سقط القناع عن القناع؛ هو بيت من قصيدة “مديح الظل العالي” للشاعر الفلسطيني محمود درويش، تقول أبياتها:
“سقط القناعُ عن القناعِ عن القناعِ سقط القناعُ لا إخوةٌ لك يا أَخي، أَصدقاءُ يا صديقي، لا قلاعُ لا الماءُ عندكَ، لا الدواء ولا السماء ولا الدماءُ ولا الشراعُ ولا الأمامُ ولا الوراءُ حاصِرْ حصَارَكَ… لا مفرُّ سقطتْ ذراعك فالتقطها واضرب عَدُوَّك … لا مفرُّ وسقطتُ قربك، فالتقطني واضرب عدوكَ بي.. فأنت الآن حُرُّ حُرٌّ وحُرُّ” لا أبلغ من قصائد درويش فأبياتها لم تصبها تجاعيد الزمن.
مرت أكثر من سنة على بداية العدوان الهمجي الذي يقوده جيش الاحتلال الصهيوني وريث عصابات الهاغانا التي عاثت فسادا في أرض فلسطين منذ غرس هذا الكيان في قلب المشرق سنة 1948 وحتى قبل هذا التاريخ بسنوات كثيرة. لم تتمكن الهيئات الدولية ومختلف الهياكل والمؤسسات الدولية التي لها سلطة بسط القانون من إيقاف المجازر التي يرتكبها المجرمون الصهاينة بغطاء أورو-أمريكي.
يجابه الفلسطينيون لوحدهم المآسي التي فرضتها الصهيونية العالمية بعد أن تخلى القريب قبل البعيد عن القضية التي كانت إلى وقت قريب توصف أنها “القضية المركزية” للأمة.
لكن من المستحيل تجاهل التغيرات التي حصلت في العالم بعد العمليات التي شنها مجاهدو حركة المقاومة الإسلامية «حماس” يوم 7 اكتوبر 2023 حتى أن بعض المحللين يتحدثون اليوم عن “عالم ما بعد 7 اكتوبر” الذي اجتمعت فيه أصوات الجنوب الكبير مع صدى المقاومة وما تبقى من شذرات العقل الغربي الذي قيل إن عقلانية “عصر الأنوار” شكلت بعده الحضاري.
“… لا مفرُّ سقطتْ ذراعك فالتقطها واضرب عَدُوَّك … لا مفرُّ وسقطتُ قربك، فالتقطني واضرب عدوكَ بي .. فأنت الآن حُرُّ حُرٌّ وحُرُّ”
لعل أبيات درويش كافية لتبيان أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ولكن أيضا نفحات التاريخ كافية هي الأخرى للإجابة عن كثير من التساؤلات التي حق للفلسطينيين طرحها اليوم في سياق البحث عن أسباب الخذلان وطول أمد المأساة، ولكن حتى لو:
” سقط القناعُ
عَرَبٌ أَطاعوا رُومَهم
عَرَبٌ وباعوا رُوْحَهُم
عَرَبٌ.. وضاعوا”
إلا أن بريق الأمل في نصرة المظلوم يأتي من الجزائر.
لطالما عرف عن الجزائر على المستوى الشعبي والرسمية نصرة القضية الفلسطينية، التي تعتبر في وجدان الكثيرين القضية الأبدية. وليس غريبا أن يرفع العلم الجزائري في الكثير المواجهات بين الشبان والمقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة. وليس غريبا أن تقارع الدبلوماسية الجزائرية في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الفيتو الأمريكي، وخلفه تحالف ” الدول اللقيطة” للمعسكر الصليبي الصهيوني التي “سقطت أقنعتها” الإنسانية في الحرب على فلسطين.
الكثيرون لا يعلمون أن نصرة القضية الفلسطينية لم يكن نزوة طارئة أو انتفاضة عابرة تتلو ما يرتكبه الصهاينة في حق الفلسطينيين، وغياب الصورة الكاملة للدعم الجزائري يعود إلى تفادي الجزائر على المستوى الرسمي خاصة استعراض تلك المساهمات وفي هذا الصدد تأتي رمزية العبارة التي أطلقها مندوب الجزائر في مجلس الأمن الدولي عمار بن جامع “أنا وراك دائما” في رده على مندوب فلسطين رياض منصور الذي طلبه للوقوف في جنبه في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد بعد الجلسة التي تبنى فيها مجلس الأمن في شهور جويلية الماضي للمرة الأولى قرارا يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
الجزائريون والكل يعرفون أن ذراع ” بومدين الغوث” التي فقدها وهو يحارب في جيوش صلاح الدين ضد الصليبيين منذ أكثر من عشرة قرون مدفونة عند أسوار بيت المقدس بالقرب من الحي الذي كان اسمه “حارة المغاربة”، والتي كانت أوقافا حبسها مجاهدو المغرب العربي لكل ما تُنفَق عليه مداخيل الأوقاف، إلى أن هدمها الكيان الصهيوني في توسعته لمنطقة حائط البراق الذي أسموه حائط المبكى.
لقد عاش الجزائريون تحت نير الاستعمار الفرنسي لما يزيد عن قرن من الزمن وهذا الاستدمار الذي عمل على دحر الهوية الجزائرية قد انكسر أمام عنفوان ثورة التحرير التي قادها الرجال والأبطال الذين سمتهم الصحافة الكولونيالية بالفلاقة. هو التاريخ يعيد رسم أحداثه اليوم، ولئن كانت المسميات مختلفة فإن الواقع يظهر أن القاسم المشترك بين الثورتين لا غبار عليه، حيث أهل البلاد في فلسطين اليوم وفي الجزائر بالأمس يقاومون عناصر دخيلة غريبة، بأوضاع مختلفة اقتصاديا أمام عدو متفوق ومتطور صناعيا.
احتفلت الجزائر مطلع شهر نوفمبر بالذكرى السبعين لانطلاق الثورة المجيدة وهو تذكير بالدم الذي أريق في سبيل تحرير الوطن، وهو الدم نفسه الذي يدفعه الفلسطينيون اليوم لتحرير الأرض من المحتل الصهيوني. إن الهدف الأسمى، هو استرجاع السيادة على الأرض والحرية المسلوبة. والاحتلال وإن اختلفت صفاته وتسمياته، فطبيعته واحدة وصفاته القتل والتهجير والتجويع واللاإنسانية.
الموقف الجزائري تجاه القضية الفلسطينية فريد من نوعه ويكاد يكون أحد أندر أمثلة الشجاعة السياسية في زمن غلبت عليه “الهرولة السياسية” للتطبيع على حد قول رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. إن «الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، ليس مجرد شعار تصدح به الحناجر، بل شعور تجسد في وجدان الجزائريين تجاه القضية الفلسطينية وشعبها. وهذا ما يعبّر عن المسؤولية الجزائرية الكبيرة وموقفها التاريخي المشرف مع القضية الفلسطينية.
يقول المؤرخون إن فترة الثلاثينيات والأربعينيات عرفت مساهمة العديد من الجزائريين في حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني، وتألق آنذاك نجمُ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ الفضيل الورتلاني باسم جماعة الإخوان المسلمين، والشيخ الهلالي عميمور باسم الطريقة العلوية، الذي كان ممثل المغرب العربي في لجنة عروبة القدس التي كان يرأسها الحاج أمين الحسيني.
لكن المساهمة المعاصرة الأكثر فعالية حسبما يقوله المؤرخون، كانت ما قام به الرئيس بومدين بعد استقباله لياسر عرفات في منتصف ستينيات القرن الماضي، عندما قال له: “أطلق رصاصة أو قم بعملية ضد الكيان الصهيوني وستجدنا إلى جانبك”، وهو ما حدث فعلا ويتواصل حتى اليوم في مختلف الساحات الدبلوماسية.
وليس من باب التفاخر أو المزايدة القول إن ثورة التحرير الجزائرية كانت مصدر الإلهام الأول للثورة والمقاومة الفلسطينية، ولأكثر من سبب.
السبب الأول هو أن الكيان الصهيوني مارس في فلسطين أسلوب الاستعمار الاستيطاني نفسه الذي عرفته الجزائر خلال حقبة الاستدمار الفرنسي، وتماما كما شُرّد أبناء الجزائر من أرضهم لمصلحة أوربيين ملهوفين، شرد أبناء فلسطين من أرضهم لمصلحة اليهود الأشكيناز الغزاة الذين قدموا فلسطين حفاة عراة.
والسبب الثاني هو أن المواجهة مع الغازي، في الجزائر وفي فلسطين، كانت ضد جيش مزود بكل الأسلحة الفتاكة، وفي الوقت نفسه ضد قطعان مستوطنين ولصوص كانوا شذاذ آفاق منبوذين يتصفون بالاستعلاء والتجبر الذي يعبر عن عقدة نقص كانت جزءا من وجودهم.
ويضاف إلى هذا سبب جوهري هو إدراك المجاهدين أن المعركة مع العدوّ هي معركة طويلة، يجب أن تعتمد عل أسلوب الكرّ والفرّ الذي يرهقه ويمتص قواه، وهو ما يعني أن الحرب يجب أن تلجأ لأسلوب العصابات، لأن هذا هو الأسلوب الممكن في مواجهة عدوّ يسيطر على الأرض ويتحكم في الجوّ ويتمتع بدعم قوًى دولية، لا ترضى بقيام دولة فلسطينية يتحكم ابناؤها في ثرواتهم الطبيعية وفي وجودهم.
من هنا كان من الطبيعي أن تكون الثورة الجزائرية هي المثال الذي يُحتذى به، والقدوة التي يتحتم أن تسير الثورة الفلسطينية على هداها.
وهكذا أيضا كانت الجزائر ولاتزال في طليعة من لجأ إليهم المقاومون الفلسطينيين، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تفرضه عليهم التوازنات الإقليمية في المشرق العربي من حساسيات جيوسياسية وتعقيدات التاريخ والجغرافيا التي لا يمكن تجاهلها.
“سلام أمريكي بلا أرض“
حين يتحدث عن اتفاقيات أوسلو يقول الراحل “إدوارد سعيد” (1935-2003) إن الفلسطينيين “عقدوا سلاما أمريكيا بلا أرض”
رغم أن المفكر الفلسطيني-الأميركي إدوارد سعيد (1935-2003) كان من أوائل المؤيدين لحل الدولتين وصوّت سنة 1988 لصالح إقامة دولة فلسطين -في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر الذي كان عضوا فيه بين 1977 و1991-، وشارك بنفسه مع الشاعر الراحل محمود درويش في صياغة “وثيقة إعلان دولة فلسطين”، لكنه استقال من المجلس 1991 احتجاجا على اتفاقية أوسلو وشروطها التي رآها غير مقبولة.
ندد سعيد باتفاقية أوسلو 1993 في كتابه “سلام بلا أرض”، متنبئا بأنها “لن تقود إلى إقامة دولة فلسطينية حقيقية”، واعتبر أن منظمة التحرير الفلسطينية “حولت نفسها من حركة تحرر وطنية إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء ذات الحفنة من الأشخاص في القيادة”.
بالنسبة للكثير من المحللين يكمن الخلل في فعالية الكفاح الفلسطيني في تعرض المقاومة للابتزاز ومحاولات التدخل والتأطير والتوجيه وبالتالي الاستحواذ على القرار الفلسطيني على العكس من الثورة الجزائرية، التي كان منطلقها وطنيا وتمكن قادتها من تحقيق السيطرة الكاملة على كل ما يتعلق بالقرار الجزائري.
يشدد الكثير من المراقبين أن ما يميز الدعم الجزائري للفلسطينيين في مسارهم المقاوم، هو استكفاء الجزائر بنفسها عن التدخل في شؤون الفصائل الفلسطينية التي تستند على الكثير من المرجعيات الفكرية والمنطلقات الإيديولوجية، وأيضا بتعدد المراجع العربية التي تستند إليها في البحث عن الدعم.
حرصت الجزائر منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية على ألا تدخل في جوّ التلاعب بين الفصائل الفلسطينية، وهكذا التزمت بدعم القوة المقاتلة التي حملت اسم “فتح” ، بدون أن تعادي قيادات الفصائل الأخرى التي لا تنسجم منطلقاتها، لسبب أو لآخر، مع ما كان يرنو إليه الراحل ياسر عرفات، باعتباره الرمز الذي التفت حوله القوى الفلسطينية المقاومة.
المثير للأسى هو أن إجهاض النتائج السياسية لحرب أكتوبر 1973 ومحاولات بعض الدول العربية المطبعة تقزيم وتحجيم ما صنعته المقاومة في غزة في أكتوبر 2023 أعطى للكيان المسموم فرصة انتزاع القرار السيادي العربي، وأعطي الكلمة الأخيرة لآلهة الحرب في تل أبيب، بحيث لم يعد بعض بني الجلدة من العرب أن يخجلوا من وصف المقاومين الفلسطينيين “بالإرهابيين”…
“سقط القناعُ عَرَبٌ أَطاعوا رُومَهم عَرَبٌ وباعوا رُوْحَهُم عَرَبٌ… وضاعوا سَقَطَ القناعُ”.
الجزائر وفلسطين.. دروس الثورة وتحديات التحرير
بقلم: رابح لونيسي (مؤرخ وأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة وهران – الجزائر)
بعد أكثر من عام من انطلاق العمليات التي قادتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات صهيونية، لا يزال الكيان الصهيوني يصر على وصفها بأنها اعتداء عليه، ومن حقه الدفاع بكل الوسائل.
وقد انساقت الكثير من الدول والإعلام الغربي مع هذا الطرح الدعائي الكاذب متجاهلين أن هذا الكيان هو استعمار استيطاني أخذ أرض شعب وأتى بأناس من بقاع العالم كله، فاستوطنها هناك وأقام كيانا عنصريا ضد الفلسطينيين، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، بل حتى يهودًا كانوا يعيشون هناك، والذين يختلفون عن اليهود الذين جاءوا من دول أخرى. كما أخفى هذا الإعلام المتواطئ كيف كان المستوطنون الصهاينة يستولون على الأراضي بدعم الجيش، مما دفع المقاومة إلى الدفاع عن الفلسطيني الذي كان يُقتل يوميا، إضافة إلى رغبة في إعادة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية بعد ما دفعت إلى آخر الاهتمامات. ونسي العالم أن هناك شعبًا يُهضم ويُقتل يوميا، ومن حقه إقامة دولته.
نموذج التحرير وإلهام الشعوب
الجزائر كانت عاملا رئيسا في تحرير العديد من الشعوب في إفريقيا وآسيا وقد أصبحت الجزائر نموذجا للحرية والتحرر، فكل هذه الشعوب كانت تستلهم كفاحها من الثورة الجزائرية، وبإمكاننا أن نواصل ونعطي نموذجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا للعالم كله وقد نجحت الجزائر وخاصة في السبعينيات في هذا المسعى أين كان النموذج التنموي للجزائر المنبثق من قيم ومبادئ الثورة ينظر إليه من كل دول العالم الثالث آنذاك.
لعل البعض ينظر إلى القضية بعدد الشهداء الذي أعطاه الشعب الفلسطيني في هذه الحرب الصهيونية ومدى الخراب والدمار الذي لحق بغزة، لكن نسي هؤلاء أن تحرير الأرض يتطلب تضحيات، فهذه التضحيات هي التي تنير الطريق، وتعطي الحياة لأي شعب كان. وكلما ازداد الإجرام الصهيوني زادت معه قوة المقاومة وصلابتها. فلو نظرنا برؤية هؤلاء، فأين يضعون تضحيات الشعب الجزائري مقابل الإجرام الاستعماري الفرنسي الذي انتهى باعترافه بسيادته رغم ملايين الشهداء؟ ألا تشبه عمليات 07 أكتوبر 2023 عمليات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني التي أعطت لثورتنا التحريرية نفسا قويا، بل جعلت الشعب ينخرط في العمل المسلح بقوة بسبب انجرار الجيش الاستعماري إلى تقتيل الشعب بكل همجية؟ أليس هو الأمر نفسه الذي يحدث في فلسطين اليوم؟.
لقد بينت هذه الحرب مدى همجية الصهيونية، وأنها لا تختلف عن النازية إن لم تفقها في الوحشية، وهو ما جعل الكثير من الرأي العام العالمي، خاصة الغربي، يكتشف هذه الحقائق رغم القمع والتستر الإعلامي. فبدأ الكثير منهم يدركون أن الصهيونية تشترك مع النازية الهتلرية في الكثير من الأمور مثل العنصرية وشعب الله المختار، ومنها أيضا نظرية المجال الحيوي، ومعناها أن كل دولة يجب عليها أن تتوسع على جيرانها كلما ازداد عدد سكانها وحاجاتهم، وإلا ستموت.
لكن خطورة النازية الصهيونية مقارنة بالنازية الهتلرية الألمانية أن هذه الأخيرة تستند فقط على النقاء والتفوق العرقي، لكن الصهيونية تضيف إلى ذلك عملية خطيرة، وهي توظيفها واستغلالها الدين اليهودي لتبرير ممارساتها. وهو ما يظهر بجلاء في همجيتها ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، بل سيأتي اليوم الذي ستقوم فيه بالممارسات نفسها ضد الجميع مثلما نراه في الرغبة في توسيع رقعة الحرب من خلال الاعتداء على لبنان وسوريا واليمن وإيران. وأكثر من هذا، فهي توسعية، فكلما ازداد عدد سكان الكيان الصهيوني والمهاجرين إليه، ستظهر بقوة نظرية المجال الحيوي النازية التي وضع أسسها هتلر، والتي تقضي بالتوسع في الأراضي المجاورة من أجل الاستيطان.
هذا ما يفسر لنا تزايد المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، حيث يصل عددهم في غزة والضفة الغربية إلى أكثر من 500 ألف مستوطن يمارسون أبشع أساليب القتل والتدمير والخنق للشعب الفلسطيني. هذا ما يجعل الكيان الصهيوني يرفض فكرة إمكانية تطبيق حل الدولتين، أحدهما لليهود والأخرى للفلسطينيين، لأن الكيان الصهيوني لن يقبل بذلك إطلاقا بسبب بحثه الدائم عن المجال الحيوي الذي يقتضي التوسع، ولهذا تمت عرقلة أي تطور أو تطبيق المراحل المتبقية من اتفاقيات أوسلو 1995 التي من المفروض أن تدخل مرحلة أخرى هي إنشاء دولة فلسطينية متكاملة الأركان في كل من الضفة الغربية وغزة. فبدل تحقيق ذلك، وقع العكس، فازدادت المستوطنات بشكل رهيب، مما يتطلب حمايتها بالجيش الصهيوني، وكذلك بإبادة وتقتيل الشعب الفلسطيني وسلب أراضيه كي يخلو المجال لليهود الذين جيء بهم من كل أصقاع العالم بالطريقة نفسها التي جاءت بها فرنسا الاستعمارية بأوروبيين إلى الجزائر منذ1830 وجلهم كانوا رعاعا وقطاع قطع وعديمي الأفق.
استعمار استيطاني واستغلال إعلامي
لقد استغل الكيان الصهيوني عملية طوفان الأقصى بالأسلوب نفسه الذي استغلت فيه أمريكا هجمات11سبتمبر2001 بكل انعكاساته الكارثية على العالم الإسلامي، فقد صورت العملية بأنها عملا عدوانيا على الكيان الصهيوني يعطيه الحق الشرعي في الدفاع عن النفس بكل الوسائل، وساعده في ذلك إعلام غربي متحيز للكيان الصهيوني، بل حتى مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة أجتمع لمناقشة ما أعتبره “عدوانا” على هذا الكيان، وهذا يحدث لأول مرة منذ نشأة الكيان الصهيوني. كما ظهر كاتب الدولة للخارجية الأمريكي بلينكن بصفة يهودي بتقديم دعم غير مشروط للكيان الصهيوني، والأمر نفسه ما ظهر به هنري كيسنجر أثناء حرب أكتوبر 1973، مما جعلنا نعقد مقارنات معتقدين بأنه سيقوم بدور كيسنجر نفسه منذ نصف قرن في الشرق الأوسط.
وبالعودة للتاريخ، فقد تمكن الشعب الجزائري من الانتصار على فرنسا الاستعمارية بوحدته وتكتله في جبهة واحدة هي جبهة التحرير الوطني، فالأمة الجزائرية بكل مناطقها وتوجهاتها الأيديولوجية وانتماءاتها السياسية وكل ألسنتها وتنوعاتها واختلافاتها، توحدت في جبهة واحدة من أجل طرد الاستعمار الفرنسي. واليوم نحن في مواجهة أمر آخر وهو مواجهة تحديات أمنية خارجية ومواجهة مؤامرات ضد الجزائر وكل هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالأسلوب نفسه وهو تكتل الشعب الجزائري بكل فئاته وأطيافه في جبهة واحدة كما تكتل أبناء الثورة التحريرية وهذا لمواجهة كل التحديات الأمنية والاقتصادية وغيرها.
تضحيات جسام لإقامة دولة قوية
ما يمكن أن يستلهمه الجزائريون من ثورة التحرير هو التضحيات الجسام من أجل إقامة الدولة الوطنية وما نحتاجه اليوم من كل جزائري هو العمل والتضحية من أجل بناء جزائر قوية في كل المجالات، السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية والثقافية وغيرها، لأن هذه الدولة الوطنية لم تأت من عدم، بل جاءت بتضحيات تجاوزت 6 ملايين شهيد ولهذا يجب علينا بكل ما أوتينا من قوة الحفاظ على هذه الدولة والتي لا يمكن الدفاع عنها إلا بتحقيق حلم الشهداء وحلم المجاهدين وهو إقامة دولة وطنية قوية في كل المجالات.
تختفي أيضًا وراء الهمجية الصهيونية في فلسطين اليوم رغبة دفينة في إحياء ما تسميه ظاهرة “معاداة السامية” في كل العالم كرد فعل على هذه الجرائم، مما سيشعر يهود العالم بعدم الأمن والاستقرار، فيضطرون للهجرة إلى فلسطين كما فعلوا بسبب المذابح النازية الهتلرية ضدهم، والتي دعمتها الصهيونية خفية لأنها خدمت استراتيجيتها. فأي عودة لهذه الظاهرة، خاصة من مسلمي أوروبا، فإنها لا تؤدي فقط إلى حروب أهلية بين المسلمين واليهود فيها، مما سيضعف هذه الدول، بل أيضًا ستدفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، مما سيخدم المشروع التوسعي الصهيوني، وهو ما سيؤدي إلى الاستيلاء على أراضي الجيران شيئًا فشيئًا. فيتخلص هذا الكيان من مشكل بشري يعاني منه يمنعه من القيام بحروب طويلة الأمد تستنزف قواه بسبب أن المجتمع الصهيوني مجتمع عسكري أصلاً، ففي حالة أي حرب طويلة الأمد تؤثر على اقتصاده بسبب النقص البشري وتعبئة أكبر عدد من السكان. يتطلب حل هذه المشكلة الديمغرافية بالنسبة للكيان الصهيوني تزايد الولادات والهجرات اليهودية إليه، مما سيمهد لتنفيذ مرحلة أخرى من المشروع الصهيوني تتمثل في إقامة ما يسميه بـ “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات.
الجزائر عصية ومقاومة لكل المؤامرات
يجب الاعتراف بالقول إن من بين كل دول الصمود والتصدي، من العراق إلى سوريا إلى اليمن وليبيا، تبقى الجزائر عصية ومقاومة لكل المؤامرات بفضل يقظة شعبها وبسالة قوتها الأمنية والعسكرية. أكثر من ذلك، فهي ترفض إعادة النظر في سياستها الخارجية المبنية على مساندة قوى التحرر التي ورثتها عن الحركة الوطنية التحررية. إن دورها في مجلس الأمن بصفتها عضوا غير دائم ومبادراتها لفائدة فلسطين من جهة، ووقوفها إلى جانب لبنان من جهة أخرى يعبر أن عن المساندة المطلقة وغير المشروطة لبناء دولة فلسطينية في حدود 1967.
بالعودة الى القمة العربية التي احتضنتها الجزائر في 2022، فأهم ما يلاحظ ضمن المحاور الخمسة من إعلان قمة الجزائر نسجل أخذ القضية الفلسطينية حيزا كبيرا فيه بجعلها قضية مركزية كما كانت في الماضي، وكذلك تبني مطلب الجزائر الذي أعلن عنه الرئيس تبون في خطابه الافتتاحي للقمة على إنشاء لجنة تنسيق عربية للعمل من أجل اكتساب دولة فلسطين العضوية الكاملة في هيئة الأمم المتحدة. فلهذا ستكون الجزائر مرة أخرى عامل دفع لهذه القضية على المستوى الدولي، فبعد ما دخل ياسر عرفات هيئة الأمم المتحدة لأول مرة، وألقى خطابه الشهير فيها رافعا الزيتون رمزا للسلام في 1974 بمساعدة جزائرية فعالة آنذاك بحكم أنها كانت تترأس الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تم إعلان دولة فلسطين في الجزائر عام1988 بالطريقة نفسها إعلان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية كي تعطي دفعا دبلومسيا للقضية الفلسطينية كما فعلت الثورة الجزائرية بحكومتها المؤقتة.
من قمة الجزائر إلى تحركات الأمم المتحدة
فلنشر بأن الثورة الجزائرية بقيت دائما ملهمة ليس فقط للشعب الفلسطيني، بل لكل شعوب العالم، ومنها شعوب العالم العربي، وهو ما حرصت عليه الجزائر، ويظهر ذلك جليا ليس فقط من اختيار أول نوفمبر لعقد القمة العربية قبل سنتين، بل أيضا مشاركة قادة الدول العربية الشعب الجزائري احتفالاته بالذكرى 68 لاندلاع ثورته. فقد حرصت الجزائر في هذا الحفل إسماع هؤلاء القادة أبياتا من إلياذة شاعر الثورة مفدي زكريا يدعوا فيها الفلسطينيين والشعوب العربية للاستلهام من هذه الثورة في كفاحها وأساليب عملها وتوحيد الجهود ولم الشمل. فلنذكر أن مفدي زكريا قد ألقى إلياذته المخلدة لتاريخ الجزائر العريق وأمجاده لأول مرة عام1974، أي بعد تحقيق انتصارات حرب أكتوبر1973 التي ساهمت فيه الجزائر بشكل كبير بجيشها وقدراتها المالية والدبلوماسية آنذاك، وهو الانتصار الذي أعاد لشعوب العالم العربي ثقتها بنفسها، وتم بها محو آثار العدوان الصهيوني أو ما سمي بالنكسة في 1967، والتي وقع بعدها خلاف حاد بين جزائر بومدين ومصر عبد الناصر التي رفضت طلب الرئيس بومدين بالاعتماد على حرب التحرير الشعبية لتحرير فلسطين وكل الأراضي التي أحتلها الكيان الصهيوني مستلهما هذا الأسلوب من الثورة الجزائرية التي طردت الاستدمار الفرنسي شر طردة.
دخول دولة فلسطين هيئة الأمم المتحدة سيكون له أثر كبير على هذه القضية، خاصة بعد ما توحدت الفصائل الفلسطينية في الجزائر، وهو ما سيعطي قوة دفع لها دون أن ننسى عودة البلدان العربية إلى المبادرة العربية للسلام 2002، وهو ما من شأنه إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإعادة النظر في شروط التفاوض مع الكيان الصهيوني على أساس “الأرض مقابل السلام” بدل الهرولة إلى التطبيع دون أي مقابل تحقق ودون انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة كما نص على ذلك القرار الأممي 242، وأيضا بما تنص عليه مبادرة السلام العربية2002 على إقامة دولة فلسطين على أراضيها كما كانت صبيحة 5جوان1967 بما فيها القدس الشريف.
النخبة الجزائرية والقضية الفلسطينية.. اهتمام مبكر وتفاعل مستمر
بقلم: مولود قرين (أستاذ التاريخ المعاصر، بجامعة الدكتور يحيى فارس بالمدية – الجزائر)
خصص الباحث في التاريخ المعاصر مولود قرين دراسة أكاديمية حول النخبة الجزائرية وتفاعلها مع قضايا العصر ويتحدث في هذه المساهمة عن تبني الجزائريين للقضايا المتعلقة بالعالمين العربي والإسلامي.
لعل من بين أهم القضايا التي اهتمت بها النخبة الجزائرية حتى وهي تحت نير الاحتلال الفرنسي في وقت مبكر هي القضية الفلسطينية، وكشف مخططات الصهيونية وأطماعها في فلسطين، ويعتبر “راسم” المعروف بمقته الشديد لليهود، من الأوائل الذين نبهوا إلى خطر اليهود والصهيونية على العالم الإسلامي، ويظهر هذا من خلال ردّه على الشيخ “رشيد رضا” الذي اقترح عقد اتفاق تعايش مع الصهاينة، فاستنكر راسم ذلك، وأعرب عن رأيه المتمثل في استحالة عقد اتفاق معهم، قائلاً: “… إن اتفاق زعماء العرب أبناء الفاتحين وأهل البلاد مع زعماء اليهود مستحيل، لأنه اعتراف بزعامة اليهود ورضى بمشاركة هؤلاء الأجانب في بلاد اشتراها أباءهم بدمائهم الطاهرة، فلا يحق لغير العرب وهم أبناء إبراهيم الأصفياء الأنقياء الموعودون بتلك البقعة المطهرة …. ولا غير راية الإسلام أن تخفق عليها ما دام في عروق العرب دم وفي أجسام المسلمين روح….”
وإلى جانب راسم كذلك نجد “ابن قدور” من الأوائل الذين بينوا للمسلمين مكائد اليهود ودسائسهم، فكان لهم في نظره دور كبير في إضعاف الدولة العثمانية كما قلنا سابقاً. فكل أعمالهم داخل الدولة العثمانية كانت تمهيداً لسيطرتهم على بلاد فلسطين.
وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانكشاف وعد بلفور المشؤوم الذي صدر في نوفمبر 1917، وبداية عمل الصهاينة علانية بدعوة اليهود للالتفاف حول الحركة الصهيونية ومساندتها بالأموال لاسترجاع أرضهم الموعودة كما يزعمون، كانت النخبة الجزائرية تتابع هذه الأعمال، وتطلع الرأي العام الإسلامي بمخططاتهم، ومن بين الذين تابعوا الحركة الصهيونية منذ عشرينيات القرن الماضي “السعيد الزاهري” الذي حاول في مقالات عدة بجريدة “البرق” أن يفند ادعاءاتهم المتمثلة في أن أرض فلسطين هي أرض وعد بها الله بني إسرائيل، وأكد بأن الحركة الصهيونية هي شكل من أشكال الاستعمار، ومما قاله “الزاهري”: “… يقول اليهود أن فلسطين ملكاً لهم بأمر الرب، وإذا كان الأمر كذلك فمن الذي أخرجهم منها وهل هو أقوى من الرب؟ وعلى كل حال فهي ليست لهم لأن أهاليها هم الذين لم يفارقوها ومكثوا فيها من قبل التيه إلى اليوم، ولم يأمر الرب ولم يوافق العدل على أن يملك تلك الأرض إلا المتدين باليهودية، بل الحق الذي لا مراء فيه هو أن استعمار فلسطين باليهود هو ظلم مثل بقية أشكال الاستعمار، ولذلك لا نرضى أن تكون تلك الأموال التي اختلسوها منا ومن غيرنا بالربا وبالوجوه المعلومة أساساً لبناء ملكهم ونفوذ سيادتهم على إخواننا المسلمين أهالي فلسطين الحقيقيين…”
الصهيونية والاستعمار وجهان لعملة واحدة
لقد واصلت النخبة الجزائرية في رفضها واستنكارها للأطماع الصهيونية في فلسطين، واعتبرت من خلال صحافتها، ورسائلها الاحتجاجية أن الحركة الصهيونية والاستعمار هما وجهان لعملة واحدة، وأن الاستعمار الغربي دعم الاستعمار الصهيوني في فلسطين حتى يحافظ على مصالحه الحيوية في المنطقة.
مما تقدم نستنتج أن النخبة الجزائرية كانت ملمة بكل التطورات السياسية التي شهدها العالم العربي والإسلامي خلال الربع الأول من القرن الماضي، كما نجدها قد تفاعلت مع أغلب القضايا الحساسة التي شهدتها المنطقة، وذلك نتيجة شعورها بانتمائها العربي والإسلامي، ومن أبرز القضايا التي دار حولها النقاش كثيرا من طرف النخبة الجزائرية بكل أطيافها قضايا الدولة العثمانية، خاصة الجامعة الإسلامية، وإلغاء الخلافة العثمانية وما ترتب عنه من جدل في أوساط النخب الإسلامية.
كما نلاحظ فالنخب الجزائرية وقفت بقلمها مناصرة للأقطار العربية والإسلامية في كل النكبات التي مرت بها لاسيما المتعلقة بالاستعمار وسياسته في المنطقة، فكانت النخبة الجزائرية تعتقد بأن هجمة الغرب الاستعماري على الشرق الإسلامي كان نتيجة حتمية لاختلال موازين القوى بين العالمين، ونتيجة تخاذل المسلمين للأسف.
الشعب الجزائري التف حول ثورته وآمن بها، وظل يقدم الدعم للثورة لغاية يوم الاستقلال عبر محطات كثيرة في مقدمتها هجومات أول نوفمبر وهجومات الشمال القسنطيني، وكذا إضراب مدينة الجزائر سنة 1957 ، الذي نجح وأوصل صوت الجزائر إلى هيئة الأمم المتحدة سنة 1957 ، لتأتي مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي تعتبر استفتاء جماهيريا مبكرا عبر فيه الشعب الجزائري عن إرادته وإيمانه العميق بجبهة التحرير الوطني وبمبادئها الكبرى، فهذه المظاهرات كانت نتيجة لمجموعة من الظروف الداخلية والخارجية فداخليا أكثر ما كانت تعانيه الثورة هو إستراتيجية ديغول والذي وضع ضمن أولوياته القضاء على الثورة الجزائرية وتبنى الخيار العسكري واستنجد بالجنرال شارل الذي دعم خط موريس بخط آخر، وأصبحت الثورة الجزائرية لا يمكنها التواصل مع دول مجاورة على غرار تونس، كما تم تقسيم التراب الجزائري إلى مقاطعات عسكرية وأخضعها لحملات تمشيط واسعة النطاق لذلك كان لابد من جبهة التحرير الوطني أن تنقل المعركة إلى المدينة، وأن تعتمد بالدرجة الأولى على الشعب فكانت مظاهرات 11 ديسمبر.
إن ما يحدث اليوم في غزة هو شبيه لما كان بالأمس في الجزائر فمثلما كان المجاهدون الجزائريون يجابهون المستعمر بصدور عارية فكذلك هم المقاومون الفلسطينيون يصنعون صور المقاومة ويخطون سطور البسالة امام الهمجية العمياء للصهيونية.
إن من بين أوجه الشبه بين ما حدث بالأمس في الجزائر وبين ما نراه اليوم في غزة وفي فلسطين هو التلاحم الشعبي والالتفاف الجماهيري حول المقاومة. إن النصر آت لا محال لان التاريخ يثبت ان الشعوب التي تؤمن بحريتها وحقها في المقاومة سوف لن تكون إلا حرة ومنتصرة.
الآلة الإجرامية التي يقودها رئيس الوزراء نتنياهو في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين ليست إلا وجها لعملة موريس بابون الفرنسي نفسه الذي لم يستثن الأطفال في وحشيته ولنا في مثال الشهيدة الطفلة “فاطمة بدار” خير دليل.
على الفلسطينيين أينما كانوا ومهما اختلفت رؤاهم أن يقفوا على قلب رجل واحد في نصرة مقاومتهم وتحرير أرضهم ونحسب شهدائهم هم الثمن الذي يدفع لتحرير الأرض.
حقيقة اليهود.. تأملات في تاريخهم وعلاقتهم بالإسلام
بقلم: البروفيسور سعيدي مزيان (أستاذ التاريخ بالمدرسة العليا للأساتذة بالجزائر)
لم تبدأ قضية المسلمين (استرجاع فلسطين) في السّابع من أكتوبر بما سميّ (قضية غزّة)، بل تعود جذورها عمليا إلى القرن الـ 19، عندما أسّس “يهودي صهيوني”، فكرة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، يُجنّبهم (الاضطهاد) الذّي عانوه في أوروبا. لم يعش النّمساوي، تيودور هرتزل، ليشهد وعد بلفور في عام 1917، وقيام دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) في 15 ماي 1948، إلاّ أنّ القوم الذّين سعى لإنقاذهم من الأهوال، أضحوا متّهمين بممارستها على مدى عقود ضدّ أصحاب الأرض التيّ استوطنوها. مما ولّد مقاومة فلسطينية هزّت العالم واختلفت عن نظيراتها وأبرزت للعيان واقع القضية ومآلها المستقبلي.
هجوم منسق
إن عملية طوفان الأقصى أو حرب حماس و(إسرائيل) وكما تسمى في الكيان الصهيوني “عمليّة السُّيُوف الحديديَّة”، وكما تُشير إليها بعض المصادر بالانتفاضة الثالثة أو مجزرة غزة، هو صراع مسلح مستمر بدأ في 7 أكتوبر 2023 بين الجماعات الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة حماس من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى. انطلق النزاع بهجوم نوعي منسق ومُفاجئ شنّته حركة حماس على إسرائيل، والذي بدأ في صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023 م الموافق لـ (22 ربيع الأوَّل 1445 هـ) بإطلاق ما لا يقل عن 3000 صاروخ من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس باتجاه إسرائيل.
بالموازاة مع اختراق حوالي 2500 مسلح فلسطيني الحاجز بين غزة وإسرائيل بِشَنِّهِم لهجوم عبر السّيارات رُباعيّة الدّفع والدّراجات النّارية والطّائرات الشّراعيّة وغيرها على البلدات المتاخمة للقطاع، والتي تُعرف باسم غلاف غزة، حيث سيطروا على عددٍ من المواقع العسكريّة خاصة في سديروت، ووصلوا أوفاكيم، واقتحموا نتيفوت، وخاضوا اشتباكاتٍ عنيفة في المستوطنات الثلاثة وفي مستوطنات أخرى كما أسروا عددًا من الجنود واقتادوهم لغَزَّة فضلًا عن اغتنامِ مجموعةٍ من الآليّات العسكريّة الإسرائيليَّة. أدى الهجوم إلى مقتل ما لا يقل عن 1400 إسرائيلي بما في ذلك 260 شخصًا في مهرجان رعيم الموسيقي.
بدأت القوات الإسرائيلية في شنّ هجمات انتقامية قبل أن تعلن الحرب رسميًا على حماس في اليوم التالي. وبعد مرور شهر من الحرب، ارتفع شهداء غزة إلى 10569 بينهم 4324 طفلاً و2.823 امرأة (العدد تجاوز 45.000 شهيد و150.000 جريح وهو في ازدياد كبير). اعتبرت قنوات إسرائيلية ووسائل إعلام غربية الهجوم الذي شنته حركة حماس على مهرجان موسيقى الرقص «تجمع سوبر نوفا سوكوت» خارج مستوطنة رعيم بـ«المذبحة» معتبرةً إياه أكثر الهجمات دموية في التاريخ. وتزامنت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس مع نهاية عطلة عيد العرش اليهودي والذي يصادف مرور 50 عامًا على «حرب أكتوبر» عام 1973.
استعدادات لليوم الأكبر
غير أن حركة حماس تجنبت الخوض في أي اشتباكات كبيرة مع إسرائيل منذ عام 2022 ومعظم عام 2023، ما دفع المحللين إلى استنتاج أنها كانت تستعد لهجومها الكبير الذي أسمته عملية طوفان الأقصى. كما صرّحت حماس بأنها تلقت دعمًا من إيران للهجوم، الذي تقول أنّه جاء ردًا على عنف المستوطنين الإسرائيليين، والحصار المفروض على قطاع غزة، وتدنيس المسجد الأقصى في القدس، فضلاً عن الفظائع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين على مدى العقود الماضية.
يقول الشيخ البشير الإبراهيمي -رحمه الله تعالى-: “يا فلسطين! إنّ في قلب كل مسلم جزائري من قضيتك جروحا دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري في حقك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير، وفي عنق كل مسلم جزائري لك -يا فلسطين-حق واجب الأداء، وذمام متأكد الرعاية، فإن الذنب ليس ذنبه، وإنما هو ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه والمرء وداره، والمسلم وقبلته”. “أيظن الظانون أن الجزائر بعراقتها في الإسلام والعروبة تنسى فلسطين، أو تضعها في غير منزلتها التي وضعها الإسلام من نفسها، لا والله، ويأبى لها ذلك شرف الإسلام ومجد العروبة ووشائج القربى”.
أليس من الأجدر الحديث عن حقيقة اليهود. هؤلاء تفاوضوا مع الله على بقرة فهل يتكرمون علينا بالقدس قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء فهل يتكرمون علينا بفتح المعابر، قالوا يد الله مغلولة فهل تنبسط إلينا أيديهم للسلام؟ حرفوا كلام الله أفلا يحرفون التاريخ والأخبار والمعلومات.
قتلوا الأنبياء والمرسلين فهل يتركوننا نعيش؟ تركوا عبادة الله وعبدوا العجل فهل يتركون باطلهم ويأتون إلى الحق؟ حاولوا قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهل سيقدمون لنا عسل النحل؟ غدروا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يوفون بالعهد مع البشر وبخاصة المسلمين؟ كذبوا على الله ورسوله فهل يصدقون معنا؟ فهل نحن واعون عما نتحدث ويحدث؟.
الصهيونية والعنصرية.. إجرام في حق التاريخ والإنسانية
بقلم: لخضر يدروج (باحث مستقل في علم الاجتماع – الجزائر)
الصهيونية هي أيديولوجية عنصرية وقمعية وتوسعية تهدف إلى تأسيس دولة «للشعب المختار» على أساس أسطورة دينية وسياسية. يكمن الخطر الكبير لهذه العقيدة، في أنها تشمل تيارًا أيديولوجيًا فاشيًا وعبارة لاهوتية مقدسة ومقنعة للعديد من المسيحيين، الذين تبنوا النصوص التوراتية المتعلقة بإنشاء وحماية «البيت اليهودي» (صهيون الجديدة) في فلسطين، والتي أصبحت بقوة السياسة البريطانية والغربية، «الدولة الإسرائيلية». وهكذا أصبحت الأسس الدينية الأسطورية التي تبرر جميع الإجراءات المتخذة في هذا الاتجاه أجندات سياسية حقيقية للصهيونية المسيحية تلهم الحملات الانتخابية للعديد من الرؤساء الأمريكيين وعجلات قرار المؤسسات الأوروبية.
أرض مواتية
لماذا وجدت الصهيونية أرضًا وبيئة مواتية لتنميتها وتنظيمها وتأصيل أسسها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وفرنسا على وجه الخصوص؟ الجواب الأولي هو: لإرضاء الإتاوات في الذئب الصهيوني لأن عقيدة هذا التيار الأيديولوجي أصبحت مصفوفة الحملة، التي تدور حولها المشاريع العظيمة للعالم بأسره والتي تخضع للتأثير الأيديولوجي للمال والإعلام واللوبيات السياسية اليهودية والصهيونية. تأسست في نهاية القرن التاسع عشر من قبل الكاتب والصحفي المجري تيودور هرتزل، وهذه العقيدة الصهيونية لديها إمكانات أيديولوجية معادية للأجانب، تستبعد كل التعايش مع البشر الآخرين وتصبح، نتيجة لذلك، كانت حركة نفعية سياسية حصرية، حيث كان هدفها الحيوي هو إنشاء منطقة لجمع اليهود من جميع البلدان على أساس أسطورة أرض الميعاد للشعب المنتخب من خلال غزو كل الفضاء بالنار والدم للفلسطينيين وغيرهم من العرب في المنطقة.
إن الصهيونية هي لاهوت تعود أصوله إلى النصوص الدينية الأصولية. ومع ذلك، صاغ هذا المصطلح يهودي آخر من أصل نمساوي، ناثان بيرنباوم، في عام 1880، والذي يتمثل همه الرئيسي في جمع اليهود من جميع أنحاء العالم.
أغراض خبيثة
في خطر اتهامنا بمعاداة السامية، ووصفنا بالمنكر، فإن شرطنا الأساسي لأي حجة اتهامية هو توضيح أن هذا الاتجاه في التحليل لادعاء وغرض خبيث. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن الهدف هو إثارة الخمول العميق الذي ينغمس فيه الضمير العالمي وإعادة الإرادة الغربية إلى «الحق» في انتقاد إسرائيل والمطالبة بحياد المؤسسات الدولية. لذلك فإن الضرورة العلمية والفكرية هي تنفيذ عرض وقراءة اجتماعية وتاريخية وسياسية لتوصيف هذه الحركة الخطيرة للغاية للبشرية جمعاء، خاصة بعد تحالف متطور للغاية، مع القوة الرائدة في العالم وهيمنتها على الإدارات الغربية، لا سيما في فرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا.
عندما نتحدث عن الصهيونية على أنها نظام سياسي أو تيار أيديولوجي، من الضروري استحضار الجوانب المختلفة لهذا المفهوم الذي يشمل الأشكال العميقة لاستعمار المجتمع المغتصب. لذلك من الضروري لفت انتباه القارئ إلى أنه لا توجد صهيونية واحدة بل صهيونيات متعددة. لذا، إذا حللنا مصطلح «الصهيونية»، فإنه يقودنا حتماً إلى صهيونية سياسية، صهيونية ثقافية، صهيونية اقتصادية، صهيونية دينية، صهيونية عنصرية… إنه تفكيك لمفهوم الأنشطة المختلفة اللازمة للحياة اليهودية لتحقيق هيمنة كاملة وعولمة على المجتمع.
والهدف هو القول إنه من أجل نهج شامل للسياسة الصهيونية على وجه الخصوص، من الضروري عدم فصل هذا المفهوم عن النهج السياسي والديني للصهيونية وتاريخها. ويجب الإبقاء على شرط فكري مسبق. إنه يتعلق بالارتباكات المفاهيمية لمعاداة السامية، وهي عنصرية أرادت الصهيونية إثارتها على أنها «عنصرية منفصلة»، تسعى إلى السماح بالأكاذيب والعنف كوسيلة حتمية «للدفاع» عن المقاومة. ومن ثم فإن معارضة أو انتقاد السياسة الاستعمارية الهمجية (غزو الأراضي، ومذابح المدنيين، وهدم الأراضي، وترحيل السكان الأصليين…) والصهيونية (عدم الاعتراف بالأقليات العرقية في الأراضي التي تم غزوها) هي، وفقا لهذا الإجراء، للسيطرة على العقول من خلال آلية لضبط النفس والحظر الصارخ لإعمال العقل ومن ثم وأد انتقاد السياسات الإجرامية.
نظرية دفاعية
تعرضت دول غربية عدة للالتزام بهذه النظرية الدفاعية عن النفس للتجاوز الخطير للصهاينة. تم اتهام العديد من الشخصيات والجمعيات بشكل مروع بمعاداة السامية من خلال الانحراف المفاهيمي لهذا المصطلح، الذي كان في البداية دينيًا بحتًا في دلالة اضطهاد اليهود، ليتم استغلاله سياسيًا. إنه درع عنصري حقيقي يدافع عن سياسة الإبادة الجماعية للحكومات المتعاقبة للدولة الصهيونية. لذلك فإن نهجنا هو نهج يتميز بمفهوم الرجل النافي هذا، ونحن بإدانتنا لهذا الاستبداد المفاهيمي، نرفض أي اتهام سيتم توجيهه إلى مضمون هذه المداخلة من حيث أن هذا النفي يعارض الاستخدام الأيديولوجي والتلاعب الديني لهذا المصطلح ويستنكر الإجراء الاتهامي للصهاينة ضد المثقفين.
لقد حول التشدد الأيديولوجي الصهيوني الفكرة العرقية لهذه الكلمة إلى نظام حقيقي للدفاع عن الدولة الإسرائيلية والصهيونية الإجرامية، مع مصادرة إرادة التفكير والتعبير عن نفسها حتى في أكثر دول العالم ديمقراطية. مثلما اعترف الأيديولوجيون الصهاينة طواعية وتسامحوا وشجعوا على استخدام هذا المصطلح على أساس زائف ضد كل ما هو يهودي، على أمل على المدى الطويل جذب عوائد طغيان هذا المفهوم لرفع العرق اليهودي إلى عرق متفوق لن يتعرض أبدًا لأي انتقاد.
إنها شكل أخر لما يمكن وصفه ﺑ«نازية اليهودية»، حيث «الغرض هو تجريم أي كلمة لا ترضي العنصريين الصهاينة وتجريد كاتبها من إنسانيتها». عندما تتهم جماعات الضغط الصهيونية شخصًا أو مؤسسة بأنها معادية للسامية، ولها ميزة عدم الالتزام بالجانب الاختزالي لهذا المفهوم، لأنه، في الحقيقة، ليس فقط 5 ملايين يهودي – إذا كانت غرف الغاز موجودة بالفعل وهذا ليس هو الحال وفقًا لبعض المراجع الموثقة جيدًا – هم الذين قتلوا، ولكن مات أكثر من 50 مليون شخص.
كذبة كبيرة
يجب ألا ندع كذبة كبيرة تمر من شأنها أن تصدق وتدفع العالم إلى اعتبارهم الضحايا الوحيدين للنازية. ينبغي في هذا الصدد الإشارة، بشكل عابر، إلى شجاعة هذه الفئة من الرجال الذين يواجهون غطرسة القانون المعادي للسامية الذي ليس سوى طغيان «الحق» الصهيوني المفروض على العالم الغربي. وبهذا المعنى، يجب أن نذكر حالة المؤرخ روبرت فوريسون الذي كان له أصداء واسعة في العالم لكتاباته عن تاريخ غرف الغاز. وأيضا روجي غارودي، مثال فرنسي آخر، أُجبر لاحقًا على نشر أعماله لوحده دون اللجوء إلى دور النشر، تحت ضغط من جماعات الضغط الصهيونية وشبكات دعمها داخل المؤسسات التشريعية والقانونية “لبلد الحرية” ولنا في المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه من المكتبات مثال آخر على سطوة الصهيونية في تقييدها لحرية الفكر. كما حوكم المؤرخ البريطاني، ديفيد إيرفينغ، بتهمة مراجعة الشخصيات الإعلامية من قبل الصهاينة خلال الحرب العالمية الثانية. وهو ممنوع من دول عدة حيث يتفوق اللوبي الصهيوني في تعبئة شرطة الفكر.
بينما حُكم على كاتب نمساوي، في هذه القضية، جيرد هونسيك، بالسجن لمدة 18 شهرًا بسبب مقالات تنكر وجود غرف الغاز هذه في معسكرات الاعتقال النازية.
لقد تم تمرير قوانين في أكثر من اثني عشر دولة تدين جميع الكتابات التنقيحية للمحرقة، بينما دمرت حضارات بأكملها بسبب الاستعمار ولم يتم فعل أي شيء لإصلاح الشعوب ضحايا «الحملات الحضارية» أفريقيا وأمريكا اللاتينية وأستراليا. من الناحية التاريخية.
منفعة دينية
ينبغي التوضيح أن الاتهام بمعاداة السامية نظامًا دينيًا خالصًا، لكن الجمعيات الصهيونية استفادت تمامًا من هذه «المنفعة الدينية» في إستراتيجية اتهام منهجية حيث أصبح من الصعب إبداء رأي نقدي حول سياسة الجرائم المنظمة التي ترتكبها الإدارات الصهيونية، أصبح من المرعب إبداء أي رأي بشأن سياسات الحكومات الإجرامية المتعاقبة منذ إصدار الأمم المتحدة إعلان العار العالمي بشأن إنشاء دولة إسرائيل.
إن الإرهاب الذي يمارسه الصهاينة ليس فقط على المدنيين الفلسطينيين ولكن أيضًا على الفكر البشري مرعب لدرجة أنه لا أحد يجرؤ على التحدث عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها حشد متوحش قادم من روسيا وبولندا واليمن وإثيوبيا، بلدان متنوعة بقدر ما هي بعيدة عن بعضها البعض. تشابه صارخ مع أمريكا التي “وحدت” الأوروبيين من خلال الإرهاب والتحريض على الهجرة الانتقائية والعرقية. يبرر هذا اللاهوت الجريمة في المنبع والمصب، كما أنه لا يمكن المساس به من الناحية القانونية، لأنه يستفيد من الحصانة الدينية. إن استخدام الإرهاب عنصر جوهري في الهمجية الصهيونية. في بعض الأحيان تستخدم وسيلة للغزو، وأحيانًا للتدمير، وأحيانًا للاغتيالات المستهدفة، ولكن دائمًا لنزع ممتلكات الفلسطينيين من أرضهم، لأن الصهيوني يجب أن يغزو المساحة اللازمة لإعادة تجميع جميع اليهود. النقطة المهمة هي أن الإرهاب الصهيوني يطلق عليه دائمًا «الدفاع عن النفس» من قبل وسائل الإعلام المكتسبة لأسطورة اضطهاد اليهود من قبل العالم الغربي. لقد أجبر هذا الذنب القوى على الالتزام دون قيد أو شرط بهذه الأطروحة التي حرفت المقاومة إلى إرهاب وإرهاب للدفاع عن النفس.
على أي حال، بدأ هذا الإرهاب بوصول المستوطنين الصهاينة الأوائل، الذين جعلوا وجودهم ممكنا من خلال مذبحة المدنيين ومصادرة الممتلكات من أجل ترويع السكان وتشجيعهم على مغادرة الأرض والمنازل لأن الصهيونية العنصرية تتطلب تطهيرًا عرقيًا راديكاليًا وشاملاً لن يترك أي آثار سابقة للحضارة العربية. علاوة على ذلك، يجب أن تنطوي الصهيونية السياسية بشكل منهجي على التوسع الإقليمي عن طريق ترحيل الفلسطينيين إلى بلدان أخرى غير بلدانهم. في هذا الترتيب نفسه للأفكار، يكشف جوزيف ويتز، من الصندوق القومي اليهودي، تمامًا عن المعنى الذي أعطي للصهيونية التوسعية منذ بداية المشروع العظيم لهذه العقيدة. كتب في عام 1940 أنه “بيننا، يجب أن يكون واضحًا أنه لا مكان لشعبين في هذا البلد. لا يوجد حل آخر سوى نقل العرب إلى البلدان المجاورة، ونقلهم جميعًا، وليس قرية، ولا يجب ترك قبيلة “. ولا داعي للتراجع عن التسلسل الزمني للتاريخ التفصيلي للمذابح المتعمدة والمخطط لها التي ارتكبها مجرمو الحرب قبل «النكبة» الشريرة لعام 1948 ومصادرة الحق في الحياة التي ميزت مجرى الأحداث منذ الموجة الأولى من الاستيطان والاستعمار لفلسطين. إن إجراء تقييم شامل لـ «حالة الإساءة» والانتهاكات الصهيونية المختلفة لحقوق الإنسان من قبل الهيئات المنظمة وميليشياتها أمر طائش ويتطلب عملاً طويل الأمد، لأن العقيدة الصهيونية عقيدة قاتلة وبربرية ومتعطشة للدماء ضد العرب وممتلكاتهم.
من الحرب إلى المحكمة.. جرائم الإبادة الجماعية تلاحق “إسرائيل”
هبة الحسيني (المديرة السابقة لوحدة دعم المفاوضات التابعة لدائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية)
المستشارة القانونية السابقة لفريق التفاوض الفلسطيني هبة الحسيني تعود في هذه المداخلة للحديث عن دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا وهي دعوى ملزمة دوليا أكثر من القرار الاستشاري مثلما حدث بقضية جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية حيث كان رأي المحكمة آنذاك استشاريا فقط.
تدابير مؤقتة
إن التبعات القانونية والتداعيات التي تخشاها “إسرائيل” تتضح من إلزامية القرار، فإن صدور قرار بتدابير مؤقتة يقضي بوقف العمليات العسكرية مثلاً، يجعل إسرائيل تكون ملزمة قانوناً بالقرار، وفي حال رفضت يتم إحالة التنفيذ للأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن. واستخدام الفيتو الأمريكي وارد، لكن الموقف سيكون محرج لإسرائيل وأمريكا معاً بحيث يتم ابطال قرار صادر عن محكمة دولية بفيتو أمريكي.
أما بخصوص القضية ذاتها، فإن صدور قرار بالإبادة الجماعية يترتب عليه تبعات قانونية ومالية، من التبعات القانونية أن كل من اشترك في الإبادة مثل رئيس الوزراء ووزير الدفاع وغيرهم سيكون عرضة للملاحقة أمام المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية لأي دولة، قرار محكمة العدل الدولية سيكون بينة قاطعة على أن المتهم مدان بجرم الإبادة الجماعية.
في صفعة وضربة موجعة لجبروت وغرور نتنياهو وتحالفه المتطرف وداعميه الدوليين ـ وبرغم ضغوط أمريكية وأوروبية منذ شهر ماي الماضي، وشن حملة من الهجوم والنقد اللاذع والتهديد والوعيد وبلطجة الصهاينة في إسرائيل والولايات المتحدة شملت إدارة بايدن التي لعبت دور رأس الحربة ومعها الكونغرس الأمريكي ولوبيات ومنظمات يتحكم فيها اللوبي الأمريكي ـ الإسرائيلي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال تاريخية تدين مجرمي الحرب، نتنياهو ووزير حربه المقال غالانت على الجرائم المرتكبة في غزة. «لتحملهما المسؤولية الجنائية وباعتبارهما مشاركين في ارتكاب الأفعال بالاشتراك مع آخرين: عن الجرائم التالية: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع فهو أسلوب من أساليب الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية. ووجدت الدائرة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما مسؤولين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين.
وبررت المحكمة إصدار أوامر الاعتقال «أن السلوك الذي تناولته مذكرة الاعتقال يبدو أنه مستمر… ومن مصلحة الضحايا وأسرهم أن يتم إعلامهم بوجود مذكرات الاعتقال. واعتبرت المحكمة أن السلوك المزعوم لنتنياهو وغالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة. وأن اختصاص المحكمة يشمل غزة والضفة الغربية، والقدس الشرقية. وبعد تأكد المحكمة من «مقتل إسماعيل هنية ويحيى السنوار» ـ قررت المحكمة سحب طلب اعتقالهما في أغسطس وأكتوبر الماضيين 2024.
أهمية قرار اعتقال مجرم الحرب نتنياهو ـ هو الإقرار بارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من نظام الاحتلال الحاكم ـ وليكون لذلك تداعيات تعمّق بشكل كبير مأزق نتنياهو وتعجل بنهاية حياته السياسية فهو أسوأ وأكثر رئيس وزراء الاحتلال دموية وسادية وفاشية.
وكان كريم خان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية طالب المحكمة إصدار مذكرتي اعتقال بحقيهما في مايو الماضي، ومارست إدارة بايدن والكونغرس الأمريكي ضغوطاً كبيرة وترهيب وابتزاز بحق المدعي العام وصلت لاتهامه بتحرش جنسي ضد محامية في المحكمة، كما مارسوا ضغوطاً على قضاة المحكمة وهددوا بفرض عقوبات لمنع إصدار مذكرتي الاعتقال.
سلوكات مزعومة
من ناحية مالية، يكون لدولة فلسطين الحق في طلب تعويضات من إسرائيل بكافة الأضرار الناجمة عن الإبادة ومنها تحميل إسرائيل المسؤولية المالية لإعادة إعمار غزة.
بدا الدفاع الإسرائيلي في محكمة لاهاي ضعيفا جدا، بتكرار التصريحات السياسية لنتنياهو، دون أي طابع قانوني للدفع بانتفاء دعوى الإبادة الجماعية من الناحية الشكلية.
حاول فريق الدفاع الإسرائيلي، اللعب على نص المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والتي تمنح محكمة العدل الدولية الولاية القضائية للنظر في النزاعات بين أطراف الاتفاقية حول تفسير أي بند من بنوها أو حول تنفيذها. وادعت إسرائيل أن جنوب افريقيا غير مستوفية للشروط القانوني التي تمنحها صفة الادعاء ضد إسرائيل، أي أنه لا يوجد نزاع بين إسرائيل وجنوب افريقيا على تنفيذ الاتفاقية، ولم يتم تبادل المراسلات الخطية التي تثبت أن إسرائيل رفضت التحدث والتحاور مع جنوب إفريقيا حول تنفيذ الالتزامات في الاتفاقية.
حجة إسرائيل ليست قوية، لأن جنوب إفريقيا أسست طلبها انطلاقا من المادة الأولى في الاتفاقية التي تلزم الدول الأطراف بضرورة منع الإبادة، وجاءت السوابق القضائية وأكدت أن كل دولة طرف في الاتفاقية عليها التزام بمنع الإبادة بكافة الوسائل الممكنة وأن هذا الالتزام بالمنع غير محدد جغرافيا بإقليم معين. أي لا يوجد ما يمنع أن تدعي جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بخصوص ارتكابها جريمة الإبادة وانتهاك الاتفاقية في إقليم دولة أخرى.
– في المادة الثانية، لاتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية تحدد الفقرة (ج) أن “إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً” هو من أفعال الإبادة الجماعية. كيف يمكن إثبات جرائم الإبادة ونظام الفصل العنصري الذي تنتهجه إسرائيل خاصة بعد إقرار البرلمان الإسرائيلي قانونا أساسيا في 8 جويلية 2018 يجعل من “الاستيطان هدفا قوميا”.
أدلة كثيرة
هناك من الأدلة الكثيرة التي تبين نية الإبادة الجماعية، وقد عمدت جنوب إفريقيا في طلبها للتدليل على نية الإبادة، بالاستشهاد بتصريحات المستوى السياسي الإسرائيلي بخصوص قرارهم منع الغذاء والماء والكهرباء والوقود عن غزة وتشبيه أهل غزة بأنهم حيوانات بشرية، وربطت هذه التصريحات بقرار قيادة الجيش الإسرائيلي التي منعت دخول أي شيء على غزة، وبذات الوقت ربطت قرار القيادة العسكرية بتصرفات الجنود المشاة في غزة الذين كانوا يقتلون ويفجرون بيوت غزة وهم يهتفون بتصريحات توراتية مستوحاة من خطاب رئيس الوزراء نتنياهو وقادة الجيش. فهذا الربط بين المسؤول السياسي والعسكري والجندي يوحي للمحكمة أن تصرفات الجنود نابعة من توجيهات القيادة الإسرائيلية وليس كما تدعي إسرائيل أن هناك تصرفات فردية للجنود لا علاقة للدولة بها.
بخصوص نظام الفصل العنصري الأدلة أيضاً كثيرة سواء من حيث التشريعات التي يسنها الكنيست او من خلال واقع الحياة العملية للشعب الفلسطيني، يكفي أن يتم إثبات أن هناك طرق خارجية في الضفة الغربية يتم انشاؤها حالياً فقط لاستخدام المستوطنين الإسرائيليين وحالياً في وقت الحرب يتم إغلاق الحواجز في ساعات معينة ومنع الناس من التنقل لإتاحة الفرصة للمستوطنين للتنقل دون الاختلاط بالمواطن الفلسطيني. يكفي إثبات أن البوابات الصفراء أصبحت على مدخل كل قرية ومدينة فلسطينية وفي الوقت الذي يقرر فيه الجيش إغلاق هذه البوابات تتحول القرى والمدن بمناطق أشبه بمناطق الاعتقال والعزل.
لقد كشفت أحداث السابع من أكتوبر عن انحياز رهيب وانهيار للقيم الإنسانية. وقد مهدت محكمة العدل الدولية عبر مخرجات الدعوى التي أقامتها دولة جنوب افريقيا لإدانة القادة العسكريين والمسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقعت محكمة العدل الدولية، أمام اختبار كبير وكذلك العدالة الدولية، ولكن كل من تابع المرافعات القانونية، يجد أن جنوب افريقيا أسست طلبها وحججها القانونية بشكل قوي وصلب.
محكمة العدل الدولية تُعرّي الاحتلال الإسرائيلي
حنان سهمود محامية (الدائرة القانونية في ديوان الموظفين العام – رام الله)
أمرت محكمة العدل الدولية “إسرائيل” باتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعي.
هذا القرار مهم جداً وهو سابقة تاريخية للشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال الإسرائيلي على حد سواء. ما يجعل هذا القرار مهم للغاية هو السياق التاريخي الذي جاءت من أجله اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. فالاتفاقية هي من أولى اتفاقيات حقوق الإنسان التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 (نفس العام التي كانت تحدث فيه إبادة جماعية في فلسطين خلال النكبة) والتي دخلت حيز النفاد في العام 1951. بحيث جاءت الاتفاقية لإدانة الجرائم التي تم ارتكابها خلال الحرب العالمية الثانية ومنها المحرقة النازية (الهولوكوست). فهذه الاتفاقية تم اعتمادها أساساً للاعتراف بالجرائم التي ارتكبت بحق اليهود في أوروبا، واليوم يتم محاكمة الدولة اليهودية التي جاءت الاتفاقية لحمايتها بصفتها مرتكبة لهذه الجرائم وليس بصفتها ضحية لها.
ما يضيف أهمية للقرار هو أنه قد أسقط الحصانة الدولية التي تتمتع بها دولة الاحتلال الإسرائيلي والتي كان يُتعامل معها وكأنها فوق القانون طوال سنوات استدمارها واحتلالها لفلسطين منذ عام 1948، وأسقط أيضاً التواطؤ الغربي معها من الدول الاستدمارية الأوروبية والتي ساهمت بشكل فاعل بإمداد إسرائيل بالأسلحة، التغطية الدبلوماسية، والدعم غير المشروط طوال فترة عدوانها والمستمر لغاية الآن على قطاع غزة.
هذا القرار والذي جاء بأغلبية شبه مطلقة لقضاة المحكمة (15 قاضيا مقابل 2) بإقرار ستة تدابير مؤقتة من أصل تسعة تدابير طالبت بها جنوب إفريقيا، هو وعلى الرغم من كونه قرارا مؤقتا إلا أنه أظهر توجهات المحكمة والتي أسست قرارها على حجج وأسانيد قانونية قوية كانت قدم تقدمت بها جنوب إفريقيا.
وهو ما يعني أن محاكمة إسرائيل وحلفائها بجريمة تعتبر أم الجرائم وأكثرها سوءاً في تاريخ البشرية، وقبول المحكمة لهذه الادعاءات وعدم رد الدعوى وشطبها من جدول قضايا المحكمة كما طالبت إسرائيل هو إنجاز تاريخي وصفعة لسياسيات الغرب الاستدمارية والتي لأول مرة يتم محاكمة دولة تمثله “إسرائيل” من قبل دولة إفريقية عانت ما عانت من اللاعدالة، العنصرية، والسياسات التمييزية الهمجية. وهو ما يجب أن يُبنى عليه لا التقليل منه والتشكيك به كما تبتغي إسرائيل، والعمل على استغلاله لتشكيل تحالفات دولية جديدة وتوجيه أصابع الاتهام ومحاسبة المتورطين في حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني ككل، والشعب الفلسطيني بغزة بشكل خاص.
ينبغي التذكير على الرغم من خيبة الأمل الكبيرة والاستياء التي صاحبت احد قرارات المحكمة منذ أشهر والذي لم تستجب فيه المحكمة لطلب جنوب إفريقيا بوقف الأعمال العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة بشكل فوري أي وقف إطلاق النار، إلا أن القرارات التي صدرت عن مختلف الهيئات القانونية الدولية تعتبر انتصارا ليس فقط لفلسطين بل لجميع الشعوب المسحوقة والتي تم ويتم اضطهاده من قبل آلة الاستدمار الغربية. هذه القرارات هي بمثابة قلب لموازين القوى، بحيث أن الشعوب المضطهدة تقوم ولأول مرة بالانتصار لمظلوميتها من خلال استعمال أدوات دولية وجدت ابتداء لخدمة قوى الاستدمار ومحاسبة الدول الضعيفة والمهزومة، لو كانت هذه الدولة قد فكرت ولمرة واحدة أن مثل هذه الأدوات سيتم استخدامها وتوظيفها لنصرة شعوب العالم الثالث لما كانت قد قبلت بتشريعها أصلاً، لكنه يبدو وكأن هذا العصر هو عصر التغيير الجذري لموازين القوى في العالم.
تبقى معضلة تفعيل الإجراءات المؤقتة لوقف العدوان الإسرائيلي، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الدعم الغربي اللامشروط لآلة القتل الإسرائيلية لا يزال قائما. إن مجلس الأمن هو الجهاز المسؤول عن تنفيذ قرارات المحكمة، وهو وعلى الرغم من سيطرة الدولة الخمسة الأعضاء على قرارته إلا أن هذه القضية مختلفة هذه المرة. إن الولايات المتحدة وبسياق قرارات المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدوليتين يتوجب عليها تنفيذ القرارات تحت طائلة المسؤولية وإلا يتم اعتبارها شريكة في عملية الإبادة وطرف يمكن محاسبته مثلما يتم محاسبة إسرائيل. وعليه فإنه يتوجب أن يكون هناك ضغط من الدول العربية في مجلس الأمن، ضغط من الحكومات العربية التي لا تريد أن تكون متورطة في جريمة الإبادة الجماعية، وضغط من الشارع والقانونين الفاعلين في تلك الدول من أجل حمل الحكومات على الالتزام بقرار المحكمة تحت طائلة التورط في جريمة الإبادة الجماعي
إن الذي لا شك فيه أن الفيتوهات الأمريكية التي تمنع وقف المأساة الإنسانية ووقوف المانيا وفرنسا والغرب مثلا، بجانب إسرائيل يمثل بما لا يدعو للشك أن قيم الإنسانية والأنوار وحقوق الإنسان زائفة. والامر يدعو حقا إلى دق مسمار في نعش نظام دولي بائس.
إن هذه الحكومات الغربية والتي تدعي زيفاً حقوق الإنسان والعدالة جهاراً نهاراً هي الحكومات نفسها التي ارتكبت من المجازر والفظائع ما تقشعر له الأنفس ولا يخطر على قلب بشر. إن الشعب الفلسطيني يعلم علم اليقين أن هذه الحكومات مدعية الإنسانية الكاذبة ذات المعايير المزدوجة والتي تنطبق حصراً على الإنسان الأبيض “المتحضر” هي ليست الطريق لتحريره من الاستدمار الاستيطاني الإسرائيلي. إن طريق التحرير هو طريق عنيف لا يتم إلا بالتضحيات والكفاح بكافة أشكاله، فليس هناك من شعب تحرر من نير الاستدمار من خلال خطاب تقدم به في الأمم المتحدة أو تصويت لصالحه في مجلس الأمن، الشعوب تنال حريتها بالقتال من أجلها، هذا درس علمنا إياه التاريخ، وأكدته كافة الشعوب المتحررة والتي ضحت يوماً بكل ما تملك من أجل الحرية وحق تقرير المصير ودحر الاستدمار.