التطبيع بين الاحتلال المخزني والصهيوني خيانة مزدوجة

أعلن نظام الاحتلال في المغرب عن إفلاسه الكامل رسميا عندما وقعت حكومته “الإسلاموية” آنذاك، على صك الاستسلام والتطبيع الملكي مع الكيان الصهيوني الغاصب في ديسمبر 2020، راكعا بذلك للأجندة الاستعمارية الجديدة أو لما أسموه بـ”اتفاقيات آبراهام” التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن يقف وراءه من عرابي المتطرفين الإنجيليين في أمريكا والعالم في نهاية عهدته الأولى فارضا إياها على دول عربية خاضعة للسيطرة الغربية والمتورطة جميعها بشكل أو آخر حاليا في حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا المقاوم في فلسطين وفي غزة الإباء ولبنان الكرامة.

الخطوة المخزنية المخزية أثارت جدلًا واسعًا داخل المغرب نفسه، وخارجه طبعا، وقد أطلقت مسلسلا مغربيا مخزيا من التخلي عن القضية الفلسطينية وشعبها، حيث ورطته في خدمة الأجندة الأمنية وحتى العسكرية الصهيونية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، وطبعا ضد الشعب الصحراوي الذي يعاني منذ عقود من جرائم الاحتلال المغربي وجرائم صانعيه في فرنسا و”إسرائيل”.

لكن الأخطر من كل ذلك، هو أن هذا التطبيع المغربي قد فتح أبواب الرباط مُباحةً مُنتهكةً أمام الكيان الصهيوني الذي اخترق البلد المغاربي في كل المجالات، خاصة منها الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية والدينية، مما يشكل تهديدًا كبيرًا ليس فقط على المغرب، بل لكل المنطقة المغاربية، فمملكة “جلالته” قد أصبحت مجرد قاعدة عسكرية واستخبارية أمنية صهيونية متقدمة في قلب منطقتنا، بما يعنيه ذلك من تهديد لأمن واستقرار كل دول المنطقة وحتى دول أوروبا الجنوبية، وعلى رأسها إسبانيا التي تدعم القضية الفلسطينية بشكل أفضل من عدد كبير من الدول العربية.

التطبيع مقابل الاعتراف.. مقايضة على حساب الشعوب

غير أن المراقب النبيه للوضع في المغرب سيدرك أن هذا الارتماء المخزني في أحضان الصهيونية العالمية ليس عنصر قوة لنظام الاحتلال المغربي بتاتا، بل هو دليل أكيد على إفلاس هذا النظام الذي عجز ليس فقط أمام المقاومة الباسلة للشعب الصحراوي، التي تستنزفه عسكريا، وتكيل له الضربات الدبلوماسية والسياسية والقانونية يوميا، ولكن أيضا أمام رفض الشارع المغربي نفسه لهذا التساقط الملكي تحت أقدام الإهانة الاسرائيلية، وإحباطه من هذه الخيانة التاريخية للدم الفلسطيني والتي لن يمحوها الدهر.

ورغم أن الجميع يعلم أن الخيانة المغربية الرسمية (ولا نقول الشعبية) للقضية الفلسطينية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي وليست وليدة اليوم، إلا أن مستوى الخضوع الذي وصل إليه المخزن أمام المطالب والإملاءات الصهيونية اليوم بلغ درجاتٍ غير مسبوقة، شملت التنسيق الأمني، والتوقيع على اتفاقيات دفاع مشترك مع الكيان، وفتح المغرب لقواعد التجسس الصهيونية، مما يورط الجيش المغربي وقيادته السياسية في المجازر والإبادة الجارية الآن في غزة وجنوب لبنان.

وبالفعل استغل الكيان الصهيوني تطبيع العلاقات لاختراق الاقتصاد المغربي، حيث تعمل الشركات الإسرائيلية على السيطرة على قطاعات استراتيجية في المغرب مثل الزراعة، والطاقة، والتكنولوجيا، ما يسهم في زيادة تبعية محمية فرنسا في الشمال الإفريقي للإملاءات الصهيونية والاقتصادية الغربية، وهو ما يهدد السيادة الوطنية المزعومة على بلاد لم يعد يملك النظام منها إلا الاسم.

 التهديد الإقليمي للتطبيع والتورط الفرنسي

الأكيد أن التطبيع المغربي لا يؤثر على نظام الاحتلال المغربي لوحده، بل يهدد جميع دول المنطقة المغاربية بدون استثناء ويدفعها نحو مزيد من الانقسام والتوتر وربما النزاعات مستقبلا، فبينما تواصل الجزائر الوفاء بالتزاماتها ومواقفها التاريخية المشرفة للقضية الفلسطينية، وتحافظ بقية دول المنطقة على دعمها ومساندتها للقضية الفلسطينية بدرجات متفاوتة ولكن أكيدة، يسعى النظام المغربي عبر تعميق انحيازه للأجندة الاستعمارية وتعزيز تحالفاته مع “إسرائيل” وفرنسا، إلى استعداء هذه القوى الدولية ضد الجزائر، ويستفيد من بعض امتيازات هذا الخضوع على حساب الجميع.

والغاية المخزنية من هذا الشذوذ عن مواقف دول المنطقة واضحة، حيث يشكل النموذج الجزائري عقدة تاريخية ليس فقط لنظام الاحتلال المغربي، بل ولعرابه الفرنسي الذي ما يزال عاجزا عن هضم حقيقة استقلال الجزائر التام عن التأثير الفرنسي، وتمتعها بكل مقومات الريادة للإقليم عكس المغرب الذي لا يستطيع لوحده لعب أي دور ريادي في المنطقة، ويورط نفسه في حروب أو صدامات ومناوشات مع كل دول المنطقة منذ الستينيات بحثا عن مكانة متوهمة للريادة.

ومن الواضح أيضا أن نظام المخزن، الذي لا ينبغي بتاتا أن ينسى القارئ أنه صنيعة كاملة للاستعمار الفرنسي منذ أن أقامه ومكنه الجنرال هوبير ليوطي من رقاب المغاربة، يلعب لعبة خطيرة عبر التطبيع، تتمثل في جلب الكيان الصهيوني للمنطقة، وتمكينه من مقاليد الحكم في المملكة، لحماية الأسرة المالكة وحاشيتها أساسا، ولكن أيضا لتمكين هذا الكيان من توجيه الضربات الأمنية إلى الجزائر خصوصا، وربما لزرع أذرعها الاقتصادية في الصحراء الغربية، التي بدأت رؤوس الأموال الأجنبية، الفرنسية والصهيونية، تتغلغل إليها عبر بوابة الرباط منذ أن أعلن ماكرون رسميا ومن داخل البرلمان المغربي أن باريس ستغوص عميقا في المستنقع الاستعماري المغربي بالصحراء الغربية.

من جهة أخرى، لاحظ المراقبون أيضا استمرار التوتر بين الرباط ومدريد رغم المساعي الكثيرة التي بذلها رئيس الوزراء الاسباني، بيدرو سانشيز، لاسترضاء المخزن عبر دعم أطروحته الاستعمارية في الصحراء الغربية، ويبدو أن أحد أسباب هذا التوتر يعود إلى الاختلاف الجذري بين الموقفين المغربي والاسباني فيما يتعلق بجرائم الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي يقف المغرب بكل خزي مع “إسرائيل” وجيشها، ترفض مدريد هذه الجريمة المتواصلة، وتعلن عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، كما ترفض التعامل مع الكيان الصهيوني بأي شكلٍ قد يؤثر على الشعب الفلسطيني، عكس نظام ملك المغرب.

التطبيع المغربي سيؤثر أيضا على بقية دول المنطقة المغاربية من حيث اتخاذ الغرب موقف المملكة من التطبيع لممارسة الضغط على العواصم المغاربية ومحاولة فرض التطبيع عليها، وبالمقابل، تحاول الدول الغربية تعزيز التأثير المغربي في المنطقة وفي القارة الإفريقية عموما، لتعزيز الانطباع بصواب فكرة التطبيع وتعظيم فوائدها على من سيتساقط ويخضع للصهاينة.

غير أن كل هذه الدعاية المغربية والصهيونية قد فشلت في الإقناع ليس فقط بسبب فسادها رأيا ونهجا، بل للهزة الهائلة التي تعرضت لها صورة “إسرائيل” دولة وجيشا، حين وقفت عاجزة أمام جماعات مسلحة صغيرة، ومسلحة تسليحا تقليديا وضعيفا، وبالتالي أصبح نظاما الاحتلال المغربي والصهيوني غريقان في المستنقع نفسه، ولم يبق لهما إلا التشبث ببعضهما بعضا لعل وعسى.

لكن لا يمكن ترك الحبل على الغارب، ولا مناص للشعب المغربي من تحمل مسؤولياته التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، مادام قد عجز عن تحمل المسؤولية نفسها تجاه الشعب الصحراوي المقاوم، ولا بد للشعب المغربي من أن يرفض هذا التطبيع الذي يمثل خيانةً مزدوجة لفلسطين والصحراء الغربية، ولكن قبلهما خيانة للقيم الدينية والأخلاقية التي تحتم على كل شعوب الأمة الاسلامية تقديم ما تستطيع من الدعم للشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الصهيوني الجائر.

المسؤولية نفسها تقع على عاتق شعوب بقية الدول المغاربية التي لا يمكنها أن تواصل تجاهل التساقط المغربي الرسمي، لأنه لا يؤثر فقط على القضية الفلسطينية بل على مجمل القضايا الجهوية والقارية التي تهم الدول العربية والإسلامية والإفريقية.

وقد يتساءل البعض عن الطريقة التي يمكن بها لهذه الشعوب أن تدعم الشعب المغربي في رفضه للتطبيع، غير أن أبسط هذه الطرق تكمن في تعظيم صوت الشعب المغربي الرافض للتطبيع، والمناهض للملكية المغربية العميلة للأنظمة الصهيونية والفاشية-النازية، ودعم نضالات الشعب المغربي بكافة الأشكال المتاحة.

والأكيد أن السكوت عن جرائم الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية وفي فلسطين لا يشرف النظام المغربي ولا الشغب المغربي.

ماء العينين لكحل - دبلوماسي وكاتب - الصحراء الغربية

ماء العينين لكحل - دبلوماسي وكاتب - الصحراء الغربية

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
وزير الاتصال..الجزائر توسّع بثها الإعلامي دوليًا عبر الأقمار الصناعية سونلغاز تفتح أبوابها لنقل خبرتها إلى بوركينا فاسو قائد الجيش السوداني:"الخرطوم حرة" استنفار وطني لمواجهة أسراب الجراد ومنع انتشارها إلى ولايات جديدة رقمنة الخدمات التجارية.. "مرافق كوم" الحل الذكي لمتابعة مداومة التجار دوفيلبان يتصدر الشخصيات السياسية المفضلة في فرنسا بعد مواقفه من غزة والجزائر هذه أبرز الملفات التي ناقشها اجتماع الحكومة الجزائر في صدارة الدول المصدرة للغاز المسال بإفريقيا ليلة القدر في الجزائر.. نفحات إيمانية وعادات متجذرة الكاردينال فيسكو: "تصريحات روتايو مستفزة والجزائر لن تخضع للخطاب التهديدي"  غزة تشتعل.. تصعيد عسكري ونفير عام ورسائل تهز "إسرائيل" بوغالي يطالب إسبانيا بمراجعة موقفها من قضية الصحراء الغربية القضاء الفرنسي يرفض طلب تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري "دوالمن" بشراكة صينية.. نحو إعادة إطلاق مصنع الإسمنت بالجلفة سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر