لم تكن العلاقات المتنامية بشكل مُريبٍ، بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني، سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، وقد تبين مع مرور الوقت، أنّ عودة العلاقات بين الرباط وتل أبيب، برعاية أمريكية في ديسمبر من سنة 2020، كان مجرد ترسيمِ لعلاقات موجودة تحت الطاولة، بعيدا عن أعين الشعب المغربي.
اليوم وفي ظل الجدل السياسي والإعلامي الصاخب في كل من المغرب وفلسطين المحتلة، رفضا للزيارة التي يقوم بها رئيس هيئة الأركان العامّة في جيش الاحتلال الصهيوني، الجنرال أفيف كوخافي، للمغرب، تحاول بعض الأوساط المأجورة، تسويق خطاب مفاده، أن تطبيع الرباط مع تل أبيب، جاء بهدف خدمة القضية الفلسطينية، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
تبريرات لم يجد كلّ من قرأها منفذا إلى فهمها، ومع ذلك هناك من يتجرأ على ترديد مثل هذا الكلام المسموم، على غرار ما كتبته إحدى الصحف العربية الصادرة في لندن “العرب” في مقال جلب الكثير من السخرية لكاتبه وللصحيفة التي تبنت مثل هذا الخطاب وروجت له.
الصحيفة إياها عنونت مقالها: “التعاون مع “إسرائيل” يفتح الطريق أمام المغرب لدور أكبر في الملف الفلسطيني”، هكذا ودون حياء أو حِشمة.. وفي المتن تحدث صاحب المقال وهو صحافي من المملكة المغربية، زاعمًا أن التطور الحاصل في العلاقات بين الرباط وتل أبيب، مكّن الأولى من التوسط لفتح “معبر اللنبي” الذي يربط الأردن بالضفة الغربية، وهو مفتوح أصلا لكن بعدد ساعات أقل.. هذا أقصى ما استطاعت المملكة تقديمه للفلسطينيين.. هكذا بكل وقاحة.
أكثر من ذلك، يستمر الصحافي ذاته في تنظيف النجاسات من أمام القصر بسبب رجسِ التطبيع، عندما راح يضيف “إنجازات” أخرى لـ “إنجاز” تمديد ساعات فتح “معبر اللنبي”، قال إنها “امتداد لوساطات ومواقف سابقة تظهر دعم العاهل المغربي الملك محمد السادس للفلسطينيين وانحيازه إلى القضية الفلسطينية والقدس”، وهو يعلم بمن تسبب في تعثر صدور بيان باسم المجموعة العربية في الأمم المتحدة، يدين الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين في القدس، قبل أيام.
هذا الصنف من الإعلام المرتزق، يحاول تنويم الشعبين المغربي والفلسطيني ومعهم الشعوب العربية الرافضة للتطبيع، لكن هيهات أن تنطلي الخدعة على مئات من الملايين الذين لا يزال دمهم ينبض بروح العروبة وحب فلسطين القضية المحورية للأمة.
المغربيون القريبون من النظام الحاكم، يحاولون تبرير خطيئة التطبيع وتسارع وتيرته، عكس بقية البلدان المطبعة قديما مثل مصر والمملكة الأردنية، أو المطبعة حديثا مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، ما يؤكد وجود هوىً واستعدادًا لدى النظام المغربي لرهن مصير بلاده للكيان الغاصب، وهو المعطى الذي ما انفك ينكشف من حين إلى آخر، على يد رجال وإعلام الكيان من حين إلى آخر، إمعانا في الإهانة والإذلال لهذا النظام أمام الشعب المغربي والعربي عموما.
صحيفة (هآرتس) الصهيونية وبمناسبة زيارة رئيس أركان الكيان إلى المغرب، أفردت في عددها الصادر الثلاثاء مساحةً واسعةً للحديث عن العلاقات بين الكيان والمملكة المغربية، قائلة إنها “علاقات أمنيّةٍ سريّةٍ خلال عشرات السنين”، ما يعني أن التطبيع الذي كان قبل نحو سنتين، لم يكن سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد.
وعلى الرغم من الحرج الكبير الذي يوجد فيه النظام المغربي أمام شعبه وبقية الشعوب العربية والإسلامية بسبب تفريطه في القضية الفلسطينية، إلاّ أن الإعلام الصهيوني، لم يراع خصوصية الظرف وحساسية الموقف المغربي، وراح عبر صحيفة “هآرتس”، يكشف عورات المملكة وممارساتها غير المشروعة خلف الجدران مع الكيان، متحدثة عن “علاقات تاريخيّة للتعاون الأمني والمخابراتي”، من خلال إقامة جهاز الموساد، ممثلية له في الرباط، منذ العام 1967، والمعروف عربيًا باسم النكسة.