يدعمها ويمولها.

ولفرض وجودها وإبراز أهميتها المالية والاقتصادية، تم تخصيص مبلغ مائة مليار دولار كرأس مال أولي لهذه المؤسسة، مقسّمة إلى مليون سهم بقيمة اسمية تبلغ مائة ألف دولار للسهم الواحد. وقد تم تقسيم رأس المال المكتتب للبنك بالتساوي بين الأعضاء الخمسة المؤسسين: البرازيل، روسيا، الهند، جمهورية الصين الشعبية، وجنوب إفريقيا. كما ينص الاتفاق بشأن بنك التنمية الجديد على أن لكل عضو صوتًا واحدًا، ولن يتمتع أي عضو بحق النقض.

تم اختيار مدينة شنغهاي الصينية لتكون مقر البنك الرئيسي، مع إنشاء مكاتب إقليمية في أهم المدن بالدول المؤسسة للتكتل: جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا، ساو باولو في البرازيل، جيفت في الهند، وموسكو في روسيا. وفي نفس السياق، تم إنشاء صندوق احتياطي للظروف الطارئة. وقد صرحت الرئيسة البرازيلية السابقة، “ديلما روسيف”، بأن تأسيس البنك وإنشاء الصندوق يمثلان خطوتين مهمتين لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي.

ووفقًا لبنود اتفاقية التأسيس، فإن الهيكل الرئيسي للبنك يتشكل من:

  • مجلس المحافظين.
  • مجلس إدارة.
  • الرئيس ونواب الرئيس.

ولما كان الغرض من تأسيس هذه المؤسسة المالية هو تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول “بريكس” والبلدان النامية، فإن الانضمام إلى هذا الكيان المالي الجديد يُعدّ أمرًا ذا أهمية كبيرة. ذلك بالنظر إلى الفرص التمويلية الهائلة التي ينتظرها، والتي تعود بالنفع على الدول المستفيدة من المشاريع، وبالفوائد الجمة على الدول المساهمة في عمليات التمويل.

وهنا يكمن الرهان الرابح لدولة مثل الجزائر، التي تُصنَّف ضمن الاقتصاديات الناشئة من المستوى الأول. فاحتياطاتها النقدية وقدراتها المالية المهمة تُتيح لها تنويع مجالات استثمار مواردها، خاصة في ظل وجود فرصة الانفتاح على مشرق الأرض، “شنغهاي”، لضمان عوائد كبيرة وأكيدة وبأقل المخاطر الممكنة.

من الأوراق الرابحة المهمة بالنسبة إلى الجزائر أيضًا، أن بنود اتفاقية البنك تنص على أن إنشاءه جاء كجزء من مسار استكمال الجهود الحالية للمؤسسات المالية متعددة الأطراف، الدولية والإقليمية، من أجل تحقيق النمو والتنمية في العالم. هذا الأمر سيمنح كل دولار مستثمر في نشاط هذه المؤسسة ميزة ربحية أكيدة، بفضل قاعدة صلبة من الضمانات الدولية متعددة الأطراف:

  • مع البنك الآسيوي، الذي وقع اتفاقية تعاون مع بنك التنمية الجديد، ملحقة بمذكرة تفاهم استراتيجية للعمل المشترك في ميدان التمويل المشترك وتبادل الخبرات والمعرفة في مجالات تشمل مشاريع التنمية المستدامة في الطاقات المتجددة، النقل النظيف، والإدارة المستدامة للمياه، ومعالجة التلوث ومياه الصرف الصحي.
  • مع مجموعة البنك الدولي، من خلال توقيع مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون وتبادل الخبرات، خاصة في ميادين البنية التحتية والاستثمارات المستدامة.

والمفاوضات مستمرة مع البنك الإسلامي للتنمية، البنك الإفريقي للتنمية، ومجموعة بنوك أمريكا اللاتينية. بناءً على ما سُبِق، يجب الوقوف على مزايا وفوائد انضمام الجزائر إلى مؤسسة بنك التنمية الجديد التابع لمنظمة “بريكس”، والتي يمكن أن تشمل بصورة أساسية:

  • ضمان عوائد دورية ثابتة، عادةً سنويًا، بناءً على حجم المساهمة في رأس مال هذه المؤسسة المالية العملاقة الناشئة – بنك التنمية الجديد – والتي تحظى بمصداقية دولية كونها تمثل اقتصادات دول تحوز على نحو 20% من ثقل الاقتصاد العالمي.
  • الاستفادة الفورية من قروض ميسرة، بدون فوائد أو شروط، وفقًا لحجم مساهمة البلد في رأس مال المؤسسة.
  • الاستفادة من المزايا التي قد تقدمها المؤسسات المالية الدولية الأخرى لبنك التنمية الجديد، في إطار اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف.
  • تعزيز حماية الاقتصاد الوطني من التعرض لهزات أو أزمات إقليمية أو عالمية.

ناهيك عن الثقة التي حصلت عليها الجزائر ضمنيًا من خلال منحها تفويض الانضمام إلى المجموعة، إذ لم يأتِ هذا القرار من فراغ، بل بعد دراسات ومعاينات دقيقة لمختلف المعايير والمعطيات المتعلقة بالاقتصاد الجزائري، الذي أثبت نجاعته وفعاليته على المدى القريب والبعيد، بالنظر إلى مقدرات البلد: ثرواته الطبيعية، موقعه الاستراتيجي، وطاقاته البشرية.

كما أن الوزن السيادي والسياسي للجزائر على الساحة الإقليمية والقارية كقوة ضاربة، وحضورها الدولي كشريك مهم لبسط السلام والمحافظة على الأمن والاستقرار، قد عزز من هذا القرار.

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
عطاف يشارك بالقاهرة في اجتماع اللجنة الوزارية العربية المُصغرة نفذها الاحتلال جنوب غزة.. 40 شهيدا وعشرات المصابين في مجزرة جديدة أمطار رعدية على 9 ولايات هل سيحسم عمالقة التكنولوجيا نتائج السباق نحو البيت الأبيض؟.. مستقبل أمريكا في متاهة "السيليكون فالي" فشل ثلاثي الأبعاد.. المخزن يتخبط في مستنقع الإخفاقات انتقادات واسعة.. أداء سلطة الانتخابات في مرمى المترشّحين الثلاثة جهود التدخّل والإغاثة مستمرة.. إجراءات فورية للتعامل مع أضرار فيضانات ولاية بشار عائلته تستقبل التعازي في "بيت فرح وتهنئة".. الشهيد "ماهر الجازي" هدية الأردن لفلسطين وغزة العهدة الثانية للرئيس تبون.. أمريكا تسعى إلى ترقية التعاون الثنائي اختتام الألعاب البارالمبية في باريس.. الجزائر الأولى عربيا وإفريقيا وزارة التعليم الفلسطينية.. فتح مدارس افتراضية لأول مرة في غزة تعليم عالي.. استلام 19 إقامة جامعية جديدة بتكليف من رئيس الجمهورية.. عطاف في القاهرة ولقاءات مرتقبة مع نظرائه العرب الرئيس الصحراوي يوجه رسالة تهنئة إلى الرئيس تبون بعد فوزه بالعهدة الثانية.. اليامين زروال يهنئ عبد المجيد تبون جبهة البوليساريو تدين السياسة الإجرامية للاحتلال المغربي ضد الصحراويين أكد تمسكه بالعلاقة الاستثنائية بين البلدين.. ماكرون يهنئ تبون على إعادة انتخابه إجراءات عاجلة للتكفل بمخلفات الأمطار بولاية بشار وزارة التربية.. هذا هو موعد فتح المنصة الرقمية للتعاقد أسعار النفط ترتفع بأكثر من 1%.. وخام برنت يتداول قرب 72 دولارًا