التصعيد الصهيوني يتجاوز التهدئة.. هل تقترب المواجهة الحتمية؟

في ظل تصعيد متواصل وانتهاكات ممنهجة، تتعثر جهود التهدئة في الأراضي الفلسطينية، حيث يواصل الاحتلال الصهيوني تحدي الاتفاقات والتهرّب من التزاماته الدولية. فرغم إعلان حركة حماس تمسكها بمسار المفاوضات واستعدادها لتنفيذ المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، يمعن الاحتلال في المماطلة، مستغلًا الصمت الدولي لتكثيف حملات الاعتقال في الضفة الغربية وتشديد الحصار على قطاع غزة. ومع تفاقم هذا التصعيد، يصبح مستقبل التهدئة أكثر غموضًا، ما يطرح تساؤلات حاسمة حول جدوى الوساطات الدولية وقدرتها على كبح العدوان الصهيوني ووضع حدٍّ للأزمة المتفاقمة.

أكدت حركة حماس تمسكها باتفاق وقف إطلاق النار واستعدادها الفوري للشروع في مفاوضات المرحلة الثانية، مشددة على أن التهديدات الصهيونية لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد والتصعيد. ورفضت الحركة محاولات الضغط والابتزاز السياسي، معتبرة أن الاحتلال يواصل التنصل من التزاماته دون أي مساءلة دولية. وأضافت الحركة في بيانها أن “الاحتلال يواصل الانقلاب على الاتفاق ويرفض تنفيذ المرحلة الثانية، ما يكشف نيته في التهرب والمماطلة”، مؤكدة أن الاتفاق تم برعاية الوسطاء وبشهادة المجتمع الدولي، مما يستوجب إلزام الكيان الصهيوني بتنفيذه باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء ملف الأسرى. كما أشارت إلى أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يعرقل تنفيذ الاتفاق لدوافع شخصية وحزبية، في وقت يتجاهل فيه مطالب عائلات الأسرى الإسرائيليين، ما يعكس استغلاله السياسي لهذا الملف لتحقيق مكاسب داخلية على حساب استقرار المنطقة.

الاعتقالات في الضفة.. تصعيد ممنهج ضد الفلسطينيين

بالتزامن مع التعثر في المفاوضات، يواصل الاحتلال الصهيوني حملات الاعتقال في الضفة الغربية المحتلة، حيث بلغ عدد المعتقلين خلال شهر فبراير الماضي 762 فلسطينيًا، بينهم 90 طفلًا و19 سيدة، وفقًا لتقرير مشترك صدر عن هيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.

وذكر التقرير أن مدينة جنين ومخيمها شهدت النسبة الأكبر من الاعتقالات، حيث بلغ عدد المعتقلين منذ بدء العدوان الصهيوني شمالي الضفة في 21 يناير الماضي 300 فلسطيني من جنين ومخيمها، و200 من طولكرم ومخيميها. كما أوضح التقرير أن “عمليات الاعتقال تضمنت تصاعد التحقيقات الميدانية، التي طالت مئات المواطنين خلال الشهر المنصرم”.

ويواصل جيش الاحتلال عملياته العسكرية في جنين ومخيمها منذ 49 يومًا، بينما تتواصل عملياته في مخيم طولكرم منذ 43 يومًا، وفي مخيم نور شمس منذ 30 يومًا، وسط أوضاع إنسانية متفاقمة للسكان.

وفقًا للبيان المشترك، فإن عدد حالات الاعتقال منذ 7 أكتوبر 2023 بلغ 15,640 فلسطينيًا، بينهم 490 سيدة، ولا يشمل هذا العدد النساء اللواتي اعتُقلن من قطاع غزة، حيث يُقدّر عددهن بالعشرات.

إلى أين تتجه الأوضاع؟

وسط هذا التصعيد الممنهج، تبقى التساؤلات قائمة حول مصير التهدئة والمفاوضات، في ظل تعنّت الاحتلال وغياب أي ضغط دولي فعّال لإلزامه بتنفيذ التزاماته. وبينما يستمر العدوان على الفلسطينيين بمختلف أشكاله، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مزيد من التوتر، في انتظار متغيرات قد تُعيد خلط الأوراق من جديد.

في غضون ذلك، حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من كارثة إنسانية متفاقمة في القطاع، نتيجة إحكام الاحتلال حصاره لليوم التاسع على التوالي، ما أدى إلى شح كبير وأزمة خانقة في مياه الاستخدام المنزلي ومياه الشرب، بسبب منع الوقود الذي تشغل به الآبار ومحطات التحلية.

ووفقاً للمكتب الإعلامي، فإن الحصار أدى أيضاً إلى نقص حاد في السلع التموينية والمواد الغذائية الأساسية في الأسواق، فضلاً عن توقف غالبية الجمعيات الخيرية عن العمل، ما حرم آلاف الأسر التي كانت تعتمد عليها في توفير قوت يومها. وأوضح البيان أنه، نتيجةً لمنع الوقود، اضطر السكان لاستخدام الحطب بدلاً من غاز الطهي، ما يشكل مخاطر صحية وبيئية كبيرة.

وأضاف البيان أن البلديات غير قادرة على رفع أكوام النفايات المتراكمة، بسبب توقف إمدادات الوقود، كما توقفت عمليات إمداد النازحين بالخيام، وعدم القدرة على إنشاء مخيمات إيواء جديدة لعدم توفر الاحتياجات الأساسية. وأشار إلى أن المرضى المزمنين والجرحى يعانون من نقص حاد في الأدوية والمستهلكات الطبية، ما يزيد من معاناتهم.

وأكد المكتب الإعلامي أن الاحتلال الصهيوني “قرر قتل أهالي غزة ببطء عبر إحكامه الحصار على القطاع ومنع كل أسباب الحياة المعيشية عنهم”. كما حذّر من أن الأيام القادمة ستشهد مزيداً من التدهور في الأوضاع المعيشية والصحية والبيئية، مع عودة شبح المجاعة، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، والانهيار شبه التام للمنظومة الصحية.

وحمل المكتب الإعلامي الاحتلال الصهيوني وقادته المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وصفه بـ”المدان بجرائم ضد الإنسانية والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية”. كما دعا الدول العربية والإسلامية إلى التحرك الفوري لإنقاذ القطاع، من خلال تنفيذ قراراتها المتعلقة بكسر الحصار، والضغط لفتح معبر رفح، وضمان إدخال المساعدات والاحتياجات الأساسية لسكان غزة.

وطالب المكتب الإعلامي المجتمع الدولي “برفض هذه الجريمة وعدم الرضوخ لإرادة الاحتلال، واتخاذ إجراءات عملية لكسر الحصار، ومحاسبة مجرمي الاحتلال على هذه الجرائم، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب”.

الاحتلال يواصل التصعيد

وفي سياق الأزمة الإنسانية المتفاقمة، أعلن وزير الطاقة والبنى التحتية الصهيوني، إيلي كوهين، أن “إسرائيل ستوقف تدفق الكهرباء إلى غزة”، في خطوة تصعيدية جديدة تتزامن مع منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، واستمرار رفض الاحتلال الشروع في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

ويبدو أن الاحتلال يسعى إلى الضغط على حماس من خلال تشديد الحصار ورفع مستوى المعاناة الإنسانية، إلا أن الحركة أكدت في تصريحاتها الأخيرة أنها لن تخضع للابتزاز، وأن الحل الوحيد للأزمة هو الالتزام الكامل بالاتفاقيات الموقعة، وتنفيذ المرحلة الثانية من المفاوضات.

أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن منع (إسرائيل) دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة أمر يتنافى مع مسؤولياتها تجاه القانون الدولي، وأنه يجب على المجتمع الدولي عدم السماح بانتشار الجوع مرة أخرى في غزة.

وأضاف المتحدث باسم المفوضية ثمين الخيطان أن (إسرائيل) بصفتها قوة احتلال ملزمة بتوفير جميع الإمكانيات اللازمة لضمان وصول الغذاء والإمدادات الطبية للسكان في غزة، إضافة إلى تأمين النظام الصحي.

وشدد الخيطان على أن (إسرائيل) يجب أن تسمح بإدخال المساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية الأخرى، وأن تسهل وصولها إلى القطاع. وأكد على ضرورة سماح جميع أطراف النزاع بمرور المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق وتسهيل وصولها. وحول قرار (إسرائيل) بوقف دخول جميع المساعدات إلى غزة بشكل كامل، وصف المتحدث الأممي هذه الخطوة بأنها “أمر غير مقبول وينتهك التزامات (إسرائيل) بموجب القانون الدولي”.

وحذر من التداعيات السلبية لارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وانتشار المخاوف بشأن إمكانية الوصول إلى الاحتياجات الأساسية المنقذة للحياة في غزة مستقبلا. وأضاف أنه “إلى جانب النزاع المسلح، فإن رفض إدخال الاحتياجات الأساسية الذي يستهدف الضغط على السكان المدنيين بأكملهم، يثير مخاوف جدية بشأن العقاب الجماعي”.

ومنذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، صعّد “جيش” الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس، ما أدّى إلى مقتل نحو 930 فلسطينياُ، وإصابة قرابة 7 آلاف شخص، وفق معطيات فلسطينية رسمية. وترتكب “إسرائيل”، بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود، وسط دمار هائل. ​​​​​​​

آدم الصغير

آدم الصغير

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
15 سنة حبسا نافذا في حق تاجر متهم بالمضاربة في الموز بوهران برلمانية من حزب "فرنسا الأبية" تتهم روتايو بأنه "مثير للمشاكل" الجزائر ترفض دراسة قائمة بأسماء مواطنين صدرت في حقهم قرارات إبعاد من فرنسا واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال تسجل مستوى قياسيا وزارة العدل.. إجراءات جديدة لاستخراج شهادة الجنسية الجزائرية قانون تسيير النفايات الجديد.. خطوة نحو تحقيق تنمية مستدامة الجزائر تُوسّع آفاقها الخضراء.. نحو رفع مساحة الأراضي المسقية إلى 3 ملايين هكتار وزير الخارجية يستقبل عددا من السفراء الجدد المعتمدين لدى الجزائر المصادقة على القانون المتعلق باختصاصات محكمة التنازع القمة الروسية-الأمريكية.. هل تتغلب براغماتية بوتين على مزاجية ترامب؟ 70% من الأشغال مكتملة.. مصنع "فيات" بوهران يستعد للمرحلة القادمة الرقابة على الأسواق في رمضان: إغلاق محلات وحجز أطنان من السلع وكالة "عدل" تمدد ساعات العمل بمكاتب التحصيل خلال رمضان روتايو يهدد بالاستقالة.. والمعارضة الفرنسية ترد: "فليذهب!" واشنطن وتل أبيب تتشاركان قتل الأبرياء.. حرب الإبادة تمتد من غزة إلى صعدة بالصور | 4 إرهابيين يسلمون أنفسهم للسلطات العسكرية ببرج باجي مختار عرقاب يُعاين تقدم أشغال خط السكة الحديدية المنجمي بشار-تندوف-غار جبيلات بعد 48 عامًا على اغتياله.. كمال جنبلاط ينتصر من قبره! وزارة التجارة ترقمن البيانات الغذائية للحد من المخاطر الصحية تعويض البطالة.. صندوق "كاكوبات" يُطلق خدمة إلكترونية جديدة