التفجيرات في كرمان والرسالة لعدن.. حارس “الشيطان” في مستنقع “البجعة” السوداء!

ما كان، بالأمس القريب، في حكم المخاوف التي حاول العالم تجنبها، كما سعت أمريكا ومن ورائها أوربا وكذا “إسرائيل” لتحييدها ومنعها بشتى وسائل التهديد والإغراء، أضحت واقعا ومواقعا، وفوق هذا وذاك كابوسا بالبحر الأحمر، فرقعة الحرب التي أُريد لها أن تبقى محصورة في جغرافية جثث وبواكي وأنقاض غزة، خرجت من مساحتها المحددة قصفا وسلفا، لينتقل المشهد برمته من سماء وبَـرّ وجثث غزة إلى حيث للبحر سفنه وسندباده وباب مندبه، فيما عنوان المغامرة والمواجهة برمتها أن ما أرادته وسعت إليه “البجعة” السوداء، ممثلة في مملكة بلقيس بكل تاريخ سيوفها وصمودها، والتي شذت عن قاعدة أن كل البط و”البجع” العربي أبيض وخانع، لم يكن إلا فصلا من سيناريو استدراج الحوت الكبير، الذي تجلت عباب بوارجه وأشرعة غزوه  أمريكي وأوروبي بالبحر الأحمر، وذلك بعد أن استجاب الشيطان لنداء، وربما فخ، البجعة السوداء، وجاء ساعيا ببوارجه إلى حيث الحرب ليست غزة ولكنها اليمن، كما أن المواجهة لم تعد كيانا صهيونيا بالوكالة عن صاحب المطهى، ولكنها مع مُعِدّ الوجبة بشحمه ولحمه، ممثلا في أمريكا ومن خلفها كل خَدَم وغلمان البيت الأبيض من أوروبا إلى ممالك ودول الخم والخذلان العربيّين..

من يتوهم أن ما قام به اليمن، خلال أسابيع من اقتناص للسفن العالمية في عرض البحر، لم يكن إلا حماسة بدو انتصروا لأبناء دمهم إثر تنكيل وحشي طال غزة الصمود، فثارت حميتهم ليتورطوا في غزوات كونية بالبحر غير مدركين لحجم القادم من تداعيات عالمية، من يتوهم ذلك فهو لا يفقه في السياسة ولا في قصة “العجوز والبحر” شيئا، كما أنه لا يعرف من اليمن وعنها إلا كونها مرتعا لحفاة فقر وجوع تكالبت على “سبأهم” نياق وإبل سبْيّ لسبع و”قصف” عجاف، وذلك لإخراجهم من لعبة العالم بأمر من كبار العالم ، فإذا بالنتيجة العكسية أن لعبة السبّي في ساح سبأ انتهت بخليج نوقها ومقاصف إبلها، إلى استجداء خروج آمن من مستنقع كان هو اليمن الصمود. لذلك، فإن مغامرة البحر التي أعلنها التحالف “الأمريكو – أوروبي” في البحر الأحمر لاصطياد البجعة السوداء بصنارة “حارس الازدهار”، كما أُطلق على العملية كتسمية، لن تكون إلا ساحة “صومال” جديدة للعبة الأمريكية وخوذاتها التي جر جثثها في شوارع حفاة مقديشو، فاليمن بحربها العلنية ضد منظومة التجارة العالمية بكل معرفتها بامتدادات لوبياتها الماسونية والصهيونية لم تكن في رحلة صيد للأسماك الصغيرة، ولكنها كانت تستدعي الحوت الكبير، مجسدا في القرش الأمريكي، بشكل رسمي للخروج من أدغال بحره، لتقف له وجها لوجه، وذلك بعيدا عن أي اعتبارات أو مخاوف إلا سيناريو “الغرق” القادم، حيث عنوان النصر والهزيمة فيه  ليس إلا لعبة عض أصابع، وأيهما يصرخ أولا ، عنترة أم أمريكا وأمعاء العالم المشدودة بحبل باب المندب؟

نظرية البجعة السّوداء.. حلل يا دويري!

قبل أن تصطدم أمريكا وبريطانيا وفرنسا بالكابوس اليمني، كرقم فاعل أخلط أوراق اللعب على طاولة المقصفة الصهيونية المعولمة، وذلك بعد أن وضعت سبأ يدها على “بطن” العالم في سوق تجارة هو العالم كله، قبل ذلك، كانت كل المعطيات مرتبطة بساحة غزة وما سينتج عن تهجير قسري لأهلها، من صفقات تمديد وضخ معولم لأنابيب مخزون الغاز المكتشف في بحرها وتحت أراضيها. لكن، معادلة البجعة السوداء التي ظهرت على شواطئ عدن أخلطت حسابات كبار وتجار العالم، وعلى رأسهم أمريكا، لتستنفر فيهم كل قوة ردع، وذلك بعد أن انقلبت معادلة التهجير القسري من برّ غزة إلى تهجير قسري لسفن العالم وبوارجه من البحر الأحمر، والمعادلة بمفهوم الصدمة والمفاجئة والكابوس في سؤال كيف غيرت صنعاء قوانين ومخططات اللعبة؟ أن نظرية البجعة السوداء “بعجبت” المخطط المعولم برمته، بعد أن نقلت الحرب من رقعة غزة إلى حيث البحر كما الرجال يمن وسبأ وعدن..

لمن يجهل نظرية البجعة السوداء، فهي النظرية العكسية للعبة الثور الأسود الذي تآمر على الثور الأبيض في مملكة الأسد، بحجة أن سواد جلده يتقاطع مع سواد جلد الأسد، فيما الثور الأبيض كان مجرد إضافة غير لازمة، لتكون خاتمته الثور الأسود، بعد أن اختلى به الأسد، أن خلفها وراءه: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، وهي النظرية العكسية لنظرية البجعة السوداء التي تحول “سوادها” لصدمة وسط بجع معروف على أن كله بريش أبيض، فإذا بظهور بجعة سوداء وسط السرب يُحدث الصدمة، ليس فقط بين بقية حيوانات الغابة ولكن حتى داخل السرب الأبيض، والمهم أن نظرية البجعة السوداء، التي لم تكن إلا اليمن في البحر الأحمر، هي الرقم أو الحدث غير المتوقع وغير المتنبأ به في لعبة المخابر، والذي يمكنه أن يخلط حسابات أي مخططات معلومة النتائج مسبقا. لذلك، فإن مسارعة أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى تشكيل تحالف بحري معولم تحت عنوان “حارس الازدهار” لحماية التجارة العالمية من ملاحم السندباد البحر ما هي إلا ردة فعل عن صدمة عنوانها، ماذا تفعل “بجعة” سوداء داخل أسراب البجع العربي الأبيض المهادن الخانع والراضي بقدر المبيضة؟!

والمهم فيما يجري وما جرى وما سيجري بالبحر الأحمر، أن حارس الازدهار نزل إلى البحر وأول ثمار ظهوره أن عرّت أمريكا على حقيقة وجهها كونها حارس حظيرة صهيونية، وأن مذابح غزة هي في الأصل محرقة أمريكية بمقاصف وأيادي إسرائيلية، فالأصل في الموضوع أن “إسرائيل” ليست إلا شركة مرتزقة مكونة من شتات متعدد الجنسيات، وهي في النهاية “دويلة” بالوكالة عن مصالح البيت الأبيض بالشرق الأوسط برا وبحرا..

المحرقة في غزة والتفجيرات في كرمان أما “المندبة” فباب اليمن!

لكي تُفهم الأحداث كما هي، وليس كما يسوقها ويُعلبها الإعلام الموجه لغاية في نفس “جُبّ” أبناء يعقوب، يوم رموا الذئب بدم يوسف، عليه السلام، يجب أن تقتنع بأنه لا وجود لأحداث متفرقة في خضم صراع تديره المخابر الإستراتجية، كما تتحكم في فاتورته وخَرَاجِه ومخرجاته القادمة، لذلك فإنه إذا كانت ملحمة طوفان الأقصى قد صدمت العالم في السابع من أكتوبر كون حجم جرأتها وقوتها لم يكونا في الحسبان، إلا أن تداعياتها من مقاصف ومذابح كانت مخططات صهيونية وأمريكية جاهزة في تهجير قسري، كان مشروعا مؤجلا ، استعجلت محرقته ملحمة طوفان الأقصى. والمهم هُنا أن كل ما تداعى بعد السابع من أكتوبر في ساحة غزة كان تحصيل حاصل لمشروع تهجيري قديم، لكن دخول اليمن أو “البجعة” السوداء على الخط أخلط الأوراق دفعة واحدة، بعد أن نقلها من بر غزة إلى بحر اليمن، لتكون ردة الفعل الجاهزة على “المندبة” العالمية بباب مندب تفجيرات لبنان، ثم تفجيرات كرمان بإيران، حيث الشرارة الحقيقية لما تم قصفه في لبنان وتفجيره في إيران ليست إلا شرارة اليمن، والرسالة الواضحة من الموساد كذراع خفي لأمريكا أن اللعب في ساحة البحر الأحمر، وبالذات في “باب” المندب، مواجهة مفتوحة، في وعلى تراب وأرض إيران..

الرسالة وصلت كما هي، ورغم أن أمريكا و”إسرائيل” حاولتا التبرؤ من المذبحة التي طالت المدنيين بكرمان في إيران، إلا أن واقع الزحف البحري في عملية “حارس الازدهار” كشف أن هذه من تلك، وأن أمريكا التي جرت بوارجها في رحلة صيد للبجعة السوداء أرادت من خلال مذبحة كرمان ليس فقط أن تقول إنها حارسة “إسرائيل”، ولكنها مالكة البحر، وأن أي تدخل في خط سيره ليس إلا إعلان حرب مفتوحة. لكن مشكلة بوارج “حارس الازدهار” أن الأمر في كل الأحوال خرج عن السيطرة، وأن رقعة الحرب التي كانت محصورة في مساحة غزة قد أصبحت بحرا لا يعلم عمقه أحد، كما أن أمريكا اليوم ومعها بريطانيا وفرنسا أصبحوا جزءا من معركة كانت غزة، فأصبحت بحرا أحمر بكل تداعيات معاركه وصداماته القادمة..

ما هو ثابت ومؤكد في معادلة “إسرائيل” تغرق بغزة وأمريكا وبريطانيا وفرنسا يتورطون في سباحة متجمدة في باب المندب أن فواعل المذبحة من يومها الأول خرجوا بأسمائهم وصفاتهم، وأن من كان يضرب من خلف ستار الكيان الصهيوني قد عرّت لعبة البجعة السوداء وجهه، ليكون جزءا من لعبة النيران ومخلفاتها. والنتيجة أن كل أرقام وأوراق اللعبة الآن فوق الطاولة، ولم يد هنالك مجال لسيناريو الشجرة التي كثيرا ما أخفت ما وراء الغابة وما فيها من غايات ومشاريع احتطاب ولهب..

سألوا وزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر، عن سر القوة الأمريكية، فقال: إن ” قوة أمريكا تكمن في أنها تبحث عن خونة الوطن فتقتلهم، وتبحث عن خونة الدول الأخرى فتمكنهم وتستعملهم” ، والسؤال العالق في سر القوة الأمريكية وفق منظور نفخ وتمكين واستعمال خونة الدول الأخرى، والمقصود بهم طبعا أنظمة العمالة العربية من إمارات نفط، ماذا لو أن البجعة السوداء فتحت لعبة البحر على مصراعيها لتتمدد فواعلها ومقاصفها إلى رقعة آبار النفط الخليجية، لتوسع رقعة الحريق إلى المدى الذي لم تتنبأ به مغامرة حارس الحظيرة أو الازدهار، وخاصة أن تصريحات القادة اليمنيين اتجهت في ذلك المنحى من التهديد والوعيد الذي يمكنه أن “يبعح” ليس فقط بطن العالم ويمزق أمعاء أمريكا، ولكن أن ينهي زمن “البجع” الأبيض وخم بيضه الذهبي الذي ” يلقلق” فوق أنهار من نفط، فيما يبيض في مزرعة وفراش البيت الأبيض..

خاتمة المقال ونكتة النص برمته، في غزوة الشيطان الأكبر لاصطياد البجعة السوداء، أن أمريكا واستراليا وكندا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا أصدروا بيانا عاجلا وموحدا، دعوا فيه لوقف الهجمات اليمنية في البحر الأحمر لحماية الملاحة البحرية وربما للمحافظة على حياة أسماكه من همجية الحوثيين، والبيان المضحك المبكي بمثابة قرار أممي تبناه مجلس الأمن بالأمم المتحدة داعيا فيه اليمن لوقف هجماتها على سفن الازدهار الأمريكية والأوروبية والصهيونية، وطبعا لا “فيتو” طعن في القرار ولا اعتراض من أي طرف على حماية أسماك البحر والرأفة بحياتها، عكس الذي حدث مع مشروع قرار إيقاف إطلاق النار في الحرب المعلنة على كل حياة في غزة، والذي سارع “حارس” الازدهار، إلى إبطاله بفيتو “الجزار” الأمريكي، وسط مفارقة معولمة تتأثر وتثور لحياة السمك، لكنها مع أطفال غزة حوت كبير في غزوة تفجير وهمج.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الجزائر تعيد رسم خارطتها الغذائية.. القمح الفرنسي خارج الحسابات بن جامع: "الهجمات الصهيونية انتهاك صارخ لسيادة سوريا ويجب وقفها فورًا" ارتفاع أسعار النفط عالميا وسط مخاوف من تقلص الإمدادات الجزائر والعراق.. شراكة طاقوية استراتيجية في ظل التحولات العالمية برنامج عمل مشترك بين وزارة الشباب ومكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بالجزائر مولوجي تُشدد على ضرورة "تحيين" مناهج التكفل بالأطفال المعاقين ذهنيا الجمارك تحجز أكثر من ربع مليون "قرص مهلوس" بالوادي  أوابك.. الغاز الطبيعي المسال سيلعب "دورا رئيسيا" في الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون برنامج الغذاء العالمي.. 70 ألف لاجئ كونغولي ببوروندي مهددون بالمجاعة تنسيق جزائري-سعودي خِدمةً للحجاج والمعتمرين الجزائريين الرئيس تبون يستقبل الرئيس الأسبق لجمهورية تنزانيا الاتحادية نحو مراجعة سقف تمويل إنشاء مؤسسات مصغرة سوناطراك وسونلغاز تبحثان فرص التعاون والاستثمار في أديس أبابا تعليمات صارمة لإعادة بعث مشروع مصنع الإسمنت بالجلفة تحالف طاقوي تاريخي بين الجزائر والنيجر ونيجيريا.. هل يغير خط الصحراء خريطة الغاز العالمية؟ إيتوزا.. برنامج خاص لتسهيل تنقل المواطنين بالعاصمة خلال العيد وزير الصحة يقترح مشروع توأمة بين جامعة بلجيكية والمدرسة الوطنية للمناجمنت في الجزائر العراق يلجأ لتوريد الغاز الجزائري لتعويض الإمدادات الإيرانية منظمات جزائرية تدين الحملات العدائية لليمين الفرنسي المتطرف يستضيف المعطيات الوطنية.. بداري يُدشن قسم الحوسبة السحابية