“التقويم الجزائري” قبل مائة عام.. الفلاحة والتّنجيم والأدب في كتاب

“التقويم الجزائري” هو وليمةٌ مُدوّنةٌ على الورق، اجتمعَ فيها الأدب بالفلاحة، والتّنجيم بِسِيَر العلماء وتراجمهم، والطّرائف بصور مشاهير السياسة والمُجتمع، وتقْويم الشهور والفصول بالإشهار والإعلانات. هو أشبه بمجلّة مُنوّعة في كتاب “مُتخصّص” في التقويم الفلكي، ولا يخلو من فوائد وطرائف وقيمة تراثية.

مجلّة في كتاب

الكتاب الذي بين أيدينا صدَر سنة 1913، وجاء في صفحة عنوانه: (التقويم الجزائري لسنة 1331 الهجرية. لمُحرِّرَيْه: الشيخ محمود كَحُّول مدير تحرير جريدة كوكب إفريقية والمستعرب بودي لوي ناظر مُصفِّفي الحروف العربية بمطبعة فونطانة الأخوين في الجزائر). وكأنّما الكتاب هو حوليةٌ تصدر كل سنة، فقد جاء في الديباجة: “فهذه سنتنا الثالثة للتقويم الجزائري الذي ثابرنا على إصداره وكابدنا الأتعابَ في إبرازه، لِما رأيناه في سنتيه الأوَليين من مؤازرة نُصَراء الأدب وإقبال أهل العلم الذين اتّخذوه منهجًا واقتنوه أفواجًا”.

حديثُ الدِّيباجة

جاء في الديباجة أيضا “وبلا ريب، إن ذلك الإقبال الذي أمدّنا به محِبّو نشر المعارف دلَّ على أنّهم وجدوا هذا التقويم ألذّ للعقول من الكمال، وأحلى للنفوس من العذْب الزّلال، وألِفُوه شاملاً لما أصبح به روضةً فيْحاء وحديقةً زاهية ودوحة غنّاء بالمباحث العلمية والشّذرات الفلكية والفَذالِك (من الفذلكة وقُصِد بها الخُلاصة) الفلاحية واللّطائف الطبيّة والطرائف التاريخية وصوَر بعض المشاهير وتراجمهم”.

تواصل الديباجة استعراض مميّزات “التقويم الجزائري” لسنة 1331 هجرية عن التقويمين السابقين، حيث جاء فيها: “وقد توفّقنا في هذه السنة لنشر بعض التّجارب في الحوادث الفلكية، والاختبارات في الطّرق الزراعية، كتجارب الرّعود وحدوث الزّلازل وما يُستدلّ به على طوارئ الحدثان وصُروف الزّمان ممّا جاءت به التجارب في غالب الأحوال، غير مَشُوبة بشوائب الاعتقاد.. وأسعفتنا المقادير على نشر قطعة أولى من سلسلة تتعلّق بشؤون زراعة الإثمار والفواكه وكيف تكون غراستها وزبْرُها (تقليمها) وتزْبِيلها (سمادُ الحيوانات).. وقد ساعدتنا الحظوظ.. على بلوغ المُراد من نشر رجز (الدرّة المكنونة في علماء بونة) وهي المنظومة التي طالما اشرأبّتْ لها الأعناق وتطاولتْ لها الأحداق”.

التأريخ الإسلامي والمسيحي والقبطي

اشتملت الصفحات الأولى من كتاب “التقويم الجزائري” لسنة 1331 هجرية، على شهور السّنة والتاريخ اليومي فيها ومواقيت الفجر الفلكي، والفجر العربي، وشروق الشمس، وغروب الشمس، وطلوع القمر، بالساعة والدقيقة، وذلك وِفقًا للتأريخ الهجري والمسيحي (الميلادي) والقبطي. بالإضافة إلى تحديد دخول كل شهر هجريّ، وما فيه من مناسبات دينية إسلامية أو مسيحية، وما يحدث فيه من حركة في الأجرام السماوية من اقتران للكواكب، إضافة إلى تحديد بدايات المواسم والفصول باليوم والساعة والدقيقة. كما يذكر تقويم الأيام التي ما زالت مُتداولة حتى الآن في بعض مناطق الجزائر، أو ما يُعرف بـ “التقويم الفلاحي”.

ساعة الزّوال

ثم يُبيّن الكتابُ طريقةَ استعمال “الساعة الشمسية أو ساعة الزوال”، حيث يقول: “الساعة الشمسية من لوازم كل إنسان يسكن في غير المُدن والقرى، ولا يقدر أن يعرف الوقتَ الحقيقي إذا احتاج إليه”. ويضعُ الكتابُ جدولاً يُوضَح فيه الفرق بين الساعة العادية التي تعتمد على الآلة (ساعة اليد)، وساعة الزوال التي تعتمد على طريقة وضع إبرة وقياس ظلّها، وذلك حسب شهور السنة الشمسية.

الشعر مِلْح التّقويم

وجديرٌ بالإشارة أنه في نهاية الحديث عن كل شهر هجري، نُشِر في الكتاب بيتٌ شعريٌّ فيه حكمة أو طرْفة، مثل: تستُر بالخُضاب وأيّ شيء – أدلُّ على المشيب من الخُضاب. كما نُشِر في الكتاب مجموعةُ إعلانات تفصل بين كل قسم وأخر.

لكل شهر.. حوادثٌ وثمار

جاء في تعريف القسم الفلكي أنه “تجارب فلكية، وفوائد زراعية على مُقتضى الشهور الشمسية”. وقد تضمّن الحديث عن كل شهر على محورين هما: حوادثه، وثماره. ومثال ذلك شهر جانفي، فقد جاء في الحديث عنه “حوادثه: إن كان فيه رعدٌ فإنه يُخبر بكل خبر، وإن حصل الرّعد والقمر في نقصان، دلّ على جوع وحرب. وإن كسف القمر فيه، كَثُرَ الخِصْبُ. وإن وَقَع في اليوم الخامس عشر منه مطرٌ، حصل الزّرع بإذن الله تعالى. وفي العشرين، إن أمطرتْ اليومَ والليلةَ، كان الخير والخصب عامًّا. ثماره: وفي هذا الشهر: يُكرّب الشجر تركيبًا يُسمّى بالتّرقيع، ويُزرعُ فيه القطن والحَبَق. وينبغي أن يُحذَف فيه من كل كَرَم قد أتتْ له سنتان قضبان (لم تُورق أشجار الكروم مثل العنب مدّة سنتين)، يُستغنى عنها.. ومن الناس من يحذفها بيده، إذْ كان الأوّلون لا يرون مسّ الكرم بِحديدة حتى تأتي عليه ثلاث (لا يُمسّ شجرُ الكرم بآلة حديدية حتى يتجاوز عمره الثلاث سنوات).

من الأمثلة الأخرى، شهر ماي “حوادثه: في الواحد والثلاثين منه، يُنظر إلى الرّيح، فإن كانت شرقية صلُح القمح. وإن كانت غربية، صلُح الشعير. (لم يذكر ثماره)”. وشهر جوان “حوادثه: إن وقع الرعدُ فيه، والقمر في نقصان، دلّ على جوع وهرج. ثماره: الزرع الذي يُحصَد في اليوم الثالث والعشرين منه، لا يُسوّس ولا تلحقه آفة بإذن الله تعالى”.

تنبُّؤاتُ السّنة من يوم دخولها

تضمّن “القسم الفلكي” موضوعات أخرى جديرةٌ بالقراءة لأنها قد تكون مُرتبطة بالأساطير والمعتقدات الشعبية، وقد يكون صاحبَا الكتاب قد نقلاها من ثقافات أخرى غير الثقافة الجزائرية. ففي موضوع “تجارب في دخول السنة”، يضع الكاتبان “تنبّؤات” حول تقييم السنة الفلاحية انطلاقًا من اليوم الذي دخلتْ منه، ومثال ذلك ما جاء في الكتاب: “إن دخلتْ (السنة) بيوم الأحد فهي للشمس، تَقِلُّ فيها الرياح، وتفسد الفواكه، ويكون زرْعها كبيرًا (من حيث حجم السّنبلة). وفيها بردٌ وثلجٌ كثير، ورعد ويكثر مطرها في الحصاد، فمن لم يَعْجل بحصاده فسَد زرعه.. وإن دخلتْ (السنة) بالإثنين فهي للقمر، وأوّلها حسَنٌ جدا، كثير الأمطار، وفي وسطها نفع المصايب (من الصّيّب) في الزّرع والإثمار. وإن دخلتْ بالثلاثاء فهي للأحمر، وهي كثيرة الأمطار والثلوج، ويكون الزرع كثيرًا والفاكهة قليلة”.

نَقيق الضّفادع دليلُ الوباء

“تجارب في حالة السّنة باعتبار حركات الحيوان” هو موضوعٌ آخر في “القسم الفلكي”، جاء فيه: “إذا كثر نعيق (نقيق) الضّفادع دلّ على الأمراض والوباء، وإذا نقصت بعد وقوع الوباء، ارتفع الوباء (رُفِع وانتهى). وإذا وقع الموت في الوحوش (حيوانات البريّة)، كان الجوع والحرب. وإذا رأيت العصافير تُصَوِّت صوتًا ضعيفًا، ورأيت الطّيْر تجري بين الشجر وتُكثر الانغماس في الماء، ورأيت الدّجاج تُكثر الانحكاك (الاحتكاك) في التراب وتتمرّغ فيه، دلّ كل ذلك على شدّة المطر والبرد”.

للعذاب.. يومان كلّ شهر

في موضوع “أيام الرّجز” (لعله يقصد معنى العذاب)، جاء في الكتاب: “ذكر أهل التجارب أن هذه الأيام التي أنزلها الله على بني إسرائيل، لا يُزرع فيها بزرٌ (بذْرٌ)، ولا يُغرس فيها شجر، ولا يُسافَر فيها، ولا تُطلَب فيها حاجة بوجه من الوجوه. وفي كل شهر يُوجد منها يومان..” (ويُحدّد الكتاب اليومين المقصوديْن في كل شهر).

قابِلة في خدمة النّوافِس

يُواصل الكتاب، في “القسم الفلكي”، تقديم “الفوائد” منها “فائدة في دخول الشهور”، و”فائدة في عدد أيام الشهور”، ثم يتحدّث عن “السنة الشمسية”. وينتهي هذا القسم بإعلان طريف تضمّن الآتي: “زوجة (فلان). قابلة مُجازة بالجائزة الأولى في الطب بالجزائر.. تُجاوب (تجيب وتردّ) عن المُخابرة (الاتصال) سواءٌ بالفرنسوية أو العربية. وتحضر للنّوافس حيثُما طُلِبتْ حتى ولو خارج الجزائر”. وفي آخر الصفحة بيتٌ شعري يقول: “إن شرّ الناس من يمدحني – حين يلقاني، وإن غبتُ شتَمْ”.

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
جامعة الدول العربية: تجويع الفلسطينيين جريمة حرب وإبادة جماعية وثائق سرية تفضح تورط جنرالات فرنسا في تعذيب الجزائريين خلال الثورة التحريرية مشروع استراتيجي لتعزيز تصدير الكهرباء الجزائرية نحو تونس وليبيا عرقاب في بشار لإطلاق مشاريع طاقوية استراتيجية هيئة اللجان الأولمبية الإفريقية تُكرّم الرئيس تبون بالوسام الذهبي استحداث "بكالوريا مهنية" لتعزيز التكوين المتخصص وتلبية احتياجات سوق العمل الجزائر تُطلق أوّل مصحف رقمي موجّه للمكفوفين احتكار الذكاء الاصطناعي.. كيف تعيد القوى الكبرى رسم خرائط السيطرة؟ وكالة الأنباء الجزائرية: "كفى نفاقًا.. فرنسا هي المستفيد الأكبر من علاقاتها مع الجزائر" إنجاز مركز بيانات مرفق بمركز حوسبة للذكاء الاصطناعي بوهران "برج إيفل" يرتدي الحجاب.. ما القصة؟ في سابقة وطنية.. "صيدال" توفر أقلام أنسولين جزائرية للسوق المحلي التحويلات المالية بين الأفراد عبر الهاتف النقال ترتفع بأكثر من الضعف في 2024 الشيخ موسى عزوني يكسر الصمت: "هذا ما قصدته بحديثي عن السكن والزواج" بلعريبي يأمر بتسريع إنجاز مستشفى 500 سرير بتيزي وزو بلاغ هام لفائدة الحجاج قيود صهيونية جديدة على نشاط منظمات الإغاثة.. الاحتلال يقطع شريان الحياة الأخير عن غزّة حجز 34 حاوية من مادة الموز بميناء عنابة باحثتان جزائريتان تقودان ثورة علمية في مجالي الطب والبيئة.. ما القصة؟ وزارة الصحة تشدد على ضرورة إجراء التحاليل الطبية قبل الختان